الفتح المبين من فوائدِ حديث السَّفين

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه:
أمَّا بعد:
فإنَّ صلاح المجتمع ونجاته في الدُّنيا والآخرة لا يتحقق إلَّا بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر الَّذي هو صِمَامُ أمان هذه الأمَّة وسفينةُ نجاتها، كما أخبر بذلك نبيُّنا عليه الصَّلاة والسَّلام في حديث النُّعمان بن بشير رضي الله عنه.
هذا الحديث العظيم في بابه الَّذي أخرجه الإمام البخاريُّ في موضعين من «صحيحه» وكذا التِّرمذيُّ وأحمدُ وغيرهم، وقد أورده العلَّامة الألبانيُّ رحمه الله في «الصَّحيحة» برقم (69)، وبيَّن طرقَه وجمع رواياته على اختلاف ألفاظها كعادته في تخريجاته النَّافعة الماتعة، ومن المناسب في هذا المقام أن نورد الحديث كما أورده رحمه الله.
قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مثلُ القائم على حدود الله والواقع [وفي رواية: والرَّاتع] فيها والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضُهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها [وأوعرها]، فكان الَّذي [وفي رواية: الَّذين] في أسفلها إذا استقوا من الماء فمرُّوا على من فوقَهم فتأذوا به [وفي رواية: فكان الَّذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الَّذين في أعلاه، فقال الَّذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا]، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا [وفي رواية: ولم نمرَّ على أصحابنا فنؤذيهم]، فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السَّفينة، فأتوه فقالوا: «ما لك»؟ قال: «تأذَّيتم بي ولا بدَّ لي من الماء»]، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا وإن أخذوا على أيديهم نجوا وأنجوا جميعا».
ثمَّ أوردَ الشَّيخ رحمه الله لفظَ ابن المبارك في «الزُّهد» (ج 2 / 107 / 2) ومن طريقه ابن أبي الدُّنيا في «الأمر بالمعروف» (ق 27 / 2): «إنَّ قومًا ركبوا سفينة فاقتسموها، فأصاب كلُّ رجلٍ منهم مكانًا، فأخذ رجلٌ منهم الفأس فنقر مكانه، قالوا: «ما تصنع»؟ فقال: «مكاني أصنع به ما شئت»! فإن أخذوا، على يديه نجوا ونجا، وإن تركوه غرق وغرقوا، فخذوا على أيدي سفهائكم قبل أن تهلكوا».
فمن تأمَّل ألفاظ هذا الحديث، وتدبَّر في معانيه، وقف على عظيم فوائده ونفاسة دُرَرِه، كيف لا وهو كلام سيِّد الأولين والآخرين، الَّذي أوتي جوامع الكلم، وهو أعلم الخلق بما يُصلِح أمر الجماعة وما يُفسدها.
وقبل أن نبدأ في ذكر شيء من هذه الفوائد وبيانِها، نذكر ما ترجم به من خرَّج هذا الحديث لنصل إلى عنوانه، إذ العنوان يدلُّ على المضمون.

وأوَّل هذه التَّراجم ترجمةُ البخاريِّ في الموضع الأوَّل بقوله: «باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه».
وفي الموضع الثَّاني بقوله: «باب القسمة في المشكلات».
ثمَّ الإمام التِّرمذيُّ بقوله: «باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو اللِّسان أو بالقلب»، ثمَّ قال: «بابٌ منه»، وأورد الحديث.
وترجم عليه ابن حبَّان في «صحيحه»: «ذكر الإخبار عن وصف القائم في حدود الله والمداهن فيها»، ترجم له أيضًا: «ذكرُ تمثيل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم الراكبَ حدود الله والمداهن فيها مع القائم بالحقِّ بأصحاب مركب ركبوا لُجَّ البحر».
وعنون له الألبانيُّ في «صحيحته»: «مثَلُ النَّاهي عن المنكر والسَّاكت عليه».
كما عنون بعضهم بقوله: «سفينة النَّجاة».

والَّذي أختاره: «سبيل النَّجاةِ في الأمر والنَّهي»، لأنَّ أبرز ما دلَّ عليه وتضمَّنه: الحثُّ على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، لضمان نجاة الجماعة(1) بهذا الأسلوب النَّبوي المتضمِّن لهذا التَّمثيل البديع المحقِّق للفهم والإدراك، والَّتي هي فائدةُ ضرب الأمثال، لذا جاء استعمالها كثيرا في القرآن، في ثمانين موضعًا كما أفاده ابن القيِّم في «إعلام الموقِّعين» في مبحثه في أمثال القرآن (2/270)(2)، والَّذي قال في مستهله بعد كلامٍ: «ومن هذا ما وقع في القرآن أمثال، الَّتي لا يعقلها إلَّا العالمون، وأنَّها تشبيه شيءٍ بشيءٍ في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس، أو أحد المحسوسَيْنِ من الآخر، واعتبار أحدهما بالآخر كقوله تعالى في حقِّ المنافقين: «مثلهم كمثل الَّذي استوقد نارًا...».
كما أنَّ الأمثالَ في السُّنَّة النَّبويَّة حافلةٌ، وقد أفردها الرَّامهرمزي بمصنَّفٍ سمَّاه: «أمثال الحديث»(3) قال في مقدِّمته واصفًا إيَّاها: «وهذه بيان وشرح وتمثيل يوافق أمثال التَّنزيل الَّتي وعد الله عزَّ وجل بها وأوعد وحرَّم وأحلَّ، ورجَّى وخوَّف، وقرَّع بها المشركين، وجعلها موعظةً وتذكيرًا ودلَّ على قدرته وتأثيره مشاهدة وعيانًا، وعاجلًا وآجلًا».
فأوَّل فائدةٍ نستفيدها من هذا الحديث العظيم:
أنَّ ضرب الأمثال للبيان والإفهام من الأساليب التَّعليميَّة الشَّرعيَّة، الَّتي دلَّت عليها نصوص الكتاب والسُّنَّة النبويّة، للفائدة الجليلة الَّتي ذكرها ربُّ العزَّة والجلال بقوله:«وتلك الأمثال نضربها للنَّاس وما يعقلها إلَّا العالمون»[العنكبوت: 43]
وفائدةٌ ثانيةٌ لصيقةٌ بالأولى: متعلِّقة بما عنونَّا به الحديث، وهي بيان عظم شأن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وأنَّه سبيل نجاة الجماعة وطريق صلاحها، والَّذي فرضه الله تبارك وتعالى على عباده، وجعله من أوجب الواجبات وآكد المطالب، حتَّى عدَّه بعض الأئمَّة الرُّكن السَّادس من أركان الإسلام، كما ذكره الحافظ ابن رجبٍ رحمه الله وغيره، لِمَا فيه من عظيم الأجر والأثر، بل إنَّ الله تبارك وتعالى جَعَلَهُ سبب خيريَّة هذه الأمَّة، وعنوان سؤددها، لقوله جلَّ وعلا: «كنتم خير أمَّة أخرجت للنَّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» [آل عمران:110]، قال الشَّيخ السَّعدي رحمه الله عند هذه الآية: «يمدح تعالى هذه الأمَّة ويخبر أنَّها خير الأمم الَّتي أخرجها الله للنَّاس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكلِّ ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، المتضمِّن دعوةَ الخلق إلى الله وجهادَهم على ذلك، وبذلَ المستطاع في ردِّهم عن ضلالهم وغيِّهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمَّةٍ أخرجت للنَّاس».
ولأهمِّيته فإنَّ الله تبارك وتعالى قدَّمه في الآية على الإيمان به، مع كونه شرطًا لصحَّة العبادات كلِّها، كما قدَّمه تبارك وتعالى في قوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [التوبة:71]، وفي هذه الآية أيضًا إشارةٌ منه جلَّ وعلا إلى أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر من وظائف الأمَّة الجماعيَّة الَّتي يجتمعون عليها ويتعاونون فيها.
وفي مقابل هذا فإنَّ الله تبارك وتعالى قد ذمَّ التَّارك لهذا الواجب والمعرضَ عنه كما وقع لبني إسرائيل، بل إنَّهم استحقُّوا لعنَ الله على ذلك، فقال سبحانه: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة:78-79] فَلَعْنُ الله لهم بسببِ تركهم لهذه الفريضة وإهمالهم لها.
أمَّا ما صحَّ من الأحاديث في هذا الباب فهو كثيرٌ من مثل حديثنا هذا وحديث أبي بكر رضي الله عنه حيث قال: «أيُّها النَّاس! إنَّكم تقرؤون هذه الآية: «يا أيها الَّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرُّكم من ضلَّ إذا اهتديتم»، وإنِّي سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «إنَّ النَّاس إذا رأوا الظَّالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه».
أخرجه التِّرمذيُّ (2168) وغيرُه، وهو مخرَّجٌ في «الصَّحيحة» (1564).

الفائدة الثَّالثة:
إشارته صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أقسام النَّاس في أمر الله تبارك وتعالى، وأنَّهم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: القائم على حدود الله، والمقصودُ به الممتثلُ لأوامره المجتنب لنواهيه، النَّاهي غيرَه عن المعاصي والمنكرات، الآمرُ لهم بالطَّاعة وفعل الخيرات، وهذا أفضلهم عند الله أجرًا، وأرفعهم منزلةً وقدرًا، وهي صفة الخُلَّص من أصفيائه وأنبيائه، والصَّالحين من أتباعهم، دعاةُ الخير وأهل الحسبة في كلِّ مكان وزمان، بقاؤهم صلاحٌ للأمَّة وحفظٌ لكيانها وبيضتها.
القسم الثاني: الواقع في حدود الله، وهو ضدُّ الأوَّل في فعله وحاله، فهو مواقع للذُّنوب والمعاصي، متعدٍّ لحدود الله، منتهكٌ لحرماته، غير ممتثل لأوامر ربِّه ولا معدودا من صالحي عباده، داعٍ إلى الشَّرِّ والرَّذيلة، «لا يَعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلَّا ما أشرب من هواه»، فهذا بأسوء المنازل، وهو من أحطِّ النَّاس في الأمَّة، لذا ناسب في الحديث أن يمثِّلهُ النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام بصاحب المنزلة السُّفلى من السَّفينة، وهذا أثرُهُ على نفسه وعلى من حولَه جسيمٌ، وخطره عظيم، والواجب معه أن يؤخذ بيده، وأن يُكَفَّ عن عتوِّه وفساده، حفاظًا على سلامة الأمَّة واجتماعها.
وصنفٌ ثالثٌ أخير: يظنُّ بنفسه أنَّه على خيرٍ وهو إلى السُّوء أقرب منه إلى الصَّلاح، يرى المنكر ولا يغيِّره، بل ولا يتغيَّر لأجله وبسببه، ويرى الإعراض عن المعروف ولا يبادر بالأمر به، لا تلميحًا ولا تصريحًا، ظانًّا أنَّ السَّلامة في السُّكوت، والسُّكوت في مثل هذه المواطن هو المَهْلَكَةُ بعينها، والشَّرُّ بحذافيره، بل ولربَّما ظنَّ بعضُهم أنَّ حقيقة الورع وصحَّة الدِّيانة لا تكون إلَّا بمثل هذا، ورحم الله القائل: «لو كان خيرًا لسبقونا إليه»، فمادام أنَّ الخِيَرة الأُوَل في مثل هذا ما سكتوا ولا كان منهجهم لزوم الصَّمت، بل تكلَّموا وبيِّنوا وبالحقِّ صدعوا، وأظهروا أنَّ هذا سبيل الصَّادقين الأوَّلين من أتباع سيِّد المرسلين، وآثارُهم في هذا كثيرةٌ تشهد لقوَّة عزائمهم وصلابة دينهم في تمسُّكهم بسنَّة نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم، والدَّعوة إليها، والدِّفاع عنها، والإنكار بل والحرب على مخالفيها، ما سكتوا عن صاحب هوى أو مبتدعٍ أبدًا، ولا داهنوا مخالفًا معرضًا البتَّة، ورحم الله إمام أهل السُّنَّة الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل حين قال لمَّا سئل: الرَّجل يصوم ويصلِّي ويعتكف أحبُّ إليك؟ أو يتكلَّم في أهل البدع؟ فقال: «إذا قام وصلَّى واعتكف فإنَّما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنَّما هو للمسلمين هذا أفضل»، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في مجموع الفتاوى (28/231-232) معلِّقا عليه: «فبيَّن أنَّ نفع هذا عامٌّ للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشِرعته ودفعُ بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتِّفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسَدَ الدِّين، وكان فسادُه أعظم من فساد استيلاء العدوِّ من أهل الحرب، فإنَّ هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدِّين إلَّا تَبَعًا، وأمَّا أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء».
وفي الحديث وما دلَّ عليه من انقسام النَّاس إلى الأقسام الثَّلاثة المذكورة مطابقةٌ واضحةٌ جليَّة لقول المولى جلَّ في علاه: {وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} [الأعراف:164]، قال قتادة رحمه الله: «صار القوم ثلاثة أصناف: أمَّا صنفٌ فأمسكوا عن حرمة الله ونهوا عن معصية الله، وأمَّا صِنفٌ فأمسك عن حرمة الله هيبة لله، وأمَّا صِنفٌ فانتهك الحرمة ووقع في الخطيئة» أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (10/517).

وفائدةٌ رابعةٌ: متعلِّقة بأمرِ النيَّات، وما لهذا الموضوع من أهميَّةٍ كبيرةٍ ومنزلةٍ عظيمةٍ، حيث إنَّه الشَّرط الأوَّل والأساس في قبول الأعمال وحُسنها، إلَّا أنَّ حسن النيَّة لا يستلزم بالضَّرورة حسنَ أعمال أصحابها إن أساؤوا في صِفَتِهَا وطريقها، فإنَّ أولئك أصحاب الطَّبقة السُّفلى ظنُّوا خيرًا، ونَوَوْا صلاحًا، فقالوا «ولم نؤذِ من فوقنا»، فما أحسنَها من نيَّة وقَصْدٍ، ولكن لمَّا كان في فعله المخالفةُ وعدم السَّير على الجادَّة، كان ما حذروا منه ـ لو فعلوا ما نوَوْا فِعْلَهُ ـ هو الَّذي وقعوا فيه، فآذوا أنفسهم وغيرهم، وهلكوا وأهلكوا، فالنِّيَّة لا تغيِّر من الأمر شيئا إن لم تكن على الهدي القويم والصِّراط المستقيم.
والأخيرة من هذه الفوائد ـ لا آخرُها ـ إشارةُ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام من خلال هذه الكلمات الطَّيِّبات والمَثَلِ العظيم إلى أنَّ ما يُهدِّد هذه الأمَّة قد يكون من داخلها «من جلدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا» إلَّا أنَّهم حاملون معاوِلَ الهدم في أمَّتنا، يسعَوْنَ لتحطيم أركانها، بمحاربة الشَّريعة تارةً، والفضيلةِ والعفافِ تارةً، واللُّغَة وغيرِهَا تارةً، وحملةِ الشَّريعة من علماء هذه الأمَّة ورواة أسانيدها تارةً أخرى، خطرُهم شبيهٌ بخطر المنافقين الَّذين يعيشون معنا ويصلُّون خلف أئمَّتنا، إلَّا أنَّهم يكنُّون العداء الشَّديد لنا ولثوابتنا، ولأصول ديننا، وإنَّ المستعمر في البلاد الإسلاميَّة حيثما مكث ما استطاع أن يَصُدَّ الأمَّة عن سبيل ربِّها، وأن يقطع صلتها بدينها ونبيِّها، ولمَّا غرس أذنابه في أوساطنا ولقَّنهم من حقده وشَرِّه وفساده، وقع التَّضليل والإفسادُ من خلالهم وبأيديهم، وما هذه الفِرَقُ المتكالِبَةُ على أهل السنَّة إلَّا صَنْعَةُ أيديهم ونَسْجُ أناملهم.
فالواجب على أهل السُّنَّة أن تجتمع كلمتهم وتتآلف قلوبهم بالسَّيرِ وراء علمائهم وأئمَّتهم، متمسِّكين بهدي نبيِّهم، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر على الطَّريقة النَّبويَّة المرضيَّة، الَّتي فيها الحكمة والعقل، والتَّيسر والتَّبشير الَّذي بُعث به البشير النَّذير صلَّى الله عليه وسلَّم، كما قال الله تعالى:{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}[الأحزاب: 46].
هذا غيضٌ من فيضِ فوائدِ هذا الحديث الجليل، ولعلَّ الله تعالى يُيسِّر أمرَنا ويفتح علينا فنتوسَّع في ذكر فوائد الحديث في رسالة مستقلَّة إن شاء الله تعالى، وصلَّى الله على سيِدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.

الهامش:
(1) وإنَّما اخترت التَّعبير بلفظِ الجماعة بدلَ المجتمع لأنَّه اللَّفظ الشَّرعيُّ الَّذي ورد في النُّصوص.
(2) وقد طبع مفردًا باسم «الأمثال»، وليس هو كتابًا مستقلًّا كما قد يظن، وقد فصل في الأصول الخطيَّة كما فُصل «الطبُّ النَّبوي» من زاد المعاد.
(3) ولأبي الشَّيخ الأصبهاني كتابٌ بعنوان «الأمثال في الحديث النَّبويِّ»، لكن موضوعه مختلفٌ عن موضوع كتاب الرَّامهرمزي، فهو في كلمات النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الَّتي صارت مَثَلًا كقوله مثلًا: «الحرب خدعة».