رسالةُ أبي عبد الله ابن جزيّ إلى الأمير أبي عنان في التَّورية بالكتُب/ خالد حمُّودة

المؤلف: 
خالد حمودة
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
 
رسالةُ أبي عبد الله ابن جزيّ إلى الأمير أبي عنان في التَّورية بالكتُب

هذه رسالةُ الكاتب البارع والأديب المسلَّم له بلا منازع أبي عبد الله بن جزي في التَّورية بالكتب، كتبها إلى الأمير أبي عنان يهنِّؤه بإبلال ولده من مرض، وهي شريفةٌ في غرضها، بارعةٌ في أسلوبها، رائقةٌ في مضمونها، وفيها الإشارة إلى ما كان متداولا في وقت كاتبها من كتب الفنون المختلفة في القطرين: الأندلسي والمغربي، فلهذا حسن الوقوف على إشاراتها، وأرجو أن تقع موقع القبول.
أكثرُ الكتب التي أشار إليها معروفة وقد تقدَّم ذكرها، وما لم يكن كذلك سأبيِّنه إن شاء الله حتى يُعرف.
ونصُّ الرِّسالة كما أثبتها ابن الأحمر في «نثير الجمان» (294-296)، وعنه المقَّري في «أزهار الرِّياض» (3/198-200) ثمَّ في «نفح الطِّيب» (5/534-536):

 

 

 

 

 

ماذا عسى أدب الكُتَّاب يوضحُ من // خصال مجدك وهو الزَّاهر الزَّاهي
وما الفصيحُ بكُليَّاتِ موعبها// كافٍ فيأتي بأنباءٍ وإنباهِ

أبقى الله مولانا الخليفة، ولسعادته القدح المعلَّى، ولزاهر كماله التَّاجُ المحلَّى، تُجلَى من حُلاه نزهة النَّاظر، ويسير بعلاه المثلُ السَّائر، ويتَّسق من ثنائه العقدُ المنظَّم، ويتَّضح بهداه القصد الأمم، ولا زالت مقدِّمات النَّصر له مبسوطة، ومعونة السَّعد بإشارته منوطة، وهدايته متكفِّلة بإحياء علوم الدِّين، وإيضاح منهاج العابدين، وإرشاده يتولَّى تنبيه الغافلين، ويأتي من شفاء الصُّدور بالنُّور المبين، وميقاتُ الخدمة ببابه مطمَح الأنفس، وملخَّص الجود من كفِّة بغية المتلمِّس، قد حكم أدبُ الدِّين والدُّنيا بأنَّك سراجُ الملوك، لمَّا أتته عوارفك بالمشرَع السَّلسل، ومعارفك بنظم السُّلوك، ووضحت معالم مجدك وضوح أنوار الفجر، وزهت بعدلك المسالك والممالك زهوَ خَريدة القصر، فلك في جمهرة الشَّرف النَّسبُ الوسيط، ومن جمل المآثر الخلاصةُ والبسيط، وسُبل الخيرات لها برعايتك تيسير، ومحاسن الشَّريعة لها بتحصيلك تحبير، وأنت حجَّة العلماء الَّذي تقصِّر عن تقصِّي مآثره فطن الأذكياء، إن انبهم التَّفسير ففي يديك ملاك التأويل، أو اعتاص تفريع الفقه فعندك فضل البيان له والتَّحصيل، وإن تشعب التَّاريخ فلديك استيعابه، أو تطاول الأدب ففي إيجاز بيانك اقتضابه، وإنْ ذكر الكلام ففي انتقائك من برهانه المحصول، أو المنطق ففي موجز أماليك لبابه المنخول، وليس أساس البلاغة إلَّا ما تأتي به من فصل المقال، ولا جامع الخير إلَّا ما حزته في تهذيب الكمال، ولذلك صارت خدمتك غاية المطلوب، وحبُّك قوت القلوب، ولا غرو أن كنت من العلياء دُرَّتها المكنونة، فأسلافك الكرام هم جواهرها الثَّمينة، بحمامتهم أُصيبت مقاتلُ الفرسان، وبجَود جودهم تسنَّى رِيُّ الظَّمآن، وبتسهيل عدلهم وضحت شعبُ الإيمان، وأنت المنتقى من سمط جمانهم، والواسطة في قلائد عقيانهم، عنك تؤثر سيرة الاكتفاء، وعن فروعك السُّعداء تُروى أخبار نجباء الأبناء، فهم لمملكتك العليَّة بهجةُ مجالسها، وأنس مُجالسها، وقطب سرورها، ومطالع نورها، ووليُّ عهدك درَّتهم الخطيرة، وذخيرتهم الأثيرة، لا زال كمال سعادته بطول مقامك مُحكَمًا، وحرز أمانيه بالجمع بين الصَّحيحين: حبِّك ورضاك مُعلَما، وقد وجبت التَّهنئة بما كان في حيلة برئه من التَّيسير، وما تهيَّأ في استقامة قانون صحَّته من نُجح التَّدبير، ولم يكن إلَّا أن بعدت به عنك المسالك، وأعوز نور طرفه تقريب المدارك، وتذكر ما عهده من الإيناس الموطَّأ جانبه عند أفضل مالك، فورِيَ من شوقه سقْطُ الزَّند، والتهب في جوانح القبس الوجد، فأمددته من دعائك الصَّالح بحلية الأولياء، فظفر لمَّا شارف مشارق الأنوار من حضرتك بالشِّفاء، وقد حاز إكمال الأجر بذلك العارض الوجيز، وكان كتشبيب الإبريز، وها هو قادم بالطَّالع السَّعيد، آيب بالمقصد الأسنى من الفتح والتَّمهيد، يطَّلع بين يديك طلوع الشِّهاب، ويبسِم عن مفصَّل الثَّناء في الهناء بذلك زهرُ الآداب، فأعدَّ له تحفة القادم من إحسانك الكامل، واخصصه بالتَّكملة من إيناسك الشَّامل، فهو الكوكب الدُّريُّ المستمدُّ من أنوارك السَّنيَّة، وفي تهذيب شمائله إيضاح للخلق الكريمة الفارسيَّة، لا زالت تزدان بصحاح مآثرك عيون الأخبار، وتتعطَّر بنفحة الزَّهر من ثنائك روضةُ الأزهار، وتُتلى من محامدك الآياتُ البيِّنات، وتتولَّى عليك الألطاف الإلهيَّات، بمنِّ الله وفضله.
والسَّلام الكريم يعتمد المقام العليَّ ورحمةُ الله وبركاته».
انتهت الرِّسالة.

وأبو عبد الله ابن جزيٍّ هذا هو الفقيه الكاتب محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن عبد الله الغرناطي وهو ولد أبي القاسم ابن جزيّ الإمام المشهور طائر الصِّيت، صاحبِ «القوانين الفقهيَّة» وغيرها من التَّآليف، ترجمته في «أزهار الرِّياض» (3/189)، وصحَّح أنَّ وفاته كانت سنة (758) بفاس.

وما ذكر فيها من كتب العلم باعتبار الشُّهرة الآن ثلاثةُ أصناف:
فصنفٌ منها معروفٌ مشهورٌ، كـ«أدب الكتاب» و«الكامل» و«الكافي» و«إحياء علوم الدِّين» و«الزَّاهر» و«الزَّاهي» ونحوها، فلا حاجة إلى التَّطويل بذكرها والتَّعريف بها.
وصنفٌ هو من قبيل ما تشترك فيه عدَّة مصنَّفات يعسُر القطع بمراد الكاتب منها، كـ«الإشارات»، و«الإرشاد»، و«الوجيز»، فهذه يمكن أن يعرف تخمينا مراده منها بالنظر إلى ما عرف في ذلك الوقت من الكتب واشتهر لا سيما من تواليف المغاربة في الفقه والعربية، لكني لم أتكلف ذلك لقلَّة فائدته.
وصنفٌ ثالثٌ هو الكتب القليلة الذِّكر الَّتي أوردها ، وقد تحتاج إلى توضيح عند السَّواد من القارئين، وهي التي أعتني ببيان مقصوده فيها وهي:

«الموعب»، وهو في شرح «الموطأ» من تأليف ابن الصَّفار، يونس بن عبد الله بن مغيث، قاضي الأندلس المتوفَّى سنة (429)، ذكر الذَّهبي في ترجمة الإمام مالك من «السِّير» أنَّه لم يتمَّه.

«القدح المعلَّى في التَّاريخ المحلَّى» لابن سعيد، طُبع مختصره بتحقيق إبراهيم الأبياري، وفي مساجلته كتَب لسانُ الدِّين ابن الخطيب كتابه:

«التَّاج المحلَّى في مساجلة القدح المعلَّى» الَّذي ذكره ابن جزيّ على أثَرِه، وقد رمز الزِّركلي إلى أنَّه مخطوط.

«الملخَّص» لأبي الحسن بن القابسي، جمع فيه أسانيد حديث مالكٍ في «الموطَّأ»، وهو الَّذي قدَّمت أنَّ الشُّيوخ يفضِّلون «التَّجريد» لأبي عمرَ عليه.

«النُّور المبين في قواعد عقائد الدِّين» لأبي القاسم ابن جزيِّ، والد هذا الكاتبِ صاحب الرِّسالة، وقد أشار من كتبه أيضًا إلى تفسيره: «التَّسهيل لعلوم التَّنزيل»، وإلى «الأنوار السَّنيَّة في الأقوال السُّنِّية».

«المشرع السَّلسل»، وهو لابن أبي الأحوص المتوفَّي بعد سنة (700)، واسمه الكامل: «المشرع السَّلسل في الحديث المسلسل»، ذكره الكتَّاني في «فهرس الفهارس».

«سبل الخيرات»، في الوعظ، للعالم الواعظ يحيى بن نجاح الأندلسي المتوفَّي سنة (422)، لا أعلمه إلَّا مفقودًا.

«العقد المنظِّم للحكام، فيما يجري على أيديهم من العقود والأحكام» لابن سلمون المتوفَّي سنة (767)، وهو مطبوع.

«منهاج العابدين» في التَّصوُّف لأبي حامد الغزالي، وله مختصر مشهور للبلاطنسي المتوفَّى سنة (863).

«أنباء نجباء الأبناء» لابن ظفر الصِّقلِّي المتوفَّى سنة (565)، طبع قديمًا بعناية مصطفى القبَّاني $.

«قطب السُّرور في أوصاف الخمور» للرَّقيق القيرواني المتوفَّى (425)، وهو مطبوع.

«الدَّرة الخطيرة في شعراء الجزيرة» لابن القطَّاع المتوفَّي سنة (515)، طُبع.

«سمط الجمان وسقط الأذهان» لأبي عمرو الأنصاري المعروف بابن الإمام، طُبع مختصرٌ منه باسم «المقتضب من سمط الجمان وسقط الأذهان»، ولم أقف عليه.

«حيلة البُرء» لجالينوس، لخَّصه جماعة، وفيه يقول أبو بكر بن زهر:

 

 

 

 

«حيلةُ البرء» صُنِّفت لعليل // يترجى الحياة أو لتعليله

فإذا جاءت المنيَّة قالت // «حيلةُ البرء» ليس في البرء حيله

«روضة الأزهار» لابن قلاقس، ذكره الصَّفدي فيما اعتمده في «الوافي بالوفيات» من كتب أخبار الشُّعراء.

«نور الطَّرف ونَوْر الظَّرف» لأبي إسحاق الحصري المتوفَّى سنة (453)، مطبوع.

«الإيناس بعلم الأنساب» للوزير المغربي المتوفَّى سنة (418)، طُبع.

آخر التَّقييد، والحمد لله رب العالمين.