الكُتُب الجوامع / خالد حمودة
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
هذه هي المقالة الأولى من : «أحوال الكتب وأنباء من كتب» أسأل الله تعالى أن يعين على درك المراد بجمال القصد وحسن العرض.
المقصود منها الكتب الجامعة في العلم الذي صُنِّفت فيه، أو الجامعة في بعض فنون ذلك العلم.
ـ فأَّما الجامعة لفنِّها كلِّه فقد قال ابن صاعد في «طبقات الأمم» (ص44): «ولا أعرف كتابًا أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بجميع أجزاء ذلك الفنِّ غير ثلاثة كتب:
أحدها: كتاب المجسطي هذا في علم هيئة الفلك وحركات النُّجوم.
والثَّاني: كتاب أرسطاطاليس في علم صناعة المنطق.
والثَّالث: كتاب سيبوبه البصري في علم النَّحو العربي.
فإن هذه الكتب الثَّلاثة لا يشذُّ عن كلَّ واحد منها من أصول علمه ولا من فروعه إلَّا ما لا خطب له».
وفي علم الشَّريعة عمومًا ليس ثمَّ كتاب أجمع ولا أنفع من «الصَّحيح» لأبي عبد الله البخاري فهو من أجمع كتب الإسلام للعقيدة والفقه والتَّفسير والمغازي والمواعظ وغير ذلك من العلوم قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في «الوصيَّة الصُّغرى» (10/665ـ الفتاوى): «وما في الكتب المصنَّفة المبوَّبة كتاب أنفع من صحيح محمَّد بن إسماعيل البخاري، لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم، ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحِّر في أبواب العلم».
ـ وأمَّا الأخرى:
*ففي الأدب اشتهر أنَّ الكتب الجوامع فيه الَّتي عليها مدار أمره أربعة: «الأمالي» لأبي علي القالي، و«الكامل» للمبرِّد، و«البيان والتبيُّن» للجاحظ، و«أدب الكاتب» لابن قتيبة، ذكر ذلك ابن خلدون في «المقدِّمة».
أمَّا «الأمالي» فبشرحه «سمط اللآلي» للبكري، الَّذي يقال إنَّه لم يُكتَب في شرح الشِّعر أجود منه.
و«الكامل» للمبرِّد فبحواشيه الكثيرة المطبوع بعضها، والمغاربة يقولون: «من لم يقرأ الكامل فليس بكامل، ومن لم يقرأ أمالي القالي فهو للأدب قال».
و«البيان والتبيُّن» وينبغي أن يؤخذ بتثبُّت حِذار ضلالاته، حتَّى سمَّاه القاضي أبو بكر ابن العربي في العواصم والقواصم: «الضَّلال والتَّضليل»، وفي هذه التَّسمية ما يرجِّح أن اسمه «البيان والتَّبيين» كما هو مشهور، ورجَّح بعضهم ـ وإليه رجع المحقِّق هارون ـ أنَّ اسمه: «البيان والتبيُّن» كما ذكرته أوَّلا.
و«أدب الكاتب» بشرح البطليوسي الَّذي قال فيه العلَّامة الضَّليع عبد العزيز الميمني كما في مقالاته (1/25): «إنَّ من درسه يصير محقِّقًا لغويًا».
* وفي النَّحو قصد أبو حيان إلى استيعاب النَّحو في كتابين له: هما «التَّذييل والتَّكميل» ثمَّ اختصر منه «ارتشاف الضَّرب».
* وأربعة كتب في الفقه والأثر يقولون إنَّ العالم من عرف ما فيها: وهي «السُّنن الكبرى» للبيهقي، و«التَّمهيد» لأبي عمر ابن عبد البر، و«المحلَّى» لأبي محمَّد ابن حزم، و«المغني» لموفَّق الدِّين ابن قدامة.
وكلٌّ منها مطبوع، وطبعاتها درجات.
فـ«السُّنن الكبرى» الطَّبعة القديمة الَّتي في حاشيتها «الدرُّ النَّقي» لابن التُّركماني الحنفي، ويؤثر عن الشَّيخ حماد الأنصاري أنَّه قال: «لو أغنى كتاب عن كتاب لأغنى سنن البيهقي عن بقية كتب أحاديث الأحكام»، وهو من أهمِّ الكتب التي اعتمد عليها النَّووي في تواليفه لا سيَّما منها شرح المهذب، فأكثر كلامه على الحديث منه، وهو أحد الكتب التي سماها لتلميذه ابن العطار ليكمِّل بها شرح «المهذَّب».
و«المحلَّى» طبعة الشَّيخ أحمد شاكر، وهو كتاب عظيم فيه من الآثار والانتصار للسُّنن ما لا يوجد في غيره، وفيه جمود ومسائل ظاهرة الفساد، ويقال إنَّ شيخ الإسلام ابن تيميَّة كان يستظهره، وفي كلامه في كتبه شواهد على ذلك.
و«التَّمهيد» طبعة دار الفاروق المرتَّبة، فلعلَّها الآن أجود الموجود، ويقال إنَّ الدُّكتور بشار عواد قد حقَّقه ويخرج إلى النَّاس في الإجازة الصيفيَّة من هذا العام 1435، والعهد به الإجادة، أمَّا الطَّبعة المغربية فكثيرة الخطأ والتَّحريف، وقد رأيت جزءًا للغماري وضعه بعد أن طُبع المجلد الأول والثَّاني منه فقط استخرج منهما مئة خطأ.
وهذا الكتاب هو الَّذي قال ابن حزم إنَّه لا نظير له في الكلام على فقه الأحاديث، وحسبك بأبي محمَّد شاهدًا مزكيًّا.
و«المغني» طبعة التُّركي، أو الطَّبعة القديمة الَّتي مع «الشَّرح الكبير»، زان به الموفَّق مذهب الإمام أحمد.
فهذه الأربعة الَّتي قال الحافظ الذَّهبي في «سير الأعلام» (18/193): «فمن حصَّل هذه الدَّواوين، وكان من أذكياء المفتين، وأدمن المطالعة فيها، فهو العالم حقًّا».
وكنت أقول إنَّ في الكتب خامسًا لو أدركه قائل هذه المقالة لضمَّه إليها، وهو «فتح الباري» للحافظ ابن حجر، حتَّى بلغني عن شيخنا محمَّد بن هادي المدخلي حفظه الله أنَّه قال «وخامسها فتح الباري».
* «خزانة الأدب» موسوعة الشَّواهد، قال عبد العزيز الميمني: «ليس بين أيدينا كتاب جامع عثر مؤلِّفه على المصادر القديمة النَّادرة وجمع فيه كلَّ الموادَّ اللَّازمة الَّتي تتعلَّق المسائل النَّحوية والشعر والشُّعراء ضمن شرح أبيات الشَّواهد بعد البحث عنها في المصادر القديمة إلَّا كتاب «خزانة الأدب»..»، كذا في مقالاته (1/24).
*والكتب الجوامع في الاعتقاد أربعة: «الكافية الشَّافية» لابن القيم و«شرح الطَّحاوية» لابن أبي العز الحنفي، و«لوامع الأنوار» للسَّفاريني، و«معارج القبول» للشَّيخ حافظ حكمي.
فهذه الكتب جمعت أبواب الاعتقاد كلِّها بما تقوم به من دلائل الأثر والاحتاج بالنَّظر، لكن «الكافية» على جمعها يعوزها شرح، وما كُتب عليها من الشُّروح فلا يفي ببعض مقاصدها فضلًا عن أن يحويها، ولو تمَّ شرح الشَّيخ عبد اللَّطيف لكان القول غير ما أقول.
و«شرح الطَّحاوية» لا مزيد عليه حجاجًا وتحقيقًا وتقريرًا، وأكثر كلامه فيه ممَّا تشرَّبه من مصنَّفات الشَّيخين: تقيِّ الدِّين ابن تيميَّة وشمس الدِّين ابن القيم، وأتمُّ طبعاته طبعة التُّركي وشعيب.
وكتاب السفَّاريني جامع مستوعب، إلَّا أنَّ فيه بعض العبارات الَّتي أُخذت عليه، وقد نبَّه عليها الشَّيخ سليمان بن سحمان رحمه الله في رسالة لطيفة.
و«معارج القبول» جيِّد مستوعب، أنكر فيه الشَّيخ حافظ لفظة: «استقرَّ» في تفسير الاستواء وهي ثابتة عن السَّلف صحيحة المعنى لا محذور في إطلاقها.
* وأجمع كتب الحديث «المسند» للإمام أحمد، حتَّى إنَّه قلَّ ما يخرج عنه ممَّا له أصل من الحديث، وكثيرٌ ممَّا يظن أنَّه لم يخرِّجه موجود فيه، لكن لاختلاف النُّسخ ففي بعضها ما ليس في الآخر، وهذه طبعة مؤسَّسة الرِّسالة الَّتي كان يُظنُّ أنَّها أتمُّ الطَّبعات قد استُدرك عليها في طبعة المكنز عدَّة أحاديث، حتى استدركوا مئة حديث في موضع واحد!.
وسُئل الحافظ اليونيني هل تحفظ الكتب الستَّة فقال: «أحفظها وما أحفظها»، ثمَّ فسَّر ذلك بأنَّه يحفظ «المسند»، وفيه ما في الستَّة لا يفوته إلَّا قليل.
ومن عُلم من تصرُّفه في تصانيفه أنَّه يحفظه: ابن تيمية وابن القيِّم وابن كثير، قلت: وأبو الحجاج المزِّي بغير شكّ، ولو قيل إنَّ الذَّهبي لا يحفظه لكان مستبعَدًا ينبو السَّمع عنه.
ـ ومن الجوامع شيءٌ آخر ليس هو من غرض هذه التَّعليقة، وهو ما يقال إنَّه أوسع كتاب في بعض الفنون، كما يقال إنَّ أوسع كتب العلل كتاب الدَّارقطني، وأوسع الأصول «البحر المحيط» للزَّركشي، وأن أجمع كتب المصطلح «فتح المغيث»، فهذا النَّوع أوسع بالنِّسبة إلى غيره من الكتب المصنَّفة في فنِّه، وليس ممَّا يقال إنَّه جمع أزمَّة الفنِّ الَّذي صُنِّف فيه، حتى يكون الأصل المُحكِم لما وراءه.
ـ وفي بعض المختصرات جوامع:
فـ«مراقي السَّعود» بالغ شيخنا أحمد الشَّنقيطي حتَّى قال: «من قرأه لم يحتج بعده إلى أن ينظر في كتب الأصول الأخرى»، وكان الشَّيخ محمد الأمين صاحب «الأضواء» يشهد لمن قرأه بأنَّه مبرِّز في الأصول.
وأجمع المختصرات الفقهيَّة «مختصر خليل»، نظر فيه بعض فقهاء الشَّافعية فقال: «جمع لهم مذهبهم في أوراق».
هذه تنبيهات، والمقامُ يحتمل من البسط أكثر من هذا، ومن كان عنده ما يمشي مع شرط المقالة فليُتحفنا به، والله الموفِّق والمعين.