الكتب الأصول / خالد حمودة

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
 

الكتب الأصول في موضوعها
 

غرضي من كلمة: «الكتب الأصول» أنَّ بعض كتب العلم يكون مرجعًا أساسًا في الموضوع الذي وُضع فيه أو في بعض جوانبه، فلا ينفكُّ أحد يتكلَّم في ذاك الفن أو الباب إلا ومصدره منه ومورده هو غالبًا، وبعض هذه الكتب ممَّا قيل إنَّ كلَّ من جاء بعده فهو عالة عليه.

وبعض هذه الكتب مذكور مشهور، ككون الصَّحيحين أصولًا في معرفة الصَّحيح، وكون أبي داود أصلا في معرفة الحسن على ما يختاره ابن الصلاح في معنى سكوته عن الحديث، وكون الأوسط للطبراني والبحر الزخار للبزار منبعا الأفراد والغرائب.
وبعضها دون هذا خفاء فأحببت التَّنبيه على طرف من ذلك.

ـ فـ«الكشَّاف» عمدة النَّاس في النُّكت البلاغيَّة في القرآن، فكل من تكلم في بلاغة القرآن من بعده فهو عالة عليه، قال ذلك الشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله في بعض كلامه، إلا أنه لم يستوعب إذ ترك بعض الآي لم ينبِّه على ما احتوته من هذا الجانب، وقد يكون عذره أن هذا باب لا يوقف له على قرار، فمن ذا الذي يقدر أن يحيط أو يلم ببلاغة القرآن، ومع ذلك فقد قصد الطاهر بن عاشور من بعده إلى أن يستخرج من كل آية ما قدر عليه من ذلك فهو من هذا الوجه أصل ثان في الباب، ويمتاز عن كلام الكشاف بأنه يسمِّي المباحث بأسمائها التي تعارف عليها المتأخرون، فهو بهذا أقرب متناولًا لغير غوَّاص.

ـ و«منهاج السنَّة النَّبوية» عمدة في الردِّ على الرَّافضة، قال شيخنا ابن عقيل في تقدمته لكتاب: «تسديد الإصابة»: "كل من بعده فهو عالة عليه"، أي في الردِّ عليهم.

وله رحمه الله كتب كثيرة هي أصولٌ في أبوابها لا يُستغنى عنها:
ـ فكتابه في «أصول التَّفسير» عمدة لمن جاء بعده، كتبَ بعده الطُّوفي والسُّيوطي وغيرهما، لكن الاعتماد على رسالته.

ـ وكتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" أصل هذا باب التَّشبه وأحكامه.

ـ وكتابه «الصَّارم المسلول» عمدة من تكلَّم في مسائله بعده، حتَّى معاصره التَّقي السُّبكي لما كتب كتابه في هذا الباب "السيف المسلول" استفاد منه ونهل.

ومن الأصول في موضوعها «السِّيرة النبوية» لابن هشام، فهو أصل لما صنِّف من بعد في السِّيرة.

ـ "مغني اللبيب" لابن هشام، صار هو الأصل في معاني الحروف بعد أن وضعه.

ـ وكتابه في "قواعد الإعراب" مهَّد به لإعراب الجمل، فلا يتكلَّم بعده أحد في إعراب الجمل إلا واعتماده عليه.

ـ و«التَّعرف في مذاهب أهل التَّصوف» عمدة في معرفة مذاهب الصُّوفية في أبواب الدين، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة إذا قال وهذا قول الصوفية فإنَّما نقل منه، وقد سمَّاه في مواضع وترك.

ـ و«الانتصار» لابن الخيَّاط أدقُّ ما عندنا في حكاية مذاهب أعيان المعتزلة وأقوالهم في الجوهر والطَّفرة والأكوان وغير ذلك من دقائق الكلام، ومقالات الأشعري قريب منه في هذا فإنه كان خبيرا بالكلام وأهله خبرة تامَّة بل أقول:

ـ إنَّ «مقالات الأشعري» أصدق مرجع في مقالات النَّاس وأقربه إلى حكايات مذاهب الطَّوائف على وجهها، وقد فضله شيخ الإسلام رحمه الله على كل كتب الباب، فهو خير من كتاب ابن حزم والشَّهرستاني والبغدادي وغيرها وأقرب إلى السَّداد.

ـ وكتب المصطلح بعد ابن الصَّلاح عالة على كتابه، قال معناه الحافظ ابن حجر في مقدِّمة «النُّخبة».

ـ واشتهر عن ابن نقطة أنَّ المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه.

ـ واتَّفق المنصفون من معاصري الشَّيخ الألباني رحمه الله على أن النَّاس كانوا عالة على كتبه في تمييز الصَّحيح من الضَّعيف.

ـ وأربعة كتب في الجرح والتَّعديل هي أصول هذا الباب ومنها الاقتباس فيه: «تاريخ البخاري»، و«الجرح والتَّعديل» و«تاريخ ابن أبي خيثمة»، و«تاريخ بغداد» للخطيب، فمن كانت عنده هذه الأربع فأكثر الكلام الدَّائر في الرجال فهو عنده، لكن يبقى عليه من منتشر كلام أئمَّة الجرح والتعديل ما لا بدَّ له من طلبه من مظانِّه المتفرِّقة كما قال شيخ الفنِّ عبد الرَّحمان المعلمي رحمه الله في رسالته في "علم الرجال وأهميَّته": "والعالم محتاج إلى جميع كتب الرِّجال، لأنه يجد في كلٍّ منها ما لا يجد في غيره".

ـ و"كتاب سيبويه" عمدة في تصحيح اللِّسان، حوى أصول علم النحو والبيان والتصريف، وقد تقدَّم ذكره في "الجوامع" فهو من جوامع الكتب ومن الأصول فيها، قال الزَّمخشري في هذا المعنى ـ أعني كونه أصلا معوَّلا عليه ـ:

 

ألَّا صلَّى الإلهُ صلاةَ صدقٍ ** على عمرِو بن عثمانَ بن قنبرْ

فإنَّ كتابـــــهُ لم يغنَ عنـــهُ ** بنو قلمٍ ولا أبناءُ منبـــــــــرْ
 

ـ وكتاب المازني في التَّصريف هو الَّذي نهج للنَّاس هذا الباب، وعلى منواله نسجوا من بعده، وإن كانت أصول التَّصريف موجودة قبله.

ـ وكتاب "العروض" للخليل فُقد فلم يصل، لكن اتَّفقت الكلمة على أنَّ ما بعده من الكلام في هذا الفنِّ كله بني عليه.

ـ وكتابان لأبي إسحاق الشَّاطبي كلٌّ منهما أصل في بابه: «الموافقات» في علم المقاصد، والمباحث التكميلية في أصول الفقه، و«الاعتصام» في البدع وأصولها.

ـ كتاب الفرق بين تصرُّفات النَّبي ﷺ بحكم الرِّسالة أو الفتيا أو القضاء هو العمدة في هذا الباب من بعده.

ـ ومصنَّف ابن أبي شيبة و"الأوسط" لابن المنذر و"المحلَّى" لابن حزم على هذه الثَّلاثة الاعتماد في معرفة مذاهب السَّلف من الصَّحابة والتابعين وأتباعهم، والوقوف على اختيارهم واختلافهم في المسائل الفقهية، ولا سيَّما منها "الأوسط"، فإذا قال النَّووي في "المجموع" أو الموفَّق في "المغني": "وهذا هو قول فلان فلان" من السَّلف والأئمَّة فاعتمادهما في الأغلب عليه.

ـ والأصل في المرجوع إليه في حكاية كلام إسحاق بن راهوية ومذهبه كتبُ محمد بن نصر المروزي رحمه الله فإنَّه كان ناقلًا لأقواله حفيًّا بها، في كتاب "السنة"، و"قدر الصلاة"، و"اختلاف العلماء".

ـ واعتنى ابن خلكان بضبط أسماء الأعلام الذين ترجم لهم مالم يعتن غيرُه، فهو بالنسبة إلى من بعد زمن الرواية عمدة في ضبط أسمائهم وألقابهم، وقد جرَّد ذلك منه المحقِّق هارون رحمه الله في جزء مستقلِّ سمَّاه: "معجم مقيَّدات ابن خلكان".

ـ وكتاب عبد السلام هارون هو أوَّل كتاب عربي ألف في منهج تحقيق النُّصوص، ومنه نشأت الأبحاث بعده وعليه تفرَّعت.

ـ ومن هذا الباب ـ في بعضه لا جميعه ـ ما كان يقول شيخنا مفلح الرَّشيدي ـ لطف الله به ـ: «من أراد حديث سفيان فعليه بمسند الحميدي، ومن أراد حديث معمر فعليه بمصنَّف عبد الرَّزاق، ومن أراد حديث شعبة فعليه بمسند علي بن الجعد».

وقد يكون الكتاب عمدة في شيء واحد فقط، كأن يعاصر مؤرِّخ حدثًا ما فيكون هو العمدة فيه، أو يختصَّ مترجم بعلم من الأعلام فيكون عليه الاعتماد في ترجمته فهذا لا ينحصر وليس هو من غرضي هنا.

هذا آخر ما جاد به الخاطر الكليل، وإذا جدَّ شيء استدركته في موضعه إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.