
16 May 2008, 06:29 PM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
|
|
المنتسب إلى الدعوة السلفية ”يُقتل!“:
قال الشيخ عائض القرني في شريط سمعي: ’فرّ من الحزبية فرارك من الأسد‘: ”من أوجب على الناس أن يكون أحدهم إخوانيا أو تبليغيا أو سلفيا فإنه يُسستتاب و إلا قُتل!!!“.
قلت: هنيئا للشيخ عائض بقتل جميع الأمة إذاً؛ لأن الأمة في غالبيتها ليست إلا هذه الجماعات!!
إنه لا يُستغرب أن يقول مثل هذا أبو قتادة و أترابه، و لكن المستغرب أن يقوله من وُلد في بلد سلفي، و ينتسب لعلماء سلفيين، و يقول: سماحة الوالد ابن باز، و العلامة الألباني قرين أحمد بن حنبل الشيباني...!
ماذا يقول عائض في قول ابن تيمية كما في 'مجموع الفتاوى' (4 / 149): [لا عيب على من أظهر مذهب السلف، و انتسب إليه، و اعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا]؟!
وكيف يستنكر عائض ضرورة كون المرء سلفيا، مع أن هذا الاستنكار هو شعار أهل البدع؟! قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في 'مجموعه' أيضا (4 / 155): [فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانوا أشهر بالبدعة، فعُلم أن شعار أهل البدع هو ترك انتحال اتباع السلف'.
و قال الذهبي في 'السير' (13 / 380): [فالذي يحتاج إليه الحافظ أن يكون تقيا ذكيا، نحويا لغويا، زكيا حييا، سلفيا...].
و قال في ترجمة الدارقطني (16 / 457): [لم يدخل الرجل أبدا في علم الكلام و الجدال، و لا خاض في ذلك، بل كان سلفيا].
و قال في ترجمة أبي طاهر السِّلفي (21 / 6): [...فالسِّلفي مستفاد من السَّلفي بفتحتين، و هو من كان على مذهب السلف].
و له كلام كثير مثله، و في 'مجموعة رسائل لإصلاح الفرد و المجتمع' للشيخ محمد جميل زينو (ص 126) أن الشيخ ابن باز سُئل عن الفرقة الناجية، فقال: [هم السلفيون، و من مشى على طريقة السلف الصالح].
و قال الشيخ ابن عثيمين في 'شرح العقيدة الواسطية' (1 / 54): [فأهل السنة و الجماعة هم السلف معتقدا، حتى المتأخر إلى يوم القيامة إذا كان على طريقة النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أصحابه، فهو سلفي].
بعد هذه النقول السريعة، فما هو قول الشيخ عائض؟
و ما قيمة إنكاره السابق؟! قال الشيخ الألباني: [لا شك أن مثل هذا الإنكار ـ لو كان يعنيه ـ يلزم منه التبرؤ من الإسلام الصحيح، الذي كان عليه سلفنا الصالح، و على رأسهم النبي ت صلى الله عليه و سلم ـ، كما يشير الحديث المتواتر الذي في الصحيحين و غيرهما، عنه ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، فلا يجوز لمسلم أن يتبرأ من الانتساب إلى السلف الصالح، بينما لو تبرأ من أية نسبة أخرى لم يمكن لأحد من أهل العلم أن ينسبه إلى كفر أو فسوق...
و أما الذي يُنسب إلى السلف الصالح فإنه ينتسب إلى العصمة على وجه العموم، و قد ذكر النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ من علامات الفرقة الناجية أنها تتمسك بما كان عليه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و ما كان عليه أصحابه، فمن تمسك بهم كان يقينا على هدى من ربه...
و لا شك أن التسمية الواضحة الجلية المميِّزة البيِّنة هي أن نقول: أنا مسلم، على الكتاب و السنة، و على منهج سلفنا الصالح، و هي أن نقول باختصار: أنا سلفي]، من مجلة 'الأصالة'، العدد (9)، في (ص 90)، بتاريخ (15 شعبان 1416 هـ).
و في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية بالملكة العربية السعودية، برقم (1361) (2 / 165-166) أنه طُرح السؤال الآتي: ما هي السلفية، و ما رأيكم فيها؟
فكان الجواب: [السلفية نسبة إلى السلف، و السلف هم صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أئمة الهدى من القرون الثلاثة الأولى ـ رضي الله عنهم ـ، الذين شهد لهم رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ بالخير في قوله: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء تسبق شهادة أحدهم يمينه، و يمينه شهادته" رواه أحمد في مسنده و البخاري و مسلم، و السلفيون جمع سلفي، نسبة إلى السلف، و قد تقدم معناه، و هم الذين ساروا على منهاج السلف، من اتباع الكتاب و السنة، و الدعوة إليهما، و العمل بهما، فكانوا بذلك أهل السنة و الجماعة].
إنه لمن المصائب العظام أن يُحوِجنا عائض إلى هذا العرض، و نحن و إياه في البلاد السلفية، لقد كنا في غنى عنه لو كان الولاء لأهل السنة السلفيين صحيحا، و لكن القطيعة الحركية تأبى ذلك!!!
و تَوجُّه هذه البلاد إلى إحياء سيرة سلفنا الصالح معلوم من خطاب قادتهما، قال الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ: [يقولون: إننا وهّابية، و الحقيقة إننا سلفيون محافظون على ديننا، نتبع كتاب الله و سنة رسوله، و ليس بيننا و بين المسلمين إلا كتاب الله و سنة رسوله]، من مجلة 'السلفية'، العدد (5)، في (ص 20)، بتاريخ: (1420-1421 هـ).
هذه هي الدعوة التي قامت عليها هذه البلاد، فـ {لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} (الأعراف 56).
لقد وقع هؤلاء فريسة دعوة ’الإخوان المسلمين‘ الذين غزوا ديارهم بأفكار لم يكونوا يسمعون بها، و تلوّنوا بلونهم برهة من الزمن، و أعطوهم من ألسنتهم ما ليس في قلوبهم، حتى إذا ذلت لهم الطريق، و آنسوا من بلاد الغربة الرفيق، استولدوا بنات أفكارهم في أوكارهم، فتخرّج على أيديهم أشكال غريبة عن دعوة علمائهم، كهذين اللذين سبق ذكر شيء من إنتاجهما المصنوع على عين ’الإخوان‘ في الطعن على الدعوة السلفية.
و لقد قرأت نظما للشيخ عائض القرني في كتابه ’لحن الخلود‘، فما صدقت ما وجدت فيه من شركيات و بدع و ضلالات حركية، لو جاز أن نراها في جميع البلاد الإسلامية، ما جاز أن نراها في بلاد التوحيد و السنة، و لكن زهد هؤلاء في التوحيد و السنة هو الذي أوقعهم فيما يناقض التوحيد و السنة، منها الدعوة إلى شد الرحال إلى قبر النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و الأمر بتقبيله، و طلب الشفاعة منه، وطلب النجاة يوم القيامة منه أيضا، و تكفير من لا يشتغل بفقه الواقع، و الاستخفاف بكتب الفقه، و التحريض على الخروج، و غيرها.
و قد سُقت شيئا منها في كتاب 'مدارك النظر في السياسة'، فلا أعيده، كما سقت هناك علاقة عائض بحزب ’الإخوان المسلمين‘، و أشرت إلى تزكيته العطِرة لرؤوسهم، فلا تغتر بما قاله هنا فيهم و في التبليغ؛ فإن المقصود الأول و الأخير بالطعن هو السلفيون، و إنما جَبن عن التصريح بهم وحدهم ليعمى على الناظرين الغرض المرمي؛ و إلا فإن موقفه المتميع من الجماعات معلوم!
و قد أرسل العلامة عبد العزيز بن باز رسالة إلى الشيخ عائض القرني يستتيبه فيها مما سبق و من غيره، و كذلك فعل العلامة النجمي ـ حفظه الله ـ، و هو مرجع أهل الجنوب في الفتوى بالسعودية، و انتقده بعلم و غيرة سلفية في كتابه 'المورد العذب الزلال فيما انتقد على بعض المناهج الدعوية من العقائد و الأعمال'، قال في (ص 37): [هل تذكر ـ يا شيخ عائض! ـ أني قلت حينما ممرتَ علي في خيمتي بعرفات من حج عام (1416 هـ)، و جرى بيننا النقاش حول بعض الخطاء التي صدرت منك، و احتججت بهذه الحجة: أي أنك قلتها (أي القصيدة) و أنت طالب في المعهد، فقلت لك: و لمَ سمحت بطلعها و نشرها؟ فسكتّ!!
و المهم أن هذه الحجة ليست بحجة، فإذا كنت قلتها قبل أن تكتمل بِنْيتك العلمية كان الواجب عليك أن تعدمها و أنت تعرف أنها خطأ؛ حتى لا يجدها بعض أبنائك فيغتر بها، و الحق أن نشرها يدينك، و التوبة تجبّ ما قبلها].
و فد أردت بهذا أن أبيّن للقراء أن هجوم ’فرقة الإخوان المسلمين‘ على بلاد التوحيد ليفسدوها كان قديما، كما ترى في شهادة الشيخ عائض هنا أنه اِلتقم ثدي الحركيين و هو في المستوى الثانوي، و الأغرب أنه لم يُفطم إلى يوم الناس هذا، ’و محاوراته الصحفية‘ اليوم ليست فطاما؛ و إلا فما يمنعه من أن يكتب كتابا يحذر فيه من الفكر الحركي الذي ورّطه فيما ورّطه فيه، و يعلن خروجه من تنظيمه، و قد تجرع مرّ تغريمه؟!
و أقْدم منه ما كان يُذاع في الإذاعة السعودية من كتب سيد قطب، قال سيد قطب في كتابه ’لماذا أعدموني؟‘ (ص 77): ”و من نحو ستة أشهر وردت إلي رسالة مسجلة من دار الإذاعة السعودية، مرفق بها تحويل بمبلغ (143 جنيها) على بنك بور سعيد، و ذكر في الرسالة أن هذا المبلغ هو قيمة ما أذاعته الإذاعة السعودية من أحاديث مقتبسة من كتابي ’في ظلال القرآن‘ في شهري شعبان و رمضان 1385 هـ، و كنت قد علمت أن الإذاعة السعودية تذيع أحاديث مقتبسة من كتابي منذ سنوات، و أنها مستمرة في إذاعتها، فلما قررت هي مكافأة معينة، رأيت أن أطالبها بقيمة السابق و اللاحق من الإذاعات، و هذا حقي طبيعي كمؤلف“.
قلت: لقد مكثت مدة طويلة و الحيرة تصاحبني من رجال نشأوا في بلاد التوحيد و السنة، يدافعون عن سيد قطب و كتبه التي حوت بدعا و ضلالات غليظة، كما سيأتي إن شاء الله؛ لأنه طبيعي جدا أن يدافع عنه بنو قومه المشاركون له في فكره، أما أن يتحول (أهل السنة!) أبواقا له، فهذا أمر عجب، لكن إذا عرف السبب بطل العجب، و السبب ما بينته لك قريبا.
و ثَم أمر آخر، و هو أن سيد قطب لم يتب مما في ’ظلاله‘ كما يُجهد بعضهم نفسه لإثبات ذلك؛ و إلا فما معنى طلبه أجرة على ما كتب، كما نقلناه قريبا من ’لماذا أعدموني؟‘، و هو آخر ما كتب؟! و ليس غريبا أن يطلب المؤلف أجرة على تأليفه، لكن الغريب أن تباع بدع و ضلالات بأجرة، و قد قيل: أحَشفًا و سوءَ كَيلة؟!
إن كثيرا من علماء بلدك ـ يا عائض! ـ الذين زهدت فيهم يعلّمون أحسن الموضوعات، و بأحسن بيان: بيان الكتاب و السنة، و لا يسألون عليه أجرا كما علمتُ و تعلم أنت، و شيخك في الحركة، يكتب بلا بركة، ثم يسأل ذلك أجرا، فانظر ما بين الرجلين لتعلم قيمة ما أضعت!
ثن إنني تصفحت كتاب القرني ’المسك و العنبر في خطب المنبر‘، فهالني أن أجد جل خطبه ذات طابع ثوري، تقطر بالعبارات المحرضة على الخروج، بل وجدته قد حفظ كل العبارات التي كنا نسمعها من ثوار الجزائر و مصر في حق دولهم، و اتخذها هو علكة يمضغها في خطبه، و ما درى أن تلك العلكة لو زُعم أنها تصلح لغير بلده، فإنها لا تصلح لبلده؛ لأنني رأيت ـ كما رأى هو أيضا إن أنصف ـ من إكرام المملكة لعلمائها و دعاتها ما لم تره عيني في بلد آخر!
فأيقنت أن الرجل صُوِّر له تمثيلية مصرية حركية؛ لأنه تربى على أيدي ’إخوان‘ ذاك البلد و خرافيّيه، يُراد نقل صورة صراعاتها السياسية إلى بلد آمن موحد سني، شَعبه منسجم مع ولاة أمره، الذين أكرموا الشيخ عائضا كغيره من الدعاة، فمكنته من الخطابة و الكتابة، و كذا المحاضرة في أي مكان شاء...
فكان من جزاء الرجل لدولته، أن توهم مرض تلك المسرحية قد انتقل إلى بلاده، و تصور دولته عدوا ملاحقا له، و تخيل السجون و القبور، و هو يغدو و يروح بين القصور، فيا لنلك المعركة بلا نقع، و لذلك الضِّراب بلا وقع!
و إليك بعضا مما وجدته في خطب الشيخ عائض القرني، مما دوّنه في كتابه ’المسك و العنبر‘، فقد قال و هو يتحدث عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ (1 / 34): ”قُتل هذا العظيم... و العظماء يُقتلون دائما؛ لتَعلم أنهم عظماء، فتعيش على نهجهم، و تنظم من دمائهم نظما زكيا تحيا به، و تبني من جماجمهم مكرمات ما كان لها أن تبنى، و تجعل من أشلائهم، تُحفا تتحدى بها التاريخ!!“.
قلت: و لا ريب أن هذه اللهجة معروفة لدى القارئ الحصيف، إنها لهجة من لا يعرف من سيرة الفاروق إلا ما يعرّض به عن سيرة ولي أمره؛ ليعرّف الناس فساد ما هم عليه من سكوت عن هذا الذي ينبغي ’أن تُنظم له دماء زكية لإسقاطه، و تبنى المكرمات على الجماجم، و أن يتركوا أشلاءهم تُحَفا للتاريخ!!!“.
فانظر كيف يدرسون سيرة العظماء العادلين، و لا تكن من المتغافلين!
إنهم لا يدرسونها و لا يدرّسونها إلا ليفهم الناس منها ’المواجهة‘ التي يسميها الفقهاء (خروجا)، و هم يسمونها ’مكرمة و دماء زكية و تحديا للتاريخ!!‘.
و قبل أن يرميني (متصولح) بأنني أدخل في النوايا لقرأ تصريحه نفسه بذلك في قوله في (1 / 356): ”إننا نتحدث عن علي بن أبي طالب في هذا اليوم؛ لأنه بطل المواجهة، و نحن نفتقر إلى المواجهة، لا نتحمل المواجهة!!!
أمة سلّمت قيادها لغيرها، أمة سُحقت كرامتها؛ لأنها لا تملك بطلا للمواجهة!!“.
قلت: فهل آن (للمتصولح) أن يفهم مراد القرني من الكرامة التي أراد أن يبنيها على الجماجم هناك؟!
ثم تابع القرني خطبته معرّضا بدولته و شعبه قائلا: ”أمة أصبح القرار بيد غيرها؛ لأنها لا تقوى على المواجهة!!“
و كونه لم يجد الأبطال، يدخل فيهم العلماء دخولا أوّليا؛ لأن العلماء أولى الناس بالبطولات و المكرمات، و الشيخ عائض يعلم جيدا الظن السيِّء الذي يكنّه شبابه خاصة لأهل العلم، فعلى أي محل تقع الخطبة عندهم؟!
و قال أيضا في (1 / 348): ”إننا نتحدث عن هذا البطل؛ لأننا في عصر نحتاج فيه إلى الأبطال فلا نجدهم! نبحث عن أبطال المواجهة في الحرب و السلم فلا نجد لهم أثرا!!“.
قلت: هذه خطب الجمعة في بلاد الشيخ عائض القرني: بلاد السعودية الآمنة!
تُرى: يواجه من؟
فإن قال المؤيد المتستر بالصلاح و الإصلاح: لعله يقصد بلادا أخرى؟
قلنا: فأنتم فقهاء واقع، فكيف لا تنطلقون من الواقع؟!!
ثم أنتم ترمون غيركم ـ ممن يشارككم في إثارة الفتن ـ بالجبن، فلِمَ جبنتم هنا عن التصريح بما في نفوسكم و أنتم أبطال المواجهة؟!
فإما هو يقصد السعودية كما هو واضح جلي، فهو إذًا على رأي الخوارج و المعتزلة في الإثارة و الخروج، و إما هو يقصد غيرها كما هو رأي (المتصولح المتغافل)، فأين فقه الشيخ للواقع؟! و الله المستعان.
أما قولي: إنه يعرّض بدولته و شعبه فهذا أوان بيانه، قال في (1 / 193): ”لا يُبعث نبي إلا و قد هيّأ الله هناك طاغية يتربص به، و لا يحمل رائد من روّاد الدعوة مبدأ إلا و يتهيّأ له ظالم يرصده...
قطيع الضأن: الشعوب التي لا تفهم إلا الخبز، و لا تفهم إلا الأكل، و لا تفهم إلا ثقافة القِدر و الجيب و البطن، تصفق للطاغية، و تحثو على رأس الداعية، الشعوب المهلهلة المهترية المتهالكة من داخل... !!“.
قلت: هذه الخطبة أيضا أُلقيت في بلاد الشيخ عائض!
قام الخطيب هنا بالطعن في شعبه و في دولته؛ أما الشعب فهو عنده قطيع ضأن، ليس يحسن إلا التصفيق للطاغية و أتباعه، و ليس له من دين سوى اللهث وراء ما يدخل بطنه!!
و أما الدولة فهي عنده طاغية، و إلا فمن هو المقصود من كلامه آنفا؟!
ثم لم يسلم إلا ’روّاد الدعوة‘، يعني نفسه و أمثاله ممن تفطن لما عليه الطاغية!!
هكذا تصوّر هذه البلاد، و على هذا التهييج على سفك الدماء تستثار عواطف الحضور، فبأي عقيدة يخرج الشاب الممتلئ حماسة من مسجد هذا الخطيب؟!
هذه الخطب لا تربي في نفوس الشعوب إلا الحقد على ولاة أمورهم، و هي أكبر عامل لحل معاقد أمورهم.
على هذه الخطب يتربى المراهقون السياسيون، و في أوكارها يفرّخ الخوارج المارقون، و لتجدنهم أحرص الناس على حياتها و تلميع أصحابها، و الأمر لله.
و كيف يكون تصور من يعيش خارجها؟!
إنه لا يتصور إلا السجون و الدماء، لاسيّما عند المبتدعة الحاقدين على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ، الذين يطربون لتصوير السعودية قاعدة من قواعد أمريكا في جزيرة العرب، و لا يهمهم في ذلك أدنى تحقُّق، بل لوجاءهم في ذلك خبر من إعلام الكفار لصدقوه بـ(نَعم)، و وافقوه بنهم!!
و لذلك بكى الشيخ عائض على استيلاء جبابرة على بلاد نجد في زعمه، و الذين حوّلوا أهلها ـ بجبروتهم ـ إلى يتامى ذليلين، حيث قال في كتابه ’لحن الخلود‘ (ص 46-47):
فبكت لمّا رأت نجدا و ما [][][] دمعها إلا معان و كلاما
وقال أيضا:
لا تحدثني عم العمران في [][][] أرضكم يا صاح و الأهل يتامى
أنا لا أَرغب سكنى القصر ما [][][] دام قلبي في حثى الذل مساما
و قال في أيضا في (ص 49):
لا تبع ذمّتك العظمى و لو [][][] ألبسوك بشتا ذهبي
قلت: البشت: هو الرداء الذي يلبسه المرء فوق ثيابه، مفتوح من قدّام فتحا كاملا، اشتهر بلبسه ذوو الوجاهة من الأمراء و العلماء، و قد قال الشيخ عبد العزيز بن علي الحربي في كتابه 'ما هبّ و دبّ' (ص 29): [و ليس في (القاموس) و لا في (اللسان) و لا في العربية أصلا لفظة (بِشْت بكسر الباء]، و أنشد في (ص 27):
و ليس في القاموس و اللسان [][][] لفظة (غترة) و لا (الفستان)
و (البشت) و (البوت) كذا (الفنيلة) [][][] و (الكلسون) ثم (بوت) (بوتة)
و المقصود أن الشيخ عائضا ههنا يطعن على العلماء بأنهم باعوا ذممهم لولاة الأمر بـ 'بشت ذهبي'!!
و تأمل دعوته إلى الدماء في قوله في (ص 56):
و عبيد الأرض لا حول لهم [][][] و زوال الملك عنهم في وشك
أيها المؤمن لا تحفل بمن [][][] يرفع السوط و يلقي الشرك
فارفع الذل و لا ترضى الخضوع [][][] لرئيس مستبد أو ملك
أنت كالبركان لا يُدرى به [][][] فإذا ثار تلظى و احترك
دمك الطهري لا بخل به [][][] و ابذل النفس بساح المعترك
هذه نماذج من خطب الشيخ عائض القرني و نظمه، هذه النماذج التي لا يرى فيها قوم ما يستنكر، مع أنها لو تليت على الأصم لأهطع!
و أخيرا،فإن ما تركته أكثر بكثير مما سقته هنا، و هو يحاول تشويه صورة العلماء، و أي علماء! !
كما يحاول تشويه صورة ولي أمره، و إظهاره للناس على أنه ’دكتاتوري‘ متغطرس، و لو كانت دولته ’دكتاتورية‘ كما تفوح به هذه الخطب الثورية، لما كان لمثله أن يرقى المنبر مجاهرا بلا تورية، أو تراه لو قالها في دولة الحَجّاج يبيت ليلة واحدة؟!!
قال الله ـ تعالى ـ: {و إذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى} (الأنعام 152).
|