الحمد لله وصلّى الله وبارك وسلم على نبيّه ومصطفاه نبيّنا محمد وعلى آله وصحابته ومن اقتفى آثارهم إلى يوم الدّين وبعد:
فقد توارث أهل السنّة كابرا عن كابر منهجا أصيلا في معاملة النّاس على اختلاف طبقاتهم وتعدّد مشاربهم، ومن ذلك مناقشة العالم وبيان خطئه مهما علت منزلته بين الأنام، بشرط أن يكون بالحجّة والبيان، ولم يرفض هذا المسلك الإسلامي عبر العصور إلاّ أهل التعصّب من أتباع المذاهب والفرق والنحل، حتى وصل بهم الحال إلى تثبيت العصمة في حق متبوعيهم، ولو أنّهم تمسّكوا بحبل الله المتين وانتبهوا إلى دلائل الرسالة المحمّدية لعلموا أنّ كافّة البشرية خلا الأنبياء عرضة للخطأ والزلل، وأنّ الله في عالي سمائه أوجب على عباده توحيد اتّباع الصادق المصدوق والبشير النذير صلى الله عليه وسلم، وجعل له سنّة فعلية وقولية وتقريرية، وفرض على الناس الأخذ بأوامره والانتهاء عن نواهيه، أمّا غيره فيؤخذ من أقوالهم فقط ما وافق هديه صلى الله عليه وسلم، وسرّ ذلك في تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «المنهاج 3 /168» حيث قال: «الرّجل العظيم في العلم والدّين من الصحابة والتابعين من بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن، ونوع من الهوى الخفيّ فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتّباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين»، رحمه الله! فقد تكلّم بما حدث في فتنة المفرّقين، حيث خالف الحقّ فيها من كان محسوبا عند أهل السنة من العلماء الثقات كالشيخ الدكتور فركوس –عفا الله عنه- واتّضح مع مرور الوقت فحش غلطه وكبير خطئه، لذلك كان لزاما على الغيور على دعوة أهل السنة أن يناقشه في تلك الأخطاء، ضاربا عرض الحائط بتشغيبات المتعصّبة الذين اعترضوا من أول يوم على ردود أهل الحق على الدكتور وعلى من هو دونه، وهذا نذير شرّ أنذر عن شيء قليل من مفاسد هذه الفتنة التي دّمرت عقائد أقوام وعصفت بعقولهم.
وتأمّل أخي المنصف في تهويلات القوم ثم لك أن تعجب بعد ذلك من شدّة تناقضهم: فقد حاولوا –عبثا- التشويش على «الحوار الهادئ» بشعارات مختلفة تصبّ في مصبّ واحد، مع أنّي جعلته من أوّله إلى هذه الحلقة في قالب استفتاء ومساءلة، واستشكلت أشياء توجّهتُ بها إلى من يعتقد فيه هؤلاء بأنّه مفتي إفريقيا وريحانة الأمّة، فلا أدري ما سبب انزعاجهم وهل صاروا يعتقدون حُرمة سؤال الشيخ؟! مع أنّ جمعة قرّر بأنّ الدكتور هو من يسأل فقط في النوازل والفتن!
فيا عباد الله: أنا سألتُ وحقّ السؤال الجواب! فحتى بعدما عجز الدكتور عن الردّ، فيبقى هذا الحوار في الأخير بين الكاتب والمكتوب إليه! فما دخلكم؟! ولماذا حشرتم أنفسكم في موضوع لا علاقة لكم به مع أنّ المعني حيّ يرزق؟! فتفضّلوا -على الأقلّ- وأجيبوا بأجوبة علمية وهي والله خدمة جليلة تقدّمونها لشيخكم، لأنّني على اليقين أنّه سيَسعد بها، لكنّكم لم تفعلوا، لأنّ العجز كبَّلَكم!
وبين يديك أخي القارئ الحلقة الخامسة من «الحوار الهادئ»، وبالله أستعين:
الشهادة الثالثة: يقول محمد حاج عيسى وهو من أقدم طلبة الدكتور، وقد أشرف عليه في رسالة الدكتوراه، يقول:
«يوما كنت طالبا عند الشيخ فركوس، كان يهزأ من هذا المنهج الفاسد، وممّا كان يقول: جعلوا زيارة ربيع من مناسك العمرة، والله لا أزوره، فلما زاره حلّ به ما حلّ به الآن».
قلتُ: كيف يتواطأ هؤلاء على رواية موقف الدكتور القديم من العلاّمة ربيع المدخلي –حفظه الله-؟! ولماذا سكت الدكتور ولم يتبرّأ ممّا نسبه إليه هؤلاء؟! مع أنّه تبرّأ من أشياء كثيرة نسبت إليه واشتُهر بهذا، ومن أهمّها الكلام الذي نسب إليه وفيه تحذيره من ابن حنفيّة وطعنه فيه كما في موقعه الرسميّ؟!
فقد جاء في موقع الدكتور الرسمي يوم: «15 ربيعٍ الثاني 1425 هـ»، تكذيبا بعنوان:
«نصيحةٌ مزعومةٌ»، ممّا جاء فيه:
«فلقد أُطلعت على فحوى رسالة الإخوة في الله مِن مدينة معسكر ـ حرسها الله مِن كلِّ سوءٍ ـ، كاشفين إرادتَهم في بغية التحقيق في مدى صحَّة نسبة المقالة الموسومة ï؛‘ «نصيحة الشيخ د. محمَّد علي فركوس لطلبته» المتداولة بين الطلبة والعوامِّ في مدينة معسكر وغيرهـا من المدن والقرى، وقد تضمَّنتِ انتقاصًا لبعض الدعاة السلفيين مثل الشيخ صالح آل الشيخ وسليم الهلالي وغيرهما، كما احتوت جرحًا لبعض أعيان دعاةِ منطقتهم ونقدًا لكتبهم وآرائهم. فإنَّ أبا عبد المعزِّ فركوس ينكر هذه النسبةَ مطلقًا، ويشهد أنه ما تعرَّض في مجلسٍ ولا ملتقًى ولا مَجْمعٍ لهؤلاء الدعاة والأعيان المذكورين، ولم يعلم من قبلُ بهذه النصيحة ولا خطَّها بيمينه، وأنَّ أسلوب كتابتها مغايرٌ لأسلوبه، فضلًا على أنه لم يسبق وأن اطَّلع على مجمل كتب بن حنفية عابدين ولا على أفكاره وآراءه ومنهجه»، انتهى.
وهناك بيانات كثيرة تشبه هذا البيان أذكر منها على سبيل المثال:
الأوّل: البيان الذي كتبته إدارة موقع الدكتور الرسمي يوم: «7 ربيعٍ الأوَّل 1428هـ» «الموافق لـ: 26 مارس 2007م»، بعنوان: «افتراءٌ في التزهيد في الإقبال على الدراسة في دار الحديث بالدمَّاج ـ اليمن»، ومّما جاء فيه:
«فممَّا يُؤسَفُ له الأسفَ الشديد أن يُذاع عن أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس تحذيرُه من مركز الشيخ مقبل بن هادي الوادعيّ رحمه الله بالدمَّاج ـ اليمن ـ فإنَّ هذا الخبرَ المنتشر عندكم إشاعةٌ غايةٌ في الافتراء عليه لا أساسَ لها مِن الصحَّة، ولا وجه لها مِن الحقِّ والنظر، والشائعةُ إذا لم يُتثبَّت منها فهي عين الكذب وقد سمَّاها الله تعالى إفكًا».
المثال الثاني: التكذيب الذي كتبته إدارة موقع الدكتور الرسمي يوم: «26ربيعٍ الأوَّل 1427 هـ» «المـوافق لـ 24 أبريل 2006 م»، بعنوان: «تعقـيبٌ وتثـريبٌ على مقال إحدى الجرائد الأسبوعية»، جاء في خاتمته:
«إنَّ إدارة الموقع إذ تكتب هذا التكذيبَ، إنَّما هو نصرةً لدين الله عزَّ وجلَّ أن يُنسب إليه ما ليس فيه بناءً على خطإٍ في النقل، ودفاعًا عن الشيخ أبي عبد المعزِّ ـ حفظه الله ـ الذي يفتري عليه المُفْتَرون بين الفترة والأخرى، كما تنصح إدارةُ الموقع ناقلَ الفتوى بالتوبة والاستغفار ممَّا صدر منه مِن بترٍ وخلطٍ وتدليسٍ وتبخيس الناس أشياءَهم، وأن لا يكون عونًا على نشر الباطل في صورة الحقِّ، والله المستعان وعليه التكلان»، انتهى.
قلت: هذه هي عوائد الدكتور من زمان، وهذا هو مسلكه في التعامل مع الشائعات، فلماذا خرج عن هذه الطريقة التي ارتضاها لنفسه منذ زمن بعيد؟!
وأخيرا: يا دكتور هل يُلام شرعا من صدّق هؤلاء وأخذ بشهادتهم وأدانك بما جاء فيها؟! فإن قيل: نعم يُلام ويُحرم عليه الاعتماد على شهادة الحزبيين الكذّابين! قلنا: وأين كانت هذه النظرة إبّان هذه الفتنة عندما قبِلتَ وقبل من معك من المفرّقين شهادة عبد المالك وابن حنفية وغيرهما من المنحرفين والكذابين في حقّ السلفيين؟! حتّى كتب البوق الفتان بويران مقالا كاملا على مرأى منك اعتمد فيه من أوّله إلى آخره على شهادات عبد المالك، سمّاه بـ
{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}؟! وأنت تعلم يا دكتور أنّ الشرع لا يفرّق بين المتماثلات! فهل من إجابات واضحات؟!
كتبتَ يا دكتور –وفقك الله- في «موقعك الرسمي» يوم:
«29 ربيع الأول 1430 هـ، المـوافق لـ: 26 مـارس 2009 نصراني» كلمتك الشهرية رقم: «40» بعنوان:
«في ضوابط الاستفادة من كتب المبتدعة»، لديّ عليها بعض الإشكالات:
قلتَ –وفقك الله-:
«فلا يتوقَّف النظرُ في مسألةِ الاستفادةِ مِن كُتُب أهل البدع ومؤلَّفاتهم على صِدْقِ المبتدِع أو عدَمِه بقَدْرِ ما يُنْظَر فيها إلى نوعِ العلم الذي يُلْقيه أو يسطِّره في كتابه، ومدى تأثُّرِ الناس به وببدعته، ومِن زاويةِ هذه الرؤية يُفرَّق بين مَن يمتلك آلةَ التمييز بين الحقِّ والباطل وبين فاقِدِ أهليةِ التمييز».
التعليق: لكنّنا لم نشاهد في هذه الفتنة هذا التفريق -الذي قرّرته نظريا في هذه الفتوى- بين من يمتلك آلة التمييز وبين فاقدها؟! فما هو سبب إهمالك لهذا التوجيه السديد في وقت كان الشباب في أمسّ الحاجة إلى ما يضبط عواطفهم؟! حتّى أفْتيتُم جميعا –وكنتم بين مُقَرِّرٍ ومُقِرٍّ- بحرق كتب بعض مخالفيكم من أهل السنّة، وأخذ النّاس بفتواكم وأحرقوا فعلا كتبًا دافعت عن الصحابة وردَّت على الزنادقة! ولن نلجأ إلى مسألة التمييز التي طرحتها لأنّها لم تتضمّن بدعة أو منكرا.
قلتَ –وفقك الله-:
«فإن كان نوعُ العلم الذي تضمَّنه مؤلَّفُهم يحتوي على فسادٍ محضٍ مِن زيغٍ وضلالٍ وخرافةٍ في الاعتقادِ وتحكيمٍ للهوى وعدولٍ عن النصوص الشرعية وانحرافٍ عن الأصول المعتمَدة: ككُتُبِ أهل الكلام والتنجيم، سواءٌ صَدَرَ مِن رافضيٍّ أو خارجيٍّ أو مرجئٍ أو قَدَرِيٍّ أو قُبوريٍّ؛ فإنَّ نصوص الأئمَّةِ في كُتُبِ السِّيَرِ والاعتصامِ بالسُّنَّة حافلةٌ بمُنابَذةِ المُبْتَدِعة والتخلِّي عن الاستفادةِ مِن مؤلَّفاتهم وكُتُبِهم خشيةَ الافتتان بآرائهم المُخالِفة للسُّنَّة والتأثُّرِ بفساد أفكارهم والانزلاقِ في بدعتهم وضلالهم، وقد حَذَّروا مِن النظرِ في كُتُب أهلِ الأهواء، وحثُّوا على إبعادها وإتلافها تعزيرًا لأهل البدع، وتفاديًا لمَفْسَدةِ التأثُّر بها على دينهم».
التعليق: وهل تعتقد يا دكتور بأنّ مجلّة الإصلاح تندرج تحت هذا النوع الذي حوى
«على فسادٍ محضٍ مِن زيغٍ وضلالٍ وخرافةٍ في الاعتقادِ وتحكيمٍ للهوى وعدولٍ عن النصوص الشرعية وانحرافٍ عن الأصول المعتمَدة»، فحذّرت منها ونفّرت عنها النّاس، وبتلك الطريقة العنيفة؟!
قلتَ –وفقك الله-:
«وضمن هذا المعنى يقول ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «وكلُّ هذه الكتبِ المتضمِّنةِ لمُخالَفة السُّنَّةِ غيرُ مأذونٍ فيها بل مأذونٌ في مَحْقِها وإتلافها، وما على الأمَّةِ أَضَرُّ منها، وقد حرَّق الصحابةُ جميعَ المصاحف المُخالِفةِ لمصحفِ عثمان لمَّا خافوا على الأُمَّةِ مِن الاختلاف، فكيف لو رأَوْا هذه الكُتُبَ التي أوقعَتِ الخلافَ والتفرُّق بين الأمَّة؟».
التعليق: كما هو ظاهر في سياق كلامك فأنتَ تسوق كلام ابن القيم رحمه الله وأنت مدركٌ تمام الإدراك بأنّ مسألة الحرق والإتلاف متعلّقة بكتب البدعة والزندقة! ولا علاقة لها بكتب المُخالف الذي لم يأت بمخالفة فيها؟! فلماذا لم تُنكر على جمعة فتواه الشيطانية؟! ولماذا سكتّ عن لزهر عندما أيّدها في تعليقه على مقال نَمّام مغنيّة عبد الصمد في منتدى المطّة، وأقرّ ما فيه من الباطل في هذه المسألة؟!
قلتَ –وفقك الله-:
«أمَّا إذا كان نوعُ العلمِ في كُتُبِهم ومصنَّفاتهم ممتزِجًا بين الحقِّ والباطل مِن كُتُب الأصول، فإن كان طالِبُ العلمِ فاقدًا أهليةَ النظر، لا يقتدر على التمييز بين الممزوج ولا يعرف حدودَ الحقِّ مِن الباطل؛ فحكمُه تركُ النظرِ ـ أيضًا ـ في هذه المصنَّفات والكُتُبِ خشيةَ الوقوعِ في تلبيساتهم وتضليلاتهم».
التعليق: لنفرض أنّ مجلة الإصلاح وكتب خصومكم امتزج فيها الحق بالباطل! فهل يسمح لطالب العلم المالِك لآلة التمييز أن يقرأها؟! إن قلت: نعم له ذلك، قلنا لك: فلماذا خالفت هذا عمليا في هذه الفتنة؟! وإن قلت: لا يسمح له، قلنا: ما وجه استثناء هذه الحالة من فتواك النظريّة؟!
قلتَ –وفقك الله-:
«وأمَّا إن كان طالِبُ العلمِ الناظرُ فيها متشبِّعًا بالعلم الشرعيِّ الصحيح، ويملك آلةَ التمييزِ بين الحقِّ والباطل والهدى والضلال، واحتاج إلى الاطِّلاع عليـها: إمَّا لدراستها وتحقيقِ صوابها مِن خطئها، وإمَّا للردِّ على ما تتضمَّنه مِن انحرافٍ وزيغٍ وخرافةٍ؛ فله أن يُقْبِل عليها، ويَقْبَلَ الحقَّ مِن أيِّ جهةٍ كان، فقَدْ كان مِن عَدْلِ سَلَفِنا الصالحِ قَبولُ ما عند جميعِ الطوائف مِن الحقِّ ولا يتوقَّفون عن قبوله، ويردُّون ما عند هذه الطوائفِ مِن الباطل، فالمُوالي منها والمعادي سواءٌ؛ إذ لا أَثَرَ للمتكلِّم بالحقِّ في قبـوله أو رَفْضِه».
التعليق: يا دكتور –غفر الله لي ولك- تجيز نظريًا لطالب العلم المُمتلك للأهليّة أن ينظر في الكتب التي اختلط فيها الحق بالباطل والهدى بالضلال بنيّة الردّ عليها وبيان فسادها، وفي نفس الوقت تحرّم عليه –عمليّا- النظر في كتبٍ لم يمتزج فيها الحق بالباطل وتطالبه بتهميشها حّتى بنيّة الردّ والبيان؟! وضِّح لنا المسألة.
قلتَ –وفقك الله-:
«وفي هذا المعنى مِن تحصيلِ النفع ممَّن فيه بدعةٌ يقول ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «فإذا تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد وغيرِ ذلك إلَّا بمَن فيه بدعةٌ مَضَرَّتُها دون مَضَرَّةِ تركِ ذلك الواجبِ؛ كان تحصيلُ مصلحةِ الواجبِ مع مفسدةٍ مرجوحةٍ معه خيرًا مِن العكس؛ ولهذا كان الكلامُ في هذه المسائلِ فيه تفصيلٌ».
التعليق: لا يختلف اثنان بأنّ المصلحة في بلادنا وفي هذه الأيّام العصيبة تكمن في إقامة واجبات الدعوة ونشر العلم والجهاد العلميّ في حق أعداء الله من العلمانيّين والملاحدة والروافض وعبّاد القبور، وأنّ هذه المصلحة لا تقوم معها مصلحة التحذير من دعاة السنّة ممّن أصابهم الوهن والضعف، واقترفوا بعض الأخطاء التي لا ترقى إلى الضلالات، فلماذا لم تعمل يا دكتور بكلام ابن تيمية ولم تقدّم مصلحة الدعوة على مصلحة مخاصمة إخوانك وهي مصلحة مرجوحة بلا أدنى شكّ؟! اللّهم إلاّ إذا كنتَ تعتقد أنّ جماعة الإصلاح صاروا أشرّ وأخطر من أهل البدعة المغلّظة!! وفي هذه الحالة يجب عليك إظهار ذلك بأدلّته لأنّ القضية خطيرة لا تحتمل التأخير، وإذا كان هذا معتقدك فيهم فبأيّ منطق قرّرت تهميشهم وتهميش الردود عليهم مع أنّ خطورتهم بلغت هذا الحدّ؟! ننتظر الجواب.
قلتَ –وفقك الله-:
«لا يقال في حقِّ هذه المصنَّفات: «خُذِ الحقَّ منها واتْرُكِ الباطلَ» مطلقًا إلَّا لمن كان محصَّنًا بالعلم الشرعيِّ النافع، قادرًا على محاصَرة كُتُبِ أهلِ البدع المُخالِفين لمنهج أهل الحقِّ، وتطويقِ آرائهم وشُبُهاتهم؛ حفظًا لعقيدة المؤمنين مِن الفساد العقديِّ، وحمايةً لقلوبهم مِن الشُّبَهِ والتلبيس، وصيـانةً لعقولهم منها، علمًا أنَّ مشروعية تركِ النظر في كُتُبِ المُخالِفين لمنهجِ أهلِ الحقِّ إنما تندرج تحت قاعدةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تُعَدُّ مِن أهمِّ أُسُسِ هذا الدين وقواعده».
التعليق: أخبرني يا دكتور ما الذي تغيّر اليوم في هذه الفتنة؟! هل خلَت الأرض من المُحصّنين بالعلم الشرعيّ والقادرين على محاصرة المخالفين حتّى أطلقتَ فتوى التهميش ولم تستثنِ منها واحدا من النّاس؟! بل أنت يا دكتور وقد عدّك أتباعك من أعلم أهل الأرض لم تقرأ مقالات خصومكم وردودهم عليك كما ينقل عنك! ولم تجب عنها ولم تقدر على بيان ما فيها من الباطل؟! فكيف نستطيع تطبيق كلامك السابق تطبيقا عمليّا في هذه الفتنة؟! وللأسف كلّ مرّة نرجع إلى نفس الإشكال: ما معنى قاعدة التهميش وما هي شروط تطبيقها؟! فقد احتار في هذه النقطة الشائكة أتباعك قبل خصومك، واختلفوا كما رأيناهم وتفرّقوا إلى مذاهب، وصار الواحد منهم يردّ ويكتب ويأتي الآخر فيعارضه وينكر عليه تهميشه لقاعدة التهميش، فيجيب الآخر بأنّ ما قام به هو استثناء من القاعدة! وهكذا ضاعت فائدة هذه القاعدة التي بنيتُم عليها مجدا كبيرا، وكلّ ذلك راجع إلى صمتك وإحجامك عن شرحها، والله المستعان.
أيّها الشيخ الدكتور –وفقني الله وإيّاك- إنّ من أشدّ الرياح التي عصفت بأهل السنّة في هذه الفتنة، وأخطر المعاول التي فتكت بأصول هذه الدعوة المباركة، بل وفتكت حتّى بالتوحيد الذي هو أصل الديانة، ظاهرة «الغلوّ» فيك –تحديدا-، ومجاوزة الحدّ الشرعيّ في مدحك، وهذا ما لم يكن يعرفه السلفيون في هذه البلاد من قبل هذه الفتنة.
وقبل أن أنقل لك بعض الأمثلة التي تؤكّد هذا، لابدّ من توضيح أمر مهمّ متعلّق ببوّابة هذه القضيّة وهو: إلزام النّاس بالأخذ بقولك من غير نظر ولا تفكير، وإيهام الخلق بأنّ المعترض على جنابك قد ارتكب جريمة عظمى لا تقلّ خطورة عن جريمة ردّ نصوص الشرع! وهي –والله- داهية الدواهي، وأوّل خطوات الغلوّ التي رأيناها في هذه الفتنة رأي العين، وممّا زاد من خطورتها أنّك –عفا الله عنّي وعنك- ألمحتَ إلى تقرير هذا في نفوس الناس، وأكدت بإشارات واضحة وفي مناسبات كثيرة أنّ كل من يردّ كلامك أو يناقشك أو يرجّح قولا غير قولك فهو لا يحترمك بل ويطعن فيك! -وأيم الله – إن لم يكن في هذا المسلك دعوة للغلوّ في شخصك فلا يدري الموحّدون ما هو الغلوّ!
فضيلة الدكتور –وفقك الله- ألستَ اصاحب الفتوى الموجودة في «موقعك الرسمي»
«برقم:1071» وتحت عنوان:
«في أدب النصيحة مع المخالف»، وقد قلت فيها:
«الأسلوب المطلوب مِن دُعاتِنا السّلفيّين ومَنْ تبعهم تذكيرُهم وعدمُ غشِّهم في التّوجيهِ والمقصدِ، بحيث يشعر المنتقَدُ بانكشافِ الحقِّ وظهورِه والرّضوخِ له دون إلزامٍ أو إرغامٍ، لا بنقولِ العلماءِ ولا بما يُنْقَل عنِّي، لأنّ المطلوبَ دعوةً في مثلِ هذه المواقفِ تضييقُ فجوةِ الخلافِ لا توسيعُها، وحصرُ حدّةِ الكراهةِ لا تأجيجُها، لأنّ الدّاعيةَ إلى اللهِ تعالى العدلَ الذي يريد نصيحةَ غيرِه مِنَ الدّعاةِ ومَن دونهم ويتواصى بالحقِّ معهم عليه أنْ يتوخّى في أسلوبِه عوامِلَ التّذكيرِ والتّأثيرِ، بحيث لا يشعر الدّاعي إلى الحقِّ بعُجْبٍ ولا غرورٍ، كما لا يُحِسّ المتراجِعُ عنِ الخطإِ بالذّلِّ والهوانِ».
قلت: فما الذي تغيّر اليوم يا دكتور حتّى تغيّرت فتواك -على الأقلّ عمليّا- فألزمتَ خصومك بقولك وترجيحك في هذه الفتنة، وأرغمتهم على الانصياع لتوجيهاتك، وأحسستَهم بالذلّ والهوان لاسيما عندما طالبهم مُتعصِّبوك بالمسارعة إلى التوبة بين يديك والسعي إلى التراجع في مجلسِك، وتقبيل رأسك؟! فما الذي تغيّر؟!
وسأذكر هنا نماذج من صور الغلوّ الشنيع الذي انتشر هذه الأيّام على مرأى منك، وأستهلّها –للأسف الشديد- بما صدر منك في شخصك، من إطراء غريب ومدح مبالغ فيه، يُنكر على المتكلّم به إن هو مدح به غيره! فكيف وقد قاله عن نفسه!
فقد جاء في «موقعك الرسمي» بتاريخ: «10 شوَّال 1439 هـ»، «الموافق لـ 24 يونيو 2018 نصراني»، ردٌّ كتَبته «إدارتك» بعنوان:
«تنبيه أُولي البصائر في ردِّ مقولةِ: «وماذا قدَّم الدكتور فركوس للجزائر»، عندي عليه بعض الإشكالات:
قالوا –عفا الله عنهم-:
«فإنَّ بَخْسَ أهلِ الحقِّ حقَّهم، والتقليلَ مِنْ قيمتهم التي بوَّأهم اللهُ إيَّاها سبيلُ المعاندين ودربُ الشانئين، عُرِف بها ـ منذ القِدَم ـ الجاحدون لوضوح الحقِّ وضيائه، فلا يحصد منهم ـ في دعوته لهم ـ غيرَ الأحقاد والشنآن».
التعليق: الصحفي المغمور قال: ماذا قدّم فركوس للجزائر، ولم يقل ماذا قدّم الإسلام أو المسلمون للجزائر! فما سبب هذا الخلط بين شخصكم وبين الإسلام والحقّ!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«يتهجَّمون على الشيخ أبي عبد المُعِزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ مُنتقِصين مِنْ رتبته العلمية، ومُزدَرِين بمردوده وآثاره الإيجابيَّة، في محاولةٍ يائسةٍ لتشويهِ صورته لدى العامَّة والخاصَّة، فيردِّد بعضُهم لبعضٍ مقولةَ: «وماذا قدَّم الدكتور فركوس للجزائر؟!» فهُم أشبهُ بالرافضة: يتناظرون بينهم في المعدوم: هل هو شيءٌ أو ليس بشيء؟».
التعليق: هل سبب تشبيههم بالرافضة هو سؤالهم -ولو على سبيل الاحتقار-: ماذا قدّم فركوس للجزائر؟! فما هو الفرق بين تشبيهكم وتشبيه العلامة الجابري إذن؟! أجِبنا من فضلك.
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وللجواب عن هذه الفريةِ التي لا تصدر إلَّا مِنْ نفسيَّةٍ مصنِّفةٍ ومتصيِّدةٍ لا تهتمُّ بمقاصد الكلام ومعانيه، ولا بإحسان الظنِّ بالغير ومَرامِيه، وتقترن بها ـ غالبًا ـ لوثةُ حسدٍ يُعمي ويُصِمُّ».
التعليق: هل أصبح السؤال عن جهود الدكتور التي قدّمها للجزائر! لا يصدر إلاّ من نفسيّة مصنّفة ومتصيّدة، بها لوثة حسد! ألا يوجد استثناء يا دكتور ربما يوجد من يسأل ليستفيد أو ليرفع شبهة عن نفسه! ولا شكّ أنّ حقّ الجميع هو الجواب والتعليم لا غير!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«فإنَّ كُلِّ مُنصِفٍ لم يحجب الحقدُ بصرَه غطاءً، ولم يمنع الحسدُ بصيرتَه غشاءً، لَيدرِك ـ بأدنى نظرٍ وأقلِّ تأمُّلٍ ـ أنَّ الشيخ أبا عبد المُعِزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ مِنْ أكثر الشخصيَّات الدِّينية في زماننا هذا ـ إِنْ لم يكن أكثرَهم ـ علمًا وعطاءً لبلده الجزائر، على وجه الإطلاق، لا فخرًا على الأقران، ولا عُلُوًّا في الأرض ولا ارتفاعًا بالنفس ولا ابتغاءَ شهرةٍ».
التعليق: كيف طابت نفسك يا دكتور بعد قراءة هذه الفقرة؟! وكيف سمحتَ بنشرها بعد مراجعتها؟! هل أصبح ضابط الإنصاف عندك ودليله هو الاعتراف بمنزلتكم؟! وهل أضحى تقديركم هو البرهان على طهارة القلب من الحسد؟! هل مآثركم بلغت في الوضوح كل هذا المبلغ إلى درجة أن الرجل بأدنى نظر وأقل تأمّل يتوصّل إلى معرفة مقامكم؟! كنّا نظن أنّ هذه المنزلة في الجزائر قد بلغها ابن باديس والإبراهيمي وإخوانهم، فهم –فقط- من يعرفهم القاصي والداني، وكذلك الألباني وابن باز والعثيمين، فأهل الجزائر -بموافِقهم ومخالفهم- يقدّرون هؤلاء الجبال ويعرفون فضائلهم ومآثرهم بالصورة التي تقرّرت في بيانكم!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«كيف لا وقَدْ تخرَّج على يدَيْه في الجامعة الإسلامية بالجزائر ثُلَّةٌ غيرُ يسيرةٍ مِنَ الدكاترة وأصحابِ الشهادات، منهم الأئمَّة والمُشتغِلون بالدعوة والفتوى، ومنهم مَنْ يتبوَّأ مناصبَ عُلْيَا في الإدارات العامَّة والجامعات الجزائرية، إداريِّين كانوا أو أساتذةً، ولا غرابةَ في ذلك».
التعليق: نعم لا غرابة في ذلك فهذا القدر المذكور يَشترك فيه مع الدكتور الكثير من الأساتذة في الجامعات! ومنهم العيد شريفي الذي ظفر بنصيب وافر منه! فأين هو التميّز في هذه المنقبة؟!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«بل هو معهودٌ مِنْ سيرته العلمية وسلوكِه الأخلاقيِّ، فشهاداتُه العلمية العليا مُستحَقَّةٌ بجدارةٍ وشرفٍ وامتيازٍ وأمانةٍ علميةٍ، بعيدةٍ عن شهادات الزور التي يحملها بعضُ الدكاترة ومَنْ في شاكلتهم ـ اليومَ ـ فرسائلُهم مليئةٌ بالسطو على بحوث المجتهدين، ومحشوَّةٌ بالاستنساخ مِنْ إنتاج المُجِدِّين، وعاجَّةٌ بالسرقات العلمية، وبمختلف أنواع القرصنة».
التعليق: –بفضل الله- ما أكثر الدكاترة الذين يصحّ أن يقال عن شهاداتهم أنّها
«مُستحَقَّةٌ بجدارةٍ وشرفٍ وامتيازٍ وأمانةٍ علميةٍ، بعيدةٍ عن شهادات الزور»، فلمْ أفهم أين تميّز الدكتور عن غيره في هذه الفضيلة؟!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وعلى مستوى الدراسات العليا فقَدْ أشرف الشيخ أبو عبد المُعِزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ وناقش العديدَ والكثير مِنْ رسائل الدكتوراه والماجستير والماستر، طيلةَ زمنِ أستاذيَّتِه التي تربو عن أزيدَ مِنْ رُبعِ قرنٍ في كُلِّيَّة العلوم الإسلاميَّة ـ جامعة الجزائر».
التعليق: ومرّة أخرى أقول: ما أكثر المُشرفين -سواء كانوا من الموافقين أو من المخالفين- على رسائل الدكتوراه والماجستير! وما أكثر من بلغ زمن أستاذيّته في الجامعة الربع قرن أو تجاوزه! فأين هو التميّز الذي يجعلنا نفخر به؟!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«ومؤلَّفاتُه مِنْ أعظمِ المؤلَّفات إثراءً للمكتبة الإسلامية والتراث العلميِّ بمختلف الكُتُب النافعة والآثار العلمية المفيدة، فقَدْ بلغت كُتُبُه ـ بين تأليفٍ وتحقيقٍ وشرحٍ وتعليقٍ ـ: خمسةً وخمسين مؤلَّفًا أو أَزْيَدَ، ضِمْنَ سلاسلَ متنوِّعة».
التعليق: والله لا ينطبق هذا الكلام إلاّ على مؤلفات الألباني وابن باز وابن العثيمين رحمهم الله! فهم من أثروا –فعلا- المكتبة الإسلامية في كل المجالات في العقيدة والفقه والتفسير! أما عدد المؤلفات المذكور في هذه الفقرة فينافس الدكتور فيه الكثير من الكتّاب بعضهم في عداد طلبته! ولا داعي لذكر أمثلة ونماذج!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وصارت الجزائرُ به تُعرَف في أقاصي البلدان الإسلامية وغيرها فيقال: بلد الشيخ محمَّد علي فركوس، بعدما كان يُعرَف بها في أداني البلاد العربية فيقال: الشيخ محمَّد فركوس الجزائريُّ».
التعليق: في هذا الموضع بالذات راودتني الشكوك بأنّ الدكتور إلى الآن لم يقف على هذا المقال ولم يراجعه ولم يسمع عن نشره في موقعه! وإلاّ من يقنعني بأنّ الدكتور نظر في هذه الفقرة وأذن بنشرها؟! هل يعقل يا قومنا بأنّ الجزائر صارت تُعرف بالدكتور؟! يا لهَول المُصيبة! فلو سلّمنا وقلنا بأنّ هناك شخص به تُعرف الجزائر لقلنا هو الإمام ابن باديس رحمه الله، أمّا الدكتور فقطعا لا يعرفه الكثير من الناس في الداخل والخارج! فلله العجب كيف رضي الدكتور بأن تُهان هذه البلاد الطيبة المباركة التي من قوة اشتهارها دُرّس تاريخها في مدارس وجامعات العالم! سبحان الله كيف سمح الدكتور بأن يُتحدّث عنها بهذه الطريقة الغريبة؟!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وخدمتُه ودراسته للتراث العلميِّ المالكي المغاربيِّ والأندلسي باتت مَضرِبَ مَثَل للعزِّ والفخر خارِجَ التراب الوطنيِّ كتحقيقه لكتاب الإشارة وتحقيق كتاب تقريب الوصول وكتاب مفتاح الوصول ويليه كتاب «مثارات الغلط».
التعليق: تحقيق وتأليف أربع كتب أصبح مضرب المثل للعزّ والفخر خارج التراب الوطني؟! فما الذي نقوله عن ابن باديس صاحب
«السنّة» و
«المنتقد» و
«الشريعة» و
«الصراط السوي» و
«الشهاب» و
«البصائر» وغيرها من مصنفاته ومصنفات إخوانه من الجمعية التي كانت وبحقّ جيشا جرّارا خاض في وجه أعتى جيوش العالم واحدة من كبرى وأشرس المعارك في التاريخ البشريّ؟! فما لكم كيف تحكمون؟!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وعلاقة الشيخ أبي عبد المُعِزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ برائد النهضة العلمية الحديثة: الشيخ العلَّامة عبد الحميد بنِ باديس القسنطينيِّ ـ رحمه الله ـ (المتوفَّى سنة: 1359 هـ) علاقةٌ علميةٌ متينةٌ موصولةٌ برَحِم العلم والسنَّة، حيث أحيا ـ بالشرح والتعليق ـ ما كاد يندثر مِنْ علمِ هذا الجِهْبِذ الفذِّ، واقترن اسْمُه باسْمِه عاليًا في العديد مِنَ المؤلَّفات».
التعليق: ماذا تركتم لتلامذة ابن باديس الذين نشروا علمه وأحيوا تراثه كمحمد صالح رمضان وأحمد حماني، وعمار طالبي؟! ماذا تركتم لكل الباحثين والدكاترة الذين خصّصوا جزءا كبيرا من حياتهم في التفتيش والتنقيب عن حياة وعلوم هذا الإمام! ثم أمر آخر: الذي اقترن اسمه باسم ابن باديس هو الإبراهيمي فقط! فلا أدري كيف ألصقتم هذه المنقبة قهرا بالدكتور!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«هذا، وإنَّ الموقع الإلكترونيَّ للشيخ ـ حفظه الله ـ على الشبكة العنكبوتية لَيحوي المئاتِ مِنَ المقالات وألفًا ومائتَيْ فتوى في شتَّى تبويبات العلم».
التعليق: موقع العلامة الفوزان -حفظه الله- حوى
«11566» فتوى! يعني عشرة أضعاف عدد فتاوى الدكتور! فأين يكمن التميّز –وفقكم الله-؟!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وقد أثمرت الجهود المتتابعة، والعمل الدعويُّ الدؤوب، والإنتاجاتُ العلمية للشيخ ـ حفظه الله ـ مجلَّةً موسومةً بـ «الإحياء» تعكس محتوياتِ الموقع الإلكترونيِّ وتصوغها مطبوعةً سهلةَ الاقتناء».
التعليق: نقطة مهمّة وردت في هذه الفقرة تحسب لكاتب البيان وهو مشكور عليها! فقد أنصفَ عندما وصف المجلّة بأنّها تعكس محتويات الموقع! يعني هي ليست مجلة علميّة كسائر المجلات التي تنشر المقالات والبحوث الجديدة! بل هي مقالات وفتاوى نشرت في الموقع ثم طبعت في هذه المجلة! فأين هو التميّز؟! يا دكتور التميّز حاصل لمجلّة الإصلاح، فهي فعلا مجلّة علمية أصيلة تنشر البحوث التي لم يسبق نشرها من قبل لا مطبوعة ولا في مواقع النت، ولا ننسى كذلك بأنّ مجلة الإصلاح سبقت مجلّة الدكتور إلى الساحة الدعوة بسنوات! فهنا يكون التميّز ظاهرا.
قالوا –عفا الله عنهم-:
«كما قد شهِدَتْ جهاتٌ إعلاميةٌ خارجيةٌ بمدى تأثير الدعوة السلفية عمومًا، ودعوة الشيخ ـ حفظه الله ـ خصوصًا في إبعاد فكر التطرُّف التكفيريِّ عن شباب الجزائر».
التعليق: الجهات الإعلامية المقصودة هي قناة «سي آن آن الأمريكية»، حيث نشرت بتاريخ: «13 /08 /2015» مقالا بعنوان: «ما هي أسباب غياب الجزائريين عن صفوف القتال داخل تنظيم داعش؟» وممّا جاء فيه من الأسباب:
«صعود حركة الدعوة السلفية، أو ما يُعرف بالسلفية العلمية التي حلّت بديلا عن الجهاد والعمل السياسي. فرغم وجودها منذ عشرينيات القرن الماضي، إلّا أنها حظيت بدعم كبير منذ نهاية الحرب الأهلية، خاصة توظيف أعضائها في الجامعات والمساجد. ومن أبرز وجوهها اليوم هناك عليّ فركوس، وعبد الغني عوسات ومحمد تشلابي».
قلت: فقد شارك السلفيون -بمختلف طبقاتهم- في إبعاد الشباب عن الالتحاق بالخوارج وكان الدكتور واحدا منهم شأنه شأن الشيخ عبد الغني! فأين هو التميّز؟! ولماذا لم يذكر الشيخ عبد الغني؟! ونُقل الكلام في قالب مغاير للحقيقة وكأن تلك القنوات لم تذكر إلا الدكتور؟! أين هي الأمانة أيتها الإدارة؟!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وشهادةً للتاريخ: فإنَّ الشيخ أبا عبد المُعِزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ قد تعرَّض لتهديداتٍ بالقتل مِنْ طرف الجماعات المسلحة إبَّانَ سنوات الإرهاب وكذلك بعده»
التعليق: لقد شاركك إخوانك في هذه الفضيلة يا دكتور! فقد هُدّدوا هم كذلك كما هدّدت أنت، بل أكثر! وقبل هذا فالكثير من السلفيين قدّموا أرواحهم في سبيل هذه الدعوة، وتمّت تصفيتهم من أجل دعوتهم! ولا داعي لذكرهم فالدكتور يعرفهم جيّدا، رحمهم الله وغفر لهم، فاين هو التميّر والسبق؟!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وماذا عسى أولئك الجاحدون أَنْ يجيبوا عن عقد الشيخ ـ حفظه الله ـ للحلقاتِ العلمية ومجالس الفتوى والأجوبة عن أسئلة السائلين يوميًّا بالقرب مِنْ مسكنه، لا يمتنع عنهم ولا يحتجب دونهم، بعد أَنْ حالَ مانعٌ إداريٌّ دون عقدِ تلك المجالس وإقامتها في بيوت الله أَزْيَدَ مِنْ عشرين سنةً، كما مُنِعَتْ تحقيقاتُه التراثيَّةُ وكُتبُه العلميةُ المطبوعة خارِجَ الجزائر، مِنَ الدخول إلى بلده؛ وذلك لأسبابٍ تبقى غامضةً غيرَ مُقنِعةٍ».
التعليق: وهذه كذلك لم تتميّز فيها عن غيرك! فأكثر الدعاة واجهوا عراقيل كثيرة، وبعضهم أكرمه الله وبقي مدرّسا وخطيبا طيلة هذه المدّة التي مُنعتَ فيها، فكان نفعه أعظم من نفعك بكثير.
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وعارُ المنع والصدود عن سبيل الله يلحق أصحابَه، وهم مُطالَبون ـ قبل أَنْ يأتِيَهم اليقينُ ويَجِدوا عَمَلَهم حاضرًا يومَ القيامة ـ بأَنْ يُراجِعوا قرارَهم ويحاسبوا أَنْفُسَهم في معاملة أصحاب الكفاءات وأهلِ استحقاق التقدير والتبجيل».
التعليق: وكأنّ الصدود عن الدكتور هو صدود عن سبيل الله! يلزم مقترف هذه الجريمة الرجوع والإنابة قبل أن يجدَ عمله حاضرا يوم القيامة!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وبعد هذه اللمحةِ الوجيزة عمَّا قدَّمه ـ ولا زال يقدِّمه ـ الشيخ أبو عبد المُعِزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ خدمةً لدِينه وبلده ـ رغم العراقيل والصدود ـ حُقَّ لأهل وطنه مِنْ إخوانه وأبنائه أَنْ يتجاوزوا مرحلةَ الإعجاب بشخصيَّته الدِّينيَّة وآثاره العلمية إلى مرحلة الفخر والاعتزاز بكونهم أحَدَ أبناءِ هذا الوطنِ العزيز الغالي، الذي يتضمَّن ـ في جَنَباتِه ـ عَلَمًا هذه آثارُه، وتلك ثمارُه».
التعليق: أحقيقة ما أراه ماثلا بين عيني في هذه الفقرة أم خيّلت إليّ حروفه؟! أيعتقد فعلا الدكتور -وهو المسؤول عن هذه الكتابة- أنّ الجزائري عليه أن يتجاوز مرحلة الإعجاب إلى مرحلة الفخر بكونه من بلدة فيها الدكتور! يا ربّاه ما هذا الغلوّ؟! وما هو سببه؟! وكأنّي الآن فهمت سبب امتناع الدكتور من بيان الحق في هذه المظاهرات! فربما يعتقد في نفسه أنّه أشرف من هذه الجزائر! لهذا لا وجود لأيّ خطر مادام المسيرات لم تخرج للإطاحة بالدكتور!
قالوا –عفا الله عنهم-:
«وسيبقى الصادقون أوفياءَ لشرفِ معدنه، وسُمُوِّ أخلاقه، وسَعَةِ علمه؛ وما عساهم إلَّا أَنْ يُردِّدوا ما شَهِد به الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي للشيخ عبد الحميد بنِ باديس ـ رحمهما الله ـ اقتباسًا: «وإذا كان الرجال أعمالًا فإنَّ رجولةَ شيخِنا تُقوَّم بهذه الأعمال، وحَسْبُه مِنَ المجد التاريخيِّ: أنه أحيا أمَّةً تعاقبَتْ عليها الأحداثُ والغِيَر، ودِينًا لابَسَتْه المُحدَثاتُ والبِدَع، ولسانًا أكلَتْه الرَّطاناتُ الأجنبية، وتاريخًا غطَّى عليه النسيانُ، ومجدًا أضاعه وَرَثةُ السوء، وفضائلَ قتلَتْها رذائلُ الغرب، وحسبُه مِنَ المجد التاريخيِّ: أنَّ تلامذته ـ اليومَ ـ هم جنود النهضة العلمية، وهم ألسِنَتُها الخاطبة، وأقلامها الكاتبة، وهم حامِلُو ألوِيَتِها، وأنَّ آراءه في الإصلاح الدِّينيِّ والاجتماعيِّ والسياسيِّ هي الدستور القائم بين العلماء والمفكِّرين والسياسيِّين، وهي المنارة التي يهتدي بها العاملون، وأنَّ بناءَه في الوطنية الإسلامية هو البناء الذي لا يتداعى ولا ينهار».
التعليق: من هذا ابن باديس الذي تُمثّل نفسك به يا دكتور سامحك الله؟! أهو ذاك الرجل الذي عرفته الأمة وعرفه العالم أم رجل آخر؟! تدري يا دكتور أنّ من أهمّ الفوارق التي لا تسعفك في التشبّه به؟! هو ما جاء في هذا القول الذي نُقل في هذه الفقرة! فواصف ابن باديس هو الإبراهيمي! عكس الدكتور فواصفه هو أحد عمّال الموقع!
وشيء آخر: جاء في توصيف الإبراهيمي للإمام ابن باديس: «وحسبُه مِنَ المجد التاريخيِّ: أنَّ تلامذته ـ اليومَ ـ هم جنود النهضة العلمية».
فالسؤال: من هم تلامذتك الذين هم جنود النهضة؟! أهو جلواح مثلا؟! اذكرهم لنا، لأنّ هذه النقطة من أهمّ الفوارق الجليّة بينك وبين أمثال ابن باديس.
أمّا باقي الأمثلة المتعلقّة بغلوّ النّاس فيك، فهي على النحو التالي...