جزاك الله خيرا على الخزانة و رزقك الله لاكمال ملئها الاعانة ويسر الله لك فيها البسط والشرح والابانة.
وتعليقا على فائدتك النفيسة المتعلقة بالصورة والمعنى في قولك:
قلت: ولما كان المعنى أشرفَ من الصُّورة، وكانت أمَّتنا أفضلَ الأممِ، جعل الله سبحانه وتعالى أعظم آياتها القرآن وهو متعلِّق بالمعنى، وأمَّا غيرها من الأمم كبني إسرائيل مثلًا فلمَّا كانت فيهم بلادةٌ جعل الله آياتهم حسِّيَّة، وكان قد حدثني بهذه الفائدة أخي الحبيب الطيِّب لصوان –وفقه الله- قبل زمنٍ وعزاها لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- وقد بحثت عنها ما تيسَّر ولم أقف عليهَا، فيسَّر الله الوقوف عليها، والله المستعان.انتهى.
وكذلك فعلت وقد مرت بي فائدة نحوها وبحثت عنها فلم أجدها ولعل الله ييسر الوقوف عليها وذلك في أن الله فضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم على بني اسرائيل لقوة ايمانهم وصحة اسلامهم وكمال استسلامهم فكان يكفيهم الخبر القرآني والقول النبوي في تمام الانقياد و رسوخ الاعتقاد ولو خالف العادات و الاعراف وطريقة الآباء والاشراف على عكس بني اسرائيل فلبلادتهم ومكرهم و احتيالهم على ربهم و رغم الآيات الباهرات المحسوسات والمعجزات النيرات الملموسات الا انهم بغوا وعتوا وتمردوا واستثقلوا النعم فاستحقوا بذلك الحمم وفي نحو هذا المعنى وجدت كلاما لابن كثير رحمه الله قد يسقي الضمآن شربة ماء ويكسي العريان ثوب السناء حيث قال في تفسير قوله تعالى:
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ*[البقرة : 57]
وقوله تعالى :*( كلوا من طيبات ما رزقناكم )*أمر إباحة وإرشاد وامتنان . وقوله :*( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )*[ البقرة : 57 ]*، أي أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا ، كما قال :*( كلوا من رزق ربكم واشكروا له )*[ سبأ : 15 ]*فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم ، هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات والمعجزات القاطعات ، وخوارق العادات ، ومن هاهنا تتبين فضيلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ، على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم ، كما كانوا معه في أسفاره وغزواته ، منها عام تبوك ، في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد ، لم يسألوا خرق عادة ، ولا إيجاد أمر ، مع أن ذلك كان سهلا على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم ، فجاء قدر مبرك الشاة ، فدعا*[ الله ]*فيه ، وأمرهم فملئوا كل وعاء معهم ، وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى ، فجاءت سحابة فأمطرتهم ، فشربوا وسقوا الإبل وملئوا أسقيتهم . ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر . فهذا هو الأكمل في الاتباع : المشي مع قدر الله ، مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
|