منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 29 Jun 2014, 02:53 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي نزهة الفضلاء في المشابهة بين العلم والماء

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم


الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده.

أمَّا بعدُ:

فهذا مقال من ملح العلم طَرق فِكْري فجاذبني قلمي لإخراج ما في خاطري فانقدت له قصد إخراج المكنون، والتنزيه على الإخوان والترويح عني وعنهم، فأحببت المشاركة بما يذهب الملل، ويبعث في النفس النشاط ويدفع عنها الكسل، فجمعت شيئا من المشابهات بين العلم والماء ورد ذكرها في الكتاب والسُّنة أو في أبيات شعريَّة أو قصة مروية وجعلت لكل واحدة منها عنوانا وأتبعتها بكلام أهل العلم لتجلية المراد، وزدت المقال لطافة بإضاءة تساهم في تحسين كتابة مقال الكاتب من شربة ماء إذ يتساهل في ملح العلم ما لا يتساهل في صلبه.

1- تشبيه القلوب الحاملة للعلم بالأودية الحاملة للسَّيل.

قال تعالى: ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا﴾[الرعد: 17].

قال العلامة ابن القيم –رحمه الله- في كتابه: "الوابل الصيب من الكلم الطّيب":

«شبَّه الوحي الذي أنزله بحياة القلوب بالماء الذي أنزله من السماء، وشبه القلوب الحاملة له بالأودية الحاملة للسَّيل، فقلبٌ كبير يسع علماً عظيماً كوادٍ كبير يسع ماء كثيراً، وقلب صغير كوادٍ صغير يسع علماً قليلاً، فحملت القلوب من هذا العلم بقدرها، كما سالت الأودية بقدرها».

2- طبقات الأرض مع الماء وطبقات الناس مع العلم.

عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به».[البخاري (79) ومسلم (2282)].

قال العلامة ابن القيم –رحمه الله- في كتابه: "الوابل الصيب من الكلم الطيب":

«جعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس بالنسبة إلى الهدي والعلم ثلاث طبقات:

(الطبقة الأولى) ورثة الرسل وخلفاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم الذين قاموا بالدين علماً وعملاً ودعوة إلى الله عز وجل ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهؤلاء أتباع الرسل ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ حقاً، وهم بمنزلة الطائفة الطيبة من الأرض التي زكت فقبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فزكت في نفسها وزكا الناس بها.

فهذه الطبقة كان لها قوة الحفظ والفهم في الدين والبصر بالتأويل، ففجرت من النصوص أنهار العلوم واستنبطت منها كنوزها ورزقت فيها فهماً خاصاً، كما قال أمير المؤمنين على أبن أبي طالب ـ وقد سئل: هل خصكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء دون الناس؟ فقال: ـ لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه.

فهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الكثير الذي أنبتته الأرض، وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن.

(الطبقة الثانية) فإنها حفظت النصوص وكان همها حفظها وضبطها، فوردها الناس وتلقوها منهم، فاستنبطوا منها واستخرجوا كنوزها واتجروا فيها وبذروها في أرض قابلة للزرع والنبات ووردها كل بحسبه {قد علم كل أناس مشربهم} وهؤلاء هم الذين قال فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه».

وأمَّا (الطائفة الثالثة) ـ وهم أشقى الخلق الذين لم يقبلوا هدي الله ولم يرفعوا به رأساً ـ فلا حفظ ولا فهم ولا رواية ولا دراية ولا رعاية.

(فالطبقة الأولى) أهل رواية ودارية.

(والطبقة الثانية) أهل رواية ورعاية ولهم نصيب من الدراية، بل حظهم من الرواية أوفر.

(والطبقة الثالثة) الأشقياء لا رواية ولا دراية ولا رعاية {إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً}» اهـ بتصرف غير مخل بالمقصود إن شاء الله.

3- الماء به حياة الأرض الهامدة والعلم به صلاح القلوب الفاسدة.

قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُون (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون (17)﴾[سورة الحديد].

قال ابن كثير –رحمه الله- في "تفسيره":

«وقوله: {اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون} فيه إشارة إلى أنه تعالى، يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدَّلائل، ويولج إليها النُّور بعد ما كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الإضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعال، وهو الحكم العدل في جميع الفعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال».

4- بالماء والعلم تنكشف الحقائق.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين (264)﴾[سورة البقرة].

قال السعدي –رحمه الله- في "تفسيره":

«{كمثل صفوان} وهو الحجر الأملس الشديد {عليه تراب فأصابه وابل} أي: مطر غزير {فتركه صلدا} أي: ليس عليه شيء من التراب، فكذلك حال هذا المرائي، قلبه غليظ قاس بمنزلة الصفوان، وصدقته ونحوها من أعماله بمنزلة التراب الذي على الصفوان، إذا رآه الجاهل بحاله ظن أنه أرض زكية قابلة للنبات، فإذا انكشفت حقيقة حاله زال ذلك التراب وتبين أن عمله بمنزلة السراب، وأن قلبه غير صالح لنبات الزرع وزكائه عليه، بل الرياء الذي فيه والإرادات الخبيثة تمنع من انتفاعه بشيء من عمله».

فهذا حال الوابل مع إزالة التراب ليظهر الحجر أملسا منكشفا، وكذلك العلم في كشف الشُّبه ودحضها كما قال السعدي –رحمه الله- في "منظومة القواعد الفقهية":

اعلم هديت أن أفضل المنن ... علم يزيل عنك الشك والدرن
ويكشف الحق لذي القلوب ... ويوصل العبد إلى المطلوب

5- تأثير الماء في الحجر الصَّلب وتأثير العلم في القلب.

عن الفضل بن سعيد بن سلم قال: «كان رجل يطلب العلم فلا يقدر عليه فعزم على تركه فمر بماء ينحدر من رأس جبل على صخرة قد أثر الماء فيها فقال: الماء على لطافته قد أثر في صخرة على كثافتها والله لأطلبن العلم فطلب فأدرك»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع(2/179)].

فكما أن الماء يؤثر في الصِّخر مع طول الوقت، فكذلك العلم له تأثير في القلوب.

6- السيل العظيم اجتماع نقط من الماء والعلم الكثير اجتماع فوائد منثورة.

قال ابن النحاس كما في ترجمته في "بغية الوعاة"(1/13):

اليوم شيء وغدا مثله ... من نخب العلم التي تلتقط
يحصل المرء بها حكمة ... وإنما السَّيل اجتماع النقط
7- مطر الماء ومطر العلم.

قال صاحب "عدة الطلب":

والحفظ أولى ما مضى من أسس ... فادأب عليه في الضحى والغلس
إلى أن قال:

وأن تكون حافظا مستحضرًا ... تمطر طلَّاب العلوم الدُّررا
ويجد هذا الشعور كل من جلس في مجالس العلماء والمشايخ فتشعر بوابل من الفوائد ينزل عليك وينهمر عليك، وقد ذكر هذا التعبير قريبا فضيلة الشيخ الوالد عبد الحكيم دهاس –حفظه الله- في الدورة التي أقيمت بوهران تعليقا على محاضرة الشيخ مصطفى قالية –حفظه الله-، ويحرمه من حرمها، والله الموفِّق.

8- تشبيه حامل العلم بتشبيهات لها علاقة بالمياه.

فيقال لمن كان ذا علم غزير واسع: متبحِّر، أو هو بحر لسعة علمه تشبيها له بسعة البَحر، وأحيانا يقال بأنه: ريَّان علمًا كأنه نهل من العلم حتى بلغ الرِّيَّ وهو مثل الشِّبع في الطَّعام، وأحيانا يقال لمن بلغ المنتهى في العلم: بلغ قعر العلم أي: وصل إلى أسفل شيء فيه وانتهى إلى قدر لا يدرك، وإن كان القعر يستعمل في الأسفل من كل شيء فكثيرا ما يمثلون بالنهر والبحر ونحوها مما هو من موارد الماء.

فهذه بعض الملامح التي لاحت لي، ولو أعمل الواحد الفكر لاستخرج أشياء أخر؛ ثم في الختام أذكر لطيفة وعدت بها في مقدمة المقال.


إضاءة من شربة ماء في تحسين مقال


لما كنت وإخواني ممن يشارك في هذا المنتدى الطيب، فمن المناسب أن أذكر شيئا ولو يسيرا مما له علاقة بكتابة المقالات، فحاولت الربط بين شربة ماء وبين أشياء تحسن المقال، فكان كالآتي:

شربة الماء لها لذة في أول قطرات تطرق فيك، وانتهاؤها لها وقع وذوق خاص، فعلى هذا يحسن بكاتب المقال أن يجود المقدِّمة كونها أول ما يمر به البصر والخاتمة إذ إنها آخر العهد بالمقال فيعلق في الذِّهن منها أشياء حسنة، وأشار إلى هذا المعنى أحمد الهاشمي في كتابه: "جواهر الأدب"(1/39-40): «وإنما خصت الابتداءات بالاختيار لأنها أول ما يطرق السمع من الكلام، فإذا كان الابتداء لائقا بالمعنى الوارد بعده توفرت الدواعي على استعماله، والختام: أن يكون الكلام مؤذنا بتمامه، بحيث يكون واقعا على آخر المعنى، فلا ينتظر السامع شيئا بعده، فعلى الشاعر والناثر أن يتأنقا فيه غاية التأنق، ويجودا فيه ما استطاعا لأنه آخر ما ينتهي إلى السمع، ويتردد صداه في الأذن، ويعلق بحواشي الذكر فهو كمقطع الشراب يكون آخر ما يمر بالفم ويعرض على الذوق فيشعر منه بما لا يشعر من سواه...».

ثم ما ذكرته إن كانت شربة واحدة على نفس واحد، أما الشُّرب على ثلاثة أنفاس كما هو الوارد في السُّنَّة فيمكن أن يستفيد منه صاحب المقال في تبويب وترتيب مقاله وأن يجعل له فصولا يسترد معها القارئ نَفَسَه كما يفعل الشارب، ثم إن هذه الفصول كالمحطَّات يرتاح فيها القارئ ويستسهل معها طول المقال، يقول ابن حمدان كما في "الدر النضيد"(ص22) فيما يخدم هذا المعنى: «إنما بوبت الكتب ليكون أنشط للطَّالب إذا ختم بابا وشرع في آخر، وأبعث لهمته كالمراحل التي يطلبها المسافر ليرتاح عندها، ولذا كان القرآن سورا...».


هذا ما تيسر جمعه، وأرجو من إخواني الفضلاء ممن كانت له زيادة تخدم الموضوع وتساهم في إنمائه ألا يفوت فرصة ذكرها والإفادة بها، وأرجو أن يكون المقال أفاد ولو شيئا يسيرا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


تتمَّة: بعد الانتهاء من كتابة المقال وصلتني درَّة فأدرجتها فيه وآثرت ذكرها في الختام علَّها تكون آخر ما يعلَق بالأذهان، أفادينها الشَّيخ خالد حمودة -وفَّقه الله- فدونكموها:

«أصل المشابهة بين العلم والماء أنَّ الله جعل كل واحد منهما سببا في الحياة، فقال في الماء: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾[الأنبياء: 30] وقال في العلم: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾[الأنعام: 122]».





وكتب
فتحي إدريس
1435هـ/1/9

التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 30 Jun 2014 الساعة 12:54 AM
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013