منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 06 Apr 2018, 01:50 AM
أبو حامد الإدريسي أبو حامد الإدريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 36
افتراضي رفع الغمَّة في حقيقة الإنتساب إلى أهل السنَّة

رفع الغمَّة في حقيقة الإنتساب إلى أهل السنَّة
وهو تكميل لما جاء في ((تسليط الأضواء)) للشَّيخ فركوس حفظه الله وانتصار لما جاء فيه من البيان
ضد هجمات الإعلام وأصحاب (الجمعيَّة)

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وكفى والصَّلاة والسَّلام على نبيَّه الذي اصطفى؛ وبعد:

فلقد رأينا خلال هذه الأيَّام القلائل من العويل والزَّويل ومن الضجَّة والجلبة، ما لم نعْهَد بها ولم نر مثلها أبداً في بلادنا على شخصٍ ما(1) أو على مقالٍ ما(2)، مثل ما نراه الآن واقعاً على مقال "تسليط الأضواء(3)" للشَّيخ فركوس ــ حفظه الله ــ من تلك الهجمات الكثيرة عليه، ومن تلك الإفتراءات المسخَّرة له، فتارة من مُعسْكر أهل البدعة والضَّلالة، وتارة أخرى من (الجمعيَّة!!!)(4)، وتارة من جهة الأبواق والأقلام المسعورة المأجورة، وكلٌّ ينعق بما يراه من وصف وقذف؛ فهذا مثلاً يقول تكفيري، وذاك يقول خارجي، والآخر يعنجر ويزنجر بالعاطل والباطل، وهذه ــ طبعاً ــ هي طريقة الجاهل المعهودة فيه في الرَّدِّ، فضلاً عن من يعنيهم الأمر كثيراً من أصحاب (العمامة الصَّفراء!!!)(5) وغيرهم؛ وهذا الحجاج واللِّجاج يذكِّرني هنا بالمثل القائل: "لابدَّ للفقيه من سفيه"، أو بالقول السَّائر: "الغلط تحت اللَّغط".
فكان من الواجب علينا ــ جراء هذه المغالطات والأغلوطات؛ وما جاء فيها من كثرة الضَّوضاء والضَّأضاء ــ أن نقول كلمتنا فيها بحقٍّ، وأيضاً أن نثري البحث بما يليق به زيادة وتوضيحاً؛ فنقول:
أنَّه ومن المعلوم المستفيض عند الموافق والمخالف: بأنَّ (أهل السنَّة!!!) هم الذين قد حفض الله عزَّ وجلَّ بهم الدِّين، وأنَّهم ــ كذا ــ قد تميَّزوا عن غيرهم من سائر فرق الأمَّة، باعتبار أنَّهم (أهل الكتاب والسنَّة؛ لأنَّهم يؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف النَّاس، ويقدِّمون هدي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم على هدي كلِّ أحد، ويتَّبعون آثاره صلَّى الله عليه وسلَّم باطناً وظاهراً)(6)؛ وهذا قد يكون هنا هو مفهوم (السنَّة!!!) إذا ما اعتمدناه(7) كضابط؛ لموافقة الجميع عليه بالضَّرورة(8). حينها ــ وباستقراء لكتب التَّراجم والرِّجال ووقائع التَّاريخ حقَّ الإستقراء ــ يظهر من خلال وصفهم وطريقتهم أنَّهم هم الذين يقابلون (البدعة!!!). ومعلومٌ أنَّ فرق البدعة والضَّلالة في كتب الملل والنِّحل ــ أو من ذَكرَت الفرق بشكلٍ خاص أو بشكلٍ عام ــ لا تحصى ولا تعد؛ وهي داخلةٌ في عموم حديث الإفتراق: "[... وستفترق أمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة كلُّها في النَّار إلاَّ واحدة]. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: [الجماعة] وفي رواية: [ما أنا عليه وأصحابي]"(9). وأمَّا (أهل السنَّة!!!) ــ كما في سياق الحديث ــ هي الفرقة الوحيدة النَّاجية من سائر الفرق الأخرى الهالكلة، حينما سئل ــ عليه الصَّلاة والسَّلام ــ من هي هذه الفرقة النَّاجية؟! فقال: "ما أنا عليه وأصحابي". وهذا هو الإسم الثَّاني ــ المحرَّر والمقرَّر ــ لها هنا وهو مسمَّى (الفرقة النَّاجية!!!)؛ طبعاً تضميماً إلى اسمها العام لها وهو (أهل السنَّة!!!).
فإذا علمنا هذا؛ وعلمنا أيضاً أنَّ من يتنازع على اسم (أهل السنَّة!!!) من الفرقة الباقية النَّاجية هذه المذكورة آنفاً؛ هي ثلاث فرقٍ كبرى إن صحَّ لنا قول ذلك؛ وهي: الفرقة الماتريديَّة أتباع أبي منصور الماتريديِّ وفرقة الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعريِّ وفرقة أهل الحديث. فواحدةٌ منها هي تمثِّل (أهل السنَّة!!!) بلا شكٍّ، وليس كلَّها، كما أنَّه ليس ثمَّة رابعة إلاَّ ما تدَّعيه فرقة (الشِّيعة!!!)(10) ــ قديماً وحديثاً ــ وما زالت، وأنَّها هي مَنْ على الحقِّ؛ بل على (السنَّة!!!) زعماً منهم ــ وبئس ذلك الزَّعم الكاذب ــ، وسائر الفرق عندها وكذا الثَّلاثة المذكورة كلُّها على الضَّلال وكلُّها على البدعة من غير استثناء، لكن هذا مردودٌ هنا ومدفوعٌ بشدَّةٍ من جهة تلك الفرق الثَّلاث؛ وخاصَّة منها فرقة أهل الحديث؛ إذ قد فنَّدت فسادها وفضحت غايتها كما يجب، وبيَّنت ــ تمام البيان والتِّبيان ــ بأنَّها ليس لها سعيٌ إلاَّ في هدم الإسلام ونقض عراه وإفساد قواعده. عندها فلا عبرة لها ــ أبداً ــ بأن تذكر هنا؛ فقط لما في الأمر من أهميَّة، أو أن تلحق إلى مسمَّى (أهل السنَّة!!!) لشناعتها وفضائحها، يكفيها نكارةً وتنكيراً ما قاله فيها الإمام أحمد؛ قال: "هم الذين يتبرَّؤون من أصحاب محمَّد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويسبُّونهم ويتنقَّصونهم، ويكفِّرون الأئمَّة الأربعة: أبا بكرٍ وعمر وعثمان وعلياً وعمَّاراً أيضاً، والمقداد وسلمان، وليست الرَّافضة من الإسلام في شيء"(11). فهي خارجة منها ولا كرامة. حينها يكون الكلام فقط على تلك الثَّلاثة، وأيضاً في بيان مَنْ منها أحقُّ باسم (أهل السنَّة!!!) من غيرها.
فالقول أنَّ الماتريديَّة هذه هي مَنْ تمثِّل (أهل السنَّة!!!) إذا ما سلَّمنا به، فهذا يعني أنَّ الأشاعرة وأهل الحديث هما على بدعةٍ وعلى ضلالةٍ، وكلٌّ من يخالفها في نهجها أو في منهجها فهو على شفا حفرة، كما أنَّه منْ ليس فيها أو منها فهو خارج عنها، ويدخل في جملة الأهواء! وعلى الأشاعرة ــ خصوصاً في بلدنا الجزائر ــ من أصحاب (الجمعيَّة!!!) وكذا أهل الزَّوايا وأصحاب (العمامة الصَّفراء!!!) أن يضجُّوا ويثوروا عليها بإخراجهم من دائرة (أهل السنَّة!!!) وإلحاقهم بدائرة أهل الأهواء، وهذا ما لا نراه أبدا! فما لم يكن لهم هذا قديماً ــ أي هذا الرَّدُّ وهذا الإعتراض وكذا هذه الضجَّة ــ فلن يكون لهم ذلك وهو حديثا؟!!
ومع ذلك نقول لكلِّ أشعريٍّ وطرقيٍّ وجمعويٍّ نحن نعترض عليها في مكانكم؛ طالما آثرتم السُّكوت وأبيتم إلاَّ مبدأ "حيدي حياد!!!"، فلو كانت طريقتكم هذه بالمثل مع (السَّلفيِّين!!!) لكنتم حينها معذورين؛ لكنَّ الواقع غير ذلك، فقد شهد عليكم ــ وأبان ما في داخل قلوبكم وأنفسكم ــ أنَّكم تبغضونهم أشدَّ البغض وتكنُّون لهم أشدَّ العداوة؛ وإلاَّ فما معنى هذه الضجَّة القائمة على ساقٍ إذا لم يكن الأمر كذلك؟!!
وأمَّا الرَّدُّ عليها ــ فهذا من أسهل ما يكون هنا ــ وهو من جهتين:
(الأولى): أنَّ الماتريديَّ ذاك؛ هو أبو منصور محمَّد بن محمَّد بن محمود بن محمَّد، الماتريديِّ السَّمرقنديِّ الحنفيِّ؛ توفِّي على القول الصَّحيح سنة (333هـ)، وهذا يعني أنَّه من المتأخِّرين؛ ولا علاقة له ألبتَّة مع القرون الثَّلاثة المفضَّلة. لذلك يجب الإنتباه كثيراً لهذه الجزئيَّة المهمَّة في معرفة الرِّجال، وكذا في تصنيفهم بما يليق بهم؛ حسب الأسبقيَّة والأقدميَّة. لأنَّ العبرة في نشر مسمَّى (السنَّة!!!) وتشهيرها بين النَّاس على نطاقها الواسع ــ النَّظري والعملي ــ هم السَّابقون الأقدمون، وليس من جاء بعدهم من اللاَّحقين المتأخِّرين؛ فتنبَّه.
(الثَّانية): أنَّه يدين بمذهب الإمام أبي حنيفة كما هو وارد، وأيضاً يعدُّ ــ بحقٍّ ــ رأسٌ في علم الكلام، وواحدٌ من أئمَّته البارزين فيه، كما أنَّ الفرقة المنسوبة إليه وهي (الماتريديَّة!!!) تلك هي فرقة كلاميَّة محضة، لأنَّها قد "قامت على استخدام البراهين والدَّلائل العقليَّة والكلاميَّة في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهميَّة وغيرهم، لإثبات حقائق الدِّين والعقيدة الإسلاميَّة"(12). ثمَّ والأهمُّ من ذلك كلِّه؛ أنَّ مصدر التلقِّي عندها هو العقل؛ كما صرَّح بذلك إمامها هذا (الماتريديُّ!!!) في كتابيه: "التَّوحيد"(13) و"التَّأويلات"(14)؛ فهو يقول مثلاً: "أصل ما يعرف به الدِّين وجهان: أحدهما السَّمع والآخر العقل، أمَّا السَّمع: فما لا يخلو بشرٌ من انتحاله مذهباً يعتمد عليه ويدعوه غيره إليه..."(15). وقال: "إنَّ العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلاَّ بالإستدلال"(16)؛ وهو يقصد طبعاً المعرفة الإستدلاليَّة القائمة على النَّظر العقلي. كما أنَّها قد اتَّخذت لنفسها منهجاً في التوسُّط بين العقل والنَّقل، والذي هو أساساً قائمٌ على فكرةٍ باطلةٍ؛ وهي أنَّ نصوص الوحي متعارضةٌ مع أحكام العقل، وهذا التَّعارض المزعوم إنَّما هو في الواقع مسلك الفلاسفة في الأصل، الذين لا يثبتون النبوَّات ولا يرون أنَّ إرسال الرُّسل وما جاءوا به حقائق ثابتة، فمصدرهم في الإستدلال على إثبات الأمور هو العقل؛ وما أثبته العقل فهو الثَّابت وما نفاه هو المنفي(17).
فإذا علمنا هذا؛ وعلمنا أيضاً أنَّ من شيوخه ــ محمَّد بن مقاتل الرَّازي الحنفي ــ قال الذَّهبي في "الميزان"(4/47): تكلِّم فيه ولم يترك. ومثله أيضا الحافظ ابن حجر في "اللِّسان"؛ وروى فيه عن الخليلي في "الإرشاد" من طريق بهثة بن سليم؛ قال: سمعت البخاري؛ يقول: حدَّثنا محمَّد بن مقاتل فقيل له: الرَّازي؟ فقال: لأن أخرُّ من السَّماء إلى الأرض أحبُّ إليَّ من أن أروي عن محمَّد بن مقاتل، وأظنُّ ذلك من قبل الرَّأي. وروى أيضا عن أبي الحسين بن بابويه في "تاريخ الرَّي" فقال: كان إمام أصحاب الرَّأي بالرَّي.
فإنَّ ــ ومن خلال هذا المذكور ــ نحاول أن نطرح على أنفسنا وعلى هؤلاء أصحاب الضجَّة واللَّغط، سؤالاً من أبسط ما يكون: كيف لهذا (الماتريديِّ!!!) وبذلك المنهج يدعو إلى مسمَّى هذه (السنَّة!!!)؟! بل كيف لهذه الفرقة قد لقِّبت بـ (أهل السنَّة!!!)؟! ثمَّ هذه (السنَّة!!!) التي ندندن جميعنا حولها بكلِّ قوَّة؛ هل كانت موجودة قبله أم هو من أوجدها وقرَّر وحرَّر أصولها وقواعدها ثمَّ قام بعد ذلك على نشرها؟! وجواب هذا عند الثَّابت وعند النَّافي.
فأمَّا الثَّابت لهذا فهو فقط تقليداً واتِّباعاً لغيره، وتماشياً كذا بالمبدأ القائل: "عنزةٍ ولو طارت!!!"؛ فهذا لا عبرة له هنا في مثل هذه المواقف الحاسمة. وأمَّا النَّافي لذلك فهو بحسب إثبات حقائقٍ مهمَّةٍ؛ جملتها تردُّ ردًّا حاسماً على هؤلاء الثَّابتين بالبلادة والتَّقليد؛ فمنها:
(الحقيقة الأولى): وهي من أهمِّ ما يجب اعتماده هنا في باب النَّفي، وهي أنَّ الإمام أبو حنيفة النَّعمان ــ رحمه الله ــ ليس بماتريديِّ، ولا يدين بما جاء به ذاك المدعو بـ (الماتريديِّ!!!)؛ وكذلك أتباع وتلاميذ أبي حنيفة كما بيَّن ذلك الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي في "عقيدته"(18) المشهورة ــ المتوفِّي سنة (321هـ): أي قبل ذاك (الماتريديِّ!!!) ــ؛ قال: "هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنَّة والجماعة على مذهب فقهاء الملَّة أبي حنيفة النُّعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمَّد بن الحسن الشَّيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدِّين، ويدينون به ربِّ العالمين".
(الحقيقة الثَّانية): أنَّ الأحناف في الجملة لا يمثِّلون مذهب الإمام أبي حنيفة؛ فإنَّ منهم أهل تأويل كـ (الماتريديَّة!!!)، وطوائف من الأشعريَّة، ومنهم مجسِّمة كالكرَّامية، ومنهم مفوِّضة إلى غير ذلك، وإن كان في الأحناف من المتقدِّمين والمتأخِّرين من هو على معتقد السَّلف والأئمَّة(19).
(الحقيقة الثَّالثة): وهي أنَّ هذه (السنَّة!!!) ــ وهي بجانبيها العلمي والعملي ــ قد بيَّنها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه رضي الله عنه تمام البيان، وكاملة تامَّة، وهؤلاء بدورهم قد بيَّنوها لأتباعهم بنفس الأمر وبنفس البيان الذي تلقُّوه؛ ومن غير زيادةٍ أو نقصان، فعرفوا بـ (التَّابعين). ثمَّ وهؤلاء بدروهم أيضاً قد بيَّنوها لأتباعهم بالمثل؛ وهم (أتباع التَّابعين)؛ فهؤلاء هم السَّلف! وهؤلاء هم من نقلوا لنا مسمَّى هذه (السنَّة!!!) جيلٌ بعد جيلٍ إلى غاية جيل الأئمَّة الأربعة؛ ولا عبرة بمن قرَّر سنَّة بعدهم، أو راح ينشرها على أنَّها سنَّة كمثل ذاك (الماتريديِّ!!!) أو كمثل ذاك (الأشعريِّ!!!)؛ فتنبَّه.
وبهذا يظهر ــ جلياً لكلِّ ذي قلبٍ حيٍّ ــ كذب دعوى أنَّ فرقة (الماتريديَّة!!!) هي من (أهل السنَّة!!!)؛ فهي هنا مجرَّد دعوى فارغة، فافهم ذلك ــ أيُّها القارئ ــ وتدبَّر، ولا تغتر بكثرة الدَّعاوى العريضة؛ كما يقال:
فكلٌّ يدَّعي وصلاً بليلى ..... وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا!!
وأمَّا القول بأنَّ (الأشاعرة!!!) هي مَنْ تمثِّل (أهل السنَّة!!!) فهذا يسقط بأمرين: بفعل مؤسِّسه وهو الإمام (أبو الحسن الأشعريِّ المتوفِّي سنة 324هـ) وبتأليفه في المقام. فأمَّا بفعله ــ رحمه الله ــ فهو ما رواه الحافظ ابن عساكر في كتابه "تبيين كذب المفتري"(ص/39) عن ابن عذرة ــ في قصَّة رجوع الأشعريِّ ــ وفيها:
"فبعد ذلك خرج إلى الجامع فصعد المنبر؛ وقال: يا معشر النَّاس! إنِّي إنَّما تغيَّبت عنكم في هذه المدَّة لأنِّي نظرت فتكافأت عندي الأدلَّة، ولم يترجَّح عندي حقٌّ على باطلٍ، ولا باطلٌ على حقٍّ، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوبٍ كان عليه ورمى به ودفع الكتب إلى النَّاس فمنها كتاب "اللُّمع" وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سمَّاه بكتاب "كشف الأسرار وهتك الأستار" وغيرهما".
وأمَّا بتأليفه أو بقوله فهو ما جاء مثلاً مذكوراً في كتابه الأخير "الإبانة عن أصول الدِّيانة"(ص/30)؛ قال: "قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسُّك بكتاب الله ربِّنا عزَّ وجلَّ، وبسنَّة نبيِّنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وما روى عن السَّادة الصَّحابة والتَّابعين وأئمَّة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبل ــ نضَّر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته ــ قائلون، ولما خالف قوله مخالفون...".
وكذلك نفس الأمر في كتابه "مقالات الأسلاميِّين" وكتابه "اللُّمع".
وهذا يعني أنَّه قد تبرَّأ تماماً ممَّا قد كتبه أو ذكره قديماً بفعله ذاك الميمون، وبمؤلَّفاته الأخيرة هذه التي بيَّضت وجوه (أهل السنَّة!!!) من (أهل الحديث!!!)، وسوَّدت وجوه أهل البدعة والضَّلالة من (أهل الأهواء!!!)؛ فلله درُّه!!
وممَّن تبرَّأ من فرقة (الأشاعرة!!!) هذه أيضاً كبيرهم الذي هو أفضل المتكلِّمين على الإطلاق؛ وهو القاضي أبي بكر الباقلانيِّ، كما في كتابه "التَّمهيد" الذي يدلُّ على صحَّة رجوعه إلى معتقد السَّلف.
وكذلك هو الحال مع إمام الحرمين أبو المعالي الجويني؛ كما ذكر الإمام الذَّهبيُّ من أنَّ الجوينيَّ قال لأصحابه في مرض موته: "اشهدوا عليَّ أنِّي قد رجعت عن كلِّ مقالةٍ قلتها أخالف فيها ما قال السَّلف الصَّالح، وأنِّي أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور"(20). ونقل عنه شيخ الإسلام ابن تيميَّة ــ رحمه الله ــ أنَّه قال في مرض موته: "لقد خضت البحر الخضم، وخلَّيت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت فيما نهوني عنه. والآن إن لم يتداركني ربِّي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنذا أموت على عقيدة أمِّي.."(21).
ويقصد بعقيدة أمِّه أو ما تموت عليه عجائز بلده الفطرة الصَّافية النَّقيَّة من الشَّوائب.
ومثلهما أيضا الإمام أبي حامد الغزالي والفخر الرَّازي كما في كتابه "أقسام اللَّذَّات"، وكذا الإمام الشهرستاني؛ وهو القائل:
لعمـري! قد طفت المعاهـــد ........ وسيَّرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلاَّ واضعاً كفُّ حائـــــر ........ على ذقــنٍ أو قارعـاً سـنِّ نـادم
والقائل أيضاً: "فعليكم بدين العجائز فهو من أسنى الجوائز".
فهؤلاء كلُّهم قد تبرَّؤوا ــ كما ترى ــ من فرقة (الأشاعرة!!!) وغيرهم كثير.
حينذاك؛ يظهر لكلِّ عاقلٍ أنَّ صرح (الأشاعرة!!!) الشَّامخ قد انهار أوَّلاً بمؤسِّسه، وثانياً بأئمَّته الذين طوَّروه لما هو عليه الآن من بدعةٍ وضلال وهوى مفرط. وإذ الأمر كذلك؛ فلا يمكن أن يطلق عليها مسمَّى (أهل السنَّة!!!) بحالٍ من الأحوال.
وهو الذي يجب أن يعترف به كلُّ هؤلاء الذين أقاموا الدُّنيا وأقعدوها على الشَّيخ فركوس ــ حفظه الله ــ أنَّه ما ابتدع شيء من عنده، وكذا ما فرَّط أو أفرط في مقاله "تسليط الأضواء"، لذلك وجب على هؤلاء جميعاً أن يعترفوا بهذه الحقيقة في أنَّ مسمَّى (أهل السنَّة!!!) لا تطلق أبداً إلاَّ على أهلها ــ أهل الحقِّ وأهل الصِّدق ــ المتمسِّكون بتلك (السُّنَّة!!!)؛ المتناقلة كما ذكرت ذلك سابقاً جيل بعد جيل، من زمن الصَّحابة إلى زمن تابعي التَّابعين رضي الله عنهم أجمعين، وهم (أهل الحديث!!!)، كما أخرج البخاري من حديث حميد بن عبد الرَّحمن: "لا تزال هذه الأمَّة ظاهرين على من خالفهم، حتَّى يأتي أمر الله وهم ظاهرون"، وأيضاً من حديث المغيرة بن شعبة: "لا يزال ناسٌ من أمَّتي ظاهرين، حتَّى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون"، رواه أيضاً الإمام مسلم. وأيضا من حديث عمير بن هانئ: (لا يزال من أمَّتي أمَّة قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتَّى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك). وما أخرجه مسلمٌ من حديث جابر بن عبد الله: (لا تزال طائفة من أمَّتي يقاتلون على الحقِّ ظاهرين إلى يوم القيامة). وأيضا من حديث يزيد بن الأصمِّ: (لا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحقِّ، ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة)؛ وغيرها من الرِّوايات الصَّحيحة الصَّريحة.
قال الإمام النَّووي: (وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة، فإنَّ هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الآن، ولا يزال حتَّى يأتي أمر الله المذكور في الحديث)(22).
ونحن هنا سائلونكم ــ يا من أقمتم الدُّنيا وأقعدتموها صراخاً وعويلاً! ــ عن هؤلاء النَّاس أو الأمَّة أو الطَّائفة أو العصابة؛ من يكونون يا ترى؟
فإذا قلتم ــ عناداً ــ أنَّهم (الفرقة الماتريديَّة!!!) أو (الفرقة الأشاعرة!!!) إمَّا أحدهما أو كلاهما فقد أبعدتم النُّجعة، ونفختم في غير ضرم واستسمنتم ذا ورم!!!
بل هم ــ وبالرَّغم عنكم ــ كما أخرج الحاكم في "علوم الحديث" بسندٍ صحيحٍ عن أحمد: (إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟!)؛ ومثله يزيد بن هارون كما حكاه القرطبي في "تفسيره"(8/297و298). وقال عبد الله بن المبارك: (هم عندي أصحاب الحديث). وقال أحمد بن سنان الثِّقة الحافظ: (هم أهل العلم وأصحاب الآثار)(23). وقال الإمام التِّرمذي: قال محمَّد بن إسماعيل ــ هو البخاري ــ قال عليُّ بن المديني: (هم أصحاب الحديث)(24). وقال القاضي عياض: (إنَّما أراد أحمد أهل السنَّة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث)(25). وقال الحاكم: (لقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أنَّ الطَّائفة المنصورة التي يُرفع الخذلان عنهم إلى قيام السَّاعة هم أصحاب الحديث، ومنْ أحقُّ بهذا التَّأويل من قومٍ سلكوا محجة الصَّالحين، واتَّبعوا آثار السَّلف من الماضين، ومنعوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى آله أجمعين)(26). وقال ابن حبَّان في قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "فعليكم بسنَّتي"؛ قال: (إنَّ من واظب على السُّنن وقال بها ولم يعرج على غيرها من الآراء فهو من الفرق النَّاجية)(27).
إذن! فهم أهل الحديث بلا ريبٍ؛ وهم بالإتِّباع أحقُّ وبالإقتداء أليقُ، ولا عبرة بمن ينفي عنهم هذا أو يقول بخلاف ذلك، اللَّهمَّ إلاَّ من باب البغض والوقيعة، كما قيل: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر؛ وهذا معلوم ومعروف.
وقلنا (أهل الحديث!!!) باعتبار ما خلَّفوه لنا من بيانٍ وانتصارٍ لهذه (السنَّة!!!)، كمثل ما خلَّفه الإمام أحمد ــ من إرثٍ نقيٍّ ــ في "أصول السنَّة" وابنه عبد الله في "السنَّة" وكذا ابن أبي عاصم والخلاَّل والأثرم والمروزيُّ، وأيضاً ما خلَّفه الإمام الحميديُّ(28) والطَّبريُّ في "صريح السنَّة"، وما جاء في عقيدة الرَّازيين أبي زرعة وابن أبي حاتم، وما جاء في اعتقاد أيضاً كلٌّ من الإمام الثَّوريُّ والشَّافعيُّ والبخاريُّ وغيرها كثير عند جمهور (أهل الحديث!!!) وأئمَّته ممَّن ذكرنا وممَّنْ لم نذكر.
ثمَّ وبحكم هذا البلد ــ الجزائر ــ أنَّه يدين بمذهب الإمام مالك، فمن الواجب على أهله جميعاً ــ وبالخصوص طلبة العلم وكذا أهل اللَّغط ــ أن يعلموا بأنَّه هو من أحد أئمَّة (السنَّة!!!)؛ قال أيُّوب بن سويد: مالكٌ إمام دار الهجرة والسنَّة(29). وقال عبد الرَّحمن بن مهديِّ: سفيان الثَّوريُّ إمامٌ في الحديث وليس بإمامٍ في السنَّة، والأوزاعيُّ إمامٌ في السنَّة وليس بإمامٍ في الحديث، ومالك بن أنس إمامٌ فيهما جميعاً(30).
ثمَّ و(السنَّة!!!) هذه التي كان عليها الإمام مالك ــ رحمه الله ــ ظاهراً وباطناً، كان عليها كذلك أصحابه وأتباعه وتلامذته؛ وبالخصوص منهم رواة كتابه "الموطَّأ" وهم جمٌّ غفير، وكذا تلاميذ تلامذته وهلمَّ جرًّا! فمثلاً هذا الإمام محمَّد بن سحنون (265هـ) له رسالة في "السنَّة"؛ وقد حكى القاضي عياض في "ترتيب المدارك" عن ابن أبي دليم؛ قال: (وكان الغالب عليه الفقه والمناظرة، وكان يحسن الحجَّة والذبِّ عن السنَّة والمذهب). وابن أبي زمنين (399هـ) صاحب "أصول السنَّة"، وابن أبي زيد القيرواني (386هـ) له كتاب في "الإقتداء بأهل السنَّة" زيادة إلى "رسالته" المشهورة عند جمهور المالكيِّين، وأبو عمر الطَّلْمَنْكيُّ (429هـ) له كتاب "الوصول إلى معرفة الأصول"؛ قال ابن الحصار الخولاني: (كان من الفضلاء الصَّالحين، على هدى وسنَّة)(31). وقال ابن الحذَّاء: (وكان فاضلاً شديداً في كتاب الله تعالى، سيفاً على أهل البدع)(32). وغيرهم من تلك الكوكبة النيِّرة من المالكيِّين الذين كانوا بمثل ما كان عليه إمامهم الكبير ــ وهو الإمام مالك بن أنس رحمه الله ــ في فقهه ومنهجه وعقيدته التي هي عقيدة (أهل الحديث!!!)، وهي نفسها عقيدة (أهل السنَّة والجماعة)؛ وليست عقيدة (الأشاعرة أو الماتريديَّة) كما زعم من زعم.
ثمَّ ومن هؤلاء إلى أحفادهم وخلفهم المبارك، الذين بقوا على العهد والعقد، وحفظوا على تلك (السنَّة!!!) المتواترة والموروثة؛ في ذاك الحصن الذي أطلقوا عليه باسم "جمعيَّة العلماء المسلمين"، وهذا رجلها الأوَّل ــ وهو العلاَّمة ابن باديس رحمه الله ــ له رسالة تدلُّ على صحَّة هذا الموروث موسومة بـ "العقائد الإسلاميَّة"، وقد قدَّم لها زميله العلاَّمة الإبراهيميُّ بقوله: (...في أصول العقائد الإسلاميَّة وأدلَّتها من القرآن، على الطَّريقة السَّلفيَّة التي اتَّخذتها جمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريِّين منهاجاً لها بعد ذلك، وبنت عليها جميع مبادئها ومناهجها في الإصلاح الدِّيني)(33). وقال أيضا: (كان الإمام المبرور يصرف تلامذته من جميع الطَّبقات على تلك الطَّريقة السَّلفيَّة)(34).
وكذا ما كتبه وسطَّره جمهور رجالها ــ دعوة وإصلاحاً ــ في "البصائر" و"الشِّهاب" و"المنقد" وغيرها، وذلك بالرَّدِّ على أهل البدعة عموماً، وبالرَّدِّ خاصَّة على بدع (الطُّرقيَّة!!!) المنتشرة في زمنها؛ حتَّى أنَّ إمامها كاد يغتال من متعصِّبيها مرَّة أو مرَّتين، والتَّاريخ يشهد على ذلك بالتَّأكيد.
ولا أنسى كذلك رجلها العلاَّمة الشَّيخ مبارك الميلي في كتابه الموسوم بـ "رسالة الشِّرك ومظاهره"؛ فهي تصرخ علانيَّة بهذه (السنَّة!!!) التي تبنَّتها (الجمعيَّة!!!) في دعوتها، وأقوالها وأفعالها ومقالاتها؛ حتَّى في شعرها! إذ هذا حسَّان(35) (الجمعيَّة!!!) وكميت(36) (الفرقة النَّاجية!!!) وشاعر (السَّلفيَّة!!!) في الجزائر؛ الشَّيخ محمَّد العيد آل خليفة يقول ــ رحمه الله ــ:
هَذَا الْأَخُ الْمِيْلِـــيُّ فِيــكِ مُثَــــوِّبٌ ….. للهِ بِالذِّكْــرَى فَهَـلْ مِنْ وَاعِ
يَجْلُـو وُجُـوهَ الشِّـرْكِ وَهِـي خَفِيَّةٌ ….. لِلنَّــاسِ شَــأْنُ الْعَـالِمِ النَّفَّاعِ
اليـــومَ مـِنْ أَفــكَارِهِ تَجْنِيــــنَ مَا ….. تَجْنِيـنَ مِنْ عِلْمٍ وَمِنْ إِمْتـاعِ
فــأْوِي مِنَ التَّــوحِيدِ خُلْـداً طَيِّــباً ….. وَتَنَشَّقِي مِنْ عَـرْفِهِ الضَوَّاعِ
وَدَعِي الفِئَامَ الْمَارِقِينَ عَنِ الهُدَى ….. الْخَارِقِينَ حَظِيـرَةَ الْإِجْمَـاعِ
ولا ننسى أيضا ذاك المغوار الشَّيخ العربي بن بلقاسم التبسِّي ما سطَّره في مقالٍ له في "مجلة الشِّهاب"(4/149) بعنوان (شرف الإنتساب إلى السَّلفيَّة!!!). وكذا الإمام السَّلفيُّ أبو يعلى الزَّواوي ــ رحمه الله ــ لما أعلنها صرخة قويَّة في آذان أهل البدعة و(أهل الطُّرقيَّة!!!) كما جاء في "الشِّهاب"(2/951)؛ قال: (وإنِّي أعلنت أنِّي سلفيٌّ! وأعلنت أنِّي تبرَّأت من كلِّ ما يخالف الكتاب والسنَّة، ورجعت عن كلِّ قولة قلتها لم يقلها السَّلف الصَّالح).
فرحم الله الجميع ..!!!
هؤلاء! هم أهل (جمعيَّة العلماء المسلمين!!!) كما جاءت، وكما كان عليها أهلها الأوائل، على (عقيدة أهل السنَّة والجماعة!!!) وهي (عقيدة السَّلفيَّة!!!) وليست (عقيدة الأشاعرة!!!) أو (عقيدة الماتريديَّة!!!) كما تردَّد هنا وهنالك.
فـ (أهل السنَّة!!!) إذن؛ هم هؤلاء الأبرار من الجيل الصَّالح ــ وهو خير خلفٍ لخير سلف ــ وليس هم (الأشاعرة!!!) أو (الماتريديَّة!!!) كما قال السَّفارينيِّ في كتابه "لوامع الأنوار البهيَّة"(1/73)، أو بقول يوسف عبد الرزَّاق ــ أحد علماء الأزهر ــ في تحقيقه لكتاب "إشارات المرام من عبارات الإمام"(ص/298) بتقديم الكوثري: (إذا أطلق أهل السنَّة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريديَّة). ولا ريب أنَّ قولهم وادِّعائهم هذا باطلٌ غير صحيح؛ كما بيِّنَّا ذلك سابقا، فإنَّ (الأشاعرة!!!) و(الماتريديَّة!!!) لا يصحُّ إطلاق هذا اللَّقب الجليل عليهم، فضلاً عن أن يكونوا أهله المختصِّين به.
ونافلة القول: أنَّ هؤلاء من أهل الضجَّة لم نعلم لهم أنَّهم تحرَّكوا فيما تدَّعيه (الماتريديَّة!!!)، وما ذلك إلاَّ لأنَّهما أخوان شقيقين في هذه البدعة، وإن كان بينهما اختلاف! لكنَّها تستطيع الصُّراخ على أهل (السَّلفيَّة!!!) والعمل على مضايقتها بكلِّ قوَّة. وهو نفسه ما فعله أحد كبار الطُّرقيِّين تجاه (الجمعيَّة!!!) وأهلها أنذاك؛ فقال: (نحن فلسناهم عند الحكومة، وهم فلسونا عند الأمَّة). طبعاً الحكومة هذه المقصود منها فرنسا، والأمَّة المقصود منها الجزائر، وهذا يعطيك صورة حقيقيَّة على البغض الدَّفين لـ (أهل السنَّة!!!) ــ أي (السَّلفيَّة!!!) ــ وما زالت نار حربهم إلى الآن تشبُّ وتخبو، كما ما زالت سهامهم نحو فركوس وصاحبيه تطيش وتنبو.
فإخراج القوم ــ وسواءٌ أكانوا من (الأشاعرة!!!) أو من (الماتريديَّة!!!) ــ من (أهل السنَّة!!!) ليس بيد شخصٍ معيًّن أو فئةٍ معيَّنة كما يتصوَّره البعض، وخاصَّة من هؤلاء أهل الضجَّة الذين أطلقوا الصُّراخ والعويل على الشَّيخ فركوس، وإنَّما أنتم من أخرجتم أنفسكم بأنفسكم، كما أنَّ ما بين (أهل السنَّة!!!) وبين (أشعريَّتكم!!!) و(ماتريديَّتكم!!!) حديث الإفتراق المذكور سابقاً، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم فيه: "ما أنا عليه وأصحابي".
هذا الذي هو أخرجكم من (أهل السنَّة!!!)، وكذا ما عندكم من بدع كثيرة وخطيرة، قد حاربوها أئمَّة المالكيَّة ممَّن نوَّهنا عن بعضهم آنفاً، وكذا محاربة أهل (الجمعيَّة!!!) لها طبعاً.
ذاك هو ما أخرجكم وليس الشَّيخ فركوس؛ والله المستعان ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله.
وصلِّي اللَّهمَّ على محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.

كتبه ببنانه العبد الضعيف: أبو حامد الإدريسي
يوم الخميس 19 رجب 1439هـ الموافق لـ 5 أفريل 2018م


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

(1) طبعاً أقصد شخصاً من أهل السنَّة ظاهراً وباطناً، له منهج سلفيٍّ محض كمثل شيخنا فركوس أو غيره.
(2) يدعو إلى سنَّة ما أو يحارب بدعة ما أو يبيِّن جزئيَّة ما، وخاصَّة إذا خالف القوم وأهل البدعة!!
(3) عنوان المقال كاملاً هو: "تسليط الأضواء على أنَّ مذهب أهل السنَّة لا ينسب إليه أهل الأهواء".
(4) أي جمعيَّة العلماء المسلمين. علماً هنالك فرقٌ كبير بين هذه الجمعيَّة لمَّا كانت تحت أيي العلماء وبين تحت أيدي الأدعياء؛ فثمَّة فرقٌ شاسع وبند واسع؛ فتنبَّه!!!
(5) أي أصحاب الزَّوايا من الطُّرقيَّة.
(6) أنظر "مجموع الفتاوى"(13/157) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة.
(7) فقط باعتبار البحث ومناقشة المخالف، لذلك لم أذكر عمل ومفهوم السَّلف؛ لما سوف يأتي معنا.
(8) إلاَّ الرَّواض عاملهم الله بما يستحقُّون.
(9) أنظر "فتنة التَّكفير"(ص/3) للألباني رحمه الله وكذا "صحيح الجامع"(9474) و"الصَّحيحة"(1/358)
(10) أقصد طبعاً (الرَّوافض!!!). وقد ردَّ شيخنا العلاَّمة عبد المحسن العبَّاد ــ حفظه الله ورعاه ــ على أحد النَّابتة المبتدعين يسمَّى [حسن بن فرحان المالكي] ــ يدَّعي ذلك ــ في رسالة له قيِّمةٍ بعنوان "الإنتصار لأهل السنَّة والحديث في ردِّ أباطيل حسن المالكي"؛ فقال: (إنَّ أهل السنَّة هم الذين يُحبُّون عليًّا رضي الله عنه وأهل بيته، بل وسائر أهل بيت النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم، وهم زوجاته وكلُّ مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب بن هاشم، ويتولَّونهم جميعاً دون غلوٍّ أو جفاء).
(11) أنظر "رسالة السنة"(ص/82).
(12) أنظر "موسوعة الفرق المنستبة للإسلام"(2/203).
(13) يعدُّ كتاب "التَّوحيد" للماتريديِّ من أهمِّ مؤلَّفاته الكلاميَّة وذلك لأنَّه قد قرَّر فيه نظريَّاته الكلاميَّة وبيَّن فيه معتقده في أهمِّ المسائل الإعتقاديَّة، فلذلك صار كتاب "التَّوحيد" المرجع الأساسي في معرفة عقيدة الماتريديَّة، وكلُّ من جاء بعد الماتريديِّ من الماتريديَّة اعتمدوا عليه، ولم يأتوا بجديد يذكر. وكتاب "التَّوحيد" أيضا من أقدم المراجع الكلاميَّة التي فيها ذكر آراء الفرق الإسلاميَّة وخاصَّة المعتزلة، وكذلك آراء الفرق غير الإسلاميَّة وكتاب "التَّوحيد" أيضا من أوَّل الكتب الكلاميَّة التي صدرت بالكلام في نظريَّة المعرفة. أنظر "موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام"(2/206).
(14) وهو يسمَّى عندهم بـ "تأويلات أهل السنَّة" أو "تأويلات القرآن"؛ وهو في التَّفسير، وقد ذكره عامَّة من ترجموا له وهو معروف ومشهور عند الماتريديَّة، ولا يوازيه عندهم أيُّ تفسير آخر لا قبله ولا بعده. أنظر "موسوعة الفرق المنتسبة لٌسلام"(2/206).
(15) أنظر "التَّوحيد"(ص/4و6) لأبي منصور الماتريدي.
(16) أنظر نفس المصدر (ص/137).
(17) أنظر "موسوعة الفرق المنتسبة لٌسلام"(2/221) بالتصرُّف.
(18) وإذا نظرنا إلى "عقيدته" هذه وجدنا أنَّها تقرِّر مجمل عقيدة السَّلف أهل السنَّة والجماعة، لكن هناك بعض المسائل التي قد يُتردَّد في صحَّتها وانضباطها. إذ أنَّ الإمام الطحاوي رحمه الله أجمل بعض المسائل التي هي محلُّ نزاع بين المتأخِّرين، ولربَّما عبَّر بأحرفٍ هي من أحرف أبي الحسن الأشعري وغيره من المتكلِّمين في بعض المسائل؛ لذلك وجب الإنتباه لهذا كلِّه ولمسألة الإيمان عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
(19) أنظر "شرح الطحاويَّة"(ص/3) ليوسف الغفيص.
(20) أنظر "مختصر العلو للذَّهبي"(ص/275).
(21) أنظر "مجموع الفتاوى"(4/73).
(22) أنظر "شرح النَّووي على صحيح مسلم"(5/95).
(23) أنظر "سلسلة الأحاديث الصَّحيحة"(1/136).
(24) أنظر "سنن التِّرمذي مع شرحه عارضة الأحوذي"(5/23).
(25) أنظر "إتحاف الجماعة"(1/330).
(26) أنظر "معرفة علوم الحديث"(ص/2).
(27) أنظر "صحيح ابن حبَّان"(1/105).
(28) له أيضا رسالة بعنوان "أصول السنَّة" مشهورة.
(29) أنظر "ترتيب المدارك"(1/37) للقاضي عياض.
(30) أنظر "تاريخ دمشق"(35/183) للحافظ ابن عساكر.
(31) أنظر "ترتيب المدارك"[في ترجمته].
(32) نفس المصدر السَّابق.
(33) أنظر "العقائد الإسلاميَّة"(ص/15) لابن باديس.
(34) نفس المصدر السَّابق.
(35) هو الصَّحابي حسَّان بن ثابت شاعر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
(36) هو الكميت الأسدي الشَّاعر المشهور؛ أبو المستهل، مادِح أهل البيت يمدح بني هاشم، ويعرضُ ببني أميَّة (126هـ).

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013