منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 24 Dec 2012, 09:13 PM
ابو اسحاق محمد كرينة ابو اسحاق محمد كرينة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 176
افتراضي عبدالله بن عبدالرحيم بن حُسين البُخاري فضل العلم والتحذير من بعض آفاته

فضل العلم والتَّحذير من بعض آفاته
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نَحمدُه و نَسْتَعينهُ ونَسْتَغفرهُ، ونَعُوذُ بالله مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدهِ اللهُ فَلا مُضلَّ لَهُ، وَ مَنْ يُضْلِل فَلا هَادي لَه، وَأَشهدُ أن لا إِلَه إلاَّ الله وحْدَه لا شَريكَ لَهُ، وَ أَشْهَدُ أنَّ محمَّداً عَبْدُه وَرَسولُه صلى الله عليه وسلم.
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }(آل عمران: 102).
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}( النساء: 1).
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا}(الأحزاب: 71).

أمَّا بعدُ: فإنَّ أَصْدَقَ الْحَديث كَلامُ الله تَعالى، وَخَيْرَ الْهَدي هَديُ مُحمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وشَرَّ الأُمُور مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلةٌ، وَكُلَّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ.

ثم أمَّا بَعْدُ:
فَقَد طَلبَ مِنِّي الإخْوَةُ في (مَجلَّة الإصْلاَح) ([1]) الجزائريَّة، وفَّقهم الله وَ سدَّدهم، أنْ أُشَارِكَهُم فِي كِتَابَةِ مَقَالٍ، تَحْقِيقاً لِمَبدأ التَّعَاون عَلى البرِّ والتَّقوى، وَلَمَّا كانَ الأَمْرُ بِهَذه الْمَثَابَة والرًّتبةِ، وافَقْتُ وحَرصْتُ أنْ يكونَ الْمَقَالُ يَتَعلَّقُ بأمرٍ نَحْتَاجُ إلى التَّذكير بِه فِي كُلِّ حِينٍ وآنٍ،أَلاَ وهو التَّذكيرُ بِأَمْرِ (العِلْمِ الشَّرعي الصَّحيحِ) والتَّحذيرُ من بعض آفاتِهِ، إذ لاَ يَخْفَى عَلَى عاقلٍ مُدركٍ مَا لِلْعِلمِ وَ أهلهِ مِنْ فَضلٍ وَمَكانَةٍ في الشَّرع الحنيفِ؛ فـ " الإنسانُ خُلقَ ظَلُوماً جهولاً، فَالأَصْلُ فيهِ: عَدَمُ العِلْم، وَمَيْلُه إلَى مَا يَهْواهُ مِنَ الشَّرِّ، فَيَحْتَاجُ دائماً إلَى عِلْمٍ مُفصَّلٍ يَزُولُ به جَهْلهُ، وَعَدْلٍ فِي مَحبَّتهِ وَبُغْضِهِ، وَ رِضَاهُ وغَضبهِ، وَ فِعْلهِ وَتَرْكهِ، وَإعْطَائهِ وَمَنْعهِ، وَكُلّ مَا يَقولهُ ويعملهُ يَحْتَاجُ فيهِ إلَى عَدْلٍ يُنَافِي ظُلْمهُ، فَإنْ لَمْ يَمنّ اللهُ عليهِ بِالعِلْمِ الْمُفَصَّل وَالعَدْلِ الْمُفَصَّل، وَإلاَّ كانَ فِيه مِنَ الْجَهْلِ وَالظُّلمِ مَا يَخْرُجُ به عَنِ الصِّراطِ الْمُسْتَقيم" قالهُ شَيخُ الإسْلاَم ابنُ تَيْميَّة رحمه الله فِي (قَاعدة في أنْوَاع الاسْتِفتاحِ فِي الصَّلاة)(ص40).

وهذا العلمُ المفصَّلُ " قَدْ تَكَاثَرتِ الآيَاتُ وَالأخْبَارُ وَ الآثارُ وَ تَواتَرت، وَتَطَابَقَت الدَّلائلُ الصَّريْحَة وَتَوافَقت، عَلى فَضِيلةِ العِلْم، وَالْحَثِّ علَى تَحْصيلهِ، وَ الاجْتِهَادِ فِي اقْتِبَاسهِ وَتَعْليمهِ، وَأنَا أَذْكُرُ طَرفاً مِنْ ذَلِكَ" قاله الحافظُ النووي رحمه الله في (مقدمة المجموع)(1 / 40)، فَمِنْها:
1 / قَوله تعالَى: {و أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيْمَاً} (النساء: 113).
قَالَ شَيْخُ الإسلام ابن القيم رحمه الله في (مفتاح دار السعادة)(1 / 52):" عَدَّدَ سُبْحَانَهُ نعَمهُ وفضْلهُ علَى رَسُولهِ صلى الله عليه وسلم، وجعلَ مِنْ أجلِّها: أَنْ آتاهُ الكِتَابَ و الْحِكْمةَ وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَم".
2 / قوله تعالى { يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ اْلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِيْنَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيْعُ الْحِسَابِ} (المائدة: 4).
قالَ الإمَامُ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله فِي (مفتاح دار السعادة)(1 / 55):" إنَّ الله سُبْحَانَهُ جَعَل صَيْدَ الكَلْب الْجَاهلِ مَيتةً يَحْرُمُ أكلُها‍! و أبَاحَ صَيْدَ الكَلْبِ الْمُعَلَّم، وهَذا مِنْ شَرَف العِلْمِ: أنَّهُ لاَ يُبَاحُ إلا صَيْدُ الكَلبِ العَالِمِ، وَأمَّا الكَلْبُ الْجَاهلُ فَلا يَحِلُّ أَكْلُ صَيدِهِ؛ فَدلَّ علَى شَرَفِ العِلْمِ وَفَضْلهِ، وَ لَوْلا مَزيَّةُ العِلْمِ وَالتَّعْليمِ وَشَرفُهما كانَ صَيدُ الكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْجَاهِلِ سَواءً".

وَ مِنْ نُصوصِ السُّنَّة النَّبوية:
1 / مَا أَخْرَجَهُ الإمامُ لبُخاريُّ في (صَحِيْحهِ) (1 / رقم 71 / 164-فتح) و الإمامُ مُسلمٌ في (صَحِيْحه)(7 / 128- نووي) عنْ مُعَاوية رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُردِ اللهُ به خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَ إنَّمَا أَنَا قَاسمٌ وَ اللهُ يُعْطِي، ولَن تَزَالَ هَذهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللهِ).
قَالَ الإمام ابن القيم رحمه الله في (مفتاح دار السعادة)(1 / 60):" هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُفَقِّهْهُ فِي دِيْنهِ لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْراً، كمَا أَنَّ مَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْراً فَقَّهَهُ فِي دِيْنهِ، وَمَنْ فَقَّهَهُ فِي دِينهِ فَقدْ أَرَادَ بِهِ خَيْراً، إذَا أُريدَ بِالفِقْهِ العِلْمُ الْمُسْتَلزمُ لِلْعَمَلِ.
وَأمَّا إنْ أُريدَ بِهِ مُجَرَّدُ العِلْمِ فَلاَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ فَقُهَ فِي الدِّينِ فَقَدْ أُرِيْدَ بِهِ خَيْراً؛ فَإنَّ الفِقْهَ حِيْنَئذٍ يَكُونُ شَرْطاً لإرَادَةِ الْخَيرِ، وَعَلى الأَوَّلِ يَكُونُ مُوجِبَاً، واللهُ أعلَم".
وقال الحافظُ النَّوويُّ رحمه الله فِي (شَرْحِ صَحيحِ مُسلم)(7 / 128):" فيهِ فَضِيْلَةُ العِلمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَالْحَثُّ عَليهِ وَسَببُهُ أنَّه قَائِدٌ إلَى تَقْوى الله تَعالَى".
2 / مَا أَخْرَجَهُ الإمامُ البُخَاريُّ فِي (صحيحهِ) (1 / رقم 82 / 180- فتح) والإمامُ مسلمٌ في (صحيحه) (رقم2391) منْ حَديثِ عبدالله بنِ عُمر رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: (بَيْنَا أنَا نَائِمٌ، أُتِيْتُ بِقَدحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حَتَّى إنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بنَ الْخَطَّاب. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: العِلْمُ ).
قالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله في (فتح الباري) (7 / 46):" وَ وَجْهُ التَّعْبِيرِ بِذَلكَ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاكِ اللَّبَنِ وَ العِلْمِ فِي كَثْرَةِ النَّفعِ، وَكَونهمَا سَبَباً لِلصَّلاحِ؛ فَاللَّبَنُ لِلْغِذَاءِ البَدنِيِّ، وَ العِلْمُ لِلْغِذَاءِ الْمَعْنَويِّ".

وَمِمَّا أُثر عَنِ السَّلفِ رضي الله عنهم:
1 / قالَ الإمامُ البُخاريُّ فِي (صَحيحه)(كتاب الفرائض / باب تَعليم الفرائض)(12 / باب رقم 2 / 4-فتح) قالَ عُقْبَةُ بنُ عَامرٍ رضي الله عنه: ( تَعَلَّمُوا قَبْل الظَّانِّين).
قالَ الإمامُ البُخاريُّ رحمه الله شَارحاً القَولَ:" يَعْني: الذينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ ".
قَال الْحَافِظُ النَّوويُّ رحمه الله عَقِب قَولَ الإمَام البُخاريّ:" مَعْنَاهُ: تَعَلَّمُوا العِلْمَ مِِنْ أَهْلهِ الْمُحَقِّقينَ الوَرِعيْنَ قبْلَ ذَهَابِهم وَ مَجيءِ قَومٍ يَتَكَلَّمُونَ فِي العِلْمِ بِمثلِ نُفُوسِهم وَ ظُنونِهم الَّتي ليْسَ لَهَا مُسْتَنَدٌ شَرعِيٌّ " (المجموع) (1 / 42).
وذكرَ الْحَافِظُ ابنُ حَجرٍ رحمه الله وجوهاً أُخرىَ فِي مَعْنى أثرِ عُقْبة رضي الله عنه، وَمِنْهَا:" وَقِيْلَ: مُرادهُ: قَبْل انْدِرَاسِ العِلْمِ وَ حُدُوث مَنْ يَتَكلَّمُ بِمُقْتَضى ظَنِّهِ غَير مُسْتَنِدٍ إلَى عِلْمٍ".
2 / قال سهل بن عبدالله التستري رحمه الله: " مَا أحْدَثَ أحدٌ في العِلْمِ شَيئاً إلاَّ سُئِلَ عنْهُ يَومَ القِيَامَةِ؛ فَإنْ وَافَقَ السُّنَّة سَلِمَ وَ إلَّا فَهُو العَطَبُ" (جامع بيان العلم)(2 / 1085).
3 / قال صالح بن مهران الشيباني رحمه الله:" كلُّ صَاحِب صِنَاعةٍ لاَ يَقْدرُ أنْ يَعْمَلَ فِي صنَاعَتهِ إلاَّ بآلةٍ، وَ آلةُ الإسْلام: العِلْم" (طبقات المحدثين بأصبهان)(2 / 216).
أَلا فَلْيُشَمِّر الْمُؤْمن الْحَصيف عنْ سَاعدِ الْجِدِّ والاجتهادِ؛ لِيُدْركَ ذَلِكم الفَضْلَ، وَيَلْحَق بِركابِ أَهلهِ؛ فَإنَّ:" أَعْلَى الْهِمَمِ فِي طَلَبِ العِلْمِ: طَلَبُ عِلْمِ الكِتَابِ وَ السُّنَّةِ، وَالفَهْم عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولهِ صلى الله عليه وسلَّم نَفْسَ الْمُرَادِ، وَ عِلْم حُدُودِ الْمُنزَّلِ.
وَأَخَسُّ هِمَمِ طُلاَّبِ العِلْمِ قَصْر هِمَّتهِ عَلَى تَتَبُّعِ شَواذِّ الْمَسائِلِ، وَ مَا لَمْ يَنْزِل وَ لاَ هُو وَاقِعٌ، أَوْ كَانَتْ هِمَّتُهُ مَعْرفَة الاخْتِلافِ وَتَتَبُّع أَقْوالِ النَّاس، ولَيْسَ لَه هِمَّةٌ إلَى مَعْرفَةِ الصَّحِيْحِ مِنْ تِلْكَ الأَقْوَالِ، وَقَلَّ أَنْ يَنْتَفِعَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤلاءِ بِعِلْمهِ" قاله الإمامُ ابنُ القيِّم في كتابه المفيد (الفوائد)(ص 60).

وَ لئن سألَ سائلٌ عنْ حَقِيْقَةِ العِلْمِ النَّافِعِ؟
فالجوابُ فيما قَالهُ الإمَامُ ابنُ رَجَبٍ الْحَنبليِّ رحمه الله في كتابهِ النَّافعِ ( فَضْل عِلْم السَّلفِ عَلَى عِلْمِ الْخَلف)(ص 45):" فَالْعِلمُ النَّافعُ من هَذه العُلُوم كُلِّها: ضَبْطُ نُصُوصُ الكتَابِ وَ السُّنَّةِ، وَفَهْمُ مَعَانِيها، وَ التَّقيُّدُ فِي ذَلكِ بِالْمَأثُورِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَ التَّابعين و تَابِعيهمْ؛ فِي مَعَانِي القُرْآن وَ الْحَديثِ، وَ فِيْمَا وَرَدَ عَنْهُم مِن الكَلاَمِ فِي مَسائلِ الْحَلالِ وَ الْحَرامِ، و الزُّهْدِ وَالرَّقائقِ وَ الْمَعَارِفِ، وَغَير ذَلكِ، وَ الاجْتِهَادُ فِي تَمْيِيز صَحيحهِ مِنْ سَقِيْمهِ أوَّلاً، ثُمَّ الاجْتِهَادُ فِي الوقُوفِ عَلَى مَعَانيهِ وَ تَفَهُّمهِ ثَانياً، وفِي ذَلكَ كِفَايةٌ لِمَنْ عَقَل، وَ شُغْلٌ لِمَن بِالعِلْمِ النَّافعِ عُني و اشْتَغل. وَمَن وَقَفَ عَلى هَذا وأخْلَصَ القَصْدَ فيهِ لِوجهِ الله عزَّ وجلَّ و اسْتَعانَهُ عَليه، أعَانَهُ وَهَدَاهُ، وَ وَفَّقَهُ وَ سَدَّدَهُ وَفَهَّمَهُ وَ أَلْهَمَهُ، وَ حِيْنَئذٍ يُثْمِرُ لَهُ هَذا العِلْمُ ثَمَرتَه الْخَاصَّة به، وهيَ: خَشْيةُ الله كمَا قَال عَزَّ وجلَّ (إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء)، وقَال ابنُ مَسْعُودٍ وغَيرُهُ: كَفَى بِخَشيةِ الله عِلْمَاً، وَكَفَى بالاغترارِ بالله جَهْلاً...".
وإنَّ مِنَ الكَلمَاتِ الْمُهِمَّة والمضيئة في البَاب، كَلمةالإمام شيخِ الإسلام مُحمَّد بنِ إدريس الشَّافعيّ رحمه الله حيثُ قال في كتابهِ الفذِّ ( الرِّسالَة) (رقم 44،45،46 / ص19):" وَالنَّاسُ فِي العِلْمِ طَبَقَاتٌ، مَوقعُهم مِنَ العِلْمِ بِقَدرِ دَرَجَاتِهم فِي العِلْمِ بِهِ.
فَحقٌّ عَلَى طَلَبَةِ العِلْمِ بُلُوغُ غَاية جَهْدِهم فِي الاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمهِ وَالصَّبرِ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبهِ، وَ إِخْلاَصِ النِّيَّةِ للهِ فِي اسْتِدْرَاكِ عِلْمهِ، نَصَّاً وَ اسْتِنْبَاطَاً، وَالرَّغْبة إلَى الله فِي العَوْنِ عَليهِ؛ فَإنَّه لاَ يُدْرَكُ خَيْرٌ إلاَّ بِعَونهِ.
فَإنَّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ الله فِي كتَابهِ نَصَّاً وَاسْتِدْلاَلاً، وَوَفَّقهُ الله لِلْقَولِ وَالعَمَلِ بِمَا عَلِمَ منْهُ: فَازَ بِالفَضِيْلَةِ فِي دِيْنهِ وَ دُنْيَاهُ، وَانْتَفتْ عَنْهُ الرِّيَبُ، وَنَوَّرتْ فِي قَلْبهِ الْحِكْمَةُ، وَاسْتَوجبَ فِي الدِّينِ مَوْضِعَ الإِمَامَةِ".
وبعدَ الَّذي ذُكرَ أُنَبِّهُ عَلَى آفةٍ مِنْ أَعْظَمِ آفَاتِ العِلْمِ، أَلاَ وَهي: القَولُ عَلى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ! إذ هي جريمة عظيمة، وأمرٌ قبيحٌ، وكذبٌ وَ افْتِيَاتٌ عَلَى الله جلَّ في عُلاه، وهُو أَمْرٌ لَمْ يُبح الله عزَّ وجلَّ لأَحَدٍ أنْ يَتَقوّل عليه، حَتَّى قَال عزَّ وجلَّ عَنْ خليلهِ ورسولهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم -وَ قَدْ عَصَمهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُ؟!!- قَالَ الله تَعالَى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ.لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) (الحاقة:44-47)
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي (تفسيره) (4 / 415):" يقُولُ الله (ولو تَقوَّلَ عَليْنا) أيْ: مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ كمَا يَزْعُمُونَ، مُفْتَرياً عَلْيَنَا فَزَادَ فِي الرِّسَالَةِ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا أَوْ قَالَ شَيئاً مِنْ عِنْدِهِ فَنَسَبَهُ إليْنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لَعَاجَلْنَاهُ بِالعُقُوبَةِ، وَلِهَذا قَالَ تَعَالَى (لأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِيْنِ)، قِيْلَ مَعْناهُ: لانْتَقَمْنَا منْهُ بِاليَمِينِ؛ لأنَّهَا أَشَدُّ فِي البَطْشِ، وَقيلَ: لأَخَذْنَا منْهُ بِيَمِيْنهِ، (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِيْن) قَالَ ابنُ عبَّاسٍ: هُو نِيَاطُ القَلْبِ، وَهُو العِرْقُ الَّذي القَلْبُ مُعَلَّقٌ فِيْهِ.
وَفِي قَوله (فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عنْهُ حَاجِزين) أيْ: فمَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَلى أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ إذَا أَرَدْنَا بِهِ شَيْئاً مِنْ ذَلكَ.
والْمَعْنى فِي هَذا: بَلْ هُو صَادِقٌ بَارٌّ رَاشدٌ؛ لأنَّ الله تَعالَى مُقَررٌ لَهُ يُبَلِّغهُ عَنْهُ، وَمُؤيِّدٌ لَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ البَاهِرَاتِ وَالدَّلاَلاَت القَاطِعَاتِ".

ومِنَ الأَدِلَّةِ فِي تَقْرِيْرِ هَذَا الْمَقَامِ الخطير والعظيم:
1 / قَالَ اللهُ تَعالَى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن افْتَرَىَ عَلَى اللهِ كَذِبَاً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إليَّ ولَمْ يُوحَ إليْهِ شَيْءٌ..) الآية من (سورة الأنعام: 93).
قَالَ العَلاَّمةُ القُرْطِبيُّ فِي (الجامع لأحكام القرآن)(7 / 41):" قَولُه تَعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، أيْ؛ لاَ أَحَدَ أَظْلَمُ، (مِمَّن افْتَرَى) أيْ؛ اخْتَلَقَ عَلَى الله كَذِباً، (أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ) فَزَعَمَ أنَّهُ نَبِيٌّ، (وَلَمْ يُوْحَ إليْهِ شَيْءٌ).
-إلى أنْ قَالَ- وَ مِنْ هَذا النَّمَطِ مِنْ أَعْرَضَ عَنِ الفِقْهِ وَالسُّنَنِ وَمَا كَانَ عليْهِ السَّلَفُ مِنَ السُّنَن فَيَقُولُ: وَقَعَ فِي خَاطِري كَذا، أوْ أَخْبَرَنِي قَلْبي بِكَذا!!
فَيَحْكُمونَ بِمَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهم وَيَغْلُبُ عَليهمْ مِنْ خَواطِرِهمْ، وَيَزْعُمون أنَّ ذلكَ لِصَفَائِها مِنَ الأَكْدَارِ وَخُلُوِّهَا عَنِ الأَغْيار، فَتَتَجَلَّى لَهُم العُلُوم الإلهيَّة وَالْحَقَائِق الرَّبَّانيَّة، فَيَقِفُونَ عَلَى أَسْرَارِ الكُلِّيَّاتِ ويَعْلَمُون أَحْكَام الْجُزْئيَّاتِ فَيَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ أَحْكَامِ الشَّرَائع الكُليَّات، وَيَقُولُون: هَذهِ الأَحْكَامُ الشَّرعيَّة العَامَّة، إنَّمَا يُحْكَمُ بِها عَلى الأَغْبِيَاء وَالعَامَّة، وأمَّا الأَوْليَاءُ وَأَهْلُ الْخُصُوصِ، فَلاَ يَحْتَاجُونَ لِتِلْكَ النُّصُوص".
وقالَ العلاَّمة السَّعدي في (تفسيره)(ص 226):" يَقُولُ الله تَعالَى: لاَ أَحَدَ أَعْظَمُ ظُلْمَاً وَلاَ أَكْبَرُ جُرْمَاً مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ بِأَنْ نَسَبَ إلَى اللهِ قَولاً أوْ حُكْمَاً وَهُو تَعَالَى بَرِئٌ مِنْهُ، وَإنَّمَا كَانَ هَذا أَظْلَم الْخَلْقِ؛ لأَنَّ فيْه مِنَ الكَذِبِ وَتَغْييرِ الأَدْيَانِ أُصُولِهَا وَ فُرُوعِهَا وَنِسْبَةِ ذَلكَ إلَى اللهِ تَعالَى مَا هُو مِنْ أَكْبَرِ الْمَفَاسدِ".
2 / قَالَ اللهُ تَعالَى (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النَّحل:116).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي (تَفسيرهِ)(2 / 590):" نَهَى تَعالَى عَنْ سُلُوكِ سَبيلِ الْمُشْرِكين، الَّذين حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا بِمُجَرَّدِ مَا وَضَعوهُ وَاصْطَلَحُوا عليهِ مِنَ الأَسْمَاءِ بِآرَائِهم...- إلى أنْ قَال- وَيَدْخُلُ فِي هَذا كُلُّ مِنَ ابْتَدعَ بِدْعَةً لَيسَ لَهُ فِيْهَا مُسْتَندٌ شَرعيٌّ، أو حَلَّل شَيئاً مِمَّا حرَّمَ الله، أو حرَّمَ شيئاً مِمَّا أباحَ الله، بِمُجرَّد رَأيه أوْ تَشَهِّيهِ- إلى أَنْ قَالَ- ثُمَّ تَوَعَّدَ عَلَى ذَلكَ فَقَالَ ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الآخِرَةِ، أمَّا فِي الدُّنْيَا فَمَتَاعٌ قَلِيْلٌ، وأمَّا فِي الآخِرَةِ فَلَهُمْ عَذَابٌ أَليْمٌ، كَمَا قَالَ( نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ)".
وَ يَدْخُلُ فِي الكَذِبِ عَلَى اللهِ الكَذَب عَلَى رَسُولهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ السُّنَّةَ وَحيٌّ قَالَ الله تَعَالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىَ إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌّ يُوحَى)، وَقَدْ تَوعَّدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَذَبَ عَليهِ كَمَا جَاءَ فِي (الصَّحِيْحَينِ) فِي قَوله (إنَّ كَذِبَاً عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبوَّأْ مَقعدهُ مِنَ النَّارِ).
3 / قالَ تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33).
قَالَ الإمَامُ الْهُمَام ابْنُ القَيِّمِ فِي كتَابهِ العَظِيم (إعْلاَمُ الْمُوقِّعين عَنْ رَبِّ العَالَمين)(1 / 38):" وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ جَعَلَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا ، فَقَالَ تَعَالَى ( قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) فَرَتَّبَ الْمُحَرَّمَاتِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ، وَبَدَأَ بِأَسْهَلِهَا وَهُوَ الْفَوَاحِشُ ، ثُمَّ ثَنَّى بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ وَهُوَ الإِثْمُ وَالظُّلْمُ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْهُمَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ رَبَّعَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِلاَ عِلْمٍ.
وَهَذَا يَعُمُّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِلاَ عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ، وَقَالَ تَعَالَى ( وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَوْلِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ : هَذَا حَرَامٌ ، وَلِمَا لَمْ يُحِلَّهُ : هَذَا حَلاَلٌ ، وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ إلاَّ بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَلَّهُ وَحَرَّمَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ : أَحَلَّ اللَّهُ كَذَا ، وَحَرَّمَ كَذَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ، لَمْ أُحِل كَذَا ، وَلَمْ أُحَرِّمْ كَذَا؛ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ وُرُودَ الْوَحْيِ الْمُبِينِ بِتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ اللَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ أَوْ بِالتَّأْوِيلِ
وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَمِيرَهُ بُرَيْدَةَ أَنْ يُنزلَ عَدُوَّهُ إذَا حَاصَرَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَقَالَ: ( فَإِنَّك لاَ تَدْرِي أَتُصِيب حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك)؛ فَتَأَمَّلْ كَيْف فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ الأَمِيرِ الْمُجْتَهِدِ، وَنَهَى أَنْ يُسَمَّى حُكْمُ الْمُجْتَهِدِينَ حُكْم اللَّهِ .
وَمِنْ هَذَا لَمَّا كَتَبَ الْكَاتِبُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ فَقَالَ: هَذَا مَا أَرَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، فَقَالَ: ( لاَ تَقُلْ هَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ: هَذَا مَا رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ).
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : ( لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلاَ مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا ، وَلاَ أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَقُولُ فِي شَيْءٍ : هَذَا حَلاَلٌ ، وَهَذَا حَرَامٌ ، وَمَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ : نَكْرَهُ كَذَا ، وَنَرَى هَذَا حَسَنًا ؛ فَيَنْبَغِي هَذَا ، وَلاَ نَرَى هَذَا ) وَرَوَاهُ عَنْهُ عَتِيقُ ابْنُ يَعْقُوبَ، وَزَادَ : ( وَلاَ يَقُولُونَ: حَلاَلٌ وَلاَ حَرَامٌ ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)، الْحَلاَلُ : مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ".
وقال الإمامُ ابنُ القيِّم أيضاً في كتابه (مدارج السَّالكين)(1 / 372):" القولُ علَى اللهِ بغيرِ علمٍ، هُو أشدُّ هذه المحرَّماتِ تحريماً، وأعظمُها إثْمَاً، ولهذا ذُكرَ في المرتبةِ الرَّابعة من المحرَّمات الَّتي اتَّفقت عليها الشَّرائعُ والأديانُ، ولا تُباحُ بحالٍ، بلْ لا تَكونُ إلاَّ محرَّمةً، وليستْ كالميتةِ والدَّمِ ولحمِ الخنزيرِ، الذي يُباحُ في حالٍ دونَ حالٍ.
فإنَّ الْمُحَرَّمَاتِ نَوعَانِ:
مُحَرَّمٌ لذاتهِ، لا يُباحُ بحالٍ.
ومُحَرَّمٌ تحريماً عارضاً في وقتٍ دونَ وقتٍ.
قَالَ الله تَعالَى فِي الْمُحَرَّم لذَاتهِ ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )، ثُمَّ انْتقلَ منهُ إلى مَا هُو أَعْظَمُ منْهُ فَقَالَ (وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، ثُمَّ انْتَقَلَ منْهُ إلَى مَا هُو أَعْظَمُ منْهُ فَقَالَ ( وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً)، ثُمَّ انْتَقَلَ منْهُ إلَى مَا هُو أَعْظَمُ مِنْهُ فَقَالَ (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ).
فَهَذا أَعْظَمُ الْمُحَرَّمَاتِ عنْدَ الله وَأَشَدُّها إثْمَاً، فَإنَّهُ يَتَضَمَّنُ الكَذِبَ عَلَى الله، وَنِسْبَتهِ إلَى مَا لاَ يَلِيْقُ بهِ، وَ تَغْيِيرِ دِيْنهِ وَتَبْدِيلهِ، وَنَفْي مَا أَثْبَتَهُ وَإثْبَاتِ مَا نَفَاهُ، وتَحْقِيْقَ مَا أَبْطَلَهُ وَ إبْطَالِ مَا حَقَّقَهُ، وَ عَدَاوَةَ مَنْ وَالاَهُ وَمُوالاةَ مَنْ عَادَاهُ، وَحُبَّ مَا أبْغَضَهُ وَبُعْضَ مَا أحبَّهُ، وَ وَصْفَهُ بِمَا لاَ يَليقُ بهِ فِي ذَاتهِ وَصِفَاتهِ وَأَقْوَالهِ وَأَفْعَالهِ.
فَلَيْسَ فِي أَجْنَاسِ الْمُحَرَّمَاتِ أَعْظَمُ عنْدَ اللهِ منْهُ، وَلاَ أَشَدُّ إثْماً، وهُو أَصْلُ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ، وعليْهِ أُسِّسَتِ البِدَعُ وَالضَّلاَلاَتُ، فَكُلُّ بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ فِي الدِّينِ أَسَاسُهَا القَولُ عَلى الله بِلاَ عِلْمٍ.
وَلِهَذا اشتدَّ نَكيرُ السَّلفِ وَالأئمَّةِ لَهَا، وصَاحُوا بِأَهْلِهَا مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ، وَحَذَّروا فِتْنَتَهُم أَشَدَّ التَّحْذيرِ، وبَالَغُوا فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يُبَالِغُوا مِثْلَهُ فِي إنْكَارِ الفَواحشِ، وَالظُّلْمِ وَالعُدْوَانِ، إذْ مَضَرَّةُ البِدَعِ وَهَدْمُها للدِّيْنِ وَمُنَافَاتُهَا له أشدُّ.
وَقَد أنْكرَ اللهُ تَعالَى عَلَى مَنْ نَسَبَ إلَى دِيْنهِ تَحْليلَ شَيءٍ أوْ تَحْريْمَهُ مِنْ عنْدهِ بِلاَ بُرْهَانٍ مِنَ الله، فقَالَ (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)، فكيفَ بِمَنْ نَسَبَ إلى أَوْصَافهِ سُبْحَانَه وتَعالَى مَا لَمْ يَصِف به نَفْسهُ؟ أو نَفىَ عنْهُ مِنْهَا مَا وَصَفَ بِه نَفْسَهُ؟!
قَالَ بَعضُ السَّلفِ: لِيَحْذَرَ أَحَدُكُمْ أنْ يَقُولَ: أَحَلَّ اللهُ كَذَا، وحَرَّمَ اللهُ كَذا، فَيَقُولُ الله: كَذَبْتَ، لَمْ أُحِلَّ هَذا، ولَمْ أُحَرِّمْ هَذا.
يعني التَّحليلَ وَالتَّحريْمَ بِالرَّأي الْمُجرَّدِ، بِلاَ بُرْهَانٍ منَ الله وَرَسولهِ.
وأصْلُ الشِّرْكِ وَالكُفرِ هُوَ: القَولُ عَلَى الله بلاَ عِلْمٍ، فَإنَّ الْمُشْرِكَ يَزْعُمُ أَنَّ مَن اتَّخَذَهُ مَعْبُوداً مِنْ دُونِ الله يُقَرِّبُهُ إلَى الله، وَيَشْفَعُ لَهُ عِنْدَهُ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ بِوَاسِطَتهِ، كمَا تَكُونُ الوَسَائِطُ عِنْدَ الْمُلُوكِ، فَكُلُّ مُشْرِكٍ قَائِلٌ عَلى الله بِلاَ عِلْمٍ، دُونَ العَكس، إذ القَولُ عَلى الله بِلاَ عِلْمٍ قَدْ يَتَضَمَّنُ التَّعْطِيْلَ وَالابْتِدَاعَ فِي دِينِ الله، فهُو أعَمُّ مِنَ الشِّرْكِ، وَالشِّرْكُ فَردٌ منْ أَفْرادهِ.
ولَهذا كانَ الكَذبُ عَلَى رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مُوجِبَاً لدُخُولِ النَّارِ، وَاتِّخَاذِ مَنْزلهِ مِنْهَا مُبَوَّأً، وهُو الْمَنْزِلُ اللازمُ الَّذي لاَ يُفَارِقُهُ صَاحبُهُ، لأنَّهُ مُتَضمِّنٌ للقَولِ عَلَى اللهِ بِلاَ عِلْمٍ، كَصَريحِ الكَذبِ عَليهِ؛ لأنَّ مَا انْضَافَ إلَى الرَّسُولِ فَهُو مُضَافٌ إلَى الْمُرْسِلِ، وَالقَولُ عَلَى الله بِلاَ عِلْمٍ صَرِيحُ افْتراءِ الكَذِبِ عَليهِ (وَمٍَنْ أظلمُ مِمَّنِ افْتَرَىَ عَلَىَ اللهِ كَذِباً).
فَذُنُوبُ أهْلِ البِدَعِ كُلُّها دَاخِلةٌ تَحتَ هَذا الْجِنْسِ، فَلا تَتَحَقَّقُ التَّوبةُ منْهُ إلاَّ بالتَّوبَةِ مِنَ البِدَعِ، وَأنَّى بالتَّوبة منْهَا لِمَنْ لَمْ يَعْلَم أنَّها بدْعةٌ، أو يَظنُّها سنَّةً، فَهُو يَدْعُو إليْهَا، وَيَحُضُّ عليْها؟ فَلاَ تَنْكَشِفُ لِهَذا ذُنُوبهُ الَّتي تَجِبُ عليهِ التَّوبةُ منْهَا إلاَّ بِتَضَلُّعِهِ مِنَ السُّنَّةِ، وَكَثْرَةِ اطِّلاعهِ عَليْهَا، وَدَوامِ البَحْثِ عَنْهَا وَ التَّفْتِيْشِ عَليْهَا، وَلاَ تَرىَ صَاحبَ بِدْعَةٍ كَذَلكَ أَبَدَاً".
و أخيراً أقولُ: للشَّيخ العلاَّمة عبدالرَّحمن السَّعدي كلامٌ نفيسٌ في أهمِّيَّةِ قَولِ (الْمُعلِّمِ) لـ(الْمُتَعلِّم) جَواباً فيَمَا لاَ يَعْلَمهُ: ( اللهُ أَعْلَم)، قَالَهُ فِي رِسَالَةٍ مُخْتَصَرةٍ نَافِعَةٍ فِي (آدَاب الْمُعلِّمِ والمتعَلِّم) (ص 27) مِنْ أنَّ ذلكَ:" لَيْسَ هَذَا بنَاقصٍ لأَقْدَارِهمْ، بَلْ هَذا مِمَّا يَزِيدُ قَدْرَهُمْ، وَ يُسْتَدَلُّ به عَلَى دِيْنِهمْ، وَتَحرِّيهمْ للصَّواب.
وفِي تَوقُّفه عمَّا لاَ يَعْلَمُ فَوائد كَثِيرة:
منْها: أنَّ هَذا هُو الوَاجِبُ علَيْهِ.
ومنها: أنَّه إذَا تَوقَّفَ وَقالَ: لا أَعْلَمُ، فَمَا أَسْرَعَ مَا يَأْتيهِ عِلْم ذَلكَ، إمَّا مِنْ مُرَاجَعَتِهِ أوْ مُرَاجَعةِ غَيْرهِ، فإنَّ الْمُتَعلِّمَ إذَا رَأى مُعَلِّمهُ تَوقَّفَ جَدَّ واجْتَهَدَ فِي تَحْصيلِ عِلْمهَا وَإتْحَافِ الْمُعَلِّمِ بِهَا، فمَا أَحْسَنَ هَذا الأَثر.
ومنْها: أنَّهُ إذَا تَوقَّفَ عمَّا لاَ يَعرف كانَ دَليلاً عَلَى ثِقَتهِ وَإِتْقَانهِ فِيْمَا يَجْزِمُ به منَ الْمَسَائلِ، كمَا أنَّ مَنْ عُرِفَ منْهُ الإقْدَام عَلى الكَلاَمِ فيْمَا لاَ يَعْلَمُ كَانَ ذَلكَ دَاعياً للرّيب فِي كُلِّ مَا يَتَكلَّمُ بهِ، حَتَّى فِي الأُمُورِ الوَاضِحَةِ.
ومنْها: أنَّ الْمُعَلِّمَ إذَا رَأَى منْهُ الْمُتَعلِّمُونَ تَوقُّفهُ عمَّا لاَ يَعْلَمُ، كَانَ ذَلِكَ تَعْلِيْماً لَهُم وَ إرْشَاداً إلى هَذهِ الطَّريْقَة الْحَسَنَةِ، وَالاقْتِدَاءُ بالأَحْوَالِ وَالأَعْمَالِ أَبْلَغُ مِنَ الاقْتِدَاءِ بِالأَقْوَالِ..".
قلتُ: فهذه بعض الفوائد المرتبة على قولِ (المعلِّم) (الله أعلم) أو (عدم القول بلا علم)، فلا شكَّ أنَّ قولها من (المتعلِّم) آكدُ وألزمُ.
( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) (هود: من الآية88)
أَسْأَلُ اللهَ العَظِيم رَبَّ العَرْشِ الكَرِيْم أنْ يُوفِّقَنَا جَمِيْعاً لِمَا يُحبِّهُ وَيَرْضَاهُ، وأنْ يَجْعَلنَا هُداةً مُهْتَدين غَيرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّين، إنَّه سَمِيعٌ مُجِيبٌ، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه وسلَّم.
وكتب
عبدالله بن عبدالرحيم بن حُسين البُخاري
المدِّرسُ في كليَّة الحديث الشَّريف
بالجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّبويَّة
16 / جُماد الآخرة / 1431 للهجرة النَّبويَّة

([1]) وقد نشروا المقال وفقهم الله لهداه في (المجلة) العدد الثاني والعشرون / رمضان / شوال 1431هـ، الموافق لسبتمبر / أكتوبر 2010م، السَّنة الرابعة.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 Dec 2012, 09:50 PM
سليمي حميد سليمي حميد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 86
إرسال رسالة عبر Skype إلى سليمي حميد
افتراضي صحح

صحح يا اخي

عبدالله بن عبدالرحيم بن حُسين البُخاري فضل العم والتحذير من بعض افاته
العلم
فضل العلم و ليس العم

بارك الله فيك على المجهود

التعديل الأخير تم بواسطة سليمي حميد ; 25 Dec 2012 الساعة 05:43 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 Dec 2012, 09:14 AM
أبو همام وليد مقراني أبو همام وليد مقراني غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 748
افتراضي

أخي حميد صحح أنت أيضا
فضل و ليس فظل
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 Dec 2012, 05:44 PM
سليمي حميد سليمي حميد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 86
إرسال رسالة عبر Skype إلى سليمي حميد
افتراضي

بارك الله فيك اخي ابو همام

التعديل الأخير تم بواسطة سليمي حميد ; 25 Dec 2012 الساعة 10:09 PM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 Dec 2012, 09:26 PM
ابو اسحاق محمد كرينة ابو اسحاق محمد كرينة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 176
افتراضي

جزاكما الله خير ا على المرور على الموضوع وجزى الله المشرفين خيرا فقد صححوا الخطا الوار
د
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 Dec 2012, 10:08 PM
سليمي حميد سليمي حميد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 86
إرسال رسالة عبر Skype إلى سليمي حميد
افتراضي

بارك لله فيك
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 Dec 2012, 10:20 PM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي

بارك الله فيك و جزاك خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
آداب, البخاري, تزكية, علم

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013