الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن أقتدي بهداه.
أما بعد:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: ((اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحوأنبه ياتك قبل موتك)) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما وصححه الألباني.
فإن الوقت هو رأس مال المسلم، فعليه أن يستغله فيما ينفعه في دنياه أو أخره.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ. متفق عليه.
وقال الْحَسَن البصري: (ابْنَ آدَمَ، إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ).
فيا عبد الله حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فمن المسلمين من يسير بسيارته مسرعاً حتى لا تفوته مباراة لكرة القدم؛ كيف بك أخي وأنت تنفق أثمن أوقاتك فيما يغضب الله العزيز الجبار، بل ينفق المال في القمار وسمع آلات الغناء ورؤية المتبرجات الفاجرات وهم في اختلاط مع الرجال، ورقص، وأبنائك معك وهم يقتدون بك بل وبالكفار، وتضيع للصلاة، وسهر فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ, قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ((النَّوْمِ قَبْلَهَا, والحديث بعدها ـ يعني: عشاء الآخرة))؛ فهذا النهي يا عباد الله في المباح فكيف وهو في سمر وقد جمع هذه المحرمات.
ففي هذه الأيام يستعد كثير من الناس لمشاهدة دوري كأس العالم، وفي مشاهدته كل ما ذكته لكم من المحرمات، صرف الأموال فيما لا يحل بل منهم من يتراهنون على فوز فريق معين وتجد أحدهم يقول: على كذا وكذا إن فاز فريقي؛ والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}.
ومن المخالفات سمع الغناء ففي صحيح البخاري عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ))، ولا يخفى من وجود آلات لهو في ميادين المباريات؛ ومن المخالفات النظر المحرم إلى النساء الأجنبيات وبعضهن يرقصن، وقال الله عز وجل: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} أسمع يا أخي المسلم يا عبد الله { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } وكذلك النظر إلى فخد الرجل ففي سنن الترمذي وأبي داود واللفظ له، عن جرهد رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة فقال: ((أما علمت أن الفخذ عورة)) والحديث صححه الألباني؛ وقد أرشد الله عز وجل في كتاب العزيز بالمحافظة على الزوجة والأولاد فقال عز من قائل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }؛ فقد وجد من أبناء المسلمين من يعمل إشارة الصليب على صدره بعدما يسجل هدفـًا؛ وهذا كفر؛ ومنهم من يسجد سجدة شكر زعموا وهذا لا يجوز يا عباد الله، قال الله تعالى: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }؛ وناهيك عن التشبه بهؤلاء الكفرة الفجرة، فتجد بعض الشباب المسلم يتشبه بهم في قص وصبغ شعره ومشيته ولباسه والبعض يضع شيء من الذهب أو الفضة على معصم يده أو رقبته؛ أخرج البخاري في صححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ))؛ والبعض يلبس ملابس الفرق الكفارة موضوع عليها اسم اللاعب الكافر بل الأدهى والأمر تجد في بعضها الصليب ولا شك أن هذا كفر يخرج من الملة؛ ناهيك عن المهاترات والخصومات والسباب والشتم واستهزاء والسخرية والتنابز بالألقاب، بل قد يصل للضرب، والتأثر بما يشاهده من تخريب وتكسير احتجاج على حكم المباراة أو غير ذلك، وكل يوالى ويعادي لفريقه الكافر، والله تعالى يقول: { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ }، قال العلامة عبد الرحمن السعدى رحمه الله في تفسير هذه الآية: ((أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا كان عاملا على مقتضى الإيمان ولوازمه، من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس إليه)) اهـ.
كما يوجد بعض الفتيات من تغرم ببعض اللاعبين فتعلق صورة اللاعب في حجرتها أو تضع صورته خلفيه على جهاز هاتفها فعن أَبي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ)) متفق عليه؛ وقد أمرنا بطمسها ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ))؛ وبعضهن يعملن النذور إذا فاز فريقهن، مما شجع بعض الشابات بالمطالبة بإقامة فرق نسائية أسوة بقدوتهن النصرانيات؛ بل في بعض الدول الإسلامية تمارس.
أخي المسلم هؤلاء الكفرة يحتقروننا لمشاهدتهم؛ وفي الوقت يشجوننا؛ ففي أحد بروتكولات حكماء صهيون (يجب أن نشغل الأميين - وهم ما عدا اليهود - بالرياضة والفن) فانتشرت بين الناس أنواع القنوات الهابطة ورياضة كرة القدم التي سلبت عقول الكثيرين حتى أصبحت غاية وهدفاً يجتمع الناس ويتفرقون ويوالون ويعادون عليها؛ فهل يشك أحد بعد هذا بحرمة مشاهدة مثل هذه المباريات؟ وهذا جواب لسؤال وجه إلى اللجنة الدائمة (15/238-239) : ما حكم مشاهدة المباراة الرياضية، المتمثلة في مباراة كأس العالم وغيره؟
الجواب: مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام؛ لكون ذلك قمارا؛ لأنه لا يجوز أخذ السبق وهو العوض إلا فيما أذن فيه الشرع، وهو المسابقة على الخيل والإبل والرماية، وعلى هذا فحضور المباريات حرام ومشاهدتها كذلك، لمن علم أنها على عوض؛ لأن في حضوره لها إقرارا لها، أما إذا كانت المباراة على غير عوض ولم تشغل عما أوجب الله من الصلاة وغيرها، ولم تشتمل على محظور: ككشف العورات، أو اختلاط النساء بالرجال، أو وجود آلات لهو - فلا حرج فيها ولا في مشاهدتها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار