منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 06 Feb 2015, 09:37 PM
عبد الصمد سليمان عبد الصمد سليمان غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 139
افتراضي حقيقة غيرة المسلمين على النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم على النبي الأمين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
اعلموا رحمكم الله أنه بقدر ما سرني غضب المسلمين لنبينا، وثورتهم على السابين له من أعدائنا، إلا أنني لم أفرح الفرح الكامل، ولم أسر السرور التام؛ لأنني أعلم أن غيرة إخواننا من بني جلدتنا غيرة ليست ذات جدوى، وثورة ليس من ورائها سلوى، ذلك أن حقيقة الغيرة تعلم من خلال أوصافها التي تدل عليها، وآثارها التي تليها وتتبعها، وغيرة المسلمين وللأسف الشديد غيرة هزيلة، وثورة كليلة بل مشلولة، وبيان ذلك يكون إن شاء الله من خلال أمرين اثنين:
الأمر الأول: أن هذه الغيرة آنية وقتية ليست غيرة دائمة مستمرة ومن أدلة ذلك:
الدليل الأول: هو واقع أمتنا الإسلامية؛ فلم تمض إلا أسابيع قليلة وإذا بالمسلمين يعودون إلى حياتهم اليومية، وينسون ما وقع لهم وأثارهم من سب شنيع طال نبيهم صلى الله عليه وسلم، وما مثلهم إلا كمثل رجل تُعدي على عرضه فثار وغضب، وأنكر وشجب؛ ثم بعد هنيهة نسي ما وقع لعرضه من منتهكه، وسكت عنه وعاد إلى المعتاد من حياته، وكأن شيئا لم يكن، ومر الحدث ونُسي بما جاء بعده من أحداث وفتن[1].
الدليل الثاني: أن هؤلاء السابين للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم يستحقون العقوبة على تعديهم، وإجرامهم وتجنيهم، وإحلال العقوبة بهم تحتاج إلى قوة، ونحن ضعفاء كما لا يخفى، فلو كانت غيرتنا حقيقية ليست آنية ووقتية لانبرى أهل الإسلام جميعا لإعداد العدة للانتقام منهم، وإنزال العقوبة التي تليق بهم.
الأمر الثاني: أنها غيرة غير حقيقية لأن آثارها التي تلتها ليست ظاهرة جلية ولا مؤثرة قوية؛ بل إن أحوال المسلمين معها وبعدها تدل على ضعفها إن لم نقل على زيفها وبطلانها، فإن المسلم الذي ظهرت الغيرة على لسانه بكلمات تكلم بها وعبَّر عن غضبه واستنكاره بقولها، والمسلم الذي ظهرت الغيرة على جوارحه كجمل ببنانه رَقَمَهَا أو خطوات في مظاهرات مَشَاهَا، هذا المسلم هو نفسه تجده يناقض هذه الغيرة بتصرفات يفعلها، وعادات يجري عليها ولا يكاد يفارقها.
ومن هذه التصرفات وتلكم العادات التي يناقض المسلمون بها غيرتهم على نبيهم أحوالهم مع السابين لنبيهم، والطاعنين في رسولهم، وسأذكر بعضها مذكرا إخواننا المسلمين بها مع ذكر ما ينبغي عليهم تجاهها، وإليكموها:
1- استقبالهم في البيوت والتتلمذ على أيديهم:
الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم عندك في بيتك يكلمونك ويحاورونك ويؤثرون في عواطفك، بل يوجهونك ويشكلون فكرك ويبنون شخصيتك، فهم معك في صباحك ومسائك، في خلوتك وجلوتك، في وقت فراغك وشغلك؛ أقصد الآلات التي صارت تربطك بهم، وتجعلك قريبا منهم حتى لا تكاد تفارقهم؛ كالتلفاز بقنواته الفضائية، والحاسوب والجوال مع شبكاته العنكبوتية، فإن أكثر المتظاهرين بالغيرة على النبي الأمين عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم، مرتبط بهم؛ يشاهد أفلامهم ومسلسلاتهم، وحصصهم ومحاوراتهم، بل ويشاهد فسقهم وفجورهم، وغير ذلك مما يشكلون به أفكاره الاستغرابية، وشخصيته الانهزامية.
فهلا غرت الغيرة الحقيقية وقاطعت أفلامهم ومسلسلاتهم وكل ما يتعلق بهم، وملأت وقت فراغك بما يعود عليك نفعه في الدنيا والآخرة من دراسة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل بهما والدعوة إليهما، وهذه هي خير طريقة تنصر بها نبيك، وأفضل وسيلة تغيظ بها أعداءه وأعداءك، وأعظم طريقة تظهر بها إنكارك.
2- التعظيم والانبهار:
الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم الذين صرت منبهرا بهم، معظما لهم، ذاكرا لفضائلهم وتميزهم عن غيرهم، أقصد انبهار كثير من المسلمين بدنيا المشركين وتفوقهم في صناعاتهم وعلومهم، وتعظيمهم لهم من أجلها، وثنائهم عليهم بسببها، وهؤلاء يجب على المسلم أن يحتقرهم لكفرهم وحربهم لدين الله الذي فرضه عليهم، وأن لا يتأثر بدنياهم التي ابتلاهم الله بها وفتح عليهم أبوابها ليحرمهم من خيرات الدار التي تعقبها.
فهلا غرت الغيرة الحقيقية واحتقرتهم لضلالهم وكفرهم، وفسقهم وفجورهم، وظلمهم وتعديهم على من هو أضعف منهم، ومحاولتهم إذلال غيرهم، أما تفوقهم في دنياهم وصناعاتهم فالواجب عليك أن لا ترفعهم لأجلها بل عليك أن تنافسهم فيها، وإذا فعلت ذلك تكون حينئذ مأجورا عليها محمودا على السعي فيها، وهم مذممون بما حققوه منها، لا يمدحون أبدا عليها.
- قال الإمام الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان ج6 ص527[2]: عند تفسيره لقول الله تعالى:"وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)" سورة الروم.
تنبيه: اعلم أنه يجب على كل مسلم في هذا القرآن: أن يتدبر آية الروم تدبراً كثيراً، ويبين ما دلت عليه لكل من استطاع بيانه له من الناس.
وإيضاح ذلك أن من أعظم فتن آخر الزمان التي ابتلي ضعاف العقول من المسلمين شدة إتقان الإفرنج، لأعمال الحياة الدنيا ومهارتهم فيها على كثرتها، واختلاف أنواعها مع عجز المسلمين عن ذلك، فظنوا أن من قدر على تلك الأعمال أنه على الحق، وأن من عجز عنها متخلف وليس على الحق، وهذا جهل فاحش، وغلط فادح. وفي هذه الآية الكريمة إيضاح لهذه الفتنة وتخفيف لشأنها أنزله الله في كتابه قبل وقوعها بأزمان كثيرة، فسبحان الحكيم الخبير ما أعلمه، وما أعظمه، وما أحسن تعليمه.
فقد أوضح جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أكثر الناس لا يعلمون، ويدخل فيهم أصحاب هذه العلوم الدنيوية دخولاً أولياً، فقد نفى عنهم جل وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل، لأنهم لا يعلمون شيئاً عمن خلقهم، فأبرزهم من العدم إلى الوجود، ورزقهم، وسوف يميتهم، ثم يحييهم، ثم يجازيهم على أعمالهم، ولم يعلموا شيئاً عن مصيرهم الأخير الذي يقيمون فيه إقامة أبدية في عذاب فظيع دائم: ومن غفل عن جميع هذا فليس معدوداً من جنس من يعلم كما دلت عليه الآيات القرآنية المذكورة، ثم لما نفى عنهم جل وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل أثبت لهم نوعاً من العلم في غاية الحقارة بالنسبة إلى غيره.
وعاب ذلك النوع من العلم بعيبين عظيمين:
أحدهما: قلته وضيق مجاله، لأنه لا يجاوز ظاهراً من الحياة الدنيا، والعلم المقصور على ظاهر من الحياة الدنيا في غاية الحقارة، وضيق المجال بالنسبة إلى العلم بخالق السماوات والأرض جل وعلا، والعلم بأوامره ونواهيه، وبما يقرب عبده منه، وما يبعده منه، وما يخلد في النعيم الأبدي من أعمال الخير والشر.
والثاني منهما: هو دناءة هدف ذلك العلم، وعدم نيل غايته، لأنه لا يتجاوز الحياة الدنيا، وهي سريعة الانقطاع والزوال ويكفيك من تحقير هذا العلم الدنيوي أن أجود أوجه الإعراب في قوله:"يَعْلَمُونَ ظَاهِراً" أنه بدل من قوله قبله لا يعلمون، فهذا العلم كَلَا علم لحقارته.
قال الزمخشري في الكشاف: وقوله: يعلمون بدل من قوله: لا يعلمون، وفي هذا الإبدال من النكته أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه، ويسد مسده ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا.
وقوله:"ظَاهِرا مِّنَ الحياة الدنيا" يفيد أن الدنيا ظاهراً وباطناً فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها، والتنعيم بملاذها، وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة، يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة، وفي تنكير الظاهر أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً من ظواهرها. وهم الثانية يجوز أن يكون مبتدأ، وغافلون خبره، والجملة خبر، هم الأولى، وأن يكون تكريراً للأولى، وغافلون: خبر الأولى، وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة، ومقرها، ومحلها وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع. انتهى كلام صاحب الكشاف.
وقال غيره: وفي تنكير قوله: ظاهراً تقليل لمعلومهم، وتقليله يقربه من النفي، حتى يطابق المبدل منه. اهـ. ووجهه ظاهر.
واعلم أن المسلمين يجب عليهم تعلم هذه العلوم الدنيوية، كما أوضحنا ذلك غاية الإيضاح في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى:" أَطَّلَعَ الغيب أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً" [ مريم: 78 ] وهذه العلوم الدنيوية التي بينا حقارتها بالنسبة إلى ما غفل عنه أصحابها الكفار، إذا تعلمها المسلمون، وكان كل من تعليمها واستعمالها مطابقاً لما أمر الله به، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: كانت من أشرف العلوم وأنفعها، لأنها يستعان بها على إعلاء كلمة الله ومرضاته جل وعلا، وإصلاح الدنيا والآخرة، فلا عيب فيها إذن كما قال تعالى:"وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ" [ الأنفال: 60 ] فالعمل في إعداد المستطاع من القوة امتثالاً لأمر الله تعالى وسعياً في مرضاته، وإعلاء كلمته ليس من جنس علم الكفار الغافلين عن الآخرة، كما ترى الآيات بمثل ذلك كثيرة. والعلم عند الله تعالى" انتهى كلامه رحمه الله.
3- حبهم وامتلاء القلب بودهم:
الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم الذين تحبهم ويملأ قلبك ودهم، أقصد حب كثير من المسليمن من هو قطعا من المشركين الكافرين كحبهم لمن يميلون إليهم من الممثلين والمغنيين والرياضيين والفنانيين وغيرهم.
فهلا غرت الغيرة حقيقية بأن تبغض هؤلاء لكفرهم، وتحتقرهم لشركهم وفجورهم، وتقطع صلتك بهم لقطعهم الصلة بربك وربهم، وتستجيب لأمر ربك الذي أمرك ببغضهم وعداوتهم والتبرؤ منهم وترك مودتهم وحبهم، قال الله تعالى:"لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ" سورة المجادلة من الآية 22، وقال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)" سورة المائدة، وقال تعالى:" قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" سورة الممتحنة من الآية 4.
بل يشتد بغضك لهم لخوفك أن تحشر معهم فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ:"المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" رواه البخاري ومسلم.
4- التشبه بهم ومتابعتهم فيما هو من خصائصهم:
الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم الذي تتشبه بهم، وتتبعهم فيما هو من خصائصهم، أقصد من صار من المسلمين يلبس كلباسهم، ويحلق شعر رأسه كحلقهم لرؤوسهم، ويتصرف كتصرفهم، بل ويمشي كمشيتهم، ويفكر كتفكيرهم، ويماثلهم في أهدافهم وغاياتهم؛ فيعظم ما يعظمون، ويحتقر ما يحتقرون، ويحب ما يحبون، ويتمنى ما يتمنون، وهذا الأمر أصبح عاما يشمل الذكور والإناث الصغار والكبار الجهال والمتعلمين الحكام والمحكومين نسأل الله السلامة والعافية.
فأقول مخاطبا لكل واحد من هؤلاء: فهلا غرت الغيرة الحقيقية وتركت التشبه بهم، بل وخالفتهم فيما تستطيعه من شأنهم، وتقتدي بخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم؛ فتلبس كلباسه، وتحلق كحلقه، وتتكلم ككلامه، وتمشي كمشيه، وتعظم ما عظمه، وتحتقر ما احتقره، فتكون حينئذ مشابها له مغيضا للكفار الذين يكرهونه ويبغضونه، رادا عليهم بما يؤثر أكثر فيهم؛ وهو رؤية أتباعه يقتدون به، ويسيرون على هديه.
وهذا هو الذي جاء به الإسلام فنهى عن التشبه بهم فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"رواه أحمد وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الإرواء رقم 2691 وفي غيره.
بل وجاء بالأمر بمخالفتهم فعن أبي أمامة قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنْ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ" قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلَا يَأْتَزِرُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ" قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ. قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ" قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ. قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ" رواه أحمد وغيره وحسن إسناده العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 1245، و( عثانينكم ) جمع ( عثنون ) وهي اللحية. و( سبالكم ) جمع ( السبلة ) بالتحريك: الشارب. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
كما جاء الإسلام يأمر بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه كله قال الله تعالى:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)" سورة الأحزاب، وعن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الإرواء رقم 2455.
5- الثناء عليهم ومدحهم:
الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم الذي تثني عليهم وتمدحهم، وتكثر من ذكر فضائلهم ومميزاتهم التي يمتازون بها عن غيرهم، أقصد كثيرا من المسلمين الذين تأثروا بدنيا الكافرين وتمكنهم منها وتنعمهم فيها فأصبحوا لأجل ذلك يصرحون بتفضيل الكافرين والمشركين على العرب والمسليمن، ويزعمون فيهم أنهم خير من إخوانهم المؤمنين، ومن المصائب أنك تسمع بعضهم يلعن خير العرب إذا ثار وغضب، وكأنه لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو خير العجم والعرب، فكيف ينصره على من يسبه وهو واقع في سبه.
فهلا غرت الغيرة الحقيقية واحتقرت الكفار لكفرهم، وازدريتهم لشركهم وفجورهم، وعلمت أنهم على شر عظيم، وضلال كبير، وهلا احتقرت دنياهم وبخاصة ما كان منها بين أيديهم كما أمرك ربك، وثبت عن نبيك، وكان عليه أهل الإيمان من قبلك:
- قال الله تعالى:"وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)" سورة طه.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى لنبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: لا تنظر إلى هؤلاء المترفين، وأشباههم ونظرائهم، وما هم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة، ونعمة حائلة، لنختبرهم بذلك، وقليل من عبادي الشكور.
وقال مجاهد:" أَزْوَاجًا مِنْهُمْ " يعني: الأغنياء فقد آتاك خيرًا مما آتاهم، كما قال في الآية الأخرى:"وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ"سورة الحجر الآية 87 ومن الآية 88 ، وكذلك ما ادَّخره الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة أمر عظيم، لا يُحَدّ ولا يوصف، كما قال تعالى:"وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)" سورة الضحى، ولهذا قال:"وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى".
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديثه الطويل الذي رواه عن عمر ابن الخطاب وفيه أن عمر رضي الله عنه قال:" فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ فَقُلْتُ ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي" رواه البخاري ومسلم.
- وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَالَ: فَجَلَسْتُ فَإِذَا عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبهِ وَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ وَقَرَظٍ[3] فِي نَاحِيَةٍ فِي الْغُرْفَةِ وَإِذَا إِهَابٌ مُعَلَّقٌ فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَالِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى وَذَلِكَ كِسْرَى وَقَيْصَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَأَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ قَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمْ الدُّنْيَا قُلْتُ بَلَى" رواه ابن ماجه وغيره وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه وغيره.
قلت: وهذا هو حال أهل العلم والإيمان لا ينظرون إلى ترف الكافرين وبذخ المنحرفين، بل يعلمون أن الدنيا دارُ ابتلاء؛ يبتلى الناس فيها بالسراء والضراء والشدة والرخاء، وأن الخير كل الخير بالفوز يوم القيامة:"يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)" سورة الشعراء، والأمثلة على أن هذا هو حالُ أهلِ العلم والإيمان في كل زمان ومكان كثيرة نذكر منها:
- قال الله تعالى في قصة قارون:"فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)" سورة القصص.
تنبيه: ومما يدل على تنزه المسلمين الأوائل عن الدنيا وعدم تأثرهم بها، وحرصهم على الآخرة وعملهم لها؛ قصة بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي:
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ج9 ص621: قال سيف عن شيوخه: ولما تواجه الجيشان بعث رستم إلى سعد أن يبعث إليه برجل عاقل عالم بما أسأله عنه. فبعث إليه المغيرةَ بنَ شُعبةَ رضي الله عنه. فلما قدم عليه جعل رُسْتُمُ يقول له: إنكم جيرانُنا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تُجَّارَكم من الدخول إلى بلادنا. فقال له المغيرة: إنا ليس طلبُنا الدنيا، وإنما همُّنا وطلبُنا الآخرة، وقد بعث الله إلينا رسولا قال له: إني قد سلطت هذه الطائفةَ على من لم يدن بديني، فأنا منتقم بهم منهم، وأجعل لهم الغلبةَ ما داموا مقرين به، وهو دين الحق، لا يرغب عنه أحد إلا ذلَّ، ولا يعتصم به إلا عزَّ. فقال له رستم: فما هو؟ فقال أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، فقال ما أحسن هذا؟! وأي شيء أيضا؟ قال وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله. قال: وحسن أيضا وأي شيء أيضا؟ قال: والناس بنو آدم وحواء، فهم إخوة لأب وأم، قال وحسن أيضا. ثم قال رستم: أرأيت إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا؟ قال: إي والله ثم لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة. قال: وحسن أيضا. قال: ولما خرج المغيرة من عنده ذاكر رستم رؤساء قومه في الإسلام فأنفوا ذلك وأبوا أن يدخلوا فيه قبحهم الله وأخزاهم وقد فعل.
قالوا: ثم بعث إليه سعدٌ رسولا آخر بطلبه، وهو ربعيُّ بنُ عامرٍ، فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزَرَابِيِّ الحَرِيرِ، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة، والزينة العظيمة، وعليه تاجُه، وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب. ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضةٌ على رأسه. فقالوا له: ضع سلاحك. فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت. فقال رستم: إئذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامَّتَها[4]، فقالوا له: ما جاء بكم ؟ فقال الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله. قالوا: وما موعود الله ؟ قال: الجَنَّةُ لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي..." إلى آخر القصة فليراجعها من شاء.
6- حب السكنى معهم: الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم الذين تريد أن تحل بينهم وأن تكون ساكنا معهم في ديارهم، أقصد كثيرا من المسلمين الذين يساكنونهم ويقطنون في ديارهم، وآخرين ممن هم الآن في ديار الإسلام ولكنهم يأملون الالتحاق بهم للإقامة معهم.
فهلا غرت الغيرة الحقيقية وتركت مساكنتهم والعيش بين أظهرهم وبخاصة ونبيك صلى الله عليه وسلم قد حذرك من معايشة أعدائك وبيَّنَ لك المفاسد المترتبة على ذلك ومنها:
أ- براءة النبي صلى الله عليه وسلم ممن يساكنهم ويحيا بين أظهرهم:
- عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلُ - قَالَ - فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ:" أَنَا بَرِىءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ؟ قَالَ:" لاَ تَرَاءَى نَارَاهُمَا" رواه أبو داود وغيره وصححه العلامة الألباني دون جملة العقل في صحيح سنن أبي داود رقم 2304.
- وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" مَنْ أَقَامَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ" رواه البيهقي وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير رقم 6073.
ب- مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على هجرانهم ومفارقتهم والانتقال إلى ديار أهل الإسلام بترك ديارهم:
- وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَايِعُهُ فَقُلْتُ: هَاتِ يَدَكَ وَاشْتَرِطْ عَلَيَّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالشَّرْطِ فَقَالَ:" أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكَ" رواه النسائي والبيهقي وأحمد وصحح إسناده العلامة الألباني رحمه االله في الصحيحة رقم 636.
ت- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعط الأمان للمسلم إلا إذا فارقهم وترك السكنى معهم:
- وعن يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ بِهَذَا الْمِرْبَدِ إِذْ أَتَى عَلَيْنَا أَعْرَابِيٌّ شَعِثُ الرَّأْسِ مَعَهُ قِطْعَةُ أَدِيمٍ أَوْ قِطْعَةُ جِرَابٍ فَقُلْنَا كَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ. فَقَالَ: أَجَلْ لاَ هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ الْقَوْمُ هَاتِ فَأَخَذْتُهُ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ:" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِبَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ". قَالَ أَبُو الْعَلاَءِ: وَهُمْ حَيٌّ مِنْ عُكْلٍ:" إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَفَارَقْتُمُ الْمُشْرِكِينَ وَأَعْطَيْتُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ الْخُمُسَ وَسَهْمَ النَّبِيِّ وَالصَّفِيَّ". وَرُبَّمَا قَالَ:" وَصَفِيَّهُ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَأَمَانِ رَسُولِهِ" رواه البيهقي وأحمد وصحح إسناده على شرط الشيخين العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 2857.
ث- أن عمل المسلم الساكن في ديارهم موقوف قبوله على تركهم ومفارقتهم:
- وعن بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِنَّ – لأَصَابِعِ يَدَيْهِ - أَلاَّ آتِيَكَ وَلاَ آتِيَ دِينَكَ وَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً لاَ أَعْقِلُ شَيْئاً إِلاَّ مَا عَلَّمَنِى اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا بَعَثَكَ رَبُّكَ إِلَيْنَا قَالَ:" بِالإِسْلاَمِ". قَالَ قُلْتُ: وَمَا آيَاتُ الإِسْلاَمِ قَالَ:" أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَخَلَّيْتُ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ عَمَلاً أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ" رواه النسائي وغيره وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجة والإرواء.
ج- أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الساكن معهم بأنه مثلهم:
- وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَمَّا بَعْدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-:" مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ" رواه أبو داود وغيره وحسن إسناده العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 2330.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم ج1 459[5]:
وأما عبد الله بن عمرو: فصرح أنه:"من بنى ببلادهم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت؛ حشر معهم " وهذا يقتضي أنه جعله كافرا بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهر لفظه، فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية؛ لأنه لو لم يكن مؤثرا في استحقاق العقوبة لم يجز جعله جزءا من المقتضى، إذ المباح لا يعاقب عليه، وليس الذم على بعض ذلك مشروطا ببعض؛ لأن أبعاض ما ذكره يقتضي الذم مفردا.
7- الرطانة بلغتهم:
الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم الذين تتكلم بلغتهم وترطن متفاخرا بلسانهم، أقصد كثيرا من المسلمين الذين درسوا لغتهم وتخصصوا فيها ثم بسببها أعجبوا بهم وبأفكارهم ومناهجهم وطريقة عيشهم ثم تشبهوا بهم في كل شؤونهم وبخاصة الرطانة بلغتهم، حتى أصبح كثير منهم يشعر - بسبب رطانته بلغتهم – أنه متميز عن بني قومه، وإخوانه في دينه؛ فيحتقرهم ويتعالى عليهم، ويذمهم ويزدريهم؛ في الوقت الذي يعظم فيه أعداء الله من الكافرين؛ لأنه صار معجبا بهم، بل الصحيح أنه صار ذَنَبًا لهم.
بل أقصد كل من يفتخر بالكلام بلغتهم، ولو لم يكن متخصصا فيها، وعالما بها؛ كحال كثير من المسلمين الذين لا يحسنون النطق بها، ولكنهم يلوكونها بألسنتهم لاعتقادهم شرفها، وظنهم علو مكانة الناطق بها.
فأقول لكل واحد من هؤلاء: فهلا غرت الغيرة الحقيقية على نبيك وتركت التكلم بلسانهم والرطانة بلغتهم، إلا إذا كنت في حاجة إلى ذلك، كحالة دعوة أهلها، والتعامل مع من لا يحسن النطق بغيرها، وهلا أقبلت على الكلام بلسانك وهو خير لسان، واجتهدت في تعلمه والتخصص فيه لفضائله العظيمة على الإنسان؛ فمنها: فقه السنة والقرآن، وحسن التعبير عما في الجنان، ومنها: اكتساب كمال العقل والدين، واكتمال الرجولة والخلق المتين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم ج1 ص468[6]:
وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية - التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن - حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم.
ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر، ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأرض المغرب، ولغة أهلها بربرية، عوّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار: مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديما.
ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه، وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة، ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب.
واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل، والخلق، والدين تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.
وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية، وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عيسى بن يونس، عن ثور، عن عمر بن زيد، قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:" أما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن، فإنه عربي".
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال:" تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم" وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله" انتهى كلامه.
8- مشاركتهم في أعيادهم: الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم الذين تشاركهم في أعيادهم وتقاسمهم أفراحهم التي هي من خصائص دينهم؛ أقصد كثيرا من المسلمين الذين صاروا يحتفلون برأس السنة الملادية، فمنهم من ينتقل إلى ديار الكفار في أيام أعيادهم ليحتفل معهم ويخالطهم فيما هو من خصائصهم التي يتميزون بها عن غيرهم، ومنهم من يشاركهم أعيادهم في بلده الذي يقيم فيه ناقلا إليه شعائرهم وشرائعهم يقوم بها، ولا يكاد يخالف الصغيرة والكبيرة منها.
فأقول لكل واحد من هؤلاء: فهلا غرت الغيرة الحقيقية على نبيك وتركت مشاركتهم في أعيادهم واكتفيت بأعياد الإسلام التي أغناك الله بها عن كل عيد سواها، وبخاصة ومشاركة الكفار في أعيادهم من أعظم الأمور خطورة على دين المسلم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في إقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ج1 ص470[7]:
وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه:
أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه:"لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ" كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقة في الكفر. والموافقة في بعض فروعه: موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه.
وأما مبدؤها فأقل أحواله: أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"إن لكل قوم عيدا، وإن هذا عيدنا" وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار، ونحوه من علاماتهم؛ لأن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه، فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه" إلى غير ذلك من الوجوه التي ذكرها فراجعها.
وإذا أردت أن تعرف حقيقة المسألة فتدبر هذا السؤال جيدا وأجب عليه صادقا: هل يشارك الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم المسلمين في أعيادهم أي في عيد الأضحى وعيد الفطر؟ فإذا كان الجواب: بأنهم لا يفعلون، فما هو السبب يا ترى؟ فلماذا لا يتبعوننا في الحق الذي عندنا ونتبعهم في باطلهم وتحريفهم وفيما هو من خصائص دينهم؟.
9- حمل شعاراتهم والمفاخرة بها:
الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم الذين تحمل شعاراتهم وتتفاخر بشاراتهم؛ التي تضعها على رأسك وصدرك وظهرك وسائر أعضاء بدنك، أقصد كثيرا من المسلمين الذين يلبسون ألبسة قد وضع عليها شعارات أهل الكفر وشاراتهم؛ كأعلام بلدانهم وألوانها، وأسماء نواديهم وأسماء الرياضين فيها، مما أصبح المسلم يلبسه ويتفاخر بارتدائه له وتزينه به، فإلى الله المشتكى من مسلم يفتخر على إخوانه بارتداء شعارات أعدائه.
فأقول لكل واحد من هؤلاء: فهلا غرت الغيرة الحقيقية على نبيك وتركت هذه الشعارات وتكلم الشارات، وكنت الرجل المهاب ولو لبست المرقع من الثياب، فالعبرة باللابس لا بالملابس، وتكون كما قال الشاعر:
فإنْ تَكُ أثوابي تَمَزَّقُ عن بِلىً ... فإني كنصلِ السّيفِ في خَلَقِ الغمدِ
وقال آخر:
بنا لا بك الشَّكوى فليس بضائرٍ ... إذا صحَّ نَصلُ السيف ما لقي الغمدُ
وأفضل من ذلك كله ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله:
عليّ ثياب لو تباع جميعها ... بفلس لكان الفلس منهن أكثرا
وفيهن نفس لو تقاس ببعضها ... نفوس الورى كانت أجل وأكبرا
وما ضر نصل السيف إخلاق غمده ... إذا كان عضبا حيث وجهته فرى
فإن تكن الأيام أزرت ببزتي ... فكم من حسام في غلاف تكسرا
فيا أيها المفتخر بأعدائه اللابس لشعراتهم وشاراتهم هل رأيت في حياتك عدوا من أعدائك وأعداء دينك ونبيك يلبس شعارا من شعارات المسلمين وشارة من شارات المؤمنين؟
10- عدم تكفيرهم وبالخصوص اليهود والنصارى منهم: الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وتريد أن تنصر نبيك بحربهم وإظهار استنكارك لهم وعليهم، هم الذين تتوقف في كفرهم وإطلاق أحكام الله عليهم، وبخاصة اليهود والنصارى منهم، أقصد كثيرا من المسلمين الحيارى ممن لا يكفر اليهود والنصارى، بل بلغ الأمر ببعضهم أن يصفهم بالإخوان، وبعضهم يصرح بالدعوة إلى التقريب أو وحدة الأديان، والله المستعان.
فأقول لكل واحد من هؤلاء: فهلا غرت الغيرة الحقيقية على نبيك فحكمت عليهم بحكم الله فيهم، ولم تكن من المداهنين لهم؛ الذين يحاولون إرضاءهم بمخالفة الأحكام التي جاءت فيهم في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومنها: قول الله تعالى:"لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ" سورة المائدة من الآية 17 ومن الآية 72. وقوله سبحانه:"لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ " سورة المائدة من الآية 73. وقوله جل جلاله:"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ" سورة المائدة من الآية 78. وقوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ" سورة البينة من الآية 6. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:" وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" رواه مسلم رحمه الله تحت باب وُجُوبِ الإِيمَانِ بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَنَسْخِ الْمِلَلِ بِمِلَّتِهِ. والآيات في هذا كثيرة، والأحاديث.
وهلا غرت على نبيك وتركت مؤاخاة أعدائه وأعدائك وقصرت أخوتك على من آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينك وبينهم وهم كل من آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا قال الله تعالى:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" سورة الحجرات من الآية 10، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ"، وهذا حصر للأخوة في المسلمين والمؤمنين فهل من معتبر.
وأخيرا:
هذه هي الغيرة الحقيقية والطرق الشرعية للتعبير عنها، وهذه هي الحمية الصحيحة والسبل السنية التي تحتويها وتصيرها نافعة لأهلها، لا غيرة أهل الجهل ولا حمية أهل البدع والتي يعبرون عنها بطرق جاهلية مخالفة للطريقة المرضية:
فغيرة أهل البدع والأهواء كالتكفريين والثوريين والخواج المارقين هي الافتيات على ولاة أمورهم، والتقدم بين أيديهم فيما هو من مسؤولياتهم، والقيام بأعمال لا تدخل تحت طاقتهم ووسعهم، وهم في ذلك كله تحركهم عواطفهم وتدفعهم حماساتهم؛ لا يرجعون إلى دين يضبطهم ويسدد خطواتهم، ولا إلى عقل يحجزهم عما فيه ضرر عليهم وعلى أمتهم، كما أنهم من أبعد الناس عن تقدير المصالح والمفاسد، ومعرفة المذام والمحامد، فيقارفون الشيء المذموم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، وينفرون عن الأمر المحمود وهم يعتقدون أنهم يتركون بدعا، ومن هذا إقامتهم الحدود وتورطهم في تعدي الحمى والحدود.
أما غيرة أهل الجهل ممن لا علم عندهم، ولا يرجعون إلى أهل العلم فيوجهونهم إلى ما فيه صالح دينهم ودنياهم، فهي القيام بالأعمال التي تخالف شرع الله بقصد نصرة دين الله والذب عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل يُنصر دين الله بمخالفته؟، وهل يُذب عن عرض رسول الله بما يعارض هديه؟، ومن أمثلة غيرتهم مع هذه الحادثة:
المثال الأول: المظاهرات التي قام بها كثير من المسلمين احتجاجا على من طعن في سيد الأنبياء والمرسلين، فإنها طريقة مذمومة ووسيلة محرمة؛ لأنها مأخوذة من أعدائنا الكافرين، ومشتملة على ما يفسد الدنيا والدين، فهل ننكر ونحتج عليهم بوسيلة هي من صنعهم؛ لا يقرها دين الله ولم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، وهل ننكر عليهم بما يكرس تبعيتنا لهم ويرسخ اتباعنا لهديهم؟.
المثال الثاني: "كلنا محمد" هذا الشعار الذي رفعه كثير من المسلمين في مقابل شعار رفعه كثير من الفرنسيين تأيدا لمجلتهم الخبيثة التي طعنت في نبينا الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، هذا الشعار في حد ذاته وهو بنفسه دليل على جهل رافعه، وبعده عن هدي نبيه صلى الله عليه وسلم وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن قول القائل "كلنا محمد" إن أراد أننا "كلنا محمد" ذاتا فهذا ليس بصحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم نبي واحد بعث بدين ورسالة، فأداها وانتقل إلى الرفيق الأعلى، وإن أراد "كلنا محمد" وصفا وهذا هو المراد قطعا ففيه محذورين اثنين:
المحذور الأول: وهو الكذب؛ لأن المسلمين اليوم لعلهم من أبعد المنتسبين إلى ملته عن سنته، ومن أشد أتباعه في التاريخ مخالفة لشريعته، فكيف يكون كل واحد منهم محمدا صلى الله عليه وسلم صفة وهو لا يتبعه ولا يهتدي بهديه؟، بل لعله - وهو واقع أكثر هؤلاء الرافعين لهذا الشعار – يكون مهتديا بهدي أعدائه، متشبها بهم في معظم شأنه؟.
المحذور الثاني: هو الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يوهم الرافع لهذا الشعار السامعين من أولئك الكافرين الجهلة بحقيقة النبي الأمين أن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم هي أوصاف هؤلاء المنتسبين إليه، والمدافعين عنه، ويلزم من هذا تشويه صورة نبينا صلى الله عليه وسلم وإظهاره على خلاف حقيقته.
الوجه الثاني: أن الرافع للشعار لم يرفعه وهو واع بحقيقته ومضمونه، وإنما فعل ذلك لمجرد معارضة الكافرين، والرد على شعارات المعتدين، فرآهم ناصروا مجلتهم برفع شعار يزعمون فيه أن كل واحد منهم يمثل اسمها ويحمل فكرها، فعارضهم بشعار مثله قصد فيه معارضتهم قائلا لهم أننا كلنا نمثل اسمه صلى الله عليه وسلم ونحمل عقيدته، وهذا فيه أمرين اثنين:
الأول: ما تقدم أن هذا الزعم منهم يخالف حقيقة واقعهم.
الثاني: أن يقال: حتى هذه المعارضة تبعناهم فيها، وقلدناهم في وسائلها وطرائقها، وهذا يدل على كمال التبعية، وانعدام الشخصية.
فهل نعارضهم بمتابعتهم والمشي ورائهم؟ وبما يرسخ مشابهتنا لهم ويؤكد مخالفتنا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا بترك التشبه بهم بل والإمعان في مخالفتهم؟.
والحقيقة أن أمثال هذه الطرق المخالفة لشريعة الله ولسنة نبي الله صلى الله عليه وسلم هي التي تكرس في المجتمع أسباب عدوان الأعداء علينا، وانتهاكهم لمقدساتنا؛ فإنه ما تسلط الأعداء علينا يريقون دماءنا، ويزهقون أنفسنا، وينتهكون أعراضنا، ويسرقون خيراتنا، وأعظم من ذلك يسبون نبينا ويحربوننا في أثمن شيء عندنا وهو ديننا الذي امتن الله به علينا، إلا بسبب بعدنا عن ديننا، واتباعنا لأهوائنا، وإقبالنا على الدنيا وزخارفها، وزهدنا في الآخرة ونعيمها، ويجمع ذلك كله مخالفتنا لهدي نبينا صلى الله عليه وسلم.
وهذا الواقع هو الذي أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنبأنا أن الأمم ستسلط علينا، وتجتمع على حربنا، وتتعدي على بلادنا ومقدساتنا، وكل ما هو ثمين عندنا، في حديث ثوبان رضي الله عنه والذي قَالَ فيه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-:" يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا". فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ:" بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ". فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ:"حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" رواه أبو داود وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله.
وهذا الحديث قد اشتمل على جملة من الأخبار الصادقة والحقائق المقلقة وهي:
الحقيقة الأولى: أن أمم الكفر ستتداعى علينا، ويدعو بعضها بعضا لحربنا، والتعدي على حمانا لنهب خيراتنا وما أودعه الله في بلادنا وامتن سبحانه به علينا، ولن نمثل بالنسبة إليهم ولن نكون في نظرهم إلا كقصعة ملأت طعاما لا يحتاج الجائع منهم إلا أن يمد يده ليتناول الخير الذي فيها، ولكثرة ما فيها وسهولة نيله يدعو غيره أن يشاركه في أخذه ونهبه.
الحقيقة الثانية: أننا لن نستطيع حينئذ دفع عدوانهم، ولا رد تعديهم، ولا منع خيراتنا منهم، بسبب الضعف الشديد الذي نكون عليه، والهوان العظيم الذي نصير إليه، حتى يبلغ الأمر بنا أن نستكين بين أيديهم، وتنعدم حركاتنا عند تعديهم، كيف لا ونحن على ما وصفنا النبي صلى الله عليه وسلم كقصعة الطعام التي تكون بين الآكلين، فهل رأيتم قصعة تفر من المتداعين إلى طعامها، أو ترد أيدي المغيرين عليها، أو تمنع الطعام الذي فيها ممن حضرها أو دُعي إليها؟.
الحقيقة الثالثة: أن تسلط الأعداء علينا ليس هو لقلة عددنا ولا لانعدام عتادنا؛ وإنما لخفتنا وهواننا، وفقدنا لجند كان الله سبحانه يمدنا به ويؤيدنا، ولتغير ما بقلوبنا، وكل هذه أسباب ذكرت في هذا الحديث الذي بين أيدينا، وها هي مرتبة على ما جاء فيه:
- السبب الأول: كثرت العدد الذي لا نفع فيه؛ فعددنا يومئذ كثير ولكنه كالشيء التافه الحقير؛ إذ يكون أهل الإسلام مع كثرتهم متفرقين غير متجانسين، لكل واحد منهم همه ومقصده وغايته، لا يتفقون على رأي أبدا، ولا يجتمعون ولو كانوا أقل الناس عددا؛ ويدل على حالهم هذا تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالغثاء، وهو الزبد الطافي على وجه الماء؛ مثل الأشياء الخفيفة التي لا قيمة لها كالأعواد والجلود والأوساخ والقذى، قال الملا علي القاري في المرقاة:"كغثاء السيل" قال الطيبي: بالتشديد أيضا ما يحمله السيل من زبد ووسخ شبههم به لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم وخفة أحلامهم وخلاصته: ولكنكم تكونون متفرقين ضعيفي الحال خفيفي البال مشتتي الآمال".
- السبب الثاني: فقدهم لروافد النصر التي كانت معهم، وكان الله يؤيدهم بها على عدوهم، ومن أعظمها للمسلمين نفعا، وأكثرها لأعدائهم ردعا ودفعا؛ جند الرعب الذي يلقيه الله في قلوب أعداء المسلمين، ومدد المهابة التي يزرعها في أفئدة الكافرين، حيث أن الله عز وجل حرمنا منها بعد أن كان يؤيدنا بها، وذلك لتقصيرنا في أسبابها التي جعلت منوطة بها، فكل من حقق تلك الأسباب نصر بهذا الجند، وكل من قصر في اتخاذها حرم منه وعلى أعدائه لم يؤيد.
- السبب الثالث: تغير قلوبنا وتبدل ما في نفوسنا، وذلك بخروج الشجاعة منها ودخول الوهن فيها، والوهن مرض خطير وداء عضال مبير؛ إذا أصاب قلب امرئ ابتلي بكل بلية، واتصف بكل خصلة دنية، فيصاب في دينه ومروءته فتراه قليل الغيرة منعدم الشجاعة، يَعْظُمُ لأدنى شيء هلعه وجزعه، ويضمحل بسبب الدنيا خوفه وورعه، فهو لاهث وراء شهوات نفسه، ولا يهمه ما دفع من ثمن لأجلها ولو كان دينه، فهنا تسلط عليه الأعداء، ويصاب بكل مصيبة وبلاء، جزاء له من جنس عمله، وعقوبة له على تغيره وتبدله، فغير إلى الأسوء ما بنفسه، فأنزل الله عليه الذلة في حياته، جزاء وفاقا.
تنبيه: وهذا السبب الأخير الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالوهن وفسره بحب الدنيا وكراهية الموت قد جاء ذكره في حديث آخر بَيَّنَ لنا فيه نبينا صلى الله عليه وسلم بعض مظاهر هذا الداء، وتجلياته في حياة المسلمين بوضوح وجلاء:
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:" إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ" رواه أبو داود وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله.
فتجلى حب الدنيا في التبايع بالعينة وأخذ أذناب البقر والرضى بالزرع؛ وهذا فيه الإقبال على الدنيا وطلبها من أي وجه أمكن سواء بالحلال أم الحرام، وتجلت كراهية الموت في ترك الجهاد في سبيل الله، وكانت النتيجة أن يُسَلط على من هذا حاله ذلا عظيما جاء إيضاحه في الحديث السابق بتداعي الأمم كتداعي الأكلة إلى قصعتها.
فالحديثان متفقان، وفي المضمون متشابهان، وكل واحد منهما يشرح الآخر، ويتجلى معناه فيه ويظهر، وقد ذكر فيهما أعراض الداء وظواهره، وحقيقة المرض العضال وأسبابه، إلا أن الحديث الثاني اختص بذكر علاج الداء وما ينفع فيه من الدواء، وهو الرجوع إلى الدين فقال صلى الله عليه وسلم:"لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ".
ولن يرتفع هذا الداء وهو الهوان الذي أصاب الأمة جمعاء، وتسبب في أن تسلط عليها الأعداء؛ يستبحون بيضتها، ويسفكون دماء أبنائها، وينتهكون عرضها، ويستنزفزن خيراتها، إلا بالدواء الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهو الرجوع إلى الدين الذي بعث به النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
والمقصود بالدين هو دين النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى فيه:"إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" سورة آل عمران من الآية 19، وقال فيه:"وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)" سورة آل عمران، وقال فيه أيضا:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" سورة المائدة من الآية 3.
والمقصود بالدين هو دين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن العرباض بن سارية وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الإرواء رقم 2455، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي" رواه الترمذي وحسنه العلامة الألباني رحمه الله.
والمقصود بالدين هو دين الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ" رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.
والمقصود بالدين هو الدين الذي عمدة أهله الكتاب والسنة وبفهم سلف الأمة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
العلم قال الله قال رسوله * * * قال الصحابة وليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة * * * بين الرسول وبين رأى فقيه
فإذا رجع الناس إلى هذا الدين رُفع عنهم الذل الذي سلط عليهم، والذي هو من أعظم أسباب تطاول أعداء الله على مقدساتهم، ووقوعهم في عرض نبيهم.
فلو رجعنا إلى ديننا لهابنا أعداؤنا، ولخافوا من التطاول على نبينا، فإن قدر الله أن يفعلوا ذلك أمكننا حينها أن نرد عليهم الرد الذي يستحقونه ويليق بهم، ويكون فيه عقوبة لهم وردعا لأمثالهم.
فبالرجوع إلى الدين تزول أسباب ضعف المسلمين.
وبالرجوع إلى الدين تقوى الغيرة الحقيقية في قلوب أتباع النبي الأمين.
وبالرجوع إلى الدين نرد الرد النافع على كل المعتدين والمتطاولين.
وبالرجوع إلى الدين ينصرنا الله على أعدائنا أجمعين.
وبالرجوع إلى الدين نحصل سعادة الدارين ونكون فيهما من الفائزين.
وإذا عرف هذا علم أن الطريق الأمثل للدفاع عن مقدساتنا، والرد على المتطاولين عليها من أعدائنا؛ هو الرجوع إلى الدين، والتمسك بسنة سيد الأنبياء والمرسلين، وأن الداعي إلى العودة إلى الدين، والساعي في رد إخوانه المسلمين إليه أجمعين، هو صاحب الغيرة الحقيقية، وهو المدافع حقا عن خير البرية، لا أصحاب الثورات الوقتية والآنية، الذين يفعلون ما يكرس فيهم أسباب التبعية، وعناصر الخضوع لأعداء الملة المحمدية.
فنقول للناقمين على السلفيين، الزاعمين فيهم أنهم لا يدافعون عن نبيهم، ولا يردون على عدوه وعدوهم، إن السلفيين والحمد لله رب العالمين يقومون بالشيء الذي يرضي رب الأرض والسماء، ويحقق ردع الأعداء، ويكون علاجا لما حل بهم من الأدواء، فهم في سبيل علاج أمتهم يبحثون عن أسباب الأمراض ولا يقفون كغيرهم عند الظواهر والأعراض، هذا في الأمراض التي استجدت فيهم ولم يذكرها لهم نبيهم ومتبوعهم؛ والتي تحتاج بعد معرفة أسبابها إلى البحث عن علاج شرعي لها؛ مأخوذ من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منهج سلف الأمة الأبرار، أما الأمراض التي عُينت في النصوص الشرعية، وجاءت مبينة بأوصافها الجلية، وذُكرت لنا أدويتها التي تنفع في إزالتها؛ فإن السلفيين لا يرضون عن وصية رسول الله بدلا، ولا يأخذون من غير سنته حلا، بل يستسلمون لها ويذعنون، ولا يضربون لها الأمثال ويعترضون، ولا يشككون في نجاعة الدواء النبوي أو يستطيلون طريقه، بل يستعملونه ولو طالت مدة علاجه، ويتيقنون نفعه ولو لم يشاهدوا في حياتهم أثره، فالعبرة عندهم ليست برؤية الثمرة، وإنما بسلوك الطريق الذي تنال به الدار الآخرة، ذلك لعلمهم أن العذر معهم إذا سلكوا طريق نبيهم ولو لم يتحقق في الدنيا مرادهم، وأن الله لا يعذرهم إذا خالفوا طريق نبيهم ولو حسنت نياتهم ونبلت مقاصدهم[8]:
وفي الأخير أقول لأهل السنة اثبتوا على دينكم واصبروا على دعوتكم؛ فإنها الدعوة التي تحقق للناس الخير في دينهم ودنياهم، واعلموا أنكم ممتحنون وبأعدائكم مبتلون، وأن العاقبة لكم مهما كثر خصومكم، واشتد عداؤهم لكم وتكالبهم عليكم؛ إن أنتم صبرتم وثبتم ولم تغيروا طريقكم أو تحدثوا في سبيلكم.
قال امرؤ القيس:
بكَى صاحبي لمَّا رأَى الدَّربَ دونَه ... وأيقنَ أنَّا لاحقانِ بقيصَرَا
فقلتُ له لا تبكِ عيناكَ إنَّما ... نُحاولُ ملكاً أو نموتَ فنُعذرا
وقال آخر:
بكى صاحبي لمَّا رأى الموتَ فوقَنا ... مظلاّ كإظلالِ السَّحاب إذا اكفهرّْ
فقلتُ له صبراً جميلاً، فإنَّما ... يكونُ غداً حسنُ الثَّناءِ لمن صبرْ
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وكتب: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
يوم الجمعة:
17 ربيع الثاني 1436ه
06 / 02 / 2015م
--------------------------------------------------------
[1] - ومن ذلك حدث كرة القدم الذي صار حديث الناس وشغلهم الشاغل....
[2]- طبعة دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع تحت إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد.
[3]- قرظ: شيء يدبغ به.
[4]- أنظروا رحمكم الله إلى وصف الطائفتين وكيف كان الكفار يتفاخرون بزينتهم ويظهرونها طالبين الترفع بها وكيف أن المؤمن احتقرها ولم يعبؤ بها بل داس طرفا منها بمركوبه وخرق بعضها برمحه بيانا لحقارتها عنده ودناءتها لديه.
[5]- طبعة مكتبة الرشد الرياض تحقيق وتعليق الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل.
[6]- طبعة مكتبة الرشد الرياض تحقيق وتعليق الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل.
[7]- طبعة مكتبة الرشد الرياض تحقيق وتعليق الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل.
[8]- إذ الغاية لا تبرر الوسيلة.

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الصمد سليمان ; 06 Feb 2015 الساعة 09:41 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07 Feb 2015, 03:08 AM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرًا أخي الكريم عبد الصَّمد على مقالك النَّافع الرََّصين الذي يحكي واقعًا مرًّا نتجرَّعه ولا نكاد نسيغه فنسأل الله تعالى أن يردَّنا إلى ديننا ردًّا جميلًا وأن يوفقنا للبراءة من المشركين ظاهرًا وباطنًا ويرزقنا مخالفتهم وإغاظتهم، ولن توفِّيَ كلماتي القليلة مقالك حقَّه، فأسأل الله تعالى أن يبارك لك في علمك وأن يوفقك لكل خير ويسددك.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08 Feb 2015, 10:58 PM
نبيل حسني نبيل حسني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: مغنية الجزائر
المشاركات: 34
افتراضي

جزاك الله خيرا اخي على هذا المقال الماتع النافع.. نسأل الله ان يهدينا لسبيل الحق و ان ينفعنا بما علمنا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 Feb 2015, 07:48 PM
أبو أمامة حمليلي الجزائري أبو أمامة حمليلي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
الدولة: مدينة أبي العباس غرب الجزائر
المشاركات: 409
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري
افتراضي

بارك الله فيكم .
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, نصرة, دعوة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013