منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 08 Mar 2015, 02:05 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي درر من كلام أحمد حماني في الصحابة رضي الله عنهم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فهذه درر من كلام الشيخ الفقيه أحمد حماني رحمه الله حول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين فيها عقيدته اتجاههم بصراحة وغيرة عظيمة تدل على مدى حبه لهم مما يبين أن هذه العقيدة في حب الصحابة والترضي عليهم ما كان عليه أسلاف الجمعية في حين تنكر لها الخلف من بعدهم من أبناء هذا البلد وحملوا راية الطعن في الأصحاب رضوان الله عليهم- أقصد الإخوان المفلسون ومن تبعهم من العلمانيين والزنادقة- فجاء كلام الشيخ أحمد حماني رحمه الله ردا عليهم وزجرا لهم فنسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع به أمة الإسلام وأن يجعله في ميزان حسنات قائله.
يقول الله تعالى في كتابه المبين: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ*وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ*ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[الجمعة:2-4].
فقد من الله على جميع الذين آمنوا بالله وبمحمد رسول الله وبكتابه، وشرح صدورهم لهداية الإسلام، فتعلموا الكتاب والحكمة فزكت نفوسهم، وجعلهم الله خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عربيا فأنزل الله كتابه باللسان العربي المبين ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ*نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾[الشعراء: 192-195].
وكان صلى الله عليه وسلم يبينه لأصحابه ويفقههم في الدين مدة حياته، فلما أدركه ما لابد منه لكل حي من المخلوقين ترك في أمته ما إن اتبعوه لن يضلوا أبدا كتاب الله وسنته.
وكان التبليغ والبيان وظيفته ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[النحل:44]، فكانوا يأخذون منه فقه دينهم، وكلهم يسمعه ويراه، وكانت طائفة منهم تلازمه حضرا وسفرا ليأخذوا منه ويبلغوا عنه وذلك فرض على هذه الأمة أن تكون منهم هذه الطائفة ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[التوبة:122].
«ومن أراد الله به خيرا يفقه في الدين»([1]).
وكان يسيرا على أصحابه أن يتفقهوا في الدين، لأن القرآن أنزل بلغتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم كان بين أظهرهم، و قد أراد الله بهم خيرا فهداهم وشرح صدورهم للإسلام فكانوا يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويفقهون حلاله وحرامه، ويعرفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكامه، وكان صلى الله عليه وسلم يأمرهم بكتابة القرآن، وأن يفقّهوا كل من دخل في الإسلام، فعرّفوا أولا بالقرآن – ولم تكن الكتابة والقراءة شائعة في العرب حتى نزل القرآن فكانت أول آية منه أمرا بالقراءة وطلب العلم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[العلق:1-5].
وعرفوا من بعد بلقب (القراء) لأنهم كتبوا القرآن وأقرأوه، ثم عرفوا بالفقهاء لأنهم كانوا يفقهون الناس ويفتونهم ويعلمونهم.
وكان الصحابة الملازمون له صلى الله عليه وسلم في السفر و الحضر قد سمعوا منه أقواله وحضروا أعماله، وكتبوا - بأمر منه – القرآن، ورووا عنه السنة من أقوال وأعمال وإقرار، وعرفوا علوم القرآن: الناسخ والمنسوخ، والمجمل والفصل، والمبهم والمبين، والمحكم والمتشابه، وقد حفظ بعضهم كل ما أنزل إليه، يتلقاه من الرسول ويستظهره ويتعبد الله به، ولهذا سموا بالقراء.
وقد انتقلوا بأمتهم من أمة أمية جاهلة جافية غليظة القلوب والطباع إلى أمة عالمة متعلمة زاكية لينة متواضعة متحضرة، لأن القرآن أوجب عليهم طلب العلم رجالا ونساء ولا يعذر الجاهل بجهله، وكان على رأس القراء المتفقهين: الخلفاء الراشدين والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، ثم جاء الذين اتبعوهم بإحسان فكانوا يفتون الناس فيما ينزل بهم، يعلمونهم ويفقهونهم في الدين، والرغبة والحرص من طلاب الفقه، والنصيحة الكاملة من الفقهاء، كل ذلك خلقهم وأدبهم، وقد فتحت البلدان ودخلت في الإسلام أفواج الأمم وكثر طلاب العلم، ونشأت مدرسة الفقه فيهم وساروا على هديهم في الرغبة والحرص والنصيحة أبناؤهم([2]).
وقال رحمه الله : «ومن حبه صلى الله عليه وسلم حب أصحابه، فالمسلم السني يحبهم ويعرف لهم حقهم، ويثق بهم، ويشهد لهم بما شهد لهم به القرآن في مثل قوله تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[التوبة:88]، و قوله جل وعلا: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾[الفتح:29].
وقال عزوجل: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾[الفتح:18].
وقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾[التوبة:100].
فهذا إعلان من الله بالرضى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم إيمانهم وما في قلوبهم، ولم يعلم أنه غضب عليهم بعد الرضى عنهم، فلا يكرههم ولا يغتاظ منهم إلا فاسق شقي فاجر ظنين في دينه.
ولله در مالك بن أنس رضي الله عنه فقد سئل كما رواه القاضي عياض في كتابه (الشفاء) عمن يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هل له نصيب في فيء المسلمين؟ فقال: كلا ولا كرامة، لأن الله لما ذكر أهل الفيء ذكر ثلاث طوائف: الفقراء، المهاجرين، والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم – وهو الأنصار- ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[الحشر:10]، فهذه هي الطائفة الثالثة وهي إن شاء الله تشمل كل من جاء بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة، فإذا وجدتم من يشتم الصحابة ويغتاظ منهم فتلك علامة واضحة على فساد قلبه وضلال اعتقاده، وكفره، وأعلنت الآية أن الذي يغتاظ منهم هم الكفار ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾، وقد عرف بالجرأة على الصحابة الغلاة وسموا كلهم بالبدعة منهم غلاة الخوارج، والذين دفعهم إلى ذلك الجفوة والجهل لا الكفر، وغلاة الشيعة وكثير منهم أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر كالباطنية، فإن لهم دوافع خبيثة ونيات سيئة وهي هدم الإسلام من أساسه وزوال دولته.
وقد حقق ذلك الدكتور حسن إبراهيم حسن رحمه الله في كتابه (الدولة الفاطمية) واشتهر هذا عند علماء المسلمين، وذلك أن الصحابة هم الذين نقلوا إلينا القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم فإن زالت الثقة بهم واعتقد انحرافهم لم تبق ثقة فيما يرويه أحدهم.
ولهذا ولشهادة الله لهم وشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ثبتت عدالتهم ووجبت الثقة بهم فلا يسأل عنهم إذا وصلت سلسلة الرواية إلى واحد منهم، وثبتت له صحبة بل يقبل قوله في الحديث والرواية، ويصدق فيما رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما وقع بينهم من خلاف فعن اجتهاد منهم، وللمصيب في اجتهاده أجران وللمخطيء أجر واحد، وأن تعادوا فيما بينهم في الدنيا فإنهم في الآخرة كما قال تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾[الحجر: 47]، هذا مذهب أهل السنة والجماعة فيهم.
ويبين لنا خبث الباطنية ومن نحا نحوهم من المبتدعة في الصحابة أنهم عمدوا إلى كبارهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وإلى الذين اتبعوهم بإحسان، فاتهموهم وكذبوهم وشتموهم، لم يسلم من لسانهم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولم يسلم منهم طلحة ولا الزبير ولا ابنه، وهؤلاء كلهم كانوا من السابقين الأولين ومن الذين بايعوا تحت الشجرة وأعلن الله رضاه عنهم، ولم تسلم منهم عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الآخرة ولا خالد بن الوليد، ولا معاوية بن أبي سفيان،و لا عمرو بن العاص، ولا ابنه عبد الله بن عمرو، وكلهم من الذين جاءوا من بعد السابقين اتبعوهم بإحسان.
وقد بلغ المكر ببعض الفرق أنه لم يسلم من لسانها الحريفة سوى بضعة عشرة من الصحابة مع أنهم كانوا يوم بيعة الرضوان ألفا وأربعمائة وكانوا في غزوة تبوك عشرة آلاف ومع أن عددهم في حجة الوداع زاد على مائة ألف، فأي علم يبقى لأمة الإسلام إذا لم تقبل رواية هؤلاء الأصحاب؟ لهذا كانت الباطنية أخبث الطوائف المبتدعة»([3]).
وقال في حق معاوية رضي الله عنه : «وبعد اغتيال علي رضي الله عنه وتنازل الحسن عن حقه في الخلافة بعد بيعة جنده اجتمع أمر المسلمين على معاوية وأيدوه جميعا فرحين بانتهاء الفتنة وسموا عامهم (عام الجماعة) وصدق في الحسن ما أخبر به جده صلى الله عليه وسلم من أنه سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ([4]).
ولا شك أن معاوية كان أهلا للخلافة يوم بويع من الجميع لما كان يتصف به من العلم والفقه والحذق بالسياسة وحسن التدبير في الحرب والسلم...» ([5]).
وقال رحمه الله في كتابه : (صراع بين السنة و البدعة) (38/1-39)ط.عالم المعرفة : «...ومن أشنع أقوال الغلاة كيدهم لإبطال الشريعة الإسلامية، وتحطيم دولة المسلمين، تهجمهم على الصحابة و حتى الكبار منهم – رضي الله عنهم أجمعين- وشتمهم، ورميهم بالكذب، ونزع صفة العدالة عنهم والأمانة، وإقدامهم على سفك الدماء واستباحة الأعراض والأموال بغير حق، وتبرير ذلك وتحبيذه شبيه بفعل فاعله، فما أغنى العاقل عنه».
وقال رحمه الله: «قال بعلم الباطن كالباطنية والرافضة فهو مبتدع، ومن أغرق في شتم الصحابة وإذايتهم ورميهم بالبهتان المفترى فهو مبتدع، كيف وقد رضي الله عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عنهم ولم نعلم أنه سخط عليهم بعد الرضى، ومدحهم وأعلن أنهم المفلحون والصادقون، قال تعالى : ﴿ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[التوبة:88]، وفي آية الحشر شهد للمهاجرين بالصدق و للأنصار بالفلاح([6])، ولم نعلم أنه ذمهم بعد هذه الآيات، بل مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فلا يغتاظ منهم ولا يبغضهم ولا يقع في أعراضهم إلا من سفه نفسه، أو سكن النفاق قلبه، قال تعالى : ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾[الفتح:29]، ثم قال: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾، ولهذا قال مالك فيمن اغتاظ منهم : «ليس له في فيء المسلمين نصيب»([7])؛ لأن الله ذكر أهل الفيء وهم المهاجرون الصادقون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، والأنصار المفلحون وهم الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم، ثم الذين جاؤوا من بعدهم إلى يوم القيامة، وهؤلاء يقولون : ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[الحشر:10]، هؤلاء هم أهل الفيء، ولا حق لغيرهم، ونحن – والحمد لله – من الذين جاؤوا من بعدهم.
ثم إن هؤلاء الأصحاب هم الذين حملوا إلينا الرسالة، فبلغوا إلينا القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا عليها أمناء عدولا، وهم كالنجوم يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر([8])، والقدح فيهم وشتمهم لا يقع فيه إلا ملحد يضمر الشر للإسلام والمسلمين، أو جاهل أحمق لا يدري ما يصنع، أو غبي أعماه الحقد الدفين، ولا يعلم ما يقول، ولا يقدر نتائج ما يعتقد وبه يتفوه، فالرافضة وهم المتجرئون على الصحابة إنما تأسست فرقتهم وشاعت نحلتهم، بقصد هدم دولة العرب، ومحو ديانة الإسلام، وقد حقق هذا الدكتور حسن إبراهيم حسن في كتابه الجليل (الدولة الفاطمية)، وبرهن عليه بوثائق تاريخية، وبأعمال أتوها من سفك الدماء في الحرم والعبث بالحجر الأسود كما فعله القرامطة.
إن الإسلام مبني على القرآن والسنة، وعن هؤلاء الصحابة رويناهما وأخذناهما، وماذا يبقى لنا لو صدقنا الذين طعنوا في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وسعد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعائشة الصديقة بنت الصديق وابن عباس ومعاوية وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري، وغيرهم كثير ممن أدركتهم الفتنة فاجتهدوا سواء أخطؤوا أو أصابوا، وما أحد من الذين ذكرتهم إلا وفي المبتدعة من يقدح فيه ولا يرضى عنه([9])، والمكثرون من الحديث كأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وعائشة وأبي سعيد وجابر بن عبد الله لم يسلم واحد منهم من قالة السوء، تعلنها فيه الغالية من الفرق الضالة حاشا المعتدلين.
فماذا يبقى لنا من حديث رسول الله إن اتهمنا هؤلاء وأولئك ورددنا حديثهم ؟ لا شك أن الجراءة عليهم أو على أحدهم تؤدي إلى التهمة، وتذهب الثقة، وتعرض بنيان الدين إلى الانهيار، وذلك ما يسره ويصر عليه كل فاجر كفار.
والفرقة الناجية - حقا – تعلن رضاها عن جميعهم، وترضى عنهم، وتتأول ما شجر بينهم، وتسأل لهم الرحمة والمغفرة من الله، وذلك ما وعد الله به المتقين من عباده في قوله : ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ* لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾[الحجر:47-48]، فالقرآن الكريم أرشدنا ونحن واقفون على ما أوقفنا عليه، وهو الذي يقول : ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[البقرة:134].
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهرون بإنكار البدعة إذا ذر قرنها، كما رأينا ابن عمر رضي الله عنه لما بلغه قول القدرية، مثله علي بن أبي طالب الذي نكل بالمنحرفين الغلاة وتبرأ منهم، وكذلك غيرهما من الصحابة، الأمناء، الذين رووا لنا ما سمعوه من صاحب الشريعة بكل صدق وأمانة، فمن سعادة المرء أنه إذا علم من نفسه شيئا مما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر بالتوبة والإنابة والإقلاع فورا عنه، وقد غادر الزبير رضي الله عنه ميدان المعركة فورا لما ذكره علي فتذكر، ومن شقاء المرء أن يبادر إلى إنكار الحديث واتهام الصحابي في روايته ! وما قوله صح الحديث وكان الرسول قد نطق به حق؟»([10]).



========

([1]) : أخرجه البخاري ومسلم.
([2]) : الثمر الداني من محاضرات أحمد حماني (ص:87-89).
([3]) : الثمر الداني من محاضرات أحمد حماني (ص:98-100).
([4]) : رواه البخاري في صحيحه (حديث رقم/2704) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه.
([5]) : الثمر الداني من محاضرات أحمد حماني (ص:171).
([6]) : قال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[الحشر:09].
([7]) : ذكره ابن كثير عند تفسيره للآية الحشر.
([8]) : إذا كان الشيخ رحمه الله يقصد حديث : (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) فهو حديث موضوع، أنظر : السلسلة الضعيفة للألباني رحمه الله ( 1/144) رقم (58).
([9]) : قال أبو زرعة الرازي رحمه الله : (إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة) [الكفاية في علم الرواية للخطيب (ص:61).ط.الرسالة ناشرون]
([10]) : صراع بين السنة والبدعة (1/40-41).

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08 Mar 2015, 09:26 PM
محمد البيضي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي الحبيب وفعلا درر وياليت لو يتم جمع أقوال علماء الجميعة وتلامذتهم في الصحابيين عمرو بن العاص ومعاوية رضي الله عنهما وتوزع في مطويات ذبا عن أعراض صحابة نبينا عليه الصلاة والسلام
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09 Mar 2015, 09:13 AM
هشام بن حسن هشام بن حسن غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 270
إرسال رسالة عبر MSN إلى هشام بن حسن إرسال رسالة عبر Skype إلى هشام بن حسن
افتراضي

جزاك الله خيرا، فللشيخ أحمد حماني . رحمه الله .كلام طيّب في مجال التوحيد والاعتقاد، ومن أبرز كتبه في ذلك : صراع بين السنة والبدعة، هذا الكتاب الذي لا نرى من الطرقية والمبتدعة احتفاء به أو طبعا له لأنّه يخالف شركياتهم ويدمغ باطلهم وفي المقابل فيه ثناء على أهل السنة ودعوتهم ومن أبرزها في العصور المتأخّرة دعوة الإمام المجدّد : محمد بن عبد الوهاب . رحمه الله .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09 Mar 2015, 11:18 AM
أبو سهيل محمد القبي أبو سهيل محمد القبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
المشاركات: 207
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي بلال على هذه الدرر الغوالي، ورحم الله تعالى قائلها.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 Mar 2015, 06:02 PM
عبد الرحمن بن براهم عبد الرحمن بن براهم غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 71
افتراضي

رحم الله الشيخ حماني وغفر له، وبارك الله فيك أخانا
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11 Mar 2015, 10:39 PM
يوسف بن عومر يوسف بن عومر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: الجزائر-ولاية سعيدة
المشاركات: 594
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي "بلال" على النقل الطيب
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11 Mar 2015, 11:05 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

بارك الله فيكم
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 Mar 2015, 05:28 PM
أبوعبد الرحمن صدام حسين شبل أبوعبد الرحمن صدام حسين شبل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: ولاية سطيف/الجزائر
المشاركات: 291
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي بلال و رضي الله عن الصحابة أجمعين
و رحم الله الشيخ أحمد حماني.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, حماني, صحابة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013