كلمة وداع
*****
دُنْيَا الغُــرُورِ وَكُلُّ شُــرٍّ يُرْصَدُ *** وَنَعِيـــمُ كُـــلِّ مُغَفَّــلٍ لاَ يَرْشُـــدُ
وَسَرَابُ قَحْطٍ فِي فَـلاَةٍ لَمْ تَــزَلْ *** تِيهًـا لِمَنْ يَرْجُـو النَّجَـاةَ وَينشـدُ
وَطَرِيقُ مَسْبَعَـــةٍ وَدَرْبُ مَزَلَّــةٍ *** وَشِــرَاكُ فَــخٍّ أَوْ مَصَـائِد تُعْقَــدُ
وَمَنَـازِلٌ لِلْغَافِلِيـنَ عَــنِ الهُــدَى *** وَدِيَــارُ مَنْ تَنْفِـي الكِرَامُ وَتُبْعِــدُ
وَمَحَلُّ زُورٍ لِلْغِوَايَــةِ أُرْصِــدَتْ *** وَكُـؤُوسُ خَمْــرٍ لِلْجُنَـاةِ وَمَـوْرِدُ
فَمَتَى نَزَلْتَ بِهَـا فَأَمِّـلْ غَيْرَهَــا *** وَمَتَـى ارْتَحَلْتَ إِذًا فَذَاكَ المَوْعِدُ
يَا سَائِلِي عَنْهَا وَقَدْ رُمْتَ الهُدَى *** إِنِّــي امْرُؤٌ فِـي حَرِّهَـــا أَتَوَقَّـــدُ
أَهْذِي بِهَا مِنْ شَوْقِهَــا وَلِخَوْفِهَـا *** آوِي لَهَــــا وَلِنَحْرِهَــــا أَتَوَسَّـــدُ
وَلَرُبَّمَا أَشْـرِي بِهَــا دِينًــا وَقَــدْ *** أَعْصِـي لَهَـا مَلِكًــا وَرَبًّــا يُعْبَــدُ
فَتَرُدُّنِـي فِــي كُــلِّ يَــوْمٍ خَائِبًــا *** وَالسَّـوْطُ إِثْرَ السَّوطِ طَـرًّا يَجْلِـدُ
وَجَمِيلُهَا أَبَدًا فَبَــرْقٌ قَـدْ جَــرَى *** بِسَحَـابِ زُورٍ عَابِــرٍ لاَ يُرْعِــدُ
وَلَخَيْرُ نُعْمَاهَـا مَــوَدَّةُ صَــاحِبٍ *** وَالضُّــرُّ مِــنْ أَدْوَائِهَــا إِذْ يُفْقَــدُ
فَكَأنَّ رُوحَ الخِلِّ فِي إِثْـرِ الّــذِي *** تَهْوَى تُحَلِّقُ فِـي الفَضَاءِ وَتُبْعِـدَ
مَـاذَا أَقُــولُ عَــنِ الــوَدَاعِ فَإِنَّــهُ *** نَـــارٌ تَأَجَّـــجُ بِالفُـــؤَادِ وَمَوْقِــدُ
وَبَرِيدُ شُــؤْمٍ مَــا تَنَاقَلَـهُ الــوَرَى *** وَأَنِيــنُ نَفْــسٍ بِالشِّكَايَــةِ تُزْبِــدُ
وَنَحِيبُ ثَكْلــى إِثْـــرَ مَفْقُودٍ لَهَــا *** وَرِثَـــاءُ حِــبٍّ بِالمَقَابِــرِ يُنْشَــدُ
وَصَـلاةُ مَفْجُــوعٍ وَذِلَّــةُ مُذْنِــبٍ *** عَــرَفَ الطّرِيقَ وَنَــاسِكٍ يَتَعَبَّـدُ
مَاذَا أَقُولُ وَقَدْ رَضِيتُ بِكُمْ فَــلاَ *** أَرْضَـى سِوَاكُـمْ أَوْ يُهَـدَّ المَعْهَــدُ
فَلَأَنْتُمُ مِنِّــي بِنُــزْلِ جَوَارِحِـــي *** وَلأَنْتُـمُ رَشَــدِي فَنِعْــمَ المُرْشِـــدُ
وَلَأَنْتُمُ قَلْبِـي الّــذِي أَهْــوَى بِــهِ *** وَلأنْتُـمُ جَسَـدِي مَتَى مَــا أجْهَـــدُ
وَلأنْتُمُ رُوحِي فَهَــلْ أَقْــوَى أَنَـا *** أَنْ تَنْزِعُوا رُوحِي وَعَيْنِي تَشْهَدُ
مَاذَا أقُولُ وَلَيْسَ مِـنْ قَـوْلٍ يَفِـي *** فَالطّبْـعُ يَغْلِـبُ وَالغَرِيــزةُ تُسْنِـدُ
وَالنَّفْسُ تَرْفُضُ أَنْ تُفَارِقَ إِلْفَهَـا *** وَالقَلْبُ يُقَبَـرُ فِي الحَبِيبِ وَيُلْحَـدُ
وَعَزَاؤُهَـــا أَبَـــدًا فَفَــأْلُ لِقَائِنَــا *** بِجِنَـانِ مَنْ يَنْفِي الكُرُوبَ وَيُنْجِدُ
فَــاللهَ أَسْـــأَلُ أَنْ يُجَمِّعَنَـــا بِهَــا *** نِعْــمَ الدِّيَــارُ وَنِعْــمَ ذَاكَ السَّيِّــدُ