منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 11 May 2018, 09:49 PM
أبو حامد الإدريسي أبو حامد الإدريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 36
افتراضي ترويح المَصَاعقة في تخريج حديث (الصَّعافقة!!!)

ترويح المَصَاعقة في تخريج حديث (الصَّعافقة!!!)


بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وكفى والصَّلاة والسَّلام على نبيَّه الذي اصطفى؛ وبعد:

هذا بحثٌ طيِّب نقدِّمه للقرَّاء الكرام! نحاول فيه ــ قدر الإمكان ــ أن نبيِّن لهم تمام البيان مع تمام التَّخريج؛ لحديث (الشَّعبيِّ) في (الصَّعافقة!!!)، وقلَّما من يعرفه، أو من سمعه، أو له فيه رواية ودراية، لذلك ــ ومن أجل الحاجة الماسَّة إليه في هذا الوقت بالذَّات، وكذا إلى نفض الغبار عنه ــ أردنا أن نذكره مع ما فيه أو عليه من جهة إسناده وطرقه ومتنه، وأيضا في الوقوف مع كلمة (الصَّعافقة!!!) كما يجب. وقد أسميناه بـ "ترويح المَصَاعِقة في تخريج حديث (الصَّعافقة!!!)".
فنقول:
لقد ورد في كتب السنَّة حديثٌ أو لنقل ــ من باب أولى وأضبط: ــ أثرٌ شريف عن الإمام (الشَّعبيِّ)؛ وهو علاَّمة التَّابعين أبو عمرو عامر بن شراحيل الهمدانيِّ الكوفيِّ (ت104هـ)، جاء من طريقين:
[الأوَّل]: من طريق صالح بن مسلم: وعنه كلٌّ من: محمَّد بن عبد الله الأنصاريِّ، وإسماعيل بن إبراهيم ــ الشَّهير بابن عُلَيَّة ــ، والمبارك بن سعيد الثَّوريِّ، ومحمَّد بن كناسة، ويحيى بن سعيد، وأبو عوانة؛ فهذه ستُّ رواياتٍ نذكرها كما جاءت عنه.
• فأمَّا رواية (محمَّد بن عبد الله الأنصاريِّ) فقد أخرجها الإمام ابن سعد في "طبقاته"(6/251) قال: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريِّ؛ قال: حدَّثنا صالح بن مسلم؛ قال: "كنتُ مع الشَّعبيِّ، ويدي في يده أو يده في يدي، فانتهينا إلى المسجد؛ فإذا حَمَّاد في المسجد، وحوله أصحابه، ولهم ضوضاةٌ(1) وأصواتٌ؛ قال: فقال: لقد بغَّضَ(2) إليَّ هؤلاء هذا المسجد، حتَّى تركوه أبغض(3) إليَّ من كناسة(4) داري؛ معاشر الصَّعافقة. فانصاع راجعًا؛ ورجعنا".
قلت: وهذا إسناده صحيح ورجاله كلُّهم ثقات، فـ (محمَّد بن عبد الله الأنصاريِّ) هذا؛ وهو محمَّد بن عبد الله بن المثنَّى بن عبد الله بن أنس بن مالك البصريِّ القاضي أبو النَّضر أو أبو عبد الله الفقيه؛ قاضي البصرة وبغداد، ثقةٌ من الطَّبقة التَّاسعة كما قال الحافظ في "التَّقريب"(2/99)؛ توفِّي سنة (215هـ).
وأمَّا (صالح بن مسلمٍ) هذا؛ وهو البكريُّ من الطَّبقة العليا كما ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتَّعديل"(4/413/1817) وذكر توثيقه فيه عن أحمد ويحيى بن سعيد القطَّان ويحيى بن معين وغيرهم.
ووهم من ظنَّه أنَّه هو صالح بن صالح بن مسلم بن حي أبو حيَّان الثَّوريِّ الهمدانيِّ الكوفيِّ كما فعل الدَّكتور الأعظمي في تحقيقه لكتاب "المدخل"(1/198) للبيهقيِّ، أو من ظنَّه أنَّه صالح بن مسلم بن رومان كما فعل أبو الأشبال في تحقيقه لكتاب "جامع بيان العلم"(2/1048و1074)، ومثله محقِّق كتاب "الإبانة"(2/515) لابن بطَّة؛ فهذا فقط من أوهامهم، والصَّواب ــ ما ذكرناه من ــ أنَّه هو صالح بن مسلمٍ البكريِّ؛ فتنبَّه.
وأمَّا الشَّعبيُّ فقد علمته سابقاً من يكون، وهو ثقةٌ مشهور فقيه فاضل من الثَّالثة؛ كما ذكر الحافظ في "التَّقريب"(1/461)، وقال في "التَّهذيب"(5/59): وقال ابن معين وأبو زرعة وغير واحدٍ: الشَّعبيُّ ثقةٌ.
• وأمَّا رواية (إسماعيل بن إبراهيم) فقد أخرجها ابن عبد البرِّ في "جامع بيان العلم"(2/1048/2017) والخطيب البغداديُّ في "الفقيه والمتفقِّه"(1/462و499) واللَّفظ له؛ عن ابن عُليَّة، نا صالح بن مسلم؛ قال: "كنت عند الشَّعبيِّ ونحن ثلاثة أو أربعة؛ فقال من غير أن يسأله أحدٌ منَّا عن شيءٍ: إنَّما هلكتم حين تركتم الآثار، وأخذتم بالمقاييس، يعلم الله! لقد بغَّضوا إليَّ هذا المسجد حتَّى لهو أبغض إليَّ من كناسة داري؛ هؤلاء الصَّعافقة".
قلت: إسناده صحيح؛ و(إسماعيل بن إبراهيم) هذا؛ هو ابن عُلَيَّة ــ وهي أمُّه وجدُّه مقسم ــ الأسديُّ مولاهم البصريُّ أبو بِشْر، المعروف بابن عُليَّة، ثقةٌ حافظ من الطَّبقة الثَّامنة كما في "التَّقريب"(1/90).
• وأمَّا رواية (المبارك بن سعيد الثَّوريِّ) فقد أخرجها الإمام البيهقيُّ في "المدخل" (1/191/215) واللَّفظ له، وابن عبد البرِّ في "جامع بيان العلم"(2/1074/ 2089) وابن بطَّة في "الإبانة"(2/515/602)؛ عن المبارك بن سعيد الثَّوريِّ، ثنا صالح بن مسلم؛ قال: "لقيت الشَّعبيَّ فقال: لقد بغَّض إليَّ هؤلاء المسجد، حتَّى لهو أبغض إليَّ من الكُناسة. فقلت: ممَّ يا أبا عمرٍو؟ قال: هؤلاء الرَّائيون أصحاب الرَّأي، لمَّا أعيتهم أحاديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يحفظوها يجادلون".
وفي روايةٍ(5): "زاد ابن الصَّبَّاح في حديثه: وفي المسجد يومئذٍ قومٌ رءوسُ أموالهم الكلام".
قلت: إسناده صحيح؛ و(المبارك بن سعيد) هذا هو ابن مسروق أخو سفيان الثَّوريِّ، الأعمى أبو عبد الرَّحمن الكوفيِّ نزيل بغداد. قال الحافظ في "التَّقريب" (2/157): صدوق من الثَّامنة.
• وأمَّا رواية (محمَّد بن كناسة) فقد أخرجها ابن حبَّان في الثِّقات"(6/464) والخطيب البغداديُّ في "الفقيه والمتفقِّه"(1/462/500) واللَّفظ له، عن محمَّد بن كناسة، نا صالح بن مسلم، عن الشَّعبيِّ؛ قال: "لقد بغَّض إليَّ هؤلاء القوم هذا المسجد، حتَّى لهو أبغض إليَّ من كناسة داري. قلت: مَنْ هو يا أبا عمرٍو؟ قال: هؤلاء الرَّأيتيُّون؛ أرأيت أرأيت".
وفي رواية ابن حبَّان: "هؤلاء الرَّائيون..".
قلت: إسناده صحيح؛ و(محمَّد بن كناسة) هذا هو محمَّد بن عبد الله بن عبد الأعلى الأسديِّ أبو يحيى بن كُناسة، وهو لقب أبيه أو جدِّه؛ من الطَّبقة التَّاسعة (ت207هـ). قال الحافظ (2/96): صدوق.
• وأمَّا رواية (يحيى بن سعيد) فقد أخرجها البيهقيُّ في "المدخل"(1/198/228) وابن بطَّة في "الإبانة"(2/516/603) واللَّفظ له، عن يحيى بن سعيد، عن صالح بن مسلمٍ؛ قال: قال لي الشَّعبيُّ: "إنَّما هلكتم حين تركتم الآثار وأخذتم بالقياس، لقد بغِّض إليَّ هذا المسجد، بل هو أبغض إليَّ من كناسة داري معشر الصَّعافقة، والصَّعافقة هم الذين يفدون إلى الأسواق في زيِّ التُّجَّار ليس لهم رءوس أموال، إنَّما رأس مال أحدهم الكلام، والعامَّة تسمِّي من كان هذا مُهَلِّساً".
وفي رواية: "... وأخذتم في المقاييس".
قلت: إسناده صحيح؛ و(يحيى بن سعيد) هذا هو بن حيَّان؛ أبو حيَّان التَّيميُّ الكوفيُّ، قال ابن حبَّان في "الثِّقات": وقد قيل إنَّه يحيى بن سعيد بن سحيم؛ والأوَّل أصحُّ. وقال الحافظ في "التَّقريب": ثقةٌ عابد؛ من السَّادسة (ت145هـ).
• وأمَّا رواية (أبو عوانة) فقد أخرجها الحافظ ابن أبي الدُّنيا في كتاب "الصَّمت" (156) و"ذمُّ الغيبة والنَّميمة"(18) بإسناده إلى محمَّد بن عبد الملك القرشيِّ، حدَّثنا أبو عوانة، عن صالح بن مسلمٍ؛ قال: قال عامر: "لقد تركتني هذه الصَّعافقة، وللمسجد أبغض إليَّ من كناسة داري" يعني أصحاب القياس.
قلت: وإسناده صحيح؛ و(محمَّد بن عبد الملك القرشيِّ) هذا هو بن أبي الشَّوارب أبو عبد الله الأمويِّ البصريِّ. قال الحافظ في "التَّقريب": صدوق من كبار العاشرة (ت244هـ).
وأمَّا (أبو عوانة) هذا؛ فهو مشهورٌ بكنيته وهو الوضَّاح بن عبد الله اليشكريِّ مولى يزيد بن عطاء أبو عوانة الواسطيِّ البزَّاز. قال الحافظ في "التَّقريب": ثقة ثبت من السابعة (ت276هـ).
• وأمَّا رواية (عبد الرَّحمن بن حمَّاد) فقد أخرجها أبو نعيم في "الحلية"(4/ 320) بإسناده إلى أبي مسلمٍ الكشِّيُّ، ثنا عبد الرَّحمن بن حمَّاد، ثنا صالح بن مسلم، قال لي عامر الشَّعبيِّ: "إنَّما هلكتم بأنَّكم تركتم الآثار وأخذتم بالمقاييس، ولقد بغَّض إليَّ هؤلاء المسجد، حتَّى إنَّه لأبغض إليَّ من كناسة داري، يعني أصحاب الرَّأي".
قلت: إسناده حسنٌ؛ و(أبو مسلمٍ الكشِّيُّ) هذا هو إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز بن كش الكشِّيِّ، ويقال فيه الكجيِّ، البصريِّ الحافظ صاحب السُّنن، أدرك أبو عاصم النَّبيل والكبار (ت292هـ). قال السُّيوطي في "طبقات الحفَّاظ": وثَّقه الشُّيوخ؛ قال الدَّارقطني: كان ثقة سرياً نبيلاً عالماً بالحديث.
وأمَّا (عبد الرَّحمن بن حمَّاد) هذا هو بن شعيث الشُّعَيْثِيُّ أبو سلمة العنبريُّ البصريُّ. قال الحافظ: صدوق؛ ربَّما أخطأ من صغار التَّاسعة (ت212هـ).
[الثَّاني]: من طريق يونس بن أبي إسحاق: وعنه يحيى بن أيُّوب البجليُّ، وسفيان.
• فأمَّا رواية (يحيى بن أيُّوب البجليُّ) أخرجها الإمام ابن بطَّة في "الإبانة" (2/514/600) بإسناده إلى أبي داود؛ قال: حدَّثنا ابن أبي صفوان؛ قال: حدَّثنا أبو قتيبة؛ قال: حدَّثنا يحيى بن أيُّوب البجليُّ، عن يونس؛ قال: قال لي الشَّعبيُّ: "ما مجلسٌ أجلسه أحبُّ إليَّ من المسجد إذ كنَّا نجلس فيه إلى أبيك، ثمَّ نتحوَّل إلى الرَّبيع بن خثيم، فيقرينا القرآن، حتَّى نشأ هؤلاء الصَّعافقة، والله لئن أجلس على كناسة أحبُّ إليَّ من أن أجلس معهم".
قلت: إسناده حسن؛ و(يحيى بن أيُّوب البجليُّ) هذا هو بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجليُّ الكوفيُّ، الجريرىُّ من ولد جرير بن عبد الله وهو أخو جرير بن أيُّوب. قال ابن أبي حاتم الرَّازيُّ في "الجرح والتَّعديل" (9/127): عن الدَّوريِّ؛ قال: سمعت يحيى بن معين؛ يقول: يحيى بن أيُّوب البجليِّ ليس به بأس. وزاد الذَّهبيُّ في "الميزان"(4/362) وقال مرَّة: ضعيف. قال الذَّهبيُّ: وثَّقه أبو داود. وفي "التَّهذيب" وثَّقه الآجريُّ والبزَّار وذكره ابن حبَّان في "الثِّقات". لذلك حكم عليه الحافظ في "التَّقريب" بأنَّه: لا بأس به من السَّابعة.
وأمَّا (يونس) هذا؛ فهو بن أبي إسحاق السَّبيعيُّ أبو إسرائيل الكوفيُّ. قال الحافظ في "التَّقريب": صدوق يهم قليلاً؛ من الخامسة (ت152هـ).
• وأمَّا رواية (سفيان) فأخرجها أيضا ابن بطَّة في "الإبانة"(2/515/601) بإسناده إلى أبي داود؛ قال: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد الزُّهريِّ؛ قال: حدَّثنا سفيان، عن يونس يعني ابن أبي إسحاق؛ قال: سمعت الشَّعبيَّ يحلف بالله: "ما كان مجلسٌ أحبَّ إليَّ من المسجد، ثمَّ قال: والله لئن أجلس في سباطةٍ أحبُّ إليَّ من أن أجلس فيه".
قلت: إسناده صحيح؛ و(سفيان) هذا هو الثَّوريُّ أبو عبد الله الكوفيُّ، ثقةٌ حافظ فقيه عابد إمام حجَّةٌ، من رؤوس الطَّبقة السَّابعة كما قال الحافظ في "التَّقريب".
وبالجملة: فهذا الأثر المذكور بطريقيه ورواياته الكثيرة والمتعدِّدة كما رأينا ذلك آنفاً؛ هو (صحيحٌ) إلى الإمام الشَّعبيِّ، وفيه ما فيه من الفوائد الجليلة؛ ومنها:
(الفائدة الأولى): وهي قد تكون هنا من أهمِّ ما يجب ذكره أو بيانه، باعتبار ما جاء من شدَّة بغض الإمام الشَّعبيِّ ــ رحمه الله ــ لأهل الكلام والرَّأي مطلقاً، وخصوصاً منهم أهل الجدال. وهذا كما تعلم هو أصلٌ من أصول أهل السنَّة قد تقرَّر وتحرَّر في مصنَّفاتهم بالإجمال والتَّفصيل، كمثل ما جاء في "أصول السنَّة"(ص/15 وما بعدها) للإمام أحمد؛ قال: "وترك الخصومات في الدِّين والسنَّة"، وقال أيضاً: "وليس في السنَّة قياسٌ ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، إنَّما هو الإتباع وترك الهوى"، ونحوه عند ابن أبي زمنين المالكيِّ؛ قال(ص/35): "أنَّ السنَّة دليل القرآن، وأنَّها لا تدرك بالقياس ولا تؤخذ بالعقول"، وكذا عند الإمام البربهاريِّ في "شرح السنَّة"(ص/39)؛ قال: "أنه ليس في السنَّة قياس، ولا يُضرب لها الأمثال، ولا تتبع فيها الأهواء"، وقال أيضاً: "والكلام والخصومة والجدال والمراء محدث يقدح الشَّكَّ في القلب، وإن أصاب صاحبه الحقَّ والسنَّة"، وقال الإمام مالك ــ رحمه الله ــ: "ولا تتَّبع الرَّأي، فإنَّه من اتَّبع الرَّأي جاء رجلٌ آخر أقوى منه في الرَّأي فاتَّبعه؛ فأنت كلَّما جاء رجلٌ غلبك اتَّبعته"(7). وغير ذلك من كلام الأئمَّة وحفَّاظ الأمَّة؛ وكذا من كلام المالكيَّة كالإمام سحنون وخويز منداد وأضرابهما.
المهمُّ؛ هو أن نعرف ــ معرفة تطبيقيَّة ــ كيف كان عليه هؤلاء الأئمَّة والحفَّاظ من السَّلف الصَّالح رضي الله عنهم مع أهل الرَّأي وطريقتهم في ردِّ الآثار، وهذه العيِّنة في الإمام الشَّعبيِّ ــ رحمه الله ــ كما رأيت من البغض لهم ولكلامهم ولمجالستهم أو المكوث في نفس المكان الموجودين فيه؛ حتَّى ولو كان هذا المكان هو المسجد. وهذا واضحٌ تمام الوضوح فيما ذكرناه عنه سابقاً، ولا بأس أن نذكر هذا عنه؛ قال: "ما من كلمةٍ أبغضَ إليَّ من أرأيت أرأيت"(8). وفي لفظٍ عند البيهقيِّ: "ما كلمةٌ أبغضُ إليَّ من (أُريتُ!!!)"(9). وفي لفظٍ آخر عند أبي نعيم: "لعن الله أرأيت"(10).
(الفائدة الثَّانية): وهي مهمَّة؛ وهي في أنَّ الهلاك ــ الحاصل في النَّاس ــ هو في ترك الآثار، وهذا دليلٌ على ظهور البدع بلا ريبٍ! كما هو الواقع في ظهور تلك الفرق الضَّالَّة في زمن الشَّعبيِّ وما بعده، وكذا بما ترتَّب عليها من كثرة المخالفات والشُّبهات العلميَّة والعمليَّة في الدِّين. لذلك رأينا هذه الشدَّة والغلظة في الإنكار من الإمام الشَّعبيِّ للبدعة ولأهلها، ومن غير هوادة فيها أو رفق؛ فتنبَّه لهذا القيد!
(الفائدة الثَّالثة): وهي في لفظة (الصَّعافقة!!!) هذه الواردة في الأثر المذكور، باعتبارها أصل البحث، وباعتبار أيضاً أنَّ مدار الكلام كلِّه عليها جملة وتفصيلاً. ثمَّ والذي يظهر لنا ــ جلياً ومليًّا ــ أنَّ الشَّعبيَّ قد يكون هو الأوَّل من أئمَّة السَّلف من استعملها، وعنه اشتهرت اشتهاراً وانتشرت انتشاراً؛ وهذا قد نجزم به هنا لولا ما جاء عن [العجَّاج] ــ وهو عبد الله بن رؤية بن لبيد بن صخر السَّعديِّ التَّميميِّ أبو الشَّعثاء العجَّاج (ت: نحو 90هـ) ــ راجزاً كما في "ديوانه"(ص/16):
ها فهو ذا فقد رجا النَّاسُ الغِيَرْ .... مـن أمـرهم على يديكَ والثُّـؤَرْ
مــن آل صَعْفـوقٍ وأشيــاعٍ أُخَـرْ .... من طامعيـن لا يبالـون الغَمَـــر
ثمَّ هو هنا ــ كما ترى ــ يخاطب ويمدح [عمر بن عبيد الله بن معمر]؛ الذي ولاَّه عبد الملك بن مروان حرب أبي فديك الحروريِّ، فأوقع به، فأراد ــ من رجزه طبعاً ــ تحقير أمر الخوارج، فوصفهم بأنَّهم سوقة وعبيدٌ وأتباع، اجتمعوا إلى أبى فديك، وليسوا ممَّن يقاتل على حسبٍ ويرجع إلى دينٍ صحيح ومنصب(11).
وأمَّا ما جاء عن أهل اللُّغة وبالخصوص في كتاب "العين" للإمام الخليل بن أحمد برواية أبو مُعاذ عبد الله بن عائذ؛ قال: حدَّثني اللَّيثُ بن المُظَفَّر بن نصر بن سَيَّار عن الخليل بجميع ما في هذا الكتاب، فنقلوا جميعاً عن اللَّيث هذا؛ قال: قال أعرابيٌّ: (هؤلاء الصَّعافِقة عندك، وهم بالحجاز مسكنهم، وهم رُذالةُ النَّاس).
والشَّاهد في قوله: (قال أعرابيٌّ:...) أنَّ هذا الأعرابيَّ هو فقط في زمن اللَّيث أو في زمن الخليل، وهذا يعني أنَّ قوله ذاك كان بعد الإمام الشَّعبيِّ بزمنٍ بعيد، كما أنَّه ــ وحتَّى لا يلتبس أيضاً على القارئ ــ فهو ليس ذاك الرَّاوية واللَّغويُّ المشهور؛ المعروف بابن الأعرابيِّ (ت231هـ) محمَّد بن زياد أبو عبد الله. فتنبَّه لهذا الفرق الدَّقيق والقيد الهام!!
(الفائدة الرَّابعة): وهي أنَّ أهل الغريب وأهل اللُّغة قد اعتنوا كثيراً في بيان معناها كما يجب، والأهمُّ منها أنَّهم قد حفظوا لنا على أثرٍ آخرٍ في غاية القوَّة وفي غاية الشدَّة، مع ما فيه ــ كذا ــ من الإتِّباع للحقِّ وللآثار؛ طبعاً هو للإمام الشَّعبيِّ بلا ريب! وهو يضاف إلى ما سُبق إيراده له آنفاً؛ وهو:
"ما جاءك عن ــ [وفي روايةٍ: من] أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه وسلم فخُذه، ودع ما يقول هؤلاء (الصَّعافقة!!!)".
قلت: وقد ذكره الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في "غريب الحديث"(5/491) وهذا لفظه عنده؛ وكذا أبي عبيد الهرويِّ في "الغريبين"(4/1078) وابن الأثير في "النِّهاية"(3/57) والزَّمخشريِّ في "الفائق"(1/253)، وذكره أيضاً ابن سيده في "المخصَّص"(3/80) و"المحكم والمحيط الأعظم"(1/343) وابن منظور في "لسان العرب"(10/199) والزَّبيديِّ في "تاج العروس"(1/6245). كما ذكره أيضاً الإمام البغويُّ في "شرح السنَّة"(1/318)؛ فكلُّ هؤلاء قد ذكروه لكن بدون إسنادٍ، إلاَّ ما جاء عن أبي عبيد بن القاسم فقد زاد عنهم فائدة؛ فقال:
(أحسبه من حديث ابن عُلَيَّة).
لكنَّنا لم نجده ــ أو نعثر عليه ــ بهذا اللَّفظ في كتب السنَّة المنتشرة بين أيدينا، وممَّا يبدو أنَّ هذا فقط مشهوراً في مصنَّفات اللُّغة والغريب فحسب.
وأمَّا ما أخرجه الإمام ابن بطَّة في "الإبانة"(2/517/607) فلفظه عنده من حديث مالك بن مغول؛ قال: لقيت الشَّعبيَّ؛ فقال:
"ما حدَّثوك عن أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فخذ، وما حدَّثوك سوى ذلك فألقه في الحشِّ".
وفي روايةٍ (608) عنه أيضاً بلفظ: "ما حدَّثوك عن أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فأقبل عليه، وما حدَّثوك عن رأيهم فألقه في الحشِّ".
(الفائدة الخامسة): أنَّ بعد هذا الإطناب والإسهاب الذي لابدَّ منه، فقد حان لنا الآن أن نثري هذه الكلمة "الصَّعافقة!!!" بما تستحقُّ من إثراء ومعنى ودلالة؛ فنقول:
في كلمة (صعفوق) وصعفق وصعفقيُّ واحد، يجمع على صعافقة وصعافيق: قال أهل اللُّغة: كلُّ اسمٍ على فعلول فهو مضموم الأوَّل إلاَّ حرفاً واحداً وهو صعفوق، بفتح أوَّله وسكون ثانيه والفاء المضمومة والواو والقاف. وقال ابن درستويه في "تصحيح الفصيح وشرحه"(ص/352): (ليس في كلام العرب فعلول بفتح الفاء في شيءٍ من الأشياء إلاَّ كلمة واحدة أعجميَّة معربة؛ وهي: "صعفوق"). وقال الجوهريُّ في "الصِّحاح"(4/1507): (وهو اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والمعرفة).
فهو على ما قيل اسم رجل أو اسم قرية أو ضيعة؛ فقد يكون إذاً هو:
ــ إمَّا هو (شَبْر بن صعفوق)؛ وهذا له صحبة كما في "تبصير المنتبه"(2/762)، وهو جدُّ الإمام هنَّاد بن السريِّ صاحب كتاب "الزَّهد" وغيره؛ وهو مشهور، واسمه الكامل: هنَّاد بن السري بن مصعب بن أبي بكر بن شبْرــ بفتح الشِّين المعجمة، وسكون الباء الموحَّدة- ابن صعْفُوق بن عمرو بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم الدَّارميِّ التَّميميِّ الكوفيِّ أبو السريِّ.
ــ وإمَّا (صعفوق) هذا هو من موالي بني حنيفة كما قاله السُّيوطي في "المزهر" (2/63).
ــ وإمَّا هو (صعفوق) ذاك الذي حكى عنه البلاذريُّ في "فتوح البلدان"(1/99)؛ قال: (الريا: عينٌ منها شرب [الصَّعفوقة]؛ وهي ضيعةٌ نسبت إِلى وكيلٍ كان عليها يقال له صعفوق). والرَّيَّا هذه ــ أو الرَّيَّاء ــ فيه أثرٌ رواه كذلك البلاذريُّ في كتابه المذكور عن الواقديِّ بإسناده إلى هشام بن إسماعيل: "أنَّ مُجَّاعة اليماميَّ أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأقطعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكتب له كتاباً.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم: هذا كتابٌ كتبه محمَّدٌ رسول الله لمُجَّاعة بن مُرارة بن سُلْمى أنِّي أقطعتك الغَورةَ وغُرابةَ والحبل، فمن حاجَّك فإلى الغورة ــ قرية الغرابات تلت قارات ــ. قَال: ثُمَّ وفد بعد ما قبض النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على أبي بكر فأقطعه الخضرمة، ثُمَّ قدم على عمر فأقطعه الرَّيَّاء، ثمَّ قدم على عثمان فأقطعه قطيعة، قَال الحارث: لا أحفظ اسمها".
قلت: وكلُّ من يقول (صعفوق) بأنَّها: قريةٌ باليمامة فيها قناة يجرى منها نهر كبير. وبعضهم يقوله بالهاء فى آخره؛ كما في "مراصد الإطِّلاع"(2/841) لابن عبد الحقِّ وياقوت الحمويِّ في "معجم البلدان"(3/407) والبكريُّ في "معجم ما استعجم"(3/833) والصَّاغانيُّ في "التَّكملة"(5/97)؛ فهو يريد هذه القرية أو الضَّيعة التي ذكرناها آنفاً. وقال ياقوت: (وبعضهم يقول: صعفوقة بالهاء في آخره للتَّأنيث. قال الحفصيُّ: الصَّعفوقة قريةٌ وهي آخر جوٍّ وهي آخر القرى).
وقيل: هذه قرية أخرى. وقال ياقوت الحمويُّ في "معجم البلدان"(3/92): رَوْضَة ابن صَعْفوق: من أرض اليمامة. وقال العوتبيُّ في "الإبانة في اللُّغة"(1/65): قالوا: صعفوق، فخذ باليمامة. وقال أبو هلال العسكريُّ: في "التَّلخيص": وبنُو صعفوق: حيٌّ من اليمنِ؛ ومثله ابن سيده في "المحكم" وابن منظور في "اللِّسان"(3/1829) عن اللِّحيانيِّ. وقال ابن دريد في "جمهرة اللُّغة": وهم قوم من أهل اليمامة يسمَّون الصَّعافق.
وقال الجوهريُّ في "الصِّحاح"(4/1507): بنو صعفوق: خول باليمامة. ومثله ابن قتيبة في "أدب الكاتب"(ص/590)، وكذا البطليوسيُّ في "الإقتضاب"(2/328) وحكاه عن أبي عمرو الشَّيبانيِّ في "نوادره". وكذا ابن جنِّي في "الخصائص" وابن السكِّيت في "إصلاح المنطق" وأبو منصور الجواليقيُّ في "كتاب المعربات" كما حكاه عنه الأسترآباذيِّ في "شرح الشَّافية"(4/4)، وكذا السُّيوطيُّ في "المزهر"؛ وغيرهم.
ومعنى الخول ــ بفتحتين ــ: الخدم والرُّعاة إذا حسن قيامهم على المال والغنم، الواحد خولي كعرب وعربي. قال ابن الأثير: الخولي عند أهل الشَّام القيِّم بأمر الإبل وإصلاحها، من التخوُّل: التعهُّد وحسن الرِّعاية.
فـ (بنو صعفوق) ــ أو (آل صعفوق) ــ كما قال أهل اللُّغة والأخبار ومنهم ابن السيِّد في "شرح أدب الكاتب": قومٌ كانوا يخدمون السُّلطان باليمامة، كان معاوية بن أبي سفيان قد صيَّرهم بها.
ــ وإمَّا (الصَّعفوق) أو الصَّعفق هو اللَّئيم؛ كما عند الصَّاغانيِّ في "التَّكملة"(5/97)، وعند الخليل بن أحمد في "كتاب العين"(2/289) والصَّاحب بن عبَّاد في "المحيط في اللُّغة" والأزهريِّ في "تهذيب اللُّغة" وابن سيده في "المحكم" والفيروزآباذيِّ في "القاموس المحيط"؛ وغيرهم.
ــ وإمَّا (الصَّعفوق) هو اللصُّ الخبيث كما عند الخليل في "كتاب العين".
ــ وإمَّا (الصَّعفوق) من صعفق والصَّعفقة: وهي ضالَّة الجسم كما حكاه ابن منظور في "اللِّسان"(10/199).
كما يخرج على لفظة صعفوق هذه قولهم (الصَّعافقة!!!) وهم:
ــ إمَّا المتمعلمون المتنطِّعون كما في "الدُّرر السَّنيَّة"(10/486) من استعمال الشَّيخ سليمان بن سحمان ــ رحمه الله ــ لها.
ــ وإمَّا قومٌ من المتعرِّبة عرفوا بـ (المصاعقة!!!)، قال أهل الأخبار: إن آباءهم كانوا عبيدًا استعربوا، أو إنَّهم كانوا قومًا من بقايا الأمم الخالية ضلَّت أنسابهم؛ كما قاله ابن الأعرابيِّ. وقد ذكروا أنَّ مساكنهم كانت في اليمامة في موضع يقال له: "صعفوق"، به قناة يجري منها نهر كبير، أو أنَّهم بالحجاز. وقيل: أنَّ "الصعافقة" خوَل لبني مروان، أنزلهم اليمامة، ومروان بن أبي حفصة منهم.
ــ وإمَّا هم من أصلٍ يونانيِّ كما حكي ذلك عن العلاَّمة الألوسيِّ في "مجلَّة الرِّسالة"؛ قال: (إنَّهم يونانيو الأصل، أتى بهم عبيد أسرى في صدر الإسلام، ثمَّ بيعوا، فوضعوا في قريةٍ من اليمامة عرفت باسمهم؛ ثمَّ اتُّخذوا خولاً، ومن اليمامة انبثوا في سائر العرب، فأسلموا، فاندمجوا بأهالي تلك الرُّبوع، ولم يبق منهم باق).
ــ وإمَّا هم الَّذينَ يتَّجرون برؤوس أموالِ النَّاس نحوُ المضاربين؛ كما قاله أبو هلال العسكريِّ في "التَّلخيص"(ص/406).
ــ وإمَّا هم الذين يحضرون السُّوق بغير رأس مال، فإذا اشترى أحدٌ شيئاً دخلوا معه فيه؛ قاله الزَّمخشريُّ في "أساس البلاغة"(1/548) وهذا لفظه؛ والجوهريُّ في "الصِّحاح"(4/1507) وحكاه عن الإمام الأصمعيِّ، ومثله أبو عبيد في "الغريب" (5/491)، وكذا الهرويُّ في "الغريبين"(4/1078) وحكاه عن أبي العبَّاس، ومثله الأزهريُّ في "التَّهذيب"(3/282) وابن دريد في "جمهرة اللُّغة"، وكذا أبو العلاء المعرِّي في "رسالة الملائكة"(ص/235) وابن خالويه في "ليس في كلام العرب" (ص/190) وغيرهم.
ــ وإمَّا هم الذين يشهدون الأسواق ولا بضائع لهم، فيشترون السِّلع ويسعون على وجوههم ويأخذون الأرباح؛ كذا حكاه البطليوسيُّ في "الإقتضاب"(3/423).
ــ وإمَّا هم الضُّعفاء الذين ليست لهم شجاعة ولا سلاح ولا قوَّة على القتال؛ كذا قال الجوهريِّ في "الصِّحاح"(4/1507) وأبو عبيد في "الغريب"(5/492) وغيرهما.
ــ وإمَّا هم أرذال النَّاس وضعفاؤهم كما قاله الخطَّابيُّ في "غريب الحديث" (3/118) والهرويُّ في "الغريبين"(4/1078) وقد حكاه عن أبي العبَّاس؛ قال: (وقال اللَّيث: هم رذالة النَّاس).
قلت: فإذا عرفنا هذا كما يجب، وجب حينها أيضاً ــ وهو الأهمُّ والأصل من البحث ــ معرفة معناها عند الإمام الشَّعبيِّ في إطلاقه لها ــ أي لهذه الكلمة وما تحمل من دلالة ومعنى ــ، وهو يريد بها أمران:
أحدهما: الآرائيُّون كما في طريق صالح بن مسلم السَّابقة في قوله: "قومٌ رءوس أموالهم الكلام"، وقوله: "إنَّما رأس مال أحدهم الكلام، والعامَّة تسمِّي من كان هذا مهلِّساً". وهذا يجمع أيضا (الرَّأيتيُّون) كما رأيناه في مكانه. لذلك يقول السَّلف ــ ومنهم أبي وائل كما في "المدخل"(167) للبيهقيِّ ــ: "لا تجالس أصحاب أرأيت". وما أخرجه أيضاً ابن الجعد في "مسنده"(294) قال: ثنا أحمد بن زهير؛ قال: ونا أبي ويحيى بن معينٍ؛ قالا: نا أحمد بن عبد الرَّحمن؛ قال: سمعت ابن أبي ليلى؛ يقول: كان الشَّعبيُّ؛ يقول: "ما قالت الصَّعافقة ما قال النَّاس؛ يعني الحكم بن عتيبة". وهذا المعنى الذي أراده بلا شكٍّ، والأصل الذي قصده وانتدب إليه؛ فتنبَّه.
والآخر: أنَّه أراد أَنَّ هؤلاء ليس عندهم فِقْهٌ ولا علم، بمنزلة أُولئك التجَّار الذين ليس لهم رؤوس أَموال. كذا حكاه أبو عبيد في "الغريب" والزَّمخشريُّ في "الفائق"؛ وروى عنه في حديثه الآخر: "أنَّه سئل عن رجلٍ أَفطر يوماً من رمضان؛ فقال: ما تقول فيه الصَّعافِقةُ؟". وفي روايةٍ بلفظ: "ما يقول فيه المفاليق؟". وقد أخرجه عبد الرزَّاق في "مصنَّفه"(197/4) بلفظ: "مغاليق" بدل "مفاليق" وهذا تصحيف، وكذا سعيد بن منصور في "سننه" كما في "فتح الباري"(162/4) بلفظ: "يصوم يوماً مكانه ويستغفر الله عزَّ وجلَّ" عن هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبيِّ. و(المفَاليق): واحدهم مِفْلَاق؛ وهو الذي لا مال له، شبَّه به من لا علم له ولا بصيرة عنده بالفتوى. قال الزَّمخشريُّ: وهم الذين يفلقون؛ أي يجيئون بالفلق، وهو العجب والدَّاهية من جواباتهم فيما لا يعلمون. يقال: أفلق فلانٌ وأعلق. وجاء بعلقٍ فلق. وكان من مذهبه أنَّ المفطر بالطَّعام عليه صوم يومٍ، وأن يستغفر الله ولا كفَّارة عليه.
وعليه: فلقد أتينا بكلِّ ما يجب معرفته لهذه اللَّفظة (الصَّعافقة!!!) من إطلاقاتها، وخاصَّة إطلاق الإمام الشَّعبيَّ لها، وهو من هو في جلالته وإمامته، الذي روى الإمام الذَّهبيُّ في كتابه "العبر" عن ابن المدينيِّ؛ قال: "ابن عبَّاس في زمانه، وسفيان الثَّوريُّ في زمانه، والشَّعبيُّ في زمانه". و كذا الصَّفديُّ في "الوافي بالوفيَّات" عن الشَّعبيِّ؛ قال: "أدركت خمسمائة من الصَّحابة أو أكثر". ونحوه السُّيوطيُّ في "طبقات الحفَّاظ" وغيره.
فإذا أطلقها ــ رحمه الله ــ على أهل الرَّأي والكلام فهو ذاك، وإذا أطلقها على أهل الجهل فهو ذاك، وإذا أطلقها كذلك على أهل البدعة فهو ذاك؛ فكلُّها تقتضيه، والله الموفَّق وهو الهادي إلى السَّبيل.
وصلَّى الله على نبيِّه محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما.

كتبه بقلمه راجي عفو ربِّه: أبو حامد الإدريسي
يوم الجمعة 25 شعبان 1439هـ الموافق لـ 11 ماي 2018م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الضَّوضاة: قال الفرَّاء: الضَّوضاء ممدود جمع ضوضاة. وفى "الصِّحاح": الضَّوضاة أصوات النَّاس.
(2)بغَّض: كرَّه.
(3)البغض: عكس الحبُّ وهو الكُرْهُ والمقت.
(4)الكُناسة: بالضمِّ القمامة.
(5)عند ابن بطَّة في "الإبانة الكبرى"(2/515/602).
(6)وفي "مغاني الأخبار"(3909) لأبي محمَّد الغيتابي الحنفي؛ قال: (وإنَّما قيل له: الكجى؛ لأنَّه كان يبنى دارا بالجصِّ فى البصرة فكان يقول: هاتو الكج. وأكثر منه فقيل له: الكجى، وإنَّما قيل له: الكشِّى نسبة إلى جدِّه الأعلى كش).
(7)أنظر "إعلام الموقعين"(2/148) لابن قيِّم الجوزيَّة؛ وقال: وذكر ابن جرير في كتاب "تهذيب الآثار" له عن مالكٍ؛ قال: فذكره. كما أخرجه الحافظ ابن عبد البرِّ في "جامع بيان العلم" (2/1099 رقم 2072) من طريق الحسن بن الصبَّاح، عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني، عن مالك؛ وإسحاق ضعيف. ثمَّ رواه (2117) من طريق يعقوب الفسوي، عن الحسن به، وفيه إسحاق أيضًا.
(8)أخرجه ابن بطَّة في "الإبانة الكبرى"(2/517/605) بإسناده حدَّثنا محمَّد بن بكر؛ قال: حدَّثنا أبو داود؛ قال: حدَّثنا محمَّد بن العلاء؛ قال: حدَّثنا الأشجعيِّ عبيد الله بن عبيد الرَّحمن؛ قال: حدَّثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن الشَّعبيِّ؛ قال: فذكره.
(9)أنظر "المدخل إلى السُّنن الكبرى"(1/197/226) قال: وثنا أبو سعيد، ثنا أبو كريب، ثنا عوف، ثنا الأشجعي به.
(10)أنظر "حلية الأولياء"(4/320) قال: حدَّثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد، حدَّثني أبي، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا مجالد، عن الشَّعبيِّ؛ قال: فذكره.
(11)أنظر "شرح شافية ابن الحاجب"(4/5) لرضيِّ الدِّين الأسترآباذي.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 May 2018, 11:44 PM
عماد معوش عماد معوش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 92
افتراضي

جزاك الله خيرا على هذا المقال النافع الماتع، الذي يشهد على سعة اطلاع العلامة محمد بن هادي حديثا ولغة وفقها، وإن رغمت أنوف الصبية!

وتتميما للفائدة فقد حكى في القاموس لغة ضعيفة في: "خرنوب" بفتح الفاء، والفصيح ضم خائه أو تشديد رائه.

التعديل الأخير تم بواسطة عماد معوش ; 12 May 2018 الساعة 12:00 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12 May 2018, 02:14 AM
أبو حامد الإدريسي أبو حامد الإدريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 36
افتراضي

وبالمثل جزيت على مرورك الطيِّب، وكذا على الفائدة المليحة في لفظة (خرنوب!!!)
ولا بأس أن أضيف هنا ما حكاه صاحب "تاج العروس"(1/6425) عن الصَّاغانيِّ؛ قال: "وأمَّا الفصيحُ فيُضَمُّ خاؤه أو يُشَدُّ راؤُه مع حذف النّون كما في (العُباب)".
ويروي الزَّبيديُّ أيضاً عن شيخه؛ قال: "لا يُفتَح خَرْنوب إلاَّ إذا كان مُضعَّفاً وحُذِفت منه النّون فقيل: خرّوب، أمَّا ما دامتْ فيه النّونُ فإنّه غيرُ مسموع".
والقاعدة ــ كما في "ترتيب إصلاح المنطق" ــ أنَّ كلَّ ما كان على مثال فعول مشدَّد العين فهو مفتوح الأوَّل نحو (خرُّوب). ويقال: هو الخرُّوب والخرنوب.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12 May 2018, 07:19 PM
أبوعبد الله مهدي حميدان السلفي أبوعبد الله مهدي حميدان السلفي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
الدولة: الجزائر /باتنة /قيقبة
المشاركات: 590
افتراضي

جزاك الله خيرا.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 May 2018, 07:30 PM
أبو حامد الإدريسي أبو حامد الإدريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 36
افتراضي

وبالمثل جزيت؛ وشكر الله لك على مرورك!!!
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 May 2018, 10:20 AM
ابو عبد الله غريب الاثري ابو عبد الله غريب الاثري غير متواجد حالياً
وفقه الله
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 173
افتراضي

كما يخرج على لفظة صعفوق هذه قولهم (الصَّعافقة!!!) وهم:
ــ إمَّا المتمعلمون المتنطِّعون كما في "الدُّرر السَّنيَّة"(10/486) من استعمال الشَّيخ سليمان بن سحمان ــ رحمه الله ــ لها.

جزاك اتلله خيرا أيها الأخ الكريم على هذه المعلومات التي كنت أجهلها . حفظك الله ورعاك.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 May 2018, 02:28 PM
أبو حامد الإدريسي أبو حامد الإدريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 36
افتراضي

وبالمثل جزيت، وشكر الله لك مرورك وعلى دقة ما رأيته جديداً كما ذكرت بارك الله فيك؛ فحفظنا الله وأيَّاكم وجميع المسلمين وخاصَّة منهم أهل السنَّة من السَّلفيِّين أهل الحقِّ والعدالة.. اللَّهمَّ آميـــــــــــــن!!!
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 May 2018, 01:17 PM
أبو عبد الله صحراوي أبو عبد الله صحراوي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 15
افتراضي

بارك الله فيك أبا حامد ونفع بكم, مقالة علمية قوية متينة.
وقفت على لفظ للشعبي : أنّه سئل عن رجل أفطر يوما من رمضان؟ فقال: «ما تقول فيه المفاليق؟ كالمتهكّم بهم.
فلعل من المناسب إيراده هنا وتحقيق القول في إسناده وطرقه.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 May 2018, 11:38 PM
أبو حامد الإدريسي أبو حامد الإدريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 36
افتراضي

وفيك بارك الله أبا عبد الله!!!
أظنُّك لم تنتبه له جيِّداً، فقد ذكرناه بما لا مزيد عليه لا تخريجاً ولا تعليقاً.
نفع الله بك على المتابعة والدقَّة في الأثر.. وأبقاك الله لنا تابعاً ومتابعاً، ومعلِّقاً ومستدركاً؛ نسأل التَّوفيق لنا ولكم ولجميع الإخوان أهل التَّصفية والتَّربيَّة.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, مسائل, الصعافقة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013