على هامش الدروس 2

[أبو عبد الله بلال يونسي]

على هامش الدروس 2

بسم الله الرحمن الرحيم

في سياق الكلام على مسألة الاختلاط والكلام بين الرجال والنساء أو قل الذكور والإناث في المدارس وغالب المؤسسات بلا ضوابط وبلا قيود وبلا حاجز مادي غير مباشر كالحجاب وهو ما يفصل من جدار أو باب أو ستار أو مباشر كالجلباب وكل مايستر ما لا يحل للمرأة إظهاره للأجانب من غير محارمها المؤبدين ولا حاجز معنوي من الاقتصاد في القول واختيار للعبارة مع الحاجة إلى الكلام لسؤال ملح أو استفتاء أو استخبار عن مبيع أو غيره من سائر الحاجات مع ترك الزهو والانكسار واللغو والاستهتار من الطرفين .
فكان تدخل أحد الحاضرين مناديا بأن النية هي ضابط القضية وسيدة الموقف القوية وأن كل النصوص جبرية قسرية وأن كلامي يزيد الأمور ضيقا ويغلق مصاريعا ردية !!
فعزمت على جوابه غير مكترث لغبائه وصخب عوائه فضربت لذلك مثالا وكنت فيه على جانب الدراية لاستنادي على ركن شديد واحتمائي بحصن متين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من رب العالمين .
قال ربنا تبارك في علاه وتقدست أوصفاه وسماه وتهاوى من حاربه وناواه وخاب سعي من أراد الحق بغير هداه في سياق ذكره لضوابط السؤال عن أمور الدين مما قد لا يوجد عند غير أمهات المؤمنين فكيف بما هو دون ذلك بأشواط وأبعد عنه بعد الصين عن دمياط ومع ذاك يريدونه بلا قيد ولا اشتراط فخاب كل ختال جواط : ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) فاعترض منتفضا أو لعله انتفض معترضا وحاله سبقت لسانه صادحا : أوليس نفسه القائل جل وعلا: ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) فكيف يحرم على المؤمن أن يظهر على أمه فيراها وهو يسألها متاعا ؟!
فكان جواب المتعجب من وجوه :
أولا : نقل أهل التفسير الطبري وابن كثير رحمهما الله وغيرهما أنهن أمهات المؤمنين من حيث حرمة نكاحهن فلهن وصف الأمهات من هذه الجهة لا من كل جهة فلا يحل الخلوة بهن ولا النظر إليهن رضوان الله عليهن وعلى الصحابة جميعا .
ثانيا : أن الوازع الطبعي عن العصيان كالوازع الشرعي بلا نكران كما قرره علماء الشان ومن هذا الباب وسدا لذريعة الفساد لو سلمنا أن أزواج النبي أمهات للمؤمنين من كل وجه فإن الطبع قد يغلب الشرع في نفوس ضعيفي الإيمان وحدثاء الإسلام والغرباء عن التنزيل والقرآن من غير الفقه والبرهان من العامة ومن أدرك الأمهات من غير الصحابة من باقي الأوطان .
ثالثا : في سياق الحديث ومناسبة نزول آية الحجاب ذكر لأهم سبب من أسباب الاحتجاب عن غير الصلبيبة من الأبناء وذلك في قول عمر رضي الله عنه من صحيح البخاري (يدخل عليهن -أي نساء النبي وهن أمهات المؤمنين -البر والفاجر ) وفيه تأكيد للجواب الثاني وبيان واف لاحتمال دخول غير المسلمين من المنافقين والزنادقة وهم يتزيون بزي المؤمنين ويظهرون وقار الصالحين فكان الخطاب متجها إلى تحقيق اليقين ودرأ كل شك وتخمين لأن الأم تعرف أبناءها الذين ولدتهم وتحصيهم عادة ولا إشكال في ظهورهم وظهورها عليهم ولكن أنى لها أن تعرف أبناءها المؤمنين وتحصيهم وتعرف صادق الإيمان من المنافق الكذاب الأفاك الفاجر .
وفي الوجه الثالث كان جوب أخ (النية) فسكت ولم يعد لسابق قوله المنتبذ إذ لو سلمنا أنه سالم النية فلن تكون نيته أسلم من الصحابة العشرة المبشرين بالجنة ولا أسلم من أهل بدر والعقبة وقد احتجبت عنهم أمهات المؤمنين لا لشيء إلا سدا لذريعة الفساد وغلقا لباب الشر والعناد وحتى لا يقول قائل من أهل الكفر والنفاق أنا من أهل الإيمان فيرى من أمهاتنا ما لا يجوز له وكذلك الحال مع مدعي النية السليمة لأن معرفة صاحب النية السليمة من صاحب النية السيئة متعذر وزد على ذلك أن النية أخص من الإيمان وأخفى منه فالإيمان قد تظهر آثاره على الجوارح وأما النية فلا ولذلك جاز امتحان المؤمنات المهاجرات بما ظهر من أعمالهن ولم نعرف امتحانا ينصرف إلى النية فافهم هذا ولا تفلته فكان سدها في وجهه أولى حسما للقضية ورفعا للجلسة الأخوية .. وليعلم أن الوجهين الأخيرين سقتهما من باب الافتراض والتسليم لذي العناد وليس تأصيلا يراد .
يتبع ...
وكتب بلال يونسي

[أبو صهيب منير الجزائري]

أحسنت أستاذ بلال لو نظر المعترض في مقاصد الشريعة في أحكامها المتعلقة بعلاقة الرجل بالمرأة الأجنبية عليه، ما استدل بدليل لم يطلع على أقوال العلماء في بيان معناه، ولو نظر إلى نفسه التي بين جنبيه بعين الصدق لا عين الكذب والادعاء لقال نعم صدقت أخي بلال بما نقلت أن الكلام مع الأجنبية والاجتماع معها في مكان واحد لابد له من شروط وقيود وضوابط شرعية تحرر الجنسين الذكر والأنثى وتصونهما من الشهوة البهيمية والسبل الشيطانية.

[أبو عبد الله بلال يونسي]

بارك الله فيك دكتورنا
وكعادتك تحفز إخوانك وتشجعهم