منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 02 Jan 2016, 11:03 AM
أبو عبد الرحمن فتحي المستغانمي أبو عبد الرحمن فتحي المستغانمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2014
الدولة: الجزائر - مستغانم
المشاركات: 41
افتراضي تسليط الأضواء على ما احتوته كلمة بلعيد أبي سعيد من الجفاء والبلاء

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
فاللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك، حرباً لأعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك.
وأسألك اللهم رب العرش العظيم أن تجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وألا تكلنا إلى أنفسنا، فننقلب خاسرين.
أما بعد،
فإن من فضل الله تبارك وتعالى ومنته على الحدث إذ يرمي للاستقامة على أمر الدين، أن يوفقه لمن هم أهل العلم والديانة فيهدونه إلى الحق المبين والصراط المستقيم. وقد روى في هذا، الإمام ابن بطة العكبري عليه رحمة الله تعالى في الإبانة الكبرى له (1/205)، عن ابن شوذب، قال: " إن من نعمة الله على الشاب إذا تنسك أن يواخي صاحب سنة يحمله عليها". وعنه من طريق: "من نعمة الله على الشاب والأعجمي إذا نسكا أن يوفقا لصاحب سنة يحملهما عليها، لأن الأعجمي يأخذ فيه ما سبق إليه ". والأعجمي من لا يفصح وإن كان جنسه عربيا.
وإن الله عز وجلّ قضى أمرا كونا وشرعا. والمسلمون وأتباع السلف منهم خاصة استسلموا لقضائه وآمنوا بقدره خيره وشره والتزموا شريعته، وعرفوا طريق العبودية إليه وأيقنوا أن الفلاح والنجاح في اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم والانقياد له دون معارضة أو مشاقة، فإن السنة لا تضرب لها الأمثال. وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "اعملوا فكل ميسّر لما خلق له".
وأما المخالف لهم فهو في أودية الجدال والخصومات في الدين مع الخائضين، انغمسوا في الفتن، فلا يجدون لأنفسهم مخرجا من التيه، كالذي لا يسمع إلا دعاء ونداء فهم صم بكم لا يعقلون، هذا والحل إليهم قريب ولكن «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة»، وفي صحيح الترغيب والترهيب (54) «إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته».
قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى: "أي: المبتدع من أولئك الذين يقال لهم: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ}. ولذلك فهل يتوب الإنسان الذي مَثَله كمثل أولئك الذين قال الله عز وجل عنهم في القرآن: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}. فإنسان كان مشركاً أو كان مبتدعاً يحسب أنه يحسن صنعاً، هذا يتصور أن يتوب؟ لا يتصور أن يتوب.
من هنا يقول العلماء: ضرر البدعة على صاحبها أخطر من ضرر المعصية" انتهى الغرض منه.
ومن أولئك المشغبين على أهل السنة السلفيين، ممن عاندوا الحق وأبوا إلا الخصومة والجدال، ورضوا لأنفسهم الذلة والهوان، يخرج علينا المدعو بلعيد المكنى بأبي سعيد، إلا أن حظه من الشقاوة والشقاء وافرا. أخمد الله فتنته وسلم المسلمين من شره.
فساءني كلمة له ألقيت على مسامعي كلها طعن وافتراء على السلفيين المظلومين ممن يغمزهم تارة ويصرح بأسمائهم على التعيين تارة، ويصفهم بأبشع الألقاب، تنفيرا منهم ومن الحق الذي يحملونه ويناضلون من أجل تبليغه ونشره نصيحة للمسلمين.
ومن ذاك أنه لا يزال يأمل في أن يسكت السلفيون عنه، ويتباكى على مصير الدعوة، ويجتهد في الظهور بصفة العاقل المتزن صاحب الاعتدال، وقيل: إذا قالت حذام فصدقوها ... فإنَّ القول ما قالت حذامِ.
ولكن هيهات!!
وحال السلفيين يقول: اسكتوا أنتم حتى نسكت عنكم، أما وأنتم قائمون على حربنا، فلا والله ولا طرفة عين!
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ... وأن نكفَّ الأذى عنكم وتؤذونا
الله يعلم أنا لا نحبكم ... ولا نلومكم إن لم تحبّونا
كل له نيةٌ في بغض صاحبه ... بنعمة الله نقليكم وتقلونا
ومن عجائبه هو وحزبه أنهم يعتبرون أنفسهم هم السلفيون ويرون أنفسهم أحق بالسلفية، وهم من أشد الناس حرباً عليها وأصولها وأهلها، ومن مدة طويلة، وأهل السنة صابرون على هذا البلاء.
ويلبسون على العامة والشباب أنهم يسعون في لمّ الشمل وجمع الكلمة وأنهم مشفقون على السلفية وأنها ستضيع إذا ما بقي الناس يقتدون بالعلماء والمشايخ الكبار في هذا البلد حرسه الله وغيره. وأن المشايخ ربيعا وعبيدا ومحمدا بن هادي وأبا عبد المعز فركوس وعبد الحكيم دهاس وعبد الغني عويسات ولزهر الأزهر كلهم بدّلوا وغيروا، وأما هو فقد أصاب ووجد. فيا له من خذلان! ويا لسوء الحال! نسأل الله السلامة.
وإنّ كل منصف أحيى الله بصيرته يشهد عليه وحزبه بأنهم هم من يُفرق رؤوس هؤلاء ويمزقون في السلفيين من سنوات طوال لا يكِلون ولا يفترون، ويثيرون الفتن خفية وظاهرة تلو الفتن في شتى (الأنحاء)، ولا يروى ظمؤهم من إثاراتها.
لا يردع هؤلاء قول الله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [سورة الحج:30].
ولا يردعهم قول الله تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [سورة النساء:112].
ولم يردعهم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "... ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينـزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج مما قال".
أخرجه أحمد في "مسنده" (2/70)، وأبو داود في "سننه" حديث (3597).
فهؤلاء يخاصمون بالأباطيل الواضحة وهم يعلمون والمنصفون يعلمون ذلك.
ويقولون في المؤمن -ما ليس فيه- الكثيرَ من الأقوال الظالمة، ولا يرعوون ولا يراقبون الله ولا يتوبون.
وهؤلاء القوم يكذبون ويخونون ويفجرون في خصومتهم" انتهى من كلام الشيخ ربيع حفظه الله وأطال عمره في طاعة.
فهذا ما هو حاصل، ولعل هذه المرة جاءت كلمة "بلعيد" هذه البائرة، مركزة في الاستخفاف بشيخنا وعالمنا وصاحب الفضل علينا بعد الله عز وجل، في جميع العَمالة الوهرانية بل وفي غيرها، شيخنا الوالد الهمام عبد الحكيم دهاس حفظه الله تعالى وصان قدره.
ومن حقه علينا أن ندفع عنه بعدل وإنصاف، لا نحيف ولا نحيد عن الحق.
وأعلم أنه لا يرضى ولا يقبل أن يوصف بمثل تلك الألقاب، لكن لا بد لنعرف له حقه وإن رغمت أنوف. ولا زلتُ أتمثل بما قاله الأول:
من كان لا يرجى لرفع شان ... ودفع لأواء عن الإخوان
وليس في الدين بمستعان ... فعيشه وموته سيان
وسأسرد مقالة بلعيد تلك المشؤومة، ثم أجيب عنه بما ييسر الله تعالى، وإنما هو على عجل، وإني والله ما ازددت من سماع فجوره ذلك إلا احتقارا لشأنه واستخفافا لأمره. أبعده الله ومن تعصب له.
والأمر هنا كما قال السيوطي في: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص:5): "ومن الآراء كهيئة الخلاء، لا تُذكر إلاَّ عند داعية الضرورة" وقال رحمه الله: "وهذه آراء ما كنتُ أستحلُّ حكايتَها لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد، الذي كان الناس في راحة منه من أعصار" اهـ
قال في كلمته المسجلة، وسئل: هل ينكر المنكر بالقلب فقط؟
فأجاب الشيخ بلعيد صاحب التوجيه: "يختلف إذا كان هذا الإنسان لو نهيته لآذاك وأنت لا تتحمل الأذى فمن رحمة الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لهم هذا المخرج" اهـ.
قال المستدرِك عفا الله عنه:
بل هو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
وإذا كان كذلك؛ فمعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامه بالجهاد هو من أعظم المعروف الذي أمرنا به، وأعني الجهاد بنوعيه، وأما ما نحن بصدد دفعه، فنعمل فيه المقاول. وأما القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرر في فعله، و«ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل». لكن لا يكون بالهوى وما تشتهيه الأنفس، بل يلزم فيه تجريد التوحيد والإخلاص لله ومتابعة الرسول، فإن ما من عبادة إلا ومن شرط صحتها ذلك.
ولا بد أن ينال الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر نصيبه من الأذى، فعليه بالصبر كما هي سنة الأولين من الأنبياء والمرسلين وسائر التابعين لهم بإحسان. وإلا لضاع الدين وانتشرت البدع، بل الكفريات والشركيات.
وإن من المعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الشعائر العظيمة في هذا الدين، وسبب خيريه أمة سيد المرسلين وإمام المتقين، وهي من فروض الكفايات الذي إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
فكيف يسع بلعيد وحزبه التّفلت عنه وهم الشجعان أصحاب الهمم العاليا –زعموا-، والتأصيلات العلمية –فيما ذكروا-؟ ولمن سيتركه؟!! لا إخاله يقول: "للمُجرِّحين"؟!. وسيأتي بيانه، وبالله الثقة.
وقد رأينا "الشيخ بلعيد" الشجاع كيف يطلق لسانه ويهجم على السلفيين بدون هوادة ويراه إنكارا للمنكر ويتلطف مع أصحاب المراكز والمناصب ويتزلف إليهم بذبح السلفيين ويثني على من عَلم أنهم من الهلكى والقبوريين، وأصحاب البدع والموالد الخرافيين، ويراه معروفا.
فإذا جاءه سؤال عن هذا قال ويُصدِّق نفسه: "فمن رحمة الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لهم هذا المخرج". نعوذ بالله من الخذلان.
والسلفيون في صمت صابرون على البلاء. لا يلتفتون إلى من خذلهم ولا من خالفهم، على العهد باقون. والتضيق عليهم بلغ أشده حتى صرنا نتهم في انتمائنا ووطنيتنا بل وفي ديننا، ورمونا عن قوس واحد، ورُفعت الشعارات في البرلمانات في ذمنا واتهامنا ولمزنا بالألقاب المنفرة، والله الموعد.
حتى إذا كانت الدائرة، جاء وأمثاله وهو يقسم بالله جهد أيمانه "أنّي كنت معكم وكنت أتمنى أن تكونوا أنتم الغالبين"
وإني سائله وحزبه: هل عذر الإمام أحمد رحمه الله من خذل الحق في محنة خلق القرآن؟ ذلك أنه "لما ظهرت بدعة الجهمية ومحنتهم المشهورة، وأرادوا إظهار مذهب النفاة، وتعطيل حقائق الأسماء والصفات، ولبَّسوا على من لبَّسوا عليه من الخلفاء، ثبَّت الله الإسلام والسنة بأحمد بن حنبل وغيره من أئمة الدين، فظهرت بهم السنة، وطفئت بهم نار المحنة، فصاروا علمًا لأهل الإسلام، وأئمة لمن بعدهم من علماء المسلمين، أهل السنة والجماعة، وصار كل منتسب إلى السنة لابد أن يواليه وإياهم، ويوافقهم في جمل الاعتقاد، إذ كان ذلك اعتقاد أهل الهدى والرشاد، المعتصمين بالكتاب والسنة وإجماع السابقين الأولين، والتابعين لهم بإحسان" انتهى من درء تعارض العقل والنقل" (5/6).
وحقيقة بلعيد وأضرابه أنه جعل يربي فئام من الشباب على الانحلال والانسلاخ من أعظم ما يحقق الدين ويعليه عن غيره من البدع والمضلات، ألا وهو التميز بالعقائد والعبادات وسائر المعاملات. لا لشيء إلا لأن الخلل عنده وحزبه الواسع الأفيح، عدم الاقتناع بمنهج السلف والطريقة السلفية، ولهذا تجده لا ينكر على زميله صاحب رسالة "هل الحزبية وسيل للحكم بما أنزل الله" وهو يذهب إلى ذلك، أعني به كاتبها ومنظر الجماعة كما هو الظاهر.
فهلا أنكر بلعيد، قوله المشين في التنظير للأحزاب: " أما الآن فلا بد من اصطناع هذه الروابط التي فرضها القانون وجعلها شرطا في الإقدام على بعض الأعمال التي لا غنى للمجتمع المسلم عنها، ولا تقوم الرابطة بين أفراده كما ينبغي إلا بها " اهـ إلاّ أن يكون أنكره بقلبه وذلك أضعف الإيمان؟!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (28/137): "ولهذا أمر الله الرسل - وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بالصبر، كقوله لخاتم الرسل؛ بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة؛ فإنه أول ما أرسل أنزلت عليه سورة: " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ " بعد أن أنزلت عليه سورة: "اقرأ " التي بها نبئ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ - وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ - وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}. فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة، وختمها بالأمر بالصبر، ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؛ فعلم أنه يجب بعد ذلك الصبر، وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}. وقال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}. {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}. {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}. {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
فلا بد من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر. العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كل من الثلاثة مستصحبافي هذه الأحوال؛ وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعا، ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، رفيقا فيما يأمر به، رفيقا فيما ينهى عنه؛ حليما فيما يأمر به، حليما فيما ينهى عنه ".
وليعلم أن الأمر بهذه الخصال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يوجب صعوبة على كثير من النفوس، فيظن أنه بذلك يسقط عنه، فيدعه، وذلك مما يضره أكثر مما يضره الأمر بدون هذه الخصال أو أقل؛ فإن ترك الأمر الواجب معصية، فالمنتقل من معصية إلى معصية أكبر منها كالمستجير من الرمضاء بالنار، والمنتقل من معصية إلى معصية كالمنتقل من دين باطل إلى دين باطل، وقد يكون الثاني شرا من الأول، وقد يكون دونه، وقد يكونان سواء، فهكذا تجد المقصر في الأمر والنهي والمعتدي فيه قد يكون ذنب هذا أعظم، وقد يكون ذنب هذا أعظم، وقد يكونان سواء" انتهى.
سائل من الحضور: كيف تكون معاملة الواقع في المنكر؟
فأجاب الشيخ بلعيد وهو ينتحل صفة المرشد العام للجماعة: "المعاملة عليك يعني أن لا يأتي الهجر" (كذا!)
قال المستدرِك عفا الله عنه:
والمتأمل في إجابة بلعيد يلحظ ثلاثة أمور:
أولها: لم يأتي بالمقصود من السؤال ولا هو أجاب بما يشفي ويكفي حاجة السائل.
ثنيها: إنكاره كون الهجر نوع من أنواع العقوبات المسلطة على المخالف لتعاليم الشريعة والواقع في المنكرات. فيَرِد عليه قول الله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} وقوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} قال العَلاَّمَة القرطبي في الجامع (5/415): "إذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينا، فتجنب أصحاب البدع والأهواء أولى".
كما يرد عليه أيضا من السنة ما جاء في الصحيحين، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} الآية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». قال الحافظ النووي رحمه الله في شرح مسلم(16/218): "في هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع ومن يتبع المشكلات للفتنة" اهـ
وهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خلِّفوا، كعب بن مالك وأصحابه حين تخلفوا عن غزوة تبوك والقصة في الصحيحين. قال الإمام الطبري رحمه الله: "قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي" وانظر فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله (10/497).
كما يرد عليه أيضا تطبيق السلف للهجر في من خالف أمر الشريعة، بعد العلم والبيان، فهجر ابن عمر رضي الله عنهما ابنه لرده لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإذن للنساء بالصلاة في المساجد، وهجر ابن حصين رضي الله عنه قريبه لأنه كان يخذف بعد علمه بالنهي، وهكذا بقية السلف الصالح هجروا أهل الفجور والبدع والمخالفات. ومآثرهم في هذا مشهورة ومعلومة لكل من كان له أدنى اضطلاع فيما هنالك. ولو ذهبنا ننقل عنهم آثارهم تلك لامتلأت بها الصحف وجُمعت في مجلدات. وها أنت تَرُد عليهم وتُجهِّلهم وتنسبهم إلى كل أمر شنيع.
وهذا لعمري سبب كاف حتى يُحذِّر منه العلماء، وإن هذا وأمثاله ونظائره من المخالفات مما خبروه عنه وخفي عن أولئك الأغرار، لموجب لانتهاك الستر وكشف العوار واستباحة غيبته.
ولعلي به يقول ما قصدتُ وما دريتُ، وهذا لازم قولي وليس بمذهبي. فالواجب عليك التوبة ومراجعة الحق علنا جهارا، والصدع به على الملأ. ومن تمام التوبة الاعتراف بالحق لأهله الذين ناصحوك ويفرحون لك إذا ما أنبت والتزمت الحق وواليت أهله. يحصل منهم هذا مع ما تسببت لهم من مضايقات وتشغيب. فأهل السنة "يرحمون الخلق فيُريدون لهم الخير والهدى والعلم، ولا يقصدون الشّر لهم ابتداءً؛ بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق، ورحمة الخلق، والأمرَ بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله" كما قال شيخ الإسلام.
ولكن قد اعتدنا مثل هذه التفلتات كلما اشتد عليهم الخناق، وتراهم ينسّلون بشتى التمويهات والتبريرات والمراوغات التي ما تزيد الجرح إلا عمقا.
وأسفي على الأتباع ممن أغلقوا أعينهم وصموا أسماعهم، فلا حيلة للناصحين فيهم. وتجدهم كما قال الشيخ الوالد: "أما أهل الأهواء والتبعية العمياء فلا يؤمنون بالحق الواضح والحجج الساطعة، فلهم نصيب من قول الله تعالى في أهل الضلال: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} ونسأل الله أن يجعل الكثير منهم ممن استثنى الله" انتهى.
قال العَلاَّمة الشوكاني رحمه الله في أدب الطلب ومنتهى الإرب (85): "فالوقوف على الحق والاطلاع على ما شرعه الله لعباده، قد سهله الله على المتأخرين ويسره على وجه لا يحتاجون فيه من العناية والتعب إلا بعض ما كان يحتاجه من قبلهم". ولكن الموفق من وفقه الله.
ومِنَ العَجائِبِ والعَجائِبُ جَمَّةٌ ... قُرْبُ الشِّفَاءِ وما إليهِ وصولُ
كَالْعِيسِ فى الْبيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّما ... والماءُ فوق ظُهُورِهَا مَحْمولُ
ثالث الأمور الملاحَظة: شعوره بالضيق عند الاستفسار عن كيفية معاملة المخالف والواقع في المنكر، فذهب يقاتل بلا عقل ولا رَوية: "لا يأتي الهجر" (كذا!) وكأني به حامل للافتة "لا للهجر" يضاهي بها أصحاب الاعتصامات والمظاهرات. وكأنه صارت عنده مسألة الهجر مثل البعبع يخشاه ويؤرق ليله فهو كالملهوف يريد أن يصل إلى غاية ولا سبيل له إليها.
وكان يكفيه: أن يتخلص من هذه الكبرياء الكاذبة ويقبل النصح فيصفى ذهنه ويستقيم أمره. ويعرف للسؤال جوبا.
ثم بعد أن قال: "لا يأتي الهجر" (كذا!). فماذا هنالك؟؟ لا نجد له كعادته بيانا. وسببه العي وعدم التمييز. أما القصص فهو الفارس في الميدان.
ونحن نجيب السائل بدلا عنه نصيحة، نرجوا ذخرها وأجرها. فإن العلماء بينوا أن إنكار المنكر واجب على من رآه، للخبر، ووفق ما تمليه الشريعة. ومعاملة من واقع المنكر تكون بالنصيحة والبيان، حتى إذا عَلم كانت قد أقيمت عليه الحجة، فإن عاند واستكبر عومل بما توجبه الشريعة، ومن ذلك إبلاغ أمره إلى ولي أمر المسلمين، كما قد تصل إلى حد المة والمصارمة، عبودية لله تعالى وتحقيقا لأصل الولاء والبراء وإقامة لشعيره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصيحة للمسلمين. قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لَا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ}. وروى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده: عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا؛ فجالسوهم في مجالسهم» قال يزيد: وأحسبه قال: «وأسواقهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا، فجلس فقال: «لا والذي نفسي بيده حتى تأْطُروهم على الحق أطرًا».
وفي رواية أبي داود في سننه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض. ثم قال: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم إلى قوله فاسقون. ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو تقصرنه على الحق قصرا».
فإذا تعداه ضرر ذلك المنكر إلى المسلمين شُرع الحذر منه والتحذير عنه. وإذا كانت من مثل تلك المقالات البدعية والتأصيلات الحزبية وشاعت وذاعت في الناس فيجب على من علم التحذير منها وصاحبها إذا اقتضى الأمر كذلك، فليس مستور الحال كالداعي إليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة فيمن يوالي الاتحادية وهي قاعدة عامة مطردة في جميع أهل البدع: " ويجب عقوبـة كل من انتسـب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم، أو عرف بمساندتهم ومعاونتهـم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هـو، أو من قال إنه صنف هذا الكتاب، وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق. بل تجب عقوبة كل من عَرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء، والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن سبيل الله".
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى: "اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح الناصحين، وعظة الواعظين، واعلموا أن هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون وعمن تأخذون وبمن تقتدون ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون أفّاكون آثمون لا يرعوون ولا ينظرون ولا يتقون. إلى أن قال: فكونوا لهم حذرين متهمين رافضين مجانبين، فإن علماءكم الأولين ومن صلح من المتأخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون".
وقال الشاطبي: " فإن توقير صاحب البدعة مظنّة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم: إحداهما: اِلتِفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنّه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنّة على سنّتهم.
والثانية: أنّه إذا وُقِّرَ من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء. وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه".
قال ابن الجوزي: "وقد كان الإمام أحمد بن حنبل لشدة تمسكه بالسنّة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنّة، وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين".
وقال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن فقال: "ذاك يشبه أستاذه - يعني: الحسن بن حي-، فقلت ليوسف: ما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ فقال: لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضر عليهم" انتهى.
قال بشر الحارث: "كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه". قال الذهبي في ابن حي: "مع جلالته وإمامته كان فيه خارجية".
............

(يتبع)

كتبه أبو عبد الله حميد الجزائري المستغانمي


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن فتحي المستغانمي ; 02 Jan 2016 الساعة 11:06 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, ردود

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013