14 Apr 2010, 09:48 PM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 101
|
|
(أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) لفضيلة الشيخ:عبدالمحسن بن ناصر آل عبيكان
المفتش القضائي بوزارة العدل
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد:
فهذه وقفات وتأملات عن حديث عظيم من أحاديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أحببت بيانه وإيضاحه بشرح موجز مستنداً الى أقوال أهل العلم والبصيرة وماقرروه فيه لاسيما وأنه قد كثر الكلام حوله فحصل الخلط واللبس والخبط عند البعض من مفهومه وتفسيره. ولذا رغبت في توضيح معناه ومن المقصود ومن المخاطب فيه لكي لاتختل المفاهيم وتزل الأقدام فتفسر النصوص بغير معانيها فيأخذها من ليس له نصيب ودرايه بالعلم بالقبول فيظن أنها الحق والصواب فتضله عن سبيل وجادة أهل السنة وماساروا عليه .
وما أحسن ماقاله الاوزاعي رحمه الله في هذا :(ندور مع السنة حيث دارت)
حدود جزيرة العرب وأخراج المشركين منها: حددت جزيرة العرب جغرافياً بالبحر من جهاتها الثلاث ومن الجهة الشمالية بأطراف الشام.
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته بثلاث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) الحديث.
قال البخاري: وقال يعقوب بن محمد: سألت المغيرة بن عبدالرحمن عن جزيرة العرب .فقال:مكة والمدينة واليمامة واليمن.وقال يعقوب:والعرج أول تهامة فإذا هناك تحديد لجزيرة العرب المقصودة في الحديث يختلف عن التحديد المصطلح عليه جغرافياً.قال الحافظ في فتح الباري ج6ص171:وقال الأصمعي جزيرة العرب ما بين أقصى عدن ابين الى ريف العراق طولاً ومن جدة وما والاها الى أطراف الشام عرضاً. وسميت جزيرة العرب لاحاطة البحار بها بحر الهند وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الحبشة وأضيفت الى العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الاسلام وبهاأوطانهم ومنازلهم,لكن الذي يمنع المشركون من سكناه الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لافيما سوى ذلك مما يسمى يطلق عليه اسم جزيرة العرب لاتفاق الجميع على أن اليمن لايمنعون منها مع انها من جملة جزيرة العرب هذا مذهب الجمهور.(1)
وعن الحنفية: يجوز مطلقاً إلا المسجد وعن مالك يجوز دخولهم الحرم اصلاً ألا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين الخاصة.أ.هــ
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: كما في كتاب الاختيارات ص547:ويمنعون من المقام في الحجازوهو: مكة والمدينة واليمامه والينبع وفدك وتبوك ونحوها وما دون المنحنى وهو عقبة الصوان من الشام كمعان.أ.هــ
وقال في المنتهى وشرحه معونة أول النهى ج3 ص789مانصه:قال أحمد: جزيرة العرب المدينة وما والاها يعني ان الممنوع من سكن الكفار به المدينة وما والاها وهو مكة والمدينة وخيبر والينبع وفدك ومخالفيها وماوالاها وهذا قول الشافعي لانهم لم يجلوا من تيماء ولا من اليمن ولا من خيبر وهي قرية بشرقي سلمى احد جبلي طيء ولايدخلونها أي الاماكن التي قلنا لانهم يمنعون من الإقامة الإ بإذن الإمام .قال في (الفروع ) ولهم دخوله والأصح بإذن الإمام.أ.هــ
وبتأمل هذا الموضوع المهم وما ورد فيه من نصوص يتبين لنا عدة نتائج:
الأولى: أن المنطقة التي أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين منها هي المنطقة القريبة من الحرمين الشريفين لقدسيتهما ولامعنى لإدخال منطقة بعيدة في المنع كاالمنطقة الشرقية مثلاً وإخرج منطقة قريبة مثل تيماء وفيد القريبة من حائل كما اتضح من تحديد العلماء المتقدم.
الثانية: أن المقصود إخراج من لهم دين ومعابد وكيان وإقامة مستمرة.والدليل على ذلك أن عمر رضي الله عنه لم يخرج كل كافرمن المدينة بل هناك من المماليك الكفار وكذلك الصناع ونحوهم لم يخرجوا منها حتى إن أبا لؤوة المجوسي وهو الذي قتل عمر رضي الله عنه كان مقيماً بالمدينة.
ومن الأدلةأن الله أباح تزوج الكتابية ومن لازم ذلك أن من تزوجها من أهل المدينة فسوف يجعلها تقيم معه فيها.
ثم انني وجدت فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن العثيمين رحمه الله تؤيد ما أقول.
الثالثة: أن المخاطب بهذه الوصية هم ولاة الامر. والدليل على ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه لم يخرج اليهود زمن خلافته ولم يطالبه عمر ولاأحد من الصحابة رضي الله عنهم بذلك.فلا يحل لإفراد الرعية التدخل فيما هو من خصائص ولاة الامر.
الرابعة: أن المراد أخراجهم مع حماية أموالهم وأعراضهم ودمائهم إلى أن يخرجوا كما فعل عمر رضي الله عنه وليس المراد سفك دمائهم واتلاف أموالهم كما فعله من لايفقهون الدين من أصحاب الفكر المنحرف.
الخامسة: أن إخراجهم منوط بالمصلحة وليس على إطلاقة.كما قرره شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.
والدليل على ذلك ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرجهم مع قوله:(لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أدع فيها إلا مسلماً) رواه مسلم وغيره ومع هذا لم يخرجهم بل عاملهم على خيبر بنصف مايخرج منها لحاجة المسلمين إليهم في القيام باستغلال تلك المزارع ثم بقيت الحاجة في خلافة ابي بكر رضي الله عنه فلم يخرجهم حتى ولى عمر فكثر المسلمون واستغنوا عن بقاء اليهود فاخرجهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (نقركم ماشئنا).
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: ولهذا لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أعطاها لليهود يعملونها فلاحة لعجز الصحابة عن فلاحتها للأن ذلك يحتاج الى سكناها وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا نحو الف وأربعمائة.وانضم إليهم أهل سفينة جعفر فهؤلاء الذين قسم النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ارضى خيبر فلو أقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها تعطلت مصالح الدين التي لايقوم بها غيرهم فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت البلاد وكثر المسلمون استغنوا عن اليهود فأجلوهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال:(نقركم ماشئنا)- وفي روايه-ما اقركم الله)وأمر بإجلائهم منها عند موته صلى الله عليه وسلم فقال:اخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ولهذا ذهب طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطبري إلى أن الكفار لايقرون في بلاد المسلمين بالجزية إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيبر وفي هذه المسألة نزاع ليس هذا موضعه.أ.هـ.ج28ص88-89
السادسة: أنه حتى بعد إخراجهم وكذلك غيرهم من ليسوا في الجزيرة يجوز دخولهم اليها بإذن الإمام لمصلحة.
قال في المنتهى وشرحه معونة اولى النهي ج3 ص789 مانصه: ولايدخلونها أي الأماكن التي قلنا لأنهم يمنعون من الإقامة بها إلابإذن الإمام.قال في [الفروع]ولهم دخوله والأصح بإذن الإمام. ا.هــ
وذلك لإن دخولهم الحجاز في اعتبار الإذن كالحكم في دخول أهل الحرب دار الاسلام ولايجوز إلا بإذن الإمام فيأذن لهم إذا رأى المصلحة فيه وقد كان الكفار يتجرون الى المدينة في زمن عمروقد روى أنه أتاه شيخ بالمدينة فقال له:أنا الشيخ النصراني وأن عاملك عشرني مرتين فقال له عمر:وأنا الشيخ الحنيف وكتب له عمر أن لايعشروا في السنة إلا مرة ا.هـــ رواه البيهقي
أما مقاطعة المنتوجات والسلع: قد لايكون من المستغرب أن يطالب بعض العامة وخاصة الشباب المتحمس بمقاطعة المنتوجات والسلع الامريكيه واللأوربية لأنهم لايعرفون كل مايدخل في جانب التحليل والتحريم وما ليس كذلك مما هو راجع للمصالح وبعيد عن المفاسد ولكن الغريب جداً أن نسمع من بعض المشايخ والدعاة فتاوى تصدر بوجوب مقاطعة تلك المنتوجات والسلع ولو سئل هؤلاء عن دليل هذه الفتوى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والقواعد الأصوليه أو الفقهية لما استطاع ان يأتي بدليل ولكن قد تصدر الفتوى من بعضهم حال حماس واندفاع وعاطفة جياشه بدون ان يفكر في الدليل الذي بنى عليه هذه الفتوى وهذه مشكله نعاني منها في هذا الزمن ولقد حذر العلماء من التسرع في إصدار الأحكام حتىإن ابن القيم رحمه الله ألف كتابه(إعلام الموقعين عن رب العالمين)في قواعد الفتوى وشروطها وآدابها وخطورة الإقدام عليها بدون علم صحيح.
وعن المتأمل لهذا الموضوع يجد انه ليس من شأن الفقيه الشرعي حيث لايستطيع أحد أن يوجب المقاطعة ولا أيضاً يحرمها فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقاطع سلع المشركين وغيرهم من الأعداء ولم يسن لنا في ذلك شيئاً.
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما سائر حماقاتهم فكثيرة جداً:مثل كون بعضهم لايشرب من نهر حفره يزيد مع أن النبي صلى الله عليه وسلم والذين معه كانوا يشربون من آبار وأنهار حفرها الكفار وبعضهم لايأكل من التوت الشامي ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه كانوا ياكلون مما يجلب من بلاد الكفار من الجبن ويلبسون ما تنسجه الكفار بل غالب ثيابهم كانت من نسج الكفارا.هـــ منهاج السنة النبوية ج1 ص38.
وانما مثل هذه الأمورالتي تبنى عليها مصالح عامةأو تترتب عليها مفاسد فهي من اختصاص ولاة الأمور الذين لهم مستشارون في شتى المجالات قيستعينون بالخبراء الإقتصاديين والسياسيين والعسكريين وغيرهم من علماء الشريعة في منظومة لابد منها للإقدام على مثل هذه الإمور الخطيرة التي ربما ترتبت عليها مفاسد أكبر بكثير مما يظن أنه من المصالح ولا ننسى أن أمر المقاطعة داخل في الجهاد والجهاد لابد من رايه إمام وسوف نتكلم إن شاءالله عن احكام الجهاد فيما بعد ومما يدل على مانقول ان هناك من المتخصصين من وضحوا مفاسد ومضار تلك المقاطعة على المسلمين أنفسهم في مقابل ضرر يسير جداً على غيرهم.فعلى من يصدر هذه الفتاوى أن تتقي الله وأن يدع مالايعنيه كما قال صلى الله عليه وسلم(من حسن إسلام المرء تركه مالايعنيه)رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة وحسنه النووي قال ابن عبدالبر :هذا الحديث محفوظ عن الزهري بهذا الاسناد من رواية الثقاة قال العلماء : هو أصل عظيم من أصول الأدب .وروى أبو عبيدة عن الحسن قال :من علامة إعراض الله تعالى عن العبد ان يجعل شغله فيما لايعنيه. وقال سهل بن عبدالله التستري :من تكلم فيما لايعنيه حُرم الصدق. وقال معروف:وكلام العبد فيما لايعنيه خذلان من الله عز وجل.ا.هـــ
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: (النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي. والمحرم الموالاة أما البيع والشراء فما فيه شيء)وقال قد سئل عن المقاطعة (هذا محل نظر-الشراء من الكفرة أمر جائز-النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله.ا.هــ مجموع فتاوى ج19ص60
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله لما سئل عن مقاطعة مشروب الكولا وهل هو من التعاون على الإثم والعدوان: ألم يبلغك ان النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لأهله ومات ودرعه مرهونه عند هذا اليهودي؟ انتهى كلامه الباب المفتوح ج3ص404.
وافتت اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيزبن عبدالله ال الشيخ وعضوية الشيخ عبدالله الغديان والشيخ صالح الفوزان عندما سئلت عن دعوات مقاطعة المنتجات الامريكيه مثل بيتزهت وماكدونالدز وهل نستجيب لهذه الدعوات بما نصه:(يجوز شراء البضائع المباحة أيا كان مصدرها ما لم يأمر ولي الامر بمقاطعة شيء منها لمصلحة الاسلام والمسلمين)ا.هــ فتوى برقم 21776وتاريخ1421/12/25هــ.
وقد استدل بعضهم بحديث ثمامة بن اثال الذي أخرجه البخاري في صحيحه لما قال لأهل مكه :والله لاتأتيكم حنطة من اليمامه حتى يأذن بها رسول صلى الله عليه وسلم فلما فزع أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم قال له: خل بيني وبين بني عمي ,استدلوا به على مشروعية المقاطعة.ونحن نقول:أن فعل ثمامة رضي الله عنه أشبه بالحصار وليس بالمقاطعة وكان يقصد حظهم على الدخول في الاسلام كما صرح بذلك في الرواية التي ذكرها ابن عبدالبر في الاستيعاب-بلفظ-حتى تدخوا الاسلام عن اخركم.
ولو سلمنا انه من باب المقاطعة فإنه علق الامر بولي الامر حيث قال :حتى يأذن بها رسول صلى الله عليه وسلم.
ومن العجيب ان البعض يطالب بقطع النفط عن أمريكا والدول الوروبية المتعاونه معها بدون ان يعرف النتائج والثمار المترتبة على مثل هذا العمل ولايعلم أن الاضرار المترتبة على ذلك سيعود على من قام بقطعه. فنحن بحاجة الى ان يعرف العامة ان مثل هذه الامور من اختصاص الولاة الذين يدرسون المصالح والمفاسد ويقررون ماهو الاصلح ولا يصح أن يتدخل فيها الافراد وقد ناقشني أحدهم في هذا الموضوع قفلت له هل انت مستعد أن تتحمل تأخر صرف راتبك عدة اشهر أو خفضه او ربما انقاطعه تماما وهل انت مستعد ان تتحمل غياب كثير من الاطعمة والاجهزة
والسلع من الأسواق المحلية فقال لي: لا ولكن لايلزم من قطع النفط أن يحصل ماذكرت. فعلمت انه لم يفكر أبداً في العاقبة ولانتائج ما يطلب به ولا يمكن ان يتحمل تلك النتائج وإنما تسرع بمثل تلك المطالبات بدافع العاطفة فقط وهذه حال كثير من العامة مما يؤكد ان مثل هذه الامور من اختصاص ولاة الامر.
ومما يحسن التذكير به اننا مثلا في المملكة العربية السعودية نصدر البترول وفي مثل ذلك تقوم تلك الدول التي نصدر لها البترول بخدمتنا بصناعة كافة الاجهزة والمراكب الفاخرة والاثاث المتطور مما من الله به علينا من نعم لاتحصى وفضائل لاتنسى قال تعالى{وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} إبراهيم:آيه7
وفي الختام أسأل الله أن ينفع بهذا البحث شباب المسلمين وأن يزيدهم بصيرة في الدين, وان يجعل فيه الخير والبيان النافع كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة امورنا وعلماءنا وشبابن للعلم النافع والعمل الصالح وفق سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
--------
(1)
الاستدلال الباطل وآثاره المدمرة للشيخ صالح بن فوزان الفوزان
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، فبلَّغ الرسالة وأدى الأمانة وبيَّن للناس ما نزل إليه من ربه، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعليه وأصحابه أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، وبعد قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}،
والمتشابه هو الذي لا يُعلم المراد منه حتى يرد إلى غيره من النصوص فيفسره، والمحكم هو الذي لا يحتاج في تفسيره إلى غيره.. وذلك كالمطلق والمقيد، والخاص والعام، والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، وهذه مدارك لا يعرفها إلا الراسخون في العلم الذين يردون المتشابه إلى المحكم فيفسرونه به ويقولون {كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} وكلام الله يفسر بعضه بعضاً ويوضح بعضه بعضاً..
وأما أهل الزيغ والضلال فإنهم يستدلون بالمتشابه من الكلام كما قال الإمام أحمد - رحمه الله - ويتركون المحكم ابتغاء الفتنة، ويقطعون ما أمر الله به أن يُوصل، ويفسدون في الأرض، ويقولون نحن استدللنا بالقرآن، وهم في الحقيقة لم يستدلوا بالقرآن وإنما أخذوا طرفاً وتركوا الطرف الآخر مثل الذين يستدلون بقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} على ترك الصلاة ولا يأتون بالآية التي بعدها وهي:{الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ }،
وقد لا يكون هؤلاء أهل زيغ وإنما هم أهل جهل وتعالم وحماس جاهل وليسوا من الراسخين في العلم ولا يرجعون إلى أهل الرسوخ في العلم فيقعون في الهلاك ويُوقعون غيرهم فيه..
خُذ مثلاً في وقتنا هؤلاء المخربين الذين روّعوا العباد وأفسدوا في البلاد وصاروا يفجرون المباني وينسفونها على من فيها ويقتلون الأنفس التي حرّم الله قتلها إما بالإيمان وإما بالعهد والأمان, ويستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)
ولم يعلموا:
أولاً: أن هذا الخطاب لولاة الأمور وليس هو خطاباً لكل أحد من الناس بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك أفراداً، وإنما الذي قام به عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الثاني فدلّ هذا على أن هذا الخطاب يتولى تنفيذه ولي الأمر إذا رأى المصلحة في ذلك وأمكنه تنفيذه.
ثانياً: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أخرجوهم) ولم يقل: اقتلوهم واغدروا بهم إذا أمنتموهم بل إن الله سبحانه قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} وإبلاغه مأمنه أن يوصل إلى بلاده آمناً.. لأن الإسلام دين الوفاء، لا دين الغدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين سنة) خرجه في الصحيح.
ثالثاً: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب لا يمنع استقدامهم لأعمال يقومون بها، ثم يرجعون إلى بلادهم إذا انتهت مهماتهم كالسفراء والعمال والتجار وأصحاب الخبرات التي يحتاجها المسلمون وليس عندهم من يقوم بها.. فقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم مشركاً يدله على طريق الهجرة، واستدان من يهودي في المدينة وجاءه نصارى نجران ودخلوا عليه في مسجده، وتفاوضوا معه، وربط ثمامة بن أثال في المسجد، وهو مشرك.
إن ما يصنعه هؤلاء الجهّال من التخريب وقتل المستأمنين إنما هو تشويه للإسلام وصد عنه وهو حرام ومعصية لله ولرسوله، فالواجب على من يريد النجاة لنفسه وفيه بقية من عقل أن يراجع صوابه ويتوب إلى ربه..
وولاة أمور المسلمين قد عرضوا على هؤلاء التوبة والرجوع إلى الصواب، وانهم إذا فعلوا ذلك فسيعاملون بالمعاملة الحسنة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له والتوبة تجب ما قبلها..
فالواجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله وأن يلقوا سلاحهم ويضعوا أيديهم بأيدي إخوانهم من المسلمين ويلتزموا بالسمع والطاعة لولاة أمور المسلمين كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد) وقال: (من شق عصا الطاعة وفارق الجماعة ومات فميتته جاهلية) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، هذا وأسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، ويرد مخطئهم إلى الصواب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعليه وصحبه.
المصدر: سلسلة مطبوعات المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في حوطة سدير (37) / 22-4-1425هـ عدد 11578 جريدة الجزيرة.
|