منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 24 May 2018, 10:25 AM
لزهر سنيقرة لزهر سنيقرة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 343
افتراضي [مقال] التخلية قبل التحلية أبرز آثار الصيام. للشيخ: أبي عبد الله أزهر سنيقرة -حفظه الله-




التخلية قبل التحلية أبرز آثار الصيام


الحمد لله الَّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقِّ والصَّلاة والسَّلام على من بُعث لإتمام مكارم الأخلاق.

إنَّ مِنْ أهمِّ ثمرات العبادة ومقاصدها أنَّها جاءت لتهذيب النُّفوس وتزكيتها، يتجلَّى هذا في جميع العبادات ظاهرها وباطنها، ففي الصَّلاة ـ مثلا ـ يدلُّ عليه قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)[العنكبوت:45]، وفي الزَّكاة قوله جلَّ وعلا: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا)[التوبة:103]، وكذلك عبادة الصِّيام الَّتي يتجلَّى فيها هذا الأصل جلاءً ناصعًا، ويَبْرُزُ بُرُوزًا واضحًا، فهي العبادة العمليَّة لتربية النَّفس وتزكيتها بتحليتها بالفضائل والمحاسن، والتَّحلية من أصول التَّربية، والَّتي لا تتحقَّق إلَّا بالتَّخلية؛ لأنَّ جناحي الإصلاح والتَّربية الصَّحيحة هما: «التَّخلية والتَّحلية»، ولابدَّ من التَّخلية قبل التَّحلية، فلا يكون العبد صادقًا متحلِّيًا بهذه الفضيلة إلَّا إذا تخلَّى عن الكذب، ولن يكون شجاعًا إلَّا إذا تخلَّص من الجبن، وصدق الله إذ يقول: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ)[البقرة:265].

فقد قدَّم الله الكفرَ بالطَّاغوت على الإيمان بالله، وهذا الَّذي تدلُّ عليه كلمة التَّوحيد «لا إله إلَّا الله».

وبالتَّالي فإنَّه لا يمكن التَّرقِّي في سلَّم السُّلوك إلى الله دون سبق التَّخلِّي عن الرَّذائل والتَّحلِّي بالفضائل.

لأجل هذا ذهب بعض العلماء إلى أنَّ المنهيَّات أشدُّ من المأمورات مستدلِّين بقوله «فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ». [أخرجه مسلم (1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. وهذا الَّذي قد يُعبَّر عنه بالتَّخلية قبل التَّحلية.

فمن آثار الصِّيام تطهير الصَّائم من ذنوبه كما جاء في «الصَّحيحين» وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ؛ قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، فكما أنَّ للصِّيام الأثر العظيم في حفظ الأجسام ودفع الأسقام، فهو زكاة للأبدان، كما أنَّ الزَّكاة زكاة للمال.

من آثاره الطَّيِّبة في هذا الباب، تدريب النَّفس على ترك الرَّذائل، كيف لا وحقيقة الصِّيام ترك للمباح من الملذَّات ابتغاء مرضاة الله، قال؛ فيما يرويه عن ربِّه عزَّ وجلَّ: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي». [رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151)]. فإذا صام ترك غيرها من المحرَّمات.

قال : «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَة فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». [رواه البخاري (5710)].
لهذا كان النَّبيُّ ؛ يبشِّر أصحابه بقدوم شهر الصِّيام، حتَّى لا تفوتهم فرصته ولا تضيع منهم بركته، «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفتحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّماءِ، وَتُغلقُ فِيهِ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، للهِ فِيهِ لَيْلَة خَيْر مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرهَا فَقَدْ حُرِمَ». [رواه أحمد (8979)، والنسائي (2106)].
وإنَّ من فضل الله تعالى على عباده؛ أن هيَّأ لهم المواسم الفاضلة، وما من موسم إلَّا وللهِ فيه وظيفة من وظائف الطَّاعات يُتقرَّب بها إليه، ولله لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته، فالسَّعيد من اغتنم مواسم الشُّهور والأيَّام والسَّاعات، وتقرَّب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطَّاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النَّفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النَّار وما فيها من اللَّفحات.[«لطائف المعارف» (8)].

ومن مظاهر التَّخلية في الصِّيام، بل من الخطوات العمليَّة في ترويض النُّفوس على ترك الرَّذائل والتَّحلِّي بالفضائل، قوله: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُث وَلَا يَصْخَبْ ـ وفي رواية: وَلَا يَجْهَل، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ، مَرَّتَيْنِ». [رواه البخاري (1795)، ومسلم (1151)].

فحقيقة الصِّيام هي حين تزكو هذه النُّفوس وترتفع عن سَفَاسِفِ الأمور وسيِّء الأخلاق، وتتخلَّى عن كلِّ هذه الشَّوائب، فالصِّيام الشَّرعي هو صيام الجوارح كلِّها عن الآثام وخاصَّة اللِّسان عن الكذب والفحش وأن لا يقابل السيِّئة بالسَّيِّئة، وبهذا يتبيَّن أنَّ هذه العبادة مدرسة تربوية برنامجها تحقيق مقصد بعثة النَّبيِّ ؛ لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين)[الجمعة:2].

قال ابن القيِّم في[«مدارج الساكين» (2 /315)].: «وتزكية النُّفوس مسلَّم إلى الرُّسل، وإنَّما بعثهم الله لهذه التَّزكية وولَّاهم إيَّاها، وجعلها على أيديهم: دعوةً وتعليمًا، وبيانًا وإرشادًا، لا خلقًا ولا إلهامًا، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمَّة...وتزكية النُّفوس أصعب من علاج الأبدان وأشدُّ، فمن زكَّى نفسه بالرِّياضة والمجاهدة والخلوة الَّتي لم يجئ بها الرُّسل فهو كالمريض الَّذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟
فالرُّسل أطبَّاء القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلَّا من طريقهم وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد والتَّسليم لهم» اهـ.

وكما أنَّ الله هو الشَّافي من أسقام الأبدان إلَّا أنَّنا نسعى في معرفة واتِّباع وتعاطي أسباب الشِّفاء، فالله هو الَّذي يزكِّي النُّفوس كذلك، ويطهِّر القلوب من أدرانها لقوله : «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا». [أخرجه مسلم (2722)].

«فإذا تزكَّت نفوسنا وجدنا في حياتنا لذَّة، ولإيماننا حلاوة وفي عقولنا ذكاء وفي أرواحنا شفافية (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَإِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيم)[الأنفال:49]، هذا الفرقان هو نور الله الَّذي ينظر به المؤمن فيفرِّق بين الحقِّ والباطل وبين السُّنَّة والبدعة، وبين التَّوحيد والشِّرك، والمعروف والمنكر، وسبيل المؤمن وسبيل المجرمين، فلا تختلط عليه الأوراق ولا تضطرب لديه القيم، ولا تختلُّ عنده الموازين.
وأمارة التَّزكية مكارم الأخلاق الَّتي تطهِّر النَّفس من شحِّها وحبِّها لذَّاتها، ومن جميع الأمراض الَّتي تسري في الأفراد والمجتمعات والشُّعوب فتفتك بها وتدمِّرها.

ودليل ذلك قوله «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ».[ رواه البخاري في «الأدب المفرد» (273)، والحاكم (2 /613) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الحاكم والألباني في «الصَّحيحة» (45)].
فإتمام مكارم الأخلاق مقصدٌ للبعثة المحمَّدية، والتَّزكية هدفٌ للرِّسالة المحمَّدية، فثبت أنَّ التَّزكية هي التَّحلي بمكارم الأخلاق».[«ماذا يعني المنهج السَّلفي»22].

ولما كانت الأخلاق جبليَّة وكسبيَّة، وجب الحرص على التَّحلِّي بأحسنها ومجاهدة النَّفس وترويضها لمتابعة المنهج النَّبويِّ في ذلك، الَّذي هذه دعوته ومنهجه: «إِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ». [وهو شطر حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي، أخرجه الخطيب في «تاريخه» (9 /127)، وحسن إسناده الألباني في «الصحيحة» (342)]. فهي دعوة إلى التَّصفية والتَّربية على أساس التَّخلية قبل التَّحلية.

اللَّهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلَّا أنت، واصرف عنَّا سيِّئها، لا يصرف عنَّا سيِّئها إلَّا أنت.


والحمد لله رب العالمين


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله سنيقرة ; 24 May 2018 الساعة 12:23 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 May 2018, 10:32 AM
عبد الله سنيقرة عبد الله سنيقرة غير متواجد حالياً
عفا الله عنه
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 268
افتراضي

جزى الله الوالد خير الجزاء وبارك لنا في علمه وعمره.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 May 2018, 10:35 AM
أبو يحيى عمر البسكري أبو يحيى عمر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2017
الدولة: بسكرة النخيل الجزائر
المشاركات: 28
افتراضي

بوركت شيخنا الأزهر ، مقالة نافعة بإذن الله تعالى تجدد العهد بالمنهج الأصيل : التصفية والتربية .
دمت موفقا وحفظكم الباري من كل سوء ورد عنك كيد الشانئين .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 May 2018, 10:40 AM
يوسف عمر يوسف عمر غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2017
المشاركات: 91
افتراضي

جزاكم الله خيرا شيخنا، ونفع بكم.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 May 2018, 11:57 AM
شعبان معتوق شعبان معتوق غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: تيزي وزو / معاتقة.
المشاركات: 331
افتراضي

جزاكم الله خيرًا شيخنا و بارك في جهودكم .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 May 2018, 12:30 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي

جزاكم الله خيرا شيخنا الناصح أزهر سنيقرة و بارك فيكم و شكر لكم سعيكم .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24 May 2018, 01:52 PM
أبو أنس بلال بوميمز أبو أنس بلال بوميمز غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2017
الدولة: الجزائر / مدينة: جيجل / بلدية: الأمير عبد القادر / حي: العقيبة
المشاركات: 355
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أنس بلال بوميمز
افتراضي

جزاك الله خيراً شيخنا الحبيب أزهر وبارك الله فيك وفي هذه المقالات العلمية النافعة
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24 May 2018, 03:34 PM
محمد ناصف الدرابلي محمد ناصف الدرابلي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 90
افتراضي

معان راقية ، فيها تصفية وتربية ، حفظكم الله شيخنا الحبيب
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24 May 2018, 04:33 PM
أبو الهيثم تقي الدين الأخضري أبو الهيثم تقي الدين الأخضري غير متواجد حالياً
ثبّته الله
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: الجزائر حرسها الله
المشاركات: 158
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخنا الكريم وبارك فيكم وفي علمكم وزادنا الله وإياكم حرصا
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 24 May 2018, 08:36 PM
أبوعبد الرحمن صدام حسين شبل أبوعبد الرحمن صدام حسين شبل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: ولاية سطيف/الجزائر
المشاركات: 291
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخنا..
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 25 May 2018, 12:28 AM
أبوشهاب حسان خالد أبوشهاب حسان خالد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
المشاركات: 64
افتراضي

أحسن الله إليكم شيخنا الفاضل .
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
آثارالصيام, سنيقرة, صيام, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013