منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام » ركن الخطب المنبريّة والدروس العلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 Oct 2011, 12:26 PM
أبو عبد الله بلال حرزلاوي أبو عبد الله بلال حرزلاوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
الدولة: الجزائر
المشاركات: 65
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبد الله بلال حرزلاوي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الله بلال حرزلاوي
افتراضي الداعية الفضائي...للشيخ محمد سعيد رسلان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




أما بعد فأقدم بين يدي إخواني بخطبة الجمعة لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله ورعاه.
ليوم الجمعة 16 من ذي القعدة 1432هـ الموافق 14-10-2011م










محاضرة الصوتية: بصيغة Rm أو Mp3.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 Oct 2011, 11:36 PM
رائد علي أبو الكاس رائد علي أبو الكاس غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: فلسطين
المشاركات: 90
افتراضي

الداعية الفضائي


إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسناومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادِيله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولهصلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَاتَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍوَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًاوَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْيُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّابعدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى اللهعليه وعلى آله وسلّم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّبدعةضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
أمّا بعدُ:
فقدأخرج أحمد وابن ماجة والبزار والبخاري في "الأدب المفرد" وفي "التاريخالكبير" بإسنادٍ صحيحٍ من رواية أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسولالله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ("إن بين يدي الساعةِ الهَرْجَ". قالوا: وما الهَرْجُ؟ قال: "القتلُ والكذب".
قال: قلنا: أكثرُ مما يقتلُ المسلمون في فروج الأرض؟ قال: "إنه ليس بقتلكمالكفارَ". قال: "يقتل الرجلُ أباه، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، يقتل ابنَ عمه،يقتل جاره".
قال: قلنا: ومعنا يومئذٍ عقولُنا؟! قال: "إنه لتُنزعُ عقولُ أهل ذلك الزمان،ويخلفُ له هَباءٌ من الناس -والهباء: الذرات التي تظهر في الكُوَّةِ بشعاعالشمس، والمراد: الحُثالة من الناس- يحسبُ أكثرهم أنهم على شيء وليسوا علىشيء!".
قالأبو موسى: وأيمُ الله إن تدركني وإياكم تلك الأمور، وأيمُ الله ما لي ولكممنها مخرجٌ فيما عَهِدَ إلينا نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلا أن نخرجَمنها كما دخلنا، لا نُحدث فيها شيئًا).
تُنزعُ عقولُ أكثر ذلك الزمان لشدة الحرص والجهل.
وأخرجابن أبي شيبة، وابن بطة في "الإبانة"، والبيهقي في "الشعب" عن عبدالله بنمسعود -رضي الله عنه قال-: (إنها ستكونُ أمورٌ مُشْتَبَهات؛ فعليكمبالتُّؤَدة، فإنكَ أن تكونَ تابعًا في الخير، خيرٌ من أن تكونَ رأسًا فيالشر).
وقد قال الشاعرُ القديم:
وأحزمُ الناسِ مَن لو مات من ظمإٍ
لم يقرَبِ الوِرْدَ حتى يعرفَ الصَّدَر.

ومايتعرض له وطننا الإسلامي الطيب من مخاطر ومؤامرات يستوجبُ الحذرَ والحكمةَوالتأني والتؤدة؛ حفاظًا على دينه ورعايةً لسلامته وحياطةً لكينونته.
وقبلالنظر في ذلك والبحث فيه، نتأملُ في أمرٍ عظيمٍ؛ فإن العقودَ الماضيةَ لمتُخرِّبِ البلادَ وحدها، وإنما خرَّبت البلادَ والعبادَ أيضًا، خرَّبتالنفوسَ والعقولَ، وخرَّبت القلوبَ والأرواحَ.
ويكفي أن تنظرَ في حال رجلين يدعوان إلى الله -بزعمهما- في إحدى الفضائيات بالصوت والصورة: محاوِرٍ، ومحاوَرٍ..
يكفيأن تنظرَ في حالهما؛ لتملكَ الدليلَ على خرابِ النفوسِ والعقولِ والقلوبِوالأرواحِ؛ فحيثُ كان ينبغي أن تكونَ الأسوةُ في الخير كانت القدوةُ فيالشر!
وصدمَالآذانَ والنفوسَ كلماتٌ طائشةٌ!، وسِبابٌ قَذِر!، وشتائمُ بذيئة!، كأنهماتَوَفَّرا على تعليم الناس ذلك!، وتثقيفهم به، في وقتٍ تعصفُ فيه بالوطنرياحُ الفتن مُعْوِلات، وتَهْدِرُ فيه أمواجُ المحن زائرات.
وكلٌّمن هذين الرجلين يعرضُ لما لا يعلم!، ويصفُ ما لا يُحس!، ويتكلمُ عما لايَدريه!، ومن هنا يتورطُ في سُخْفِ القول وهُراء الحديث.
وإذاكان الرجلُ قد أرادَ أن يعرضَ نفسَه على الناس، وأن يعرضها عاريةًمُجرَّدةً كأبشعِ ما خلقها الله!؛ فليس من حقي أن أحولَ بين الناسِ وهذهالنفس!
وليس من حقي أن أحولَ بين الرجلِ وإظهارِ نفسِه للناس كما خلقها الله في غير تكلُّف ولا تصنُّع.
وإني إن أُشفق على أحدٍ من كلام الرجل؛ فإنما أُشفقُ على المتكلم؛ لأنه تكلمَ وهو مَحْمُومٌ أو كالمحموم.
وأشفقُ على سامعه؛ لأنه سمعَ نُكْرًا من القول، هو إلى هَذيان الحُمَّى أقربُ منه إلى كلام العقلاء.
وكلاالرجلين إذا رأيته يتكلمُ بعثت كلُّ جملةٍ من جملهما في نفسك شعورًا قويًامؤلمًا؛ لأنه يلدُها ولادة! وهو يقاسي في هذه الولادة ما تقاسيه الأمُّ منآلام الوضع!
ولوأنه ظَفِرَ بعد هذه الآلام بما تظفرُ به الأمهاتُ بعد آلام الوضع، لقلنا: آلامٌ قيمة، لها نتائجُها الحسنة، وآثارُها الخالدة! ولكنه لا يظفرُ من هذهالآلام بشيء!؛ فكلاهما يتكلم كثيرًا ولا يقولُ شيئًا!
وكلٌّ من الرجلين -وإن كان لسانُه أطولَ من عقله!- إلا أنه لا يعلمُ أن مَن تكلمَ في الناس؛ فهو حَرِّيٌّ أن يتحملَ كلامَ الناس فيه!
وكلاهمالا يعلمُ أن مَن عرَّض نفسه للدعوة إلى الله، والقيامِ في مقامها؛ فعليهأن يُوَطِّنَ نفسَه على تقبل ما يصيبهُ مما كتبه الله عليه من الأذىوالضُّر بصدرٍ رحبٍ، وقلبٍ مطمئنٍ.
كلا الرجلين لا يعلمُ أن طريقته تضعه ولا ترفعه!، وتضره ولا تنفعه!.
فأماالضيفُ المحاوَرُ فقد كنتُ ذكرتُ طرفًا من أخطائه وتهوراته وتجاوزاته؛فأغضبه ذلك الذكرُ، ويظهر أنه أغضبه إلى حد أن أفقده رشدَه وصوابَه!؛ فقالَما قال!
لقد ملأ عليه مَن يخاصمه بغير حقٍ نفسَه من جميع أقطارها؛ فحسب كلَّ صيحةٍ عليه!
فقال كلامًا لا شك أن مَن سمعه سيضحك منه كما ضحكتُ! ويستعينُ به على قضاء ساعةٍ لا تخلو من فكاهةٍ وتسليةٍ كما استعنتُ!
وأقولُله: إني لكَ ناصحٌ، وعليكَ مشفقٌ، وبكَ مترفق، وقد غضبَ ناسٌ من قبلكَوسخطوا وردوا وأسرفوا في الرد؛ فلم يصرفني ذلك -بحول الله وقوته- عنعقيدتي، ولم يحولني ذلك -بفضل الله ورحمته- عن منهجي.
ومَن لم يستطع أن يكونَ مالكًازمامَ غضبه، مُحكمًا لِجامَ طيشه؛ فليسعه بيته.
ومَن ذا الذي يطمعُ وهو يتكلمُ في الناس ألا يتكلمَ الناسُ فيه؟!
ومَن ذا الذي يتصورُ أن يَشتمَ الناسَ ولا يُشتَم، وأن يَسبَّ الناسَ ولا يُسب؟!
ومعهذا، فأنا أعترفُ بأني عاجزٌ عن أن آتي بشتمٍ كشتمكَ!، أو سِبابٍكسِبابكَ!، أو تخليطٍ كتخليطكَ!؛ فقد أبى اللهُ عليَّ كلَّ هذه الميزات!!
وأقول: إن الذين يُحسنون الكلامَ بمثل إسفافكَ من المنتسبين للعلم كما تُحسنه أنتَ قليلون!
إنالذين يمدحونكَ ويثنون عليكَ، عليهم وزرٌ غيرُ قليلٍ؛ فهم يُشجعونكَ علىالإيغالِ في السُّخف!، ويبعثون في نفسكَ غرورًا وإعجابًا بما كان ينبغي أنتستخذيَ له!، وتستحيَ منه!
إن أصدقَ الناس في نصحكَ والإخلاص لكَ هم الذين يراجعونكَ -لا الذين يمدحونكَ-.
إن الذي يحمدكَ: إما أن يكونَ كاذبًا عليكَ، وإما أن يكونَ مُتخلصًا منكَ، وإما أن يكونَ محبًا لكَ صرفه حبُّه عن عيوبكَ.
وأماالذي يُصوبكَ ويُراجعكَ، فمهما يكن سيئَ النيةَ، ومهما يكن مسرفًا في ظلمكَوالجورِ عليكَ؛ فهو يدلكَ على عيوبٍ أنتَ خليقٌ أن تمتحنها؛ فإن تكن فيكَاجتهدتَ في أن تبرأ منها، وإن تكن غير ذلكَ حمدتَ اللهَ واجتهدتَ ألاتتورطَ فيها.
كُنْ عاقلاً، وخَفْ حامدكَ أكثرَ مما تخاف مصوِّبكَ.
كُنْ عاقلاً، واعلم أن مَن ذمَّكَ بما فيكَ أنفعُ لكَ ممن مدحكَ بما ليس فيكَ، وأن مَن قدحَ فيكَ بالحق خيرٌ لكَ ممن مدحكَ بالباطل.
ومنالخيرِ للمحاوِرِ والمحاوَرِ معًا أن يعلما أن ثمةَ فرقًا عظيمًا بينالدعوة إلى الله في المساجد خَطابةً وتدريسًا، والدعوةِ في القنواتالفضائية!
والشيخُ إذا كان فضائيًا!؛ فينبغي له أن يعلمَ ذلك الفرقَ وأن يراعيه..
الداعي إلى الله في المساجد خَطابةً وتدريسًا لا يأتي إليه إلا مَن أراد ذلك وسعى له؛ فليس يفرضُ نفسَه على أحدٍ.
وأماالداعي الفضائي؛ فإنه يفرضُ نفسَه على الناس فرضًا: يحتلُّ شاشاتهم،ويقتحمُ مخادِعَهم، ويشاهده ويسمعه -اضطرارًا واختيارًا- مَن يُبغضه، ومَنيُحبه، ومَن يعرفه، ومَن لا يعرفه، ومَن يوافقه، ومَن يخالفه، والجمهورُالناظره يرتبطُ في الجملة بالقناة لا به، ويُقبلُ عليها لا عليه.
والواجبُ على الداعية الفضائي أن يحترمَ جمهورَه!، وأن يقدِّره؛ إذ هو في موضع القدوة وفي مقام المعلم.
فإذا كان الرجلُ غضوبًا لا يتماسكَ، جهولاً، عجولاً!؛ فينبغي أن يُعرضَ عن تلك القنوات؛ حتى لا يُعرضَ الناسُ عنه.
وعليهأن يسعى في إصلاح نفسِه وُسْعَه؛ حتى لا تنكشفَ للناس سوءةٌ من سوءاتالغضبأو الجهلِ أو العَجَلَةِ؛ فلا يسعه أن يُواريها عنهم!
وعلىالشيخ الفضائي أن يكونَ حليمًا، صبورًا، مُترفقًا؛ ليُعلِّمَ بحاله ما لايُعلِّمُ بمقاله!؛ وليرى المخالفُ له والمؤالفُ أخلاقَ الإسلامِ لائحةًفيه، قائمةً به، وإلا فالجهلُ، والغضبُ، والعجلةُ، صفاتٌ ذميمةٌ، وهي ممايُبغضه العقلاءُ، ولا يحترمون مَن تخلَّقَ بشيءٍ منها، ويقلِّدها السفهاءُإذا صدرت ممن يقدرونه ويجلونه؛ لموطن المُشاكَلَة بينهم وبينه!
وفيالحالين؛ فالعقلاءُ والسفهاءُ يصيبهم من الضرر بذلك ما يعدُّ صدًا عن سبيلالله، لا دعوةً إليه!، وهو من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.
وليعلمِالرجلان أني من قومٍ قد بَلوا السفهاءَ؛ فأحسنوا بلاءهم!، وصبروا لهم،واحتملوا منهم شرًا كثيرًا، لا ضَجرين، ولا مُتَحَرِّجِين، ولا ضائقين بهمصدرًا!
وإنرجلاً يحتملُ من السفهاء مثلَ ما أحتمل منذ امتحنَ اللهُ مصرَ في أخلاقهاهذه الأعوام الأخيرة، لَخَلِيقٌ ألا يضيقَ صدرُه إن زاده اللهُ على هؤلاءالسفهاءِ سفيهًا أو سفيهين، أو يَبْسُمَ ثَغْرُه إن نقصَ اللهُ من هؤلاءالسفهاء سفيهًا أو سفيهين!
وأماالمحاوِرُ -خاصةً-، فأقولُ له: اتقِ اللهَ في جليسكَ، ولا تتعامل معه بمكرِالتلاميذ في الفصول مع أساتذتهم! فإنكَ تسيء به إلى الدين من حيث تريدُأنتُحسنَ إليه، وتضرُ به الدعوةَ من حيث تريد أن تنفعَ.
وما يَضيركَ إنْ نَحَّيتَ عنه ما يغضبه وأنتَ تعلمُ أنه غضوبٌ جهولٌ!، وأَمَطَّ عنه ما يستفزه وأنت تُوقِنُ أنه مُستفَزٌ عجولٌ!
وما عليكَ لو أمسكتَ عنه ذِكرَ مَن ذكرُه عنده، كذِكر الحبل في بيت المشنوق!، وطويتَ عنه ما نشرُه لديه لا يُحبُّ ولا يروق!.
واعلمأنكَ تحملُ أوزارَكَ وأوزارَه مع أوزارِكَ؛ إذ المتسبب في المنكر كفاعله!،والداعي إليه بحاله أو مقاله أو مكرِه واحتيالِه كمباشره.
واحفظْ على المسلمين أوقاتهم أن تضيعَ هَدَرًا، واخشعْ مَليًا للدليل يُساقُ إليكم فيه: قال: اللهُ، قال: رسولُه، قال: الصحابةُ.
فلايجدُ إلا الشَّتمَ والسَّبَّ تارةً!، وإعمالَ الرأي واتباع الهوى تارةً!،والعنادَ وركوبَ الرأس تارةً!، والرمي بالتهم الباطلات بغير حقٍ تارات!!.
واعلمأنه ليس من شيمة أهل العلم أن يُلقوا بالتهم جزافًا بغير بينةٍ ولا دليلٍ،وأن مَن أساءَ فعلى نفسه إساءته، ومَن أجرمَ فعليه وِزْرُ جَريرته.
واعلم أن المنبرَ الإعلامي الذي ابتذلته، قد صدقَ فيه وفي أمثاله قولُ الشاعرِ:
مَا زِلْتَ تَرْكَبُ كلَّ شَيءٍ قائِمٍ
حتَّى اجْترَأتَ عَلى رُكُوبِ الْمِنْبَرِ.

ما زالَ منبرُك الذي دنَّستَه
بالأمسِ منك كحائضٍ لم تَطهُرِ.

فَلأَنظُرَنَّ إلى الدِّشوشِ جميعِها
وإلى البرامجِ باحتقار المنظَرِ.

ودعنيأعلمكَ: اختر لضيفكَ موضوعًا، أَعْلِمه به قَبْلُ؛ حتى يُحكمَ مادته،ويجمعَ أطرافَه، وتحسنَ أنتَ محاورته بدل الخَبطَ في كل وادٍ، وبدل الضربفي كل سبيل؛ فتُهدرُ أوقاتُ المسلمين وتُشتت عقولهم.
وحتىلا يخرجُ ضيفكَ من موضوعٍ ليدخلَ آخرَ ولا رابطَ بينهما إلا تداعي الخواطروذهولُ الفكر، والفائدةُ الوحيدة حينئذ: ملءُ وقتٍ على الشاشة وكفى!
وأعتقدُأن هذه من أولى أبجديات الإعلام الهادف المنضبط؛ فإن كنتَ علمتها، فلِمَخالفتها؟! وإن لم تكن تعلمها، فبيعُ البطاطا والاتجارُ بالطماطم خيرٌ لكَوأجدى عليكَ!!
وإذا رضيتْ عني كرامُ عشيرتي
فلا زالَ غضبانًا عليَّ لئامُها.

أيهاالمسلمون! لا يخفى أن من أعظم الأسباب التي أدت إلى أكبر الشر، غيابَ تحملمسئولية الكلمة؛ فانتشرت الشائعات وعمَّت قادة السوء، واستشرت في المجتمعالتحليلات التي لا تستندُ على عقلٍ ولا دليلٍ؛ فاضطربت الأفكار، وتبلبلتالخواطر، وصار الناسُ في أمرٍ مَريجٍ.
وكلُّ متسببٍ في منكرٍ، فعليه كِفْلٌ منه، وعليه وِزْرُه ووِزْرُ مَن نَهَجَ نَهْجَهُ إلى يوم الدين.
ففيالصحيحين من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى اللهعليه آله وسلم-: "إنه لم تُقتل نفسٌ بغير حق إلا كان على ابن آدم الأولكِفْلٌ من دمها؛ لأنه أولُ مَن سَنَّ القتلَ".
فهذه قاعدةُ الشرع، مَن تسببَ في ضر ولم يباشره؛ فهو كمباشِره!
مَنتسببَ في منكرٍ، ولم يفعله؛ فهو كفاعله!، عليه وِزْرُه ووزرُ مَن عمل بهإلى يوم القيامة كما قال رسولُ الله -صلى الله عليه آله وسلم-.
لما انشغلَ أهلُ العلمِ والدعاةُ بالسياسة، لم يجدِ الناسُ مَن يدعوهم إلى التوبة والتضرع والإنابة عند نزول البلاء وحلول المِحَن.
مع أن البلاءَ لا يُرفع، مع أن المِحَنَ لا تُدفع إلا بالإنابة والتوبة والاستغفار والأوبة إلى فاطر السموات والأرض.
فإنّقدرَ الله -رب العالمين- لا يُدفعُ بالأكف، ولا يجمع شتات القلوب إلا توحيدالرب المعبود، واتباعُ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيمادلَّعليه وأرشدَ إليه؛ فتستقيمُ أحوالُ الناس، وتهدأُ خواطرُهم، وتطمئنُنفوسُهم، وتستقرُّ أفئدتهم، وحينئذ يرفعُ اللهُ -رب العالمين- الشرَّ عنهموينزِّلُ عليهم خيرًا وفيرًا.
الواجبُإذا وقعَ بالناس كَرْبٌ، أو نزلَ بهم بلاءٌ، أن يُحدثوا لله توبةً، وأنيلزموا الأناةَ والتثبتَ والحِلمَ، وإذا عمَّت الفتنةُ؛ فعلى المرء أنيلزمَ خاصةَ نفسه.
فقدأخرج ابن حبان بسندٍ صحيحٍ عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "كيف أنتَ يا عبدالله إذا بقيتَ في حُثالةٍ من الناس؟". قال: وذاك، ما هميا رسولَ الله؟ قال: "ذاكَ إذا مَرجت أماناتهم وعهودهم وصاروا هكذا -وشبَّكَ بين أصابعه-". قال: فكيف بي يا رسولَ الله؟ قال: "تعملُ ما تعرف،ودع ما تُنكر، وتعملُ بخاصة نفسك، وتدع عوام الناس".
إن الفتنةَ الماحقةَ التي تعصفُ رياحُها بالأمة تتناوحُ على جَنَبَاتِها متغلغلةً إلى صميمها وسوائها فاعلةً في أبنائها.
فهذهالفتنةُ لم تعد خافيةً على أحد، والمؤامرات التي تُحاكُ في الظلام قَبْلُصارت تُحاكُ على قارعة الطريق ينظرها الناس ولا يتوقونها، بل يُقبلون عليهاويواقعونها؛ لأنهم قد غابت عقولُهم، "وخَلَفَ لهم هباءٌ من الناس" لايعلمون، ولا يريدون أن يعلموا، ولا يرعون، ولا يريدون أن يرعوا، ولا يكفونأيديهم عن شر، ولا ألسنتهم عن سوء، والناسُ فيهم غفلة، وهم في الجملةكالقطيع يتبعُ كلَّ ناعِق يسيرُ بكلِّ سبيل، ويأتي منه شرٌ كبيرٌ.
واللهُ -جل وعلا- أرسلَ إلينا نبينا محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- على حينفترة من الرسل؛ فجمعَ به الشَّتات ولَمَّ به المُتناثرَ واستقامت بهوبدعوته القلوبُ، وهدأت بدينه الخواطرُ والأرواحُ، وأقبلَ الناسُ علىأعمالهم منتجين مستثمرين أوقاتَهم فيما ينفعهم وينفعُ الخلقَ في الأرض،ويعبدون اللهَ -رب العالمين- بالمنهاج الذي شرعه لنبيه -صلى الله عليه وآلهوسلم- لا يخرجون عنه ولا يحيدون عن سوائه
فاستقامتِالأحوالُ، وصارتِ الأمةُ مرهوبةَ الجانبِ، عزيزةَ السلطانِ، قائمةً بعزٍ،ساعيةً بجدٍ وعزمٍ؛ فخافت منها الأمم ورهبتها الملوكُ، وحسبت لهاالحسابَ،وكانت قَبْلُ مهملةً كمًا وكيفًا؛ لأنهم كانوا أكلةَ رأسٍ.
فوحدهماللهُ بدينه وأعزهم بنبيه ورفعَ ذكرَهم بكتابه؛ فمهما أرادوا العزَّ فيغيرِه أذلهم اللهُ -ربُّ العالمين- كما قال الفاروقُ -رضوانُ الله عليه- لما قِيلَ له وهو يخوضُ المَخاضَةَ، وقد علَّقَ نَعليه في يده، وأخذَزِمامَ راحلته بيده الأخرى، يخوضُ المَخاضَةَ بقدميه، ويدخلُ بيتَ المقدسِبِمَرْقَعَةٍ كانت قَبْلُ ثوبًا، وهو أميرُ المؤمنين، وهو الحاكمُ علىأعزِّ أمةٍ في الأرض، أعظمِها جَنابًا، وأرفعها شَأنًا، وأعلاها ذِكْرًا،فلما قِيلَ له: يا أميرَ المؤمنين! لا تدخلُ على القومِ هكذا! -يريدُالقائلُ: حتى لا يستصغروكَ، وحتى لا يحتقروا شأنكَ، وأنتَ إمامُ المسلمينوكبيرُهم، وأنت الحاكمُ فيهم بالعدلِ على السَّوِيَّةِ- فقال: (ويحكم! إناكنا أذلَ أمةٍ؛ فأعزنا اللهُ بالإسلام، فمهما طلبنا العزَّ في غيره أذلنااللهُ -ربُّ العالمين-).
وهيفاعلةٌ -أبدًا- حتى يقيمَ اللهُ -ربُّ العالمين- الساعةَ، كنا أذلَّ أمةٍ؛فأعزنا اللهُ بالإسلام، فمهما طلبنا العزَّ في غيره أذلنا اللهُ -ربُّالعالمين-.
لابد من التمسك بالدين، ولا يكون ذلك كذلك إلا بمعرفته.
وأماالذين ينعقون في الجَنَباتِ يضللون الناسَ ويحرفونهم عن الصراط المستقيم،ويأذُّونَهم على الشر، ويدلونهم على موارد الفتنة، فهؤلاء ما أجدرَ أولواالأمر أن يحجروا عليهم؛ فهم أشدُّ فتكًا بالقلوب من الطاعون بالأجساد.
هؤلاء! يسعون بالأمة إلى الخراب والضلالة، وعلى الأمة أن تحذرَ أمثالَ هؤلاء،وأنتعرفَ دينَ ربهما كما جاء به نبيها محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- لامَعْدَى لها عن ذلك، ولا خلاصَ لها إلا بذلك.
والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما مرَّ في الحديث قد أمرَ بالاعتزال إذاتحققت في المجتمع ثلاثةُ أوصافٍ، هي: قلةُ أهل الحق، وفسادُ ديانةالأكثرين، واختلافُهم.
معلومٌأن الذنوبَ سببُ البلاءِ، قال ربنا -جل وعلا-: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَالْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوايَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف:96].
وقالربنا -جل وعلا- في أهل الكتاب: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَوَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْفَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة:66].
وقالتعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَاقُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آلعمران:165].
فبيّناللهُ -رب العالمين- أنه لا يصيبُ الناسَ من سوءٍ ولا شرٍّ، إلا بماقدَّمتأيديهم وكسبت قلوبُهم؛ فإذا نزعوا رفعَ اللهُ عنهم، وإذا تمادوازادهماللهُ بلاءً، قال -جل وعلا-: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَبِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف:130].
وقالتعالى في ذِكر بعض عقوبات المكذبين: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِفَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُالصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْأَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُواأَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [العنكبوت:40].
إناللهَ لا يظلمُ الناسَ شيئًا، ولكنَّ الناسَ أنفسَهم يظلمون؛ فإذا رفعوا عنالظلم رفعَ اللهُ عنهم العقوبةَ، وإذا رجعوا إلى الله -رب العالمين- رجعَعليهم بالتوبة وأجزلَ لهم المثوبةَ، قال ربنا -جل وعلا-: ﴿ظَهَرَالْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِلِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:41].
فيكونهذا جزاءً وِفاقًا لما قدموا من عملٍ سيئٍ وما اجترحوا من عملٍ طالحٍ؛فإذاعادوا إلى الله -رب العالمين- عادَ عليهم بالبركات تتفجرُ من تحتأرجلهم،وتتنزلُ عليهم من السموات، واللهُ -رب العالمين- يتوبُ على مَنتاب.
لميعدْ خافيًا على أحد ما يُرادُ بمصرَ من شرٍ ومكرٍ، بل وبالدول العربيةالإسلامية كلها، والواجبُ على كل مسلمٍ أن يحافظَ على أمن بلده واستقراره،وأن يجنبه الأسبابَ المفضيةَ إلى الفوضى والاضطراب والفساد.
من الكفر بنعمة الله: المغامرةُ بمستقبل الوطن، وتضييعُ ماضيه، وتبديدُ تراثه.
ومن الكفر بنعمة الله: العبثُ باستقراه وأمنه.
ومن الكفر بنعمة الله: تأجيجُ نيران الأحقاد بين أبنائه، وتقويض دعائم بنائه.
ومن الغفلة، أن يكونَ المرءُ وقودًا لمؤامراتٍ تستهدفُ تقسيمَ الوطنِ، وتمزيقَ كِيانِه -كما وقعَ!- وقعَ غفلةً واحتيالاً.
وغشَّ الناسَ مَن غشَّهم ممَن زينوا لهم أنهم على الصراط المستقيم، وأنهم آتون بالجهادِ الأكبرِ!
غشَّ الناسَ مَن غشَّهم مَن زيّنَ لهم سوءَ أعمالهم فرأوها حسنةً زاهرةً، وهي مدمرةٌ وفاجرة!
منالغفلة أن تُحرَّكَ الجموعُ؛ فتتحرك.. لأن العقلَ الجمعي كلا عقل!؛ فإذاأُذَّ الناسُ اندفعوا، وإذا حُرِّكوا تحركوا، وأهلُ الشر في وضعٍ مثالي لميكن أحدٌ منهم قَبْلُ يحلمُ بعُشر مِعْشارِه.
لأنغيابَ الأمن واستشراء الفوضى ووقوع الاضطراب بين ربوع الوطن هو البيئة التيتنمو فيها النبتات الخبيثة من المؤامرات المشبوهة، تُستوردُ بذورُها منخارج، ويسهرُ عليها راعيًا لها مَن كان خائنًا لله، خائنًا لرسول الله،خائنًا لدين الله، ثم خائنًا لوطنه.
يسهرُ عليها راعيًا إياها باثًا لها بين جموع المواطنين وهم لا يعلمون.
وعلى المرء أن يتثبتَ وأن يتريثَ؛ لأن المسألةَ في منتهاها إنما هي إشاعةُ الفوضى من أجل تقسيم الوطن.
إذا لميكن المسلمُ واعيًا صبورًا ذا أناة حليمًا متريثًا، لم يفوِّت تلكالفرصةَعلى المفترصينها، وحينئذ يضيعُ تاريخُ البلدِ، وتراثُ الوطن،وانتماءالأمة إلى الإسلام العظيم.
إنهالحظةٌ ةٌ في تاريخ الأمة، وينبغي أولَ ما ينبغي على أهل العلم أنيُفيقوا مما هم فيه من الغفلة السادرة والحيرة الحائرة؛ فقد خُدعواكالعوام! إلا مَن رحم ربك.
وإذاكان رجلٌ من أكابر المُلحدين في العالم، وهو رئيس وزراء روسيا (بُوتِين) قدفهمَ المسألةَ من أولها؛ فلما دَبَّت الاضطرابات في المنطقة الإسلاميةالعربية، قال: "هذه حربٌ صليبية". صورةٌ جديدةٌ، وتريدُ أن يكونَ الأمرُكما كان في القرون الماضية لما دَبَّ الاضطرابُ في المنطقة الإسلاميةالعربية، قال: "هذه مؤامرةٌ غربيةٌ من أجل الاستحواذ على الثروات في هذهالمنطقة الغنية بها".
ولكنَّ الرجلَ لعله لم يُرد أن يُصرِّحَ بالخَبِيء الذي لا يظهرُ أو هو جاهلٌ به!
لأنالمستهدفَ أولاً هو دينُها، وتاريخُها، وتراثُها، هو انتماؤها، كما قالالرئيسُ الأمريكي عندما وقعَ التخلي عن الحُكم وعمَّت الفرحةُ في أرجاءالبلاد، وخرجَ على الناس بخطابٍ عاطفيٍّ لا يليقُ برجلٍ سياسيٍّ بَلْهَ مَنكان على رأس أكبر دولةٍ في الدنيا، فقال شعرًا، وصرَّحَ بأن التاريخَيُصنعُ الآن في هذه المنطقة، وأن اللحظةَ لحظةٌ فارقةٌ، وهي بالضبط كسقوطحائط برلين.
ولم يفهم أحد! لأن الناسَ في غفلةٍ غافلةٍ، ولأن الناسَ في حيرةٍ حائرةٍ، ولا يجدون مَن يُبصرهم بالخبيء وراء هذا الكلام.
بعدالحرب العظمى الثانية، قُسمت ألمانيا النازية إلى قسمٍ شرقيٍّ اشتراكيٍّشيوعيٍّ، وإلى قسمٍ غربيٍّ رأسماليٍّ ديمقراطيٍّ، وكان الُ بين القسمين (حائطَ بِرْلِين).
ثم لماانهارت (الشيوعيةُ) في (الاتحاد السوفيتي)، هُدمَ الحائطُ ودخلتُ أمواجُالرأسمالية والديمقراطية هادِرةً على دول أوروبا الشرقية؛ فتركت ما كانتعليه من معتقدها! الشيوعيةِ وما كانت عليه من توجهها، ودخلت في دين الغرب.
يقول الرجلُ: "ما أشبه ما يحدثُ الآن في مصر بسقوط حائط (بِرْلِين)".
الحائطُ الذي عندنا ما وراءه؟!!
ديننُا.. إسلامُنا.. لغتُنا.. تراثُنا.. كتابُنا.. تاريخُنا..نبيُّنا -صلى الله عليه وآله وسلم- أخلاقُنا!
ينهارُ الحائطُ الآن! من أجل أمواجٍ زاخرةٍ بما تحملُ من نتنها، وما تأتي به من زيفها، والذين يُمهدون الطريقَ لها قومٌ من جلدتنا!!
وهذا خطأ، ينبغي أن نفوِّتَ الفرصةَ على كل مَن أرادَ أن يصلَ إلى مثل هذا الهدف..
أناةٌ، وحِلمٌ، وصبرٌ، ومعرفةٌ بدين ربنا -جل وعلا- وتمسكٌ به.
والدينُ حاكمٌ ٌ بين كل مَن تنازعَ، بين كل مَن تخالفَ، بين كل مَن تخاصمَ، وفيه الرحمةُ، وفيه البيانُ والهُدى.
نسألُاللهَ -ربَّ العالمين- أن ينجينا وأن ينجي وطننا وأوطان المسلمين من الفتنوالمِحَن وأن يُسلِّمنا وأن يُسلِّم منا، إنه على كل شيءٍ قديرٍ، وصلىاللهُ وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدلله -رب العالمين-، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولىالصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إمامُ المرسلين، وقدوتهم، وخاتمهم، وصفوةُ ربِّ العالمين من رسله وأنبيائه -صلى اللهُ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِالدين.
أما بعدُ:
فقدأخرجَ الإمامُ أحمد في "الزهد"، والطبراني في "الكبير" عن عطاء بن يسار أنالنبيَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- بعثَ معاذًا إلى اليمن، فقال: يا رسولَالله! أوصني. فقال: "عليك بتقوى الله ما استطعتَ، واذكرِ اللهَ -عز وجل- عند كل حجرٍ وشجرٍ، وإذا عملتَ سيئةً؛ فأحدث عندها توبةً، السرُّ بالسرِّ،والعَلانيةُ بالعَلانيةِ".
مَن أذنبَ فعليه أن يتوبَ، ومَن أجرمَ فعليه أن يئوبَ.
وبابُالتوبة مفتوح، ولن يرفعَ اللهُ -ربُّ العالمين- عنا الكربَ بالخبط فيأوديةالسياسية والبعد عن دين ربنا -جل وعلا- وبأخذ طلاب العلم عن قيامهم،وذكرهم، وتلاوتهم؛ ليضربوا في الوهاد والنجاد، وليزعقوا في كل ناد،مبتعدينعن دين رب العباد!
فإن هذا لا يزيد الطينَ إلا بِلَّة! ولا يزيدَ الأمرَ إلا سوءً!
وليس لنا إلا أن نعودَ إلى ربنا؛ فإن الأمرَ جِدُّ عصيب!
ومَنلم يعلم -فضلاً عن أن يرى- ما وطنه فيه مما يتعرض له من المخاطر، ومايُحاكُ له من الدسائس، وما يُدبر له من المؤامرات؛ فهو لا يعلمُ شيئًا! ولايرى أحدًا!
وإنما هو ممَن يسعى إلى إفساد حياة الناس وتدمير وطنِه.
فعليناأن نتقيَ اللهَ، وأن نَكُفَّ عن تلك التهويلات وأن نبتعدَ عن الشائعات،وأن نلزمَ الجادة، وعلينا ألا نُستفز؛ فإن الأمرَ جِدُّ كبير!
وإنالمؤامرات التي تُحاك في الخارج وفي الداخل على السواء إنما تريدُ من الناسأن يُستفزوا وأن يخرجوا عن طورهم وأن يُجاوزوا حدودهم.
وحينئذتقرُّ أعينُ المجرمين ممن يريدون السوءَ لهذا البلد، ويسعون جادين إلىتمزيق وحدته، وتمزيق أوصاله، وتشتيت أبنائه، وتدمير ثرواته، ومحو إسلامه،ودينه، وتراثه، وكتابه!
وهي لحظةٌ في التاريخ، ةٌ!!
وكلُّ مَن أجرمَ فيها بكلمة سيحملُ وِزْرَها أبدَ الأبيد؛ حتى يلقى ربه -جل وعلا-.
وكلُّمَن أجرمَ في هذه الفتنةِ بفعله ولو كان يسيرًا؛ فإنه سيحملُ وِزْرَهُ؛لأنه يدمرُ بلدَه ويحطِّمُ دينَه، ويمحو هويةً قائمةً في بلدٍ طيبٍ أعزهاللهُ بالإسلام، وكسَّرَ اللهُ -ربالعالمين- على صخرة إسلامه أمواجَالصليبين المتقدمين، وأمواجَ التتار المعتدين.
وحفظَ اللهُ -رب العالمين- به دينه، ورفعَ به منارَه، وأعلى به شأنَ العلمِ والقرآن.
وهوبلدٌ حقيقٌ بأن يُحبَّ، وأن يُحافظَ عليه، وأن تُراعى حرمته، وأن يبذلَالمرءُ جهده وسعيه ووقته وماله ونفسه لحياطته وكلاءته، والحفاظِ عليه.
والله -رب العالمين- من وراء القصد، ولن يرفعَ عنا البلاءَ والكربَ إلا إذارجعناإليه على منهاج نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، وإلافإنالناسَ يستدبرون الصراطَ المستقيمَ، وكلما أوغلوا فيه استجلبواالبلاءَالماحقَ، والمِحَنَ النازلة. وهذا كله لا يُرفعُ إلا بعودتنا إلىربنا.
فنحن المعنيون بما أسلفنا من خطايانا، واجترحنا من آثامنا، ومما وقعَ منا.. عاقبنا اللهُ -رب العالمين- بالذي يجري لنا ويحدثُ بيننا.
وإن لم نُفق ضاعتِ الفرصةُ إلى حيث لا يعلمُ منتهاها إلا اللهَ.
اللهم سلِّم وطنَنا، وجميعَ أوطان المسلمين من الفتن ظاهرةً وباطنةً يا رب العالمين.
اللهم سلِّم وطنَنا، وجميعَ أوطان المسلمين من المؤامرات ظاهرةً وباطنةً يا رب العالمين.
اللهماجمع شمل أبناء هذا الوطن، وأقمهم على السوية على منهاج النبوة، وجنبهمالفتن ظاهرةً وباطنةً يا رب العالمين ويا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، وانصرنا على مَن عادانا.
لا تجعلِ الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغَ علمنا، وتوفنا وأنتَ راضٍ عنا يا رب العالمين.
اللهم إن أردتَ بالناس فتنةً؛ فاقبضنا إليك غير فاتنين ولا مفتونين ولا خزايا ولا محزونين ولا مغيرين ولا مبدلين.

اللهم استرنا والمسلمين -أجمعين- بسترك الجميل، واجعل تحت الستر ما يرضيك.
وألِّف بين قلوب المسلمين.. ألِّف بين قلوب المسلمين.
اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، وأرهم الحقَّ حقًا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطلَ باطلاً وارزقهم اجتنابه..
يا رب العالمين.. ويا أرحم الراحمين.. ويا أكرم الأكرمين.. ويا ذا القوة المتين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
19 من ذي القعدة 1432هـ، الموافق 17/10/2011م.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013