منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 27 Sep 2011, 04:29 PM
رائد علي أبو الكاس رائد علي أبو الكاس غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: فلسطين
المشاركات: 90
افتراضي وصية الحسن إلى عمر بن عبد العزيز.


وصية الحسن إلى عمر بن عبد العزيز.



عن أبي حميد الشامي قال ؛ كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز :

اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به ، والندم على الشر يدعو إلىتركه ، وليس ما يفنى وإن كان كان كثيرا يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزاً
واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية

فاحذرهذه الدار الصارعة الخادعة الخاتلةالتي قد تزينت بخدعها ،وغرت بغرورها ، وقتلت أهلها بأملها ، وتشوفتلخطابها ، فأصبحت كالعروس المجلوة.

العيون إليها ناظرة ، والنفوس لها عاشقة ، والقلوب إليها والهة ، ولألبابها دامغة ، وهي لأزواجها كلهم قاتلة.

فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بما رأى من الأول مزدجر ، ولااللبيب بكثرة التجارب منتفع ، ولا العارف باللهوالمصدق له حين أخبر عنهامدكر ،

فأبت القلوب لها إلا حباً ، وأبت النفوس بها إلا ضنا ، وما هذا منالها إلاعشقا. ومن عشق شيئا لم يعقل غيره ومات في طلبه ولم يظفر به ، فهما عاشقانطالبان لها ؛ فعاشق قد ظفر بها واغتر وطغى ونسي بها المبدأ والمعاد . فشغلبها لبه ، وذهل فيها عقله ، حتى زلت عنها قدمه ، وجاءتهمنيته ، فعظمتندامته ، وكسرت حسرته ، واشتدت كربته ، مع ما عالج من سكرته ، واجتمعت عليهسكرات الموت بألمه ، وحسرة الموت بغصته، غير موصوف ما نزل به.

وآخر مات قبل أن يظفر منها بحاجته فذهب بكربه وغمه لم يدرك منها ما طلب ،ولم يرح نفسه من التعب والنصب ، خرجا جميعا بغير زاد ، وقدما على غير مهاد ،

فاحذرها الحذر كله فإنها مثل الحية لين مسها وسمها يقتل ، فاعرض عما يعجبكفيها لقلة ما يصحبك منها ،وضع عنك همومها لما عاينت من فجائعها ، وأيقنت بهمن فراقها وشدد ما اشتد منها لرخاء ما يصيبك ، وكن أسر ما تكون فيها ،

احذر ما تكون لها فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور له أشخصته عنها بمكروه ، وكلما ظفر بشيء منها وثنى رجلا عليه ، انقلبت به.

فالسار فيها غار والنافع فيها غداً ضار ، وُصِل الرخاء فيها بالبلاء ،وجُعل البقاء فيها إلى فناء ، سرورها مشوب بالحزن ، وآخر الحياة فيها الضعفوالوهن ، فانظر إليها نظر الزاهد المفارق ولا تنظر نظر العاشق الوامق. واعلم أنها تزيل الثاوي الساكن ، وتفجع المغرور الآمن ، لا يَرجِع ما تولىمنها فأدبر ولا يُدرَى ما هو آت فيها فينتظر. فاحذرها فإن أمانيها كاذبة ،وإن آمالها باطلة ،

عيشها نكد ، وصفوها كدر ، وأنت منها على خطر .إما نعمة زائلة ، وإما بليةنازلة ، وإما مصيبة موجعة ، وإما منية قاضية ، فلقد كدّت عليه المعيشة إنعقل ، وهو من النعماء على خطر ، ومن البلوى على حذر ، ومن المنايا على يقين،

فلو كان الخالق تعالى لم يخبر عنها بخبر ، ولم يضرب لها مثلاً ، ولم يأمرفيها بزهد ، لكانت الدار قد أيقظت النائم ، ونبهت الغافل ، فكيف وقد جاء منالله تعالى عنها زاجر ، وفيها واعظ ؛ فما لها عند الله عز و جل قدر ،ولالها عند الله تعالى وزن من الصغر ، ولا تزن عند الله تعالى مقدار حصاة منالحصا ، ولا مقدار ثراه في جميع الثرى ، ولا خلق خلقا - فيما بلغت - أبغضإليه من الدنيا ، ولا نظر إليها منذ خلقها مقتاً لها ،

ولقد عرضت على نبينا صلى الله عليه و سلم بمفاتيحها ، وخزائنها ولم ينقصهذلك عنده جناح بعوضة ،فأبى أن يقبلها . وما منعه من القبول لها ، ولا ينقصهعند الله تعالى شيء إلا أنه علم أن الله تعالى أبغض شيئا فأبغضه ،وصغرشيئا فصغره ، ووضع شيئاً فوضعه ، ولو قبلها كان الدليل على حبه إياهاقبولها ، ولكنه كره أن يحب ما أبغض خالقه ، وأن يرفع ما وضع مليكه.

ولو لم يدله على صغر هذه الدار إلا أن الله تعالى حقرها أن يجعل خيرهاثواباً للمطيعين ، وأ ن يجعل عقوبتها عذاباً للعاصين ، فأخرج ثواب الطاعةمنها ، وأخرج عقوبة المعصية عنها .

وقد يدلك على شر هذه الدار ، أن الله تعالى زواها عن أنبيائه وأحبائهاختباراً ، وبسطاً لغيرهم اعتباراً واغتراراً ؛ ويظن المغرور بها والمفتونعليها أنه إنما أكرمه بها ، ونسي ما صنع بمحمد المصطفى صلى الله عليه و سلموموسى المختار عليه السلام بالكلام له وبمناجاته .

فأما محمد صلى الله عليه و سلم فشد الحجر على بطنه من الجوع ، وأما موسىعليه السلام فرئي خضرة البقل من صفاق بطنه من هزاله ، ما سأل الله تعالىيوم أوى إلى الظل إلا طعاما يأكله من جوعه .ولقد جاءت الروايات عنه أن اللهتعالى أوحى إليه ؛ أن يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعارالصالحين ، وإذا رأيت الغنى قد أقبل فقل ذنب عجلت عقوبته .

وإن شئت ثلثته بصاحب الروح والكلمة (يقصد عيسى عليه السلام) ففي أمره عجيبة؛ كان يقول أدمى الجوع ، وشعاري الخوف ، ولباسي الصوف ، ودابتي رجلي ،وسراجي بالليل القمر ، وصلايتي في الشتاء الشمس ، وفاكهتي وريحاني ما أنبتتالأرض للسباع والأنعام ، أبيت وليس لي شيء ،وليس أحد أغنى مني ،.

ولو شئت ربعت بسليمان ابن داود عليهما السلام ، فليس دونهم في العجب ، يأكلخبز الشعير في خاصته ، ويطعم أهله الخشكار ،والناس الدرمك . فإذا جنهالليل ، لبس المسوح ، وغل اليد إلى العنق ، وبات باكيا حتى يصبح ، يأكلالخشن من الطعام ، ويلبس الشعر من الثياب ،

كل هذا يبغضون ما أبغض الله عز و جل ، ويصغرون ما صغر الله تعالى ،ويزهدون فيما فيه زهد ، ثم اقتص الصالحون بعد منهاجهم وأخذوا بآثارهموألزموا الكد والعير، وألطفوا التفكر ، وصبروا في مدة الأجل القصير عنمتاع الغرور الذي إلى الفناء يصير ، ونظروا إلى آخر الدنيا ولم ينظروا إلىأولها ، ونظروا إلى عاقبة مرارتها ولم ينظروا إلى عاجلة حلاوتها ، ثمألزموا أنفسهم الصبر أنزلوها من أنفسهم بمنزلة الميتة التي لا يحل الشبعمنها إلا في حال الضرورة إليها ، فأكلوا منها بقدر ما يرد النفس ويقيالروح ويسكن القرم ،

وجعلوها بمنزلة الجيفة التي قد اشتد نتن ريحها ، فكل من مر بها أمسك علىأنفه منها ، فهم يصيبون منها لحال الضر ، ولا ينتهون منها إلى الشبع منالنتن ، فغربت عنهم ، وكانت هذه منزلتها من أنفسهم ،

فهم يعجبون من الآكل منها شبعا ، والمتلذذ بها أشرا ، ويقولون في أنفسهمأما ترى هؤلاء لا يخافون من الأكل ، أما يجدون ريح النتن ، وهي والله ياأخي في العاقبة والآجلة أنتن من الجيفة المرصوفة ،غير أن أقواما استعجلواالصبر فلا يجدون ريح النتن ، والذي نشأ في ريح الإرهاب النتن ، لا يجدنتنه ، ولا يجد من ريحه ما يؤذي المارة والجالس عنده

وقد يكفي العاقل منها أنه من مات عنها وترك مالا كثيرا سره أنه كان فيهافقيراً ، أو شريفاً أنه كان فيها وضيعاً ،أو كان فيها معافى سره أنه كانفيها مبتلى ، أو كان مسلطنا سره أنه كان فيها سوقة، وإن فارقتها سرك أنككنت أوضع أهلها ضعة ، وأشدهم فيها فاقة ، أليس ذلك الدليل على خزيها لمنيعقل أمرها.

والله لو كانت الدنيا من أراد منها شيئاً وجده إلى جنبه من غير طلب ولانصب غير أنه إذا أخذ منها شيئا لزمته حقوق الله فيه وسأله عنه ووقفه علىحسابه لكان ينبغي للعاقل أن لا يأخذ منها إلا قدر قوته وما يكفي ، حَذَرَالسؤال ، وكراهية لشدة الحساب

وإنما الدنيا إذا فكرت فيها ثلاثة أيام ؛ يوممضى لا ترجوه ، ويوم أنت فيهينبغي لك أن تغتنمه ، ويوم يأتي لا تدري أنت من أهله أم لا ؟ ولا تدريلعلك تموت قبله. فأما أمس فحكيم مؤدب ، وأما اليوم فصديق مودع غير أن أمسوإن كانقد فجعك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته ، وإن كنت قد أضعته فقدجاءك خلف منه ، وقد كان عنك طويل الغيبة ، وهو الآن عنك سريع الرحلة ،وغداً أيضا في يديك منه أمله ،

فخذ الثقة بالعمل ، واترك الغرور بالأمل قبل حلول الأجل ، وإياك أن تدخلعلى اليوم هم غد أو هم ما بعده ، زدت في حزنك وتعبك وأردت أن تجمع في يومكما يكفيك أيامك ، هيهات كثر الشغل ، وزاد الحزن ، وعظم التعب ، وأضاع العبدالعمل بالأمل ،

ولو أن الأمل في غدك خرج من قلبك أحسنت اليوم في عملك ، واقتصرت لهم يومك . غير أن الأمل منك في الغد دعاك إلى التفريط ودعاك إلى المزيد في الطلب .

ولئن شئت واقتصرت لأصفن لك الدنيا ساعة بين ساعتين ؛ ساعة ماضية ، وساعةآتية ، وساعة أنت فيها ، فاما الماضية والباقية فليس تجد لراحتهما لذة ،ولا لبلائهما ألما ، وإنما الدنيا ساعة أنت فيها فخدعتك تلك الساعة عنالجنة وصيرتك إلى النار ، وإنما اليوم إن عقلت ضيف نزل بك وهو مرتحل عنك ،فان أحسنت نزله وقراه شهد لك وأثنى عليك بذلك ،وصدق فيك وإن أسأت ضيافتهولم تحسن قراه ، جال في عينيك .

وهما يومان بمنزلةالأخوين ، نزل بك أحدهما فأسأت إليه ولم تحسن قراه فيمابينك وبينه ، فجاءك الآخر بعده فقال إني قد جئتك بعد أخي فإن إحسانك إلييمحو إساءتك اليه ، ويغفر لك ما صنعت ، فدونك إذ نزلت بك وجئتك بعد أخيالمرتحل عنك ، فلقد ظفرت بخلف منه إن عقلت فدارك ما قد أضعت . وإن ألحقتالآخر بالأول فما أخلقك إن تهلك بشهادتهما عليك إن الذي بقي من العمر لأثمنله ولا عدل

فلو جمعت الدنيا كلها ما عدلت يوما بقي من عمر صاحبه فلا تبع اليوم ولاتعدله من الدنيا بغير ثمنه ، ولا يكونن المقبور أعظم تعظيما لما في يديكمنك وهو لك

فلعمري لو أن مدفونا في قبره قيل له هذه الدنيا أولها إلى آخرها تجعلهالولدك من بعدك يتنعمون فيها من ورائك ، فقد كنت وليس لك هم غيرهم أحب اليك ؟أم يوم تترك فيه تعمل لنفسك ؟ لاختار ذلك وما كان ليجمع مع اليوم شيئا إلااختار اليوم عليه رغبة فيه وتعظيما له

بل لو اقتصر على ساعة خيرها وما بين أضعاف ما وصفت لك وأضعافه يكون لسواهإلا اختار الساعة لنفسه على أضعاف ذلك يكون لغيره ، بل لو اقتصر على كلمةيقولها تكتب له وبين ما وصفت لك وأضعافهلاختار الكلمة الواحدة عليه

فانتقد اليوم لنفسك ، وأبصر الساعة ، وأعظم الكلمة ، واحذر الحسرة عند نزول السكرة ، ولا تأمن أن تكون لهذا الكلام حجة.
نفعنا الله وإياك بالموعظة ورزقنا وإياكخير العواقب والسلام عليك ورحمة الله وبركاته

حلية الأولياء [المجلد الثاني : صفحة 134]

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
تزكية, حليةالأولياء, وصيةالحسن

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013