منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 23 Oct 2020, 11:25 AM
عبد المجيد تالي عبد المجيد تالي غير متواجد حالياً
وفقه الله
 
تاريخ التسجيل: Aug 2019
المشاركات: 33
افتراضي بين فرق ومفرق

بين «فَرْقٌ» و «مُفَرِّقٌ»
ردًّا على دعوى أن من أسماء النَّبي «المُفَرِّق»
من خصائص أهل السنَّة والجماعة وما امتازوا به عن غيرهم من فرق الضلال والهوى لزوم ألفاظ الكتاب والسنة والتقيد بها في الوصف والتسمية والاعتقاد ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، لا يحيدون عن ذلك قدر أنملة، ولأجل ذا عابوا غيرهم فيما سلكوا وخرجوا به عن رسم السنَّة وقواعدِها إلى معاني وألفاظ محدثة.
ومراعاةً لهذا الأصل وحفظاً له، سلَك أئمة العلم من السَّلف في التأليف في «باب الاعتقاد والسنَّة» ذاك المسلك حفاظا على الصبغة الشرعية للدِّين في معانيه وتسمياته، وربطا لأبناء الأمة بتأريخها الفقهي في معناه الأكبر -العقدي والعملي-، من غير نكير للمعنى الاصطلاحي المتعارف عليه إذا كان لا يخل بالمعنى والمقصد العام للدِّين.
هذا أمر يلحظه كلُّ من طالع ما قرَّره أئمة العلم، سواء في باب الاعتقاد أو باب العمل، أو في المنهج العام المتبع في فهم الدِّين ، وعلى وجه أخصٍّ في تقريرات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى.
أقول هذا! في المنهج العام المتبع، فكيف إذا صار الأمر إلى قلب الحقائق واستحداث المعاني والتسميات والطرائق لتمرير الباطل وإقرار الأهواء؟ وليس ببعيد عنكم نسبة دعوة الأنبياء إلى «الفُرقة والافتراق» في قول بوقٍ من أبواق «الأخسِّ» -الهضابي-، وما قال فيها الشيخ العلامة عبيد الجابري -حفظه الله تعالى-.
لكن ظهر طائش آخر من أبواق جماعة «الأخسٍّ» -بويران- بنفس الدعوى لكن بلون آخر وصياغة أخرى، يمتدح فيها جماعته أنْ نسبَهم السَّلفيون إلى «الفُرقة»، ووسمُوهم بـ«المفرِّقة»، ووجه ذلك عنده: أن «المفرِّقة» مشتقٌ من اسم الرسول «المفرِّق»، وذلك منهم: سنَّة تمييعية، وشنشنة حزبية. هكذا! بكلِّ وقاحةٍ، ومجازفةٍ.
يقول في كتابة له نشرت على قناة «https://t.me/ALGSALAF/12867»:
«وصف السلفيين الذين يصدعون بالحق في وجه المُخالفين، ويقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرَّدِّ على المبطلين والتحذير من المخطئين المعاندين، ويتَّخذون المواقف الشرعية منهم دون محاباة أو مُداهنة، ونبزهم بالمُفرِّقة وبدعاة التفريق: دندنةٌ حزبية، وشنشنة نعرفها من أخزم!
ومن خذلان الله لهم أن شقوا لهم من اسم النِّبي (المُفرِّق) اسمًا فسموهم (المُفرِّقة) وهم كذلك، ...
فالحاصل؛ أنَّ نبز أهل الحق بالمفرقة هي سُنة المميعين، يسلكونها من قديمٍ مع من ينبري للتحذير منهم وبيان حالهم، وكشف عوارهم من علماء السنة، فمن قام لله لتصحيح مسار الدعوة، وتصفية الصَّف وتنقيته من الدخلاء، فهو عندهم مُفرِّقٌ وصاحب دعوة تفريق...».
في كلام له ملأه كلَّه تلبيساً وتعميةً وفرى، والكلام معه هنا في مقامين اثنين:أحدهما: في ردِّ هذه الجهالة العظمى، والثاني: في ردِّ تلك الفرية والدعوى العريضة الزائفة.
أما المقام الأوَّل:
فيستبين ويظهر بـ: تحقيق أصلٍ عظيم ومقصدٍ كريم، وهو: معرفة الضابط الشرعي في أسماء النَّبي محمَّد .
اعلم أن شأن أسماء النَّبي شأن أسماء الربِّ -سبحانه وتعالى- وأسماء كتابه. يقول العلامة ابن القيم :«شأن أسماء الربِّ -سبحانه وتعالى- وأسماء كتابه وأسماء نبيِّه، هي: أعلام دالَّة على معانٍ هي بها أوصافٌ، فلا تضاد فيها العلَمية الوصفَ، بخلاف غيرِها من أسماء المخلوقين» ..«وإلا فلو كانت -أي: أسماء النَّبي- أعلاماً محضَة لا معنىً لها، لم تدلْ على مدح» .. «وكذلك أسماء الربِّ تعالى كلُّها أسماءُ مدح، ولو كانت ألفاظاً مجرَّدة لا معاني لها؛ لم تدل على المدح، وقد وصفها الله -سبحانه- بأنها حسنى كلُّها» اهـ ([1]).
وقال في «الهدي»: «وكلُّها -أسماء النَّبي- أسماءُ نعوتٍ ليست أعلاماً محضَة لمجرَّد التعريف، بل أسماءٌ مشتقةٌ من صفات قامتْ به توجِب له المدح والكمال» ..«لأن أسماءَه إذا كانت أوصافَ مدح فله من كلِّ وصفٍ اسم؛ لكن ينبغي أنْ يفرَّق بين الوصف المختصِّ به أو الغالب عليه فيشتَق له منه اسم، وبين الوصف المشترك فلا يكون له منه اسم يخصُّه» اهـ ([2]).
وقال الجلال السيوطي : «وكثير من هذه الأسماء لم يرد بلفظ الاسم، بل أتَى بـ: صيغة المصدر والفعلوقد اعتبر ذلك القاضي -أي: ابن العربي- وابن دِحْيَة وغيرُهما، واعتبره الجمهور -خصوصاً أصحاب الحديث- في أسماء الله تعالى» انتهى ([3]).
وقال العلامة ابن قيم الجوزية : «لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالَّة عليها، اقتضت الحكمة أنْ يكون بينها وبينها ارتباطٌ وتناسبٌ، وأنْ لا تكون معها بمنزلة الأجنبيِّ المحضِ الذي لا تعلُّق له بها، فإنَّ حكمة الحكيم تأبَى ذلك، والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تَأَثُّر عن أسمائها في الحسن والقبح، والخفَّة والثِّقل، واللَّطافة والكثَافة كما قيل:
وقَلَّ أنْ أبصرتْ عيْناك ذا لقبٍ إلَّا ومعناه إنْ فكَّرت في لقبِه
.. وتأمل كيف اشتُق للنَّبي من وصفه اسمان مطابقان لمعناه، وهما: أحمد ومحمَّد، فهو: لكثرة ما فيه من الصفات المحمودةِ محمَّدٌ، ولشرفِها وفضلها على صفات غيره أحمدُ، فارتبط الاسم بالمسمَّى ارتباط الروح بالجسد» ([4]).
وعليه فـ: أقول: إذا كان هذا حال وضابطما سمِّي به نبيُّنا محمَّد ؛ بل ما ينبغي أن يتخيَّره كلُّ مقتفٍ للأثر في التسمية عموماً، فكيف يسوِّغ مسلم لنفسه أنْ يسمِّ نبيَّه بـ«المفرِّق»، ويدعي في دعوته أنها دعوة «فُرقة وتفريق»؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم، وجهل عريض.
وأيُّ مدح وثناءٍ يلحق النَّبي من هذا؟! بل أيُّ حسن وشرفٍ يحصل له من ذلك ؟!
وهل «الفُرقة والتَّفريق» أو «التَّفَرُّق والافْتراق» من قبيل المدح في لسان الشرع واللسان العربي؟! حتى يقال في أسماء النَّبي وأوصافه «المفرِّق» أو «صاحب فُرقة وتفريق» أو «تفرق وافتراق»، أو أنه وإخوانه عليهم السلام بعثوا بـ«الفُرقة» أو «التَّفرق والافْتراق»!! سبحانك ربِّي هذا بهتان مبين.
إنَّ مثل هذا التَّقول الفظيع لم يسبق إليه -في علمي- فيمن ينتسب إلى أمة الاستجابة إلا في هذه الجماعة -جماعة «الأخسِّ من الحدَّادية»-، ودونكم الكتب -على اختلافها واختلاف توجهات مؤلفيها- هل تجدون مَن نسب أنبياء الله ورسله إلى «الفُرقة والتَّفريق»؟!
إنَّ الناظر والمتأمل في أصل الرسالة ومقصدِ الإرسال من الله تعالى إلى خلقه يجد أصلَ ذلك وباعثَه هو: الدعوة إلى الألفة والاجتماع والجماعة، ونبذ الفُرقة والاختلاف والابتعاد عن أسبابها وعواملها.
قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ[سورة البقرة:213] الآية.
والمعنى: كان الناس على دين واحدٍ وملَّةٍ واحدة، فاختلفوا، فبعث الله النَّبيِّين مبشرين ومنذرِين، وكان الدِّين الذي كانوا عليه دينَ الحقِّ، وذلك مدَّة عشرة قرون.
فلما اختلفوا في دينهم، بعث الله عند اختلافِهم فيه النَّبيِّين مبشرين ومنذرِين، وأنزل معهم الكتاب بالحقِّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه رحمةً منه تعالى بخلقه واعتذاراً منه إليهم ([5]).
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا .. إلى أن قال: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌالآيات [سورة آل عمران:102-107].
هذا ما دعا الله تعالى إليه عبادَه وأرسلَ به رسوله محمَّدا الاعتصام بحبل الله تعالى وعدم التَّفرق فيه، مع التحذير من سلوك طرائق أهل الفُرقة والافْتراق، فكيف يقال بعد ذلك: إنَّ دعوةَ هذا النَّبي الكريم وإخوانِه «دعوة فُرقة وافْتراق»؟!!
والآيات في هذا الأصل كثيرةٌ بيِّنة، وسنّة هذا النَّبي ظاهرة شاهدة! فقاتل الله الجهل أينما كان.
فإن قال قائل: ما منشأ هذا التَّقول وهذه الفرْية؟ فجواب ذلك أقول: هو ناتجٌ عن سوء فهم مشوب بنوع هوى، مما جعل الأمر يختلطُ على قائله ولا يستقيم له في ميزان الشرع، وإلا فلو راجع قائلُه ومتصورُه أقوال أهل العلم المعتبرين لخلَص إلى الصواب في فهمه وتصورِه إنْ شاء الله تعالى.
مع أنِّي أجزم بله أقطع أن مثل هذا لا يصدر من سلفيًّ يفهم ويَعِي في سلفيته، فهذه المعاني هي -إنْ صح التعبير- من أبجديات ما يتعلمه السَّلفي، أعني: دعوة الأنبياء إلى الألفة والاجتماع ونبذ الفُرقة والافْتراق، أقول ذلك: من كثرةِ ما يدندن عليها أئمةُ العلم ودعاةِ الإصلاح في دروسِهم ومحاضراتهم ومواعظهم، وو..، وبالأخصِّ من عاصرناهم.
ولعلَّ مرجع ذلك ما جاء في «الصحيح»، صحيح البخاري (7281): من حديث جابر وفيه: «وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ». هذا من جهة.
ومن جهة ثانية: ضعف الحجَّة وسلطان العلم الذي يفتح على كلِّ مبطل باب المجازفَة والتَّقول بلا ضوابط شرعية، وهذا عامل الهوى وأثره.
أما الأولى:فاعلم أن هذا الحرف «فَرْقٌ» فيما ذكر أئمة العلم روي بتشديد الرَّاء فعلا ماضياً، وبإسكانها والتَّنوين، والأولى: لأبي ذرٍّ في رواية «الصحيح»، على ما أفاده الحافظ ابن حجر ([6]).
فعلى الأول: فهو من «التَّفريق»، وعلى الثاني: فهو مصدر وصف به للمبالغة كالعدل، بمعنى: «الفارق» أي: فارقٌ بين المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، والصالح والطالح، إذ به تميزت الأعمال والعمَّال، فهو: حينئذ فارقٌ بين الناجي والهالك من الناس.
نظيره قوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ[سورة البقرة:213] الآية ([7]).
أقول: ومن هذا الوصف اشتقَّ له اسمه «الفارق» لا «المفرِّق» كما ادَّعى هذا المفتري المتطاول. وليكن منك على ذكر ما قدمت لك من ضابط في ذلك -خاصة عن الجلال السيوطي -: «وكثيرٌ من هذه الأسماء لم يردْ بلفظ الاسم، بل أتى بـ: صيغة المصدر والفعل».
قال العلامة محمَّد بن يوسف الصالحي في أسمائه : «الفارق: قال «ع» ([8]): هو اسمه في الزبور ومعناه: يفرِّق بين الحقِّ والباطل، وهو: صيغة مبالغة. والفارق: اسم فاعل من الفَرْق وهو: الفصل والإبانة».
وهو كذلك في الكتب المتقدمة «الفارقليط»، قال : «وضبطه ثعلب بالفاء أوَّله وقال: معناه الذي يفرِّق بين الحقِّ والباطل. وقال محمد بن حمزة الكرماني رحمه الله تعالى في «غريب التفسير»: أي: ليس بمذموم. وضبطه أبو عبيد البكري بالباء الموحدة غير صافية فيه فقال: «البارقليط» ومعناه: روح الحقِّ» اهـ ([9]).
وعليه فتفريق النَّبي إنما جاء من قبل من آمن به وكفر به، أو من قبل من صدَّقه وكذَّبه، أو من قبل من أطاعه وعصاه، أومن قبل من اتبعه وتركه ([10])، لا من قبل دعوتِه وتبليغِه، ولهذا لما اختلف الناس بعد عهود وقرون الإيمان والتوحيد أرسلَه الله تعالى وإخوانَه عليهم السلام للتوحيد وجمع الكلمة والقصد على عبادة الواحد الأحد -سبحانه وتعالى. فافهمْ! ودع اللَّغط.
أقول مثل هذا! لأنِّي أجد عند هذا (اللَّاغط وخدْنه) سوءَ فهم وعدم إحكام دراية بالفرق بين «التفريق» و«الفُرقة والافتراق» والبون بينهما شاسع واضح، يكفي في الثاني أنهما ما وردا في كلام الشارع الحكيم إلا مذمومين بإطلاق، أما الأوَّل: فهو بإطلاق ذمٌّ، أما أنْ نقول: محمَّد فرَّق بين الحقِّ والباطل مقيداً، فيستقيم، كما سمَّى الله تعالى القرآن فرقاناً، لأنه يفرِّق بين الحقِّ والباطل، والهدى والضلال، ونحو ذلك ([11]).
«والدِّين كلُّه فَرْقٌ، وكتاب اللّه فرقان، «ومحمد فرقٌ بين الناس». ومن اتقى اللّه جعل له فرقاناً ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [سورة الأنفال:29]. وسمي يوم بدر يوم الفرقان لأنه فرَّق بين أولياء الله وأعدائه. فالهدى كلُّه فرقان.
والضَّلال أصلُه الجمع، كما جمع المشركون بين عبادة اللّه وعبادة الأوثان، ومحبته ومحبة الأوثان، وبين ما يحبه ويرضاه...
وجمعوا بين الربا والبيع .. وجمعوا بين المذكَّى والميتة فقالوا: كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل اللّه.
و جمع المنسلخون عن الشرائع بين الحلال والحرام فقالوا: هذه المرأة خلقها اللّه، وهذه خلقها؛ وهذا الحيوان خلقه وهذا خلقه، فكيف يحل هذا ويحرم هذا؟ وجمعوا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان!
وجاءت طائفة الاتحادية، فطموا الوادي على القرى، وجمعوا الكلَّ في ذات واحدة، وقالوا: هي اللّه الذي لا إله إلا هو..
والمقصود: أن أرباب البصائر هم أصحاب الفرقان، فأعظم الناس فرقانا بين المشتبهات أعظم الناس بصيرة... ولا يحصل الفرقان إلا بنور يقذفه اللّه في قلب من يشاء من عباده، يرى في ضوئه حقائق الأمور، ويميز بين حقِّها وباطلها، وصحيحها وسقيمها ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)[سورة النور]» ([12]).
فهل يعقل «الهضابي وبويران» إلى أيِّ القسمين انتميا؟!! أإلى أهل «الفرقان» أم إلى أهل «الجمع» بدعواهما هذه!!، فحسبكما أنكما أصَّلتم للموافقة بجهلكما وهواكما، فهل فكَّرتما يوماً بـ: عواقب التأصيل الباطل، والفجور في الخصومة، والهوى المتبع؟!! نسأل الله -جلَّ في علاه- أنْ يخلِّص شباب الأمة من هواكم، و أن يردَّ عنها كيدكم وباطلكم.
أما الجهة الثانية:فضعف الحجَّة وسلطان العلم الذي يفتح على كلِّ مبطل باب المجازفة والتَّقول بلا زمام ولا خطام، فهذا ظاهرٌ من نبرة هذا الطائش المتطاول، ولهذا تجد في قوله: «.. ونبزهم بالمُفرِّقة وبدعاة التفريق: دندنةٌ حزبية، .. ومن خذلان الله لهم أن شقوا لهم ...
فالحاصل؛ أنَّ نبز أهل الحق بالمفرقة هي سُنة المميعين، يسلكونها من قديمٍ مع من ينبري للتحذير منهم وبيان حالهم، وكشف عوارهم من علماء السنة، فمن قام لله لتصحيح مسار الدعوة، وتصفية الصَّف وتنقيته من الدخلاء، فهو عندهم مُفرِّقٌ وصاحب دعوة تفريق..».
يكفيني في جوابك ما قدَّمت من بطلان أصلِك الذي ترنمت به في بناء دعواك.
ولهذا قلت سابقاً: أنَّ منشأ هذا التَّقول هو: ناتج عن سوء فهم مشوب بنوع هوى. وأصل كلِّ بلية في الخلق منشأها: سوء فهم في سوء قصد. وكلاهما اجتمع في هذا المتهور.
ولا بأس أن أختم بهذه الفتوى العلمية لعلم من أعلم الأمة المحدَثين: سئل فضيلة الشيخ العلامة محمَّد بن صالح العثيمين $:
«هل يجوز أن نسمِّي الرسول بـ(المُفَرِّق)؟» فأجاب :
«لا. لأن التفريق على الإطلاق ذمٌّ، بل إنَّ الرسول جمع الناس، وجمع الله به بعد الفُرقة، وألف به بعد العداوة، وأعزَّ به بعد الذُّل، ونصرَ به بعد الخذلان: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)[سورة الضحى]. وقال النَّبي للأنصار حين جمعهم: «ألم أجدْكم ضلالًا فهداكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي، وكنتم متفرقين فجمعكم الله بي». فلا يمكن أن نسمِّيه «المفرِّق» على الإطلاق.
السائل: بل نقول: فرَّق بين الحقِّ والباطل؟ الشيخ: كما سمَّى الله القرآن فرقاناً؛ لأنه يفرِّق بين الحقِّ والباطل» اهـ ([13]).
إفادة: هل يجوز إطلاق هذه التسمية «المُفرِّقة» على أهل الأهواء أو من سلك مسلكهم أم لا؟
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :في معرض كلام له على أصل مهم، وهو: «كل من لم يعبد الله ويرده بعمله فلابد أن يعبد غيره ويعبد هواه» ([14])، ما نصُّه:
«ولهذا لمّا تنازع الناس: هل يُسمَّى الفقهاءُ ونحوُهم من أهل الأهواء؟ فجعلهم منهم طائفةٌ كأبي حامد الإسفراييني والقاضي أبي يعلى، وأبَتْ ذلك طائفةٌ كابن عقيل = كان التحقيق أن غالبهم لهم هوًى، لكن ليسوا من أهل الأهواءِ المطلقة المفارقة للسنَّة والجماعة.
فلهذا على المسلم أن يَتلقَّى ما جاءتْ به الرسلُ على وجهِه، فيُرِيد اللهَ بجميع ذلك، وإلّا وقعَ في بدعةٍ وشركٍ واتباع هوًى بلا ريب، وإن كان مخالفوه أعظمَ منه في ذلك، فإنهم يكونون مفرّقين، والله تعالى إنما أمرهم أن يعبدوه مخلصين لله الدِّين، فكل ما دخل في الدِّين يجب أن يُخلَص لله لا لغيره، فيكون دينُ المرء كلُّه لله» اهـ ([15]).
أقول: مما يستخلص من تقرير هذا العلَم:
-أنَّه أَثْبَت لهم المفارقة من وجهٍ دون وجهٍ، إلا أنَّهم «ليسوا من أهل الأهواءِ المطلقة المفارقة للسنَّة والجماعة».
أقول: ومن نظر في مسلَك هذه الجماعة -جماعة «الأخسِّ»- وتتبع كلامهم فيه أدرك تمام الإدراك أن مشرب القوم مشرب أهل الأهواء والفُرقة، في التأصيل والتَّضليل. يكفيهم في ذلك «أصل التقديس للأشخاص» الذي بنَوا عليه فُرقتهم، و«قاعدة التهميش» البدعية الدعامة الأساسية لحياطة باطلهم والتعمية على الأتباع والمغرر بهم.
فكيف ينكرون على أهل السنة بعد وصفَهم بـ«المفَرِّقة» وقد خاضوا في ذلك خوضاً؟!!
-أنَّ من كان أتبع لهواه كان أعظم مخالفةٍ وأعظم فرقةٍ وتفريقٍ. وذلك ناتج عن عدم تلقي «ما جاءت به الرسل على وجهه».
وهل ما جاءت به جماعة «الفُريق» مما جاءت به الرسل عليهم السلام، حتى يتسنى لهم في دعواهم الاتصاف بالسنة والسلفية، ونبز غيرهم بـ«الصعفقة»، ومخالفة السنة وركوب موجة الاحتواء والتميع؟!!
فليحكم العقلاء من بني آدم عقولهم التي أكرمهم الله بها وميَّزهم، أم الشرع فقد لاح واتضح لكل من كان له طعم في الإيمان وذوق في السنة والسلفية.
-أنَّ إخلاص الدِّين لله الواحد الأحد -ومنه الاعتصام به وبدينه، وعدم التَّفرق فيه- مما أمر الله تعالى به، وما خالفه كان فُرْقة وضلالةً واتباعاً للهوى، يقلُّ ذلك ويكثر.
وهل ما جاءت به هذه الجماعة موافق لأصل الدين والملة أم هو خلافه ومناقض له؟!!
فليتأمل اللَّبيب صاحب النفس السنِّي ذلك وليحكم بنفسه.
أما المقام الثاني:
فيتبين بنقض هذه الدعوى العريضة الباطلة، القائمة على الظلم والمَين. والدعاوى لما تكون قائمة على الهوى والفجور تكون دعوى عريضة غير منضبطة، لأنها تفتقر إلى ميزان العلم والعدل، ويكون صاحبها باغ ظالم فاجر في خصومته.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : في معرض كلام له في ردِّ دعوى الجهمية المعطلة، ما نصُّه: «.. ثم رأيت أن هؤلاء المعترضين ليسوامستقلِّينبهذاالأمر،استقلالشيوخالفلاسفةوالمتكلمين،فالاكتفاءبجوابهملايحصلمافيهالمقصودللطالبين،وآثارالكلامفيهاالشبهالمعارضةلماأنزلاللهمنالكتاب،حتىصارتالسنَّةتُضِلُّماشاءاللهمنالفضلاء،أوليالألباب في هذا الباب، وحصل من الاشتباه والالتباس، ما أوجب حيرةَ أكثر الناس، واستشعر المعارضون لنا، أنهم عاجزون عن المناظرة، التي تكون بين أهل العلم والإيمان، فعدلوا إلى طريق أهل الجهل والظلم والبهتان، وقابلوا أهل السنّة بما قدروا عليه من البغي باليد عندهم واللسان، نظير ما فعلوه قديمًا من الامتحان» اهـ ([16]).
وهو سنَّة أهل الجهالة في مقابلة الحقِّ وأهله قديماً وحديثاً، كما صنع مشركو العرب في الصدِّ عن دعوة النَّبي حذو القذة بالقذة.
وعليه فالدعاوى إنْ لم تكن مؤسَّسة فهي دعوى باطلة، «وَلَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ» كما في «الصحيح». هذا من جهة.
ومن جهة ثانية: «أنَّ مَن كان قوله مجرَّد دعوى أمكن مقابلته بمثله» ([17]).
لذا أقول: كلُّ من قرأ لكم أو تتبع كتاباتكم فيما أحسب من أهل الخير والسنَّة، بل حتى من عامة الناس -من أهل الفطرة المستقيمة والعقول الراجحة-، أدرك زيف ما تتقوَّلون به على غيركم، بل وما تدعونهم إليه، فدعوا التهويل في التحجج بـ«جمهور العوام الطيِّبين»!!
أما قوله: «الذين يصدعون بالحق في وجه المُخالفين، ويقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرَّدِّ على المبطلين والتحذير من المخطئين المعاندين، ويتَّخذون المواقف الشرعية منهم دون محاباة أو مُداهنة».
أقول: لا أدري عن أيِّ حقٍّ صدعتم في وجه مخالفيكم، ولا عن أيِّ واجب من معروف أو منكر أمرتم، ولا عن أيِّ مبطل ومخطئ ردَدتم وحذَّرتم، ولا عن أيِّ مواقف شرعية اتخذتم؟!!
أَصَدَعْتم في وجه من دعا إلى التقديس والغلو في وجوه مقدَّمكم من أبواقكم وأتباعكم؟!! أأمر شيوخكم بالمعروف ونهو عن المنكر فيما وقع فيه أتباعهم من إخلال بأصل الدِّين والملَّة، أم فيما وقعوا فيه من مفاسد في أصول السنَّة وقواعدها -الهضابي، بويران، زيدان أنموذج-؟!! أم فيما وقع فيه شيوخكم من كذب صراح؟!! حتى صار الملأ من السَّلفيين يستحيوا من كثرة تعداده حكاية.
أما المداهنة: فبيتها بيت جماعتكم ودثارها وشعارها في شيوخكم، فجماعتكم بيت الكذب والتلبيس وعقْر المداهنة والتمويه!!
وقوله: «ونبزهم بالمُفرِّقة وبدعاة التفريق». فاعلم أنَّ الوصف بـ«النبز» خلق أهل الضلالة والهوى، ووصمة عار في جنب أهل البدعة والفُرقة، وليس بخلقٍ لأهل الاستقامة والسنَّة، هذا الذي عهدنا به أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً في العلم والتأصيل.
أما من سلَك مسالك أهل الهوى فلا يفرِّق بين وصف الحال والنبز في المقال، وحسب أهل السنَّة أنْ شخَّصوا منكم الحال، وكشفُوا منكم المذهب الباطل، فلا داع للخلط بين الحال والحال، وإلا انقلب عليكم المقال في نبزنا بالتميُّع وهو: خالص الفساد في الدِّين، وقد علمتم منَّا صلاح الحال واستقامة السريرة، فلما اللَّجاجة وجحد النعمة.
أما قوله: «.. فمن قام لله لتصحيح مسار الدعوة، وتصفية الصَّف وتنقيته من الدخلاء».
والله لا ندري عن أيِّ قيام قمتموه لله -جلَّ وعلا- في تَفْرِقَتكم للسَّلفيين وفتْنتكم لهم، ولا عن أيِّ مسارٍ صححتموه في الدعوة في قومَتكم تلك؟!! وأنتم قد قعَّدتم وأصَّلتم ما يفسد الدعوة في منهاجها ويخدش عليها أصل ملَّتها، في «قاعدة التهميش»، و«قاعدة تقديس الأشخاص والغلو فيهم» في قلوب وأذهان شباب الأمة، وإقرارٍ لـ«تأصيلات فاسدةٍ في منهاج دعوتها».
أما تصفية الصفِّ من الدخلاء، فلقد حزتم قصْب السَّبق في إدخال الدخلاء فيه لا في تنقيتِه، قاتلكم الله مالكم كيف تأفكون؟!! المبرسم ابن عطايا، وابن زكري، وو.. أنموذج.
أما قوله: «ولهذا؛ ترى كلمة الحزبيين والمميعين القدامى قد اتفقت على وصف العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله- بالمفرِّق، وعلى تصنيفه في كبار الدعاة إلى الفرقة».
أقول: وهل رؤُوسكم ومقدَّموكم من أقران ربيع السنَّة -حفظه الله- ومثله؟!! حتى يقال فينا: أننا من سنن وأمثال «الحزبيين والمميعين القدامى»!!
وهل من سلَك مسلَك ربيع السنَّة -حفظه الله- وإخوانَه من أهل العلم يقال فيه: حزبيٌّ مميِّع؟!! قاتلك الله ما أسفهك وأجرءك؟!!
أما قوله: «والفرقة في الحقيقة إنما نشأت عن مخالفاتهم وإصرارهم عليها، وبسبب عنادهم، ومُقابلتهم للناصحين والناقدين بالطعون والحروب الظالمة الشعواء، وبالتحريش بينهم وبين العلماء، وتشويه صورتهم عندهم، وسعيهم للظفر بتزكيات لهم لستر فضائحهم، واستخراج صوتيات تجريحية في خصومهم، ونحو ذلك من الأفاعيل».
أقول: هذه فريةٌ ومينٌ يضاف لك ولشيوخك، فهي من بنات أفكاركم وجموح نفوسكم، والله المستعان!!
أما مقابلة السَّلفيين للناصحين والناقدين بالطعون والحروب والتحريش وو ..، فاعلم أن السَّلفيين ومراجيج جماعتكم ومن غررتم بهم في حاجة إلى شرح قضايا فُرقتكم وبيانها بدلائلها فضلا عن نصائحكم وتوجيهاتِكم ونقدِكم، وإلا فقد علم الملأ من أهل الإسلام أن السَّلفيين كانوا سبَّاقين إلى النصح والمناصحة، وإصلاح ذات البين وجمع الكلمة، تحت توجيهات ربانيِّ العلماء وإرشاداتهم، فمن كان أولى بالنصح وجمع الكلمة؟ أَمَن رغب في الإصلاح والمناصحة أم مَن أمر بـ«التهميش، والمقاطعة والقطيعة»؟!!
فمن كان عاجزاً عن تصوير قضيتِه والتَّدليل عليها بميزان الشرع، كيف يكون أقدر على النُّصح فضلًا عن النَّقد. ولذا جلْ ما تأتون به إنما هو: تهويش وتشويش، وخلطٌ في قضايَا العلم وأصوله، وفواجع شيوخك وسقطات الأبواق من أمثالك خيرُ شاهدٍ لمن عرَف قدره ووَعَى ما يخرج من رأسه.
أما استخراج «التجريح» كما يحلو لك، فاعلم أنَّ تجريح الربيع -ربيع السنَّة- لرؤُوسكم إنما هو: قائمٌ على الدلائل والبيِّنات والقرائن التي أحاطت بهم وبقضيتهم، لا من قبيل الإملاءات والتَّلقينكما تظنون؛ وهذه إحدى الكُبَر التي تنضاف إلى قاموس السقطات لدى جماعتكم -رؤُوسا وأتباعاً-، وهذا أمر يعلمه العام قبل الخاص والمخالف قبل الموافق، فلِم تسلكون سبيل التعمية والطمس للحقائق؟!!
أما «ونحو ذلك من الأفاعيل» فهذه -فيما أعلم- من خصال أهل الدَّنَاءَة والخِسَّة، وقد تنوعت فيكم شيوخاً وأتباعاً فحذار حذار فالتأريخ لا يرحم.
أما قوله: «وما يدعيه الاحتوائيون من وقوع الفرقة بين السلفيين، على الوجه الذي يُصورونه وينقلونه للعلماء -لكسب مواقفهم وتأييدهم- إلى درجة أنها تسببت في تعطيل الدعوة، والتأثير على مسارها كما يزعمون، فكله كذبٌ ودعايات باطلة! وهو من إعلامهم الفاجر، القائم على قلب الحقائق!».
أقول: والله ما ندري ما نسمِّي هذا؟!! أنسمِّيه جماعة واجتماع أم فُرقة وافتراق بعد كلِّ الذي وقع، فليتأمل أهل جماعتك هذه الحال التي هم فيها، وليتأملوا قول بعض مقدِّميكم فيها: إنها «فتنة»، أم هذا من التصوير الخاطئ لكسب المواقف، أم «هو من الإعلام الفاجر، القائم على قلب الحقائق»؟!!
ثم هل العلماء في حاجة لمن ينقل ويصوِّر لهم الحقائق، حتى يكسبوه التأييد وإعطاء المواقف؟!! ما أجرءَكم على العلماء وما أجهلَكم بقدرهم ومكانتِهم!!
ثم تنزلًا أقول: أيُّهم كان أسبق هرولةً إليهم أمِن السَّلفيين هو أم من شيوخ الفُرقة؟!! ولِم لمْ تكسبوا تلك المواقف وذاك التأييد إذاً؟!!
أما تأثير فتْنتكم وفُرْقتكم على تعطيل الدعوة والتَّأثير على مسارها، فاعلم أن هذا لا يجهله إلا المنْدسين في الدعوة من المراجيج أمثالك، أما مَن له مسْكة عقل وبقيةُ إيمان وتقوى فيعلم ذلك علم اليَقين بله عينُ اليقين.
أما مَن كان غير مرضيٍّ لا قبلًا ولا حالًا ولا بعداً من أمثالك -باتفاق الموافق والمخالف- فلا ذوق له في الدعوة ولا في السَّلفية إلا من جهة ما يخدم هواه وطموحاتِه.
أما قول هذا الطائش فينا «هو من الإعلام الفاجر، القائم على قلب الحقائق» فلا أدري متى كان من ينتسب إلى السَّلفية -فضلا عمن يدَّعي تصحيح مسارِها- يعبِّر بمثل هذه التعابير «الإعلام الفاجر، القائم على قلب الحقائق»، وهل كان مثل هذا من تفكير السَّلفيين فضلا عن أن يكون شغلهم الشاغل، فيا ويح المفرِّقة وغبنهم فيك وفي أمثالك!!
أما قوله: «ولكن الذي وقع حقًّا؛ هو أن الناس افترقوا عنهم، وانفضوا من حولهم، وتركوهم، بعدما فارقوا -هم- إخوانهم بإصرارهم على مخالفاتهم المنتقدة عليهم وامتناعهم من الرجوع عنها، وأما أهل الحق فلا يزالون مجتمعين كما كانوا لم يحصل عليهم نقص».
أقول: من الذي قلَب الحقائق هنا؟!! أنحن أم هذا الطائش المفتري؟!! ومن الذي افترق عن الآخر نحن أم هم؟ أما انفضاض وافتراق مراجيجكم عن أهل الخير والصلاح فليس ببدع فينا، بل هو: سنَّة ماضية في أهل الأهواء في كلِّ العصور، فكيف يكون ذلك عندكم وفي مقاييسكم وصفُ ذمٍّ لغيركم مدحٌ لكم!!هذا من أغرب وأعجب ما ينطق به ناطق أو يتفوه به متفوه!!
أفيكون في مذهبكم أيها الغِرْ افتراق وانفضاض مشركي العرب عن رسول الله مدحاً لهم أم هو ذمٌّ لهم؟!!
أم يكون افتراق أهل الضَّلالة والهوى عن جماعة السنَّة مدحاً لهم أم هو: ذمٌّ لهم؟!! وقد قال نبيُّ الهدى محمَّد : «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً». وفي رواية: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ: الْجَمَاعَةُ» ([18]). أفكان ذلك مدحا أم ذما في لسان رسول الله ؟!!
مع أنَّ الذي وقع إنَّما هو: بفعل جماعة «الأخسٍّ من الحدادية» ومكرهم وكيدِهم، أم تريدون تزييف الحقائق ومغالطة التأريخ. ويحكم فالتأريخ لا ينسى كما أنه لا يرحم!!
أما قولك: «وأما أهل الحق فلا يزالون مجتمعين كما كانوا لم يحصل عليهم نقص» فلا أدري عن أيِّ اجتماع يتحدث مثلك، ومقدَّموك يقولون إنها «فتنة»، ولا أدري أيُّ كمالٍ قد حصل لأمثالك من المجانين وأنتم سبب الفُرقة والفتنة بله وقودها؟!!
والله لأن بقيَ أمثالك وأضرابُك يكتبون في هذه الفتنة ليهلكنَّ فركوس وشيعته هلاكاً فوق هلاكه، وليسقطن سقوطا فوق سقوطِه. فمثلك ومثل كتاباتك ممن يدع الأرض والديار بلاقع. ما أنت إلا ممن يزيد سيده ورئيسه سوءا وإساءةً.
أما قوله: «وأما أهل الحق فلا يزالون مجتمعين كما كانوا لم يحصل عليهم نقص، بل زاد خيرهم، ولا يزال السلفيون ومعهم جمهور العوام الطيبين في التفاف حول مشايخهم ..، ولا تزال مجالس مشايخنا وإخوانهم الدعاة أينما كانت عامرة مزدحمة بأهل السنة والعوام، لا تسعها المساحات الشاسعة، والقاعات الواسعة، فلم يتغيَّر شيء، والحمد لله، والفضل في ذلك لله وحده، وما ذلك إلا لارتياح الناس وطمأنينتهم وقناعتهم وانشراح صدورهم للحق الذي بيَّنه مشايخنا بأدلته، فلم يجدوا بُدًّا من الالتفاف بهم، وتأييدهم، ونصرتهم، وتكثير سوادهم والتعاون معهم».
أقول: لا أريد التعليق على مثل هذا الهراء، فالحكم لعقلاء القرَّاء، لكنِّي أقول: لقد أشبعْتم سفهاءكم ومجانينكم، ومن غرَّرتم بهم «مقروطاً»!! -كما يقال- أما عقلاء بني آدم فلا أظن أحداً منهم يصدِّقكم في هذا! كيف وقد رأى منكم شناراً ومعرةً؟!!
أما قوله: «فالتغير إنما حصل على من شذُّوا عن الجماعة، وفارقوا إخوانهم بما صدر عنهم من أخطاء ومؤاخذات أبوا الرجوع عنها».
أقول: نعم، فالتغير حصل ممن شذَّ وفارَق، ومقدَّموكم ورؤوسكم أهلها ومبتدئوها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: ما علمنا وجود الأخطاء والمؤاخذات تكون سبباً لـ«لفُرقة والتَّفريق» إلا من قبل من انتهج منهجكم «الوحش» في لسان أهل العلم والدِّيانة، ولكن المناصحة والمصالحة هذا تنزلا؛ وإلا ما عندكم من الأخطاء والجهالات فقد فاق الحسبان. فأيُّ الفريقين أحقُّ بالشذوذ ومفارقة الإخوان؛ إن كنتم تعقلون!!
قوله: «فحسبوها فُرقة حصلت في الصف، وإنما هو فراق حصل منهم للجماعة!». بل هو: فراقٌ منَّا ومنكم حصل بعد فُرْقة ومفَارقة منكم. فـ«فراقُنا» حاصلٌ وناتج عن هجران باطلِكم وجفائِكم، وهو: أثرٌ من آثار إيماننا باسم نبيِّنا محمَّد «الفَارِق»، ووصفه في سنَّته بـ: «مُحَمَّدٌ فَرْقٌ [أو فرَّق] بَيْنَ النَّاسِ».
أما «فراقُكم»: فأثرٌ من آثار أهوائكم وسوء فهمِكم وسوء قصدِكم، فافترقا «الفراقين» -افتراق الأصل والأثر.
فشتان بيننا وبينكم؛ شتان بين «فراقٍ» نابع عن إيمانٍ وتقوى وهدى، وبين «فراقٍ» نابع عن جهلٍ وظلمٍ وعدوانٍ.
قوله: «وأما انحياز بعض الأفراد والنكرات والمقلدة إلى القوم من حين لآخر فإن ذلك لا حدث أبدًا ولا يُغير من الواقع شيئًا، وإنما هو تنقية للصف من الدخلاء وأصحاب الدخن، فلن يضر الحق وأهله شيئًا».
أقول: نعم، وهذا أثرٌ من آثار تقعيد «عابث القرن» فيكم «جمعة الفتان»، وسيئة من سيئاته فيكم، لا يهمُّكم من انحاز منكم إلى غيركم وأنتم -في زعمكم- أهل الحقِّ ودعاة تصحيح المسار الدعوي، وو..، كيف يهمُّكم ذلك وأنتم تملكون قلوباً وجلوداً بألوان وأشكالٍ عدَّة!!
بل هذا عندكم «تنقية للصف من الدخلاء وأصحاب الدخن»، ويكفي في تمثيلك إبانةً عن جهلك وسوء فهمك وقصدك، «كما لم يضر خذلان المنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ...».
فهلا صارحتموهم بعدم الرَّغبة فيهم حتى لا تنتفعوا بكثرتهم وتكثيرهم لصفِّكم، وأنتم أهل النصح والمناصحة وعدم المداهنة كما قدمت؟!! أم أنَّها الخيانة والدَّسِيسة والمكر منكم لمن عاملتُموهم بالأخوة في الظاهر وأنتم تمكرون بهم في الباطن، عاملكم الله -جلَّ وعلا- بما تستحقون فيهم.
أما نحن فنفرح بعودِ من عاد منهم ونصفح في الصافحين عنه، ونحزن لفراق من فارقنا عن تغرير منكم، ونرحم قدراً منهم من ركب الهوى وامتطَى سبيل أهل الفُرقة، على وفق ما أصَّله لنا سادات علمائنا سلفاً وخلفاً، ولنا في الأثر أسوةٌ وقدوة.
ففي «الصحيح» من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيما لقي النَّبي من أذى قومه يوم العقبة: «فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» متفق عليه.
هذا في قوم مشركين، فكيف بغيرهم؟!! هذا هو: الفارق بيننا وبينكم، وهذه رحمتنا الأثرية، وجفوتكم الخلفية!!
وفيه: صنيع الصدِّيق الأكبر -أبي بكر- وخليفة رسول الله في مانعي الزكاة وأهل الردَّة، كيف قاتلهم على الردِّ إلى حضيرة الإسلام وأداء حقِّ المال، وناقش فيهم الفاروق عمر حتى اطمأنت نفسه لذلك وانشرح صدره، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم بعد على ما عزم عليه .
هذا منهجنا يا «بويران»! ندوِّي به ونصدع، فاخبر به مَن خلْفك من أهل الجهالة والظلم والفُرقة.
لعلني مما أختم به كلامي هنا مع هذا الطائش -ولولا ما رأيت في كلامه من تشبيه وجهل لما تقحمت النكث عليه والتعليق خاصة فيما تعلق بالمقام الأول-، نكتة من نكات أهل الجهل والجهالة، قال فيها:
«نكتة: تذاكرت مع أحدهم في الموضوع فقال لي: الإرهاب انتهى في آواخر التسعينات، وما يحصل من أحداث متفرقة من بعض أفراده هنا وهناك إنما هي حالات شاذة، لا تُغير من الأمر شيئًا، عصر الإرهاب قد ولى والعشرية السوداء صارت من الزمن الماضي، والفاهم يفهم!».
قال: «عصر الإرهاب قد ولى والعشرية السوداء صارت من الزمن الماضي، والفاهم يفهم!». اسمع منِّي أيُّها الفهيم في قومه! لو كان عصر الإرهاب انتهى وآثاره اضمحلت في أمثالك ومن هم على بنات أفكارك في المذاكرة، لكان عصر الخوارج ومقدمِهم ذي الخويصرة انتهى ومذهبُهم في الأمة ولَّى، وكان بعدُ ذكرهم على لسان المصطفى ، وكتب السنَّة ودواوينها، وما سطره أئمة الإسلام وأعلامه في بينان حالهم وكشف خبايا منهجهم، حشوٌ من الكلام ولغو، فانتبه لتحذلقك ونكاتك، فأنت فيها وبما أصَّلت في مقالك بين «السندام والمطرقة»، فإيَّاك واللَّعب والتَّلاعب فقومنا ليسوا كقومك، وما يحكمنا ليس مما يحكمك ويحركك، وقراءتنا للأفكار ليس كقراءة من تهرف لهم بما لا تعرف.
وليس أمثالك من يفقه الفتن ويدرك العبر والدروس منها، وأنت وأمثالك بنزينها ووقودها.
تم المقصود.
وكتب: عبدالمجيد تالي
04-03-1442هـ
20-10-20ن


([1]) «جلاء الأفهام» (ص: 184-185) ط/ عالم الفوائد.

([2]) «زاد المعاد» (1: 72-74) ط/عالم الفوائد، (1: 84-85) ط/ الرسالة، وانظر: «المواهب اللَّدنية» (1: 445) للقسطلاني.

([3]) «سبل الهدى والرشاد» (1: 492)، وانظره: في «الرياض الأنيقة» (ص: 14) ط/ الكتب العلمية.

([4]) «زاد المعاد» (2: 401-404)، (2: 307-309) ط/الرسالة.

([5]) انظر: «جامع البيان» (3: 622-628)، و«تفسير القرآن العظيم» (1: 569).

([6]) «فتح الباري» (17: 140) ط/دار طيبة.

([7]) انظر: «الإفصاح» (8: 333)، «كشف المشكل» (3: 56)، «الميسر في شرح المصابيح» التوربشتي (1: 77)، «تحفة الأبرار» (1: 121-122) للبيضاوي، «المفاتيح في شر المصابيح» (1: 243) للمظهري، «الكواكب الدراري» (25: 34-35)، «مصابيح الجامع» (10: 154) للدمانيني، «إرشاد الساري» (10: 304)، وغيرها.

([8]) هو: الإمام المحدث أبو عبدالله أحمد بن محمد العزفي، أحد تلامذة القاضي أبي ابن العربي، وأبي العباس القرطبي. أفاده الصالحي في «سبيل الهدى» (1: 499).

([9]) «سبل الهدى والرشاد» (1: 611).

([10]) انظر: «النهاية في غريب الحديث» (3: 439).

([11]) كما سيأتي إن شاء الله تعالى من كلام الشيخ ابن عثيمين .

([12]) «كتاب الروح» (2: 723-725) ط/عالم الفوائد، في فصل ماتع نافع فليراجعه من شاء.

([13]) «لقاء باب مفتوح» (13/28).

([14]) انظر: «جواب الاعتراضات المصرية» (ص: 92، و96).

([15]) انظر: «جواب الاعتراضات المصرية» (ص: 99).

([16]) «بيان تلبيس الجهمية» (1: 7).

([17]) «منهاج السنة النبوية» (4: 292).

([18]) وهو: مخرج في «الصحيحة» (203-204) الأول: من حديث أبي هريرة ، والثاني: من حديث معاوية وغيره.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23 Oct 2020, 05:16 PM
أبوعبد الله مصطفى جمال أبوعبد الله مصطفى جمال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2019
المشاركات: 66
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخ عبد المجيد على هذا الرد القيم الذي فيه نور العلم والبيان
أما المفرقة فدخل عليهم الشيطان من باب أنهم إعتقدوا ثم بدأوا في البحث عن الأدلة فاتبعوا الهوى واحتطبوا بليل بهيم
خلافا لاهل السنة الذين يستدلون أولا قبل أن يعتقدوا فيكون دينهم وتدينهم ومواقفهم مبنية على الأدلة ولله الحمد
بارك الله فيك شيخنا.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23 Oct 2020, 06:08 PM
محمد أمين سلاطنية محمد أمين سلاطنية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2019
المشاركات: 91
افتراضي

بارك الله فيكم ونفع بكم شيخنا الفاضل
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013