12 Jul 2018, 02:12 PM
|
موقوف
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 102
|
|
محنة الإمام أحمد - دروس وعبر -.
بسم الله الرحمن الرحيم
[ محنة الإمام أحمد دروس وعبر ]
ترجمةُ الإمامِ أحمدَ بنِ محمَّد بن ِحنبل رحمه الله :
نسبُه: هو أحمدُ بنُ محمّد بنِ حنبل بنِ هلال بنِ أسد ...إلى ... ربيعةَ بنِ نزار بنِ معد بن عدنان وهو من ذريَّة إسماعيلَ بنِ الخليل إبراهيم عليه السلام.
تعليق:
جمع له بين شرف العلم وشرف النسب.
ولادتُه: قال صالحُ بن أحمد قال لي أبي: ولدتُ سنةَ أربعٍ وستين ومائة(164) في أولها في ربيعٍ الأول.
وجئَ بي حملًا من مرو[ ( مرو الرُّوذ ) واظ•ليها ينسب صاحب أحمد أبو بكر المرُّوذي ]، وتوفي أبي محمد بن حنبل ولي ثلاثُ سنين فوليتني أمي.
أبوه: محمدُ بنُ حنبل كان أحدُ قادةِ الجيش في مرو ومات بعد مقدمِه إلى بغدادَ بنحوٍ من ثلاث سنينَ من ولادة أحمد.
أمه: صفية بنتُ ميمونة بنتِ عبد الملك الشيباني من بني عامر، كان أبوه نزل بهم فتزوج بها.
نشأته:
لمَّا مات أبوه تولَّته أمُّه وربَّته تربيةً حسنةً بحبٍّ جمّ وعطف بالغٍ.
وكانت تُرسله إلى الكتَّاب. وكانت آثار النجابةِ والفضلِ والصلاح تبدو منه من صغره.
- روى ابن الجوزي بإسناده عن أبي عفيف قال: كان أحمدُ في الكتَّاب معنا وهو غليّم نعرفُ فضله، وكانت النساءُ يبعثن إلى المعلّم: ابعث إلينا بأحمدَ بنِ حنبل، ليكتب لهم جوابَ كتبهم التي تأتيهم من الرَّقة حيث كان الخليفة بجنده ، فربما أمْلَوْا عليه الشيء من المنكرِ فلا يكتبهُ لهم.
تعليق:
لم يكتب المنكرَ في صغره ولم يَقله في كبره وكلُّ ذلك بحفظٍ من الله اظ•نه كان بعباده حفيًّا .ومن شبَّ على شيءٍ شاب عليه كما قيل:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوَّده أبوه .
طلبه العلم ورحلته فيه:
- ابتدأ الإمامُ أحمدُ في طلب الحديث من شيوخ بغدادَ يقول: أوّلُ من كتبتُ عنه الحديث، أبو يوسف.
وقال: طلبت الحديث وأنا ابن ستَّ عشْرة سنة، ومات هُشيم وأنا ابن عشرين سنة.
ثم رحلَ إلى الكوفة، والبصرةِ ومكةَ والمدينةِ واليمنٍ والشام، والجزيرة وكتبَ عن علماء كل بلدٍ.
- وقد روى في المسند عن مئتين وثمانين ونيف من المشايخ.
يقول: أولُ خرجةٍ خرجتها إلى البصرة سنة 186 وهي الأولى والثانية سنة 190، ودخلت الثالثة في سنة 194 وقد مات غُندر ودخلت سنة 200.
قال صالحٌ لأبيه: أي سنةٍ خرجت إلى سفيانَ بنِ عُيينة؟ قال: في سنة 187.
- وقال عبدُ الله بنُ أحمد: خرج أبي إلى طرسوس ماشياً وخرجَ إلى اليمن مَاشياً، وقال أبي: ما كتبنا عن عبد الرزاق من حفظه شيئا إلا المجلس الأول وذلك أنا دخلنا بالليل فوجدناه في موضعٍ جالسًا، فأملى علينا سبعينَ حديثاً، ثم التفت إلى القوم فقال: لولا هذا ما حدَّثتكم يعني أبي.
تعليق:
[وكان أحمد عزم أن يأخذَ عن عبد الرزاق بصنعاءَ فلم تَطِب نفسه أن يأخذ عنه لما لقيه بمكةَ في الحج ].
- وحصلت له بهذه الرّحلاتِ الكثيرة: ذخيرة ٌكبيرةٌ ومجموعة كثيرة من الأحاديث والآثار.
- قال عبد الله بن أحمد قال لي أبو زرعة: أبوك يحفظ ألفَ ألفَ حديثٍ.
فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب. ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، ثم قال: فهذه حكاية صحيحةٌ في سعة علم أبي عبد الله، وكانوا يعدون في ذلك المكرَّرَ والأثر وفتوى التابعي وما فُسِّر، وإلاّ فالمتون المرفوعاتُ القوية لا تبلغُ عُشْر معشار ذلك.
- ثم إنه طُبع على عزة النفس فكان لا يقبل من أحدٍ هبةً ولا عطيةً ويرتفع عن الجوائز والأعطياتٍ ويرضى لنفسه بالكسب الحلال بعرق الجبينٍ فكان يكري نفسه مع الجمَّالين.
- روى أبو نعيم في الحلية عن إسحاق بنِ راهويه يقول: لما خرج أحمدُ ابن حنبل إلى عبد الرزاق، اظ•نقطعت به النفقةُ فأكرى نفسه من الجمّالين إلى أن وافى صنعاء، وقد كان أصحابُه عَرضوا عليه المواساة، فلم يقبل من أحدٍ شيئاً.
- وبإسناده عن عبدِ بنِ حُميد يقول: سمعت عبد الرَّزاق يقول: قدم علينا أحمدُ بن حنبلٍ ههنا، فقام سنتين إلا شيئاً، فقلت له: يا أبا عبد الله. خذ هذا الشئَ فانتفع به فإنَّ أرضنا ليست بأرضِ متجرٍ ولا مكسب. وأرانا عبدُ الرزاق كفّه ومدّها فيها دنانير. قال أحمدُ: أنا بخير، ولم يقبل منِّي.
- وروى عن أحمدَ بن سليمان الواسطي أنه قال: بلغني أن أحمد بن حنبل، رهن نعله عند خبّاز على طعام، أخذه منه عند خروجه من اليمن، وأكرى نفسه من ناسٍ، من الجمّالين عند خروجه من اليمن، وعرضَ عليه عبدُ الرزاق دراهمَ صالحةً، فلم يقبلهاَ منه.
- وروى أيضا عن علي بنِ الجهم بن بدرٍ قال: كان لنا جار فأخرج إلينا كتابا، فقال: أتعرفون، هذا الخط؟.
قلنا: نعم، هذا خطُّ أحمدَ بن حنبلٍ، فقلنا له: كيف كتبَ ذلك؟، قال: كنَّا بمكة مقيمين عند سفيانَ ابن عيينة، فقصدنا أحمد بن حنبل أيَّاما فلم نره، ثم جئنا إليه، لنسأل عنه، فقال لنا أهل الدار التي هو فيها، هو في ذلك البيت، فجئنا إليه والبابُ مردود عليه، وإذا عليه خُلْقَان فقلنا له، يا أبا عبد الله، ما خبرُك؟ لم نرك منذ أيام، فقال: سُرقت ثيابي، فقلت له: معي دنانير،فإن شئت خذ قرضًا، وإن شئت صلةً، فأبى أن يفعل، فقلت: تكتبُ لي بأخذه؟ قال: نعم، فأخرجت ديناراً فأبى أن يأخذه، وقال: اشْترِ لي ثوبا واقطعه بنصفين، فأومئ أنه يأتزر بنصف، ويرتدي بالنِّصف الآخر، وقال: جِئني ببقيته، ففعلت وجئت بورق وكاغدٍ فكتب لي فهذا خطُّه.
تعليق:
كان أحمد يقتات من : - كِراء نفسه - كراء دَاره - من اللِّقاط بعد جذاذ الفلاحين - من نسيجِ أمِّ صالح - ويتكسب من الكتابة .
- الداعي إلى الله يجعل لنفسه مصدر رزقٍ يُعفُّ به نفسه عن ذلَّة السؤال لا بلسان المقال ولا بلسان الحال.
- لا تقبل العطية إذا كان يُخشى أن تكون مساومةً للمرء على دينه كما قال سليمان عليه السَّلام أتمدُّونني بمال فما آتاني الله خير ....
- ويبدو أن الإمام أحمد لم يتصدَّر للتحديث والفتوى إلا بعد الأربعين، وقبلها كان متفرغاً للطلب والأخذ والجمعِ مشغولا بالرحلاتِ الكثيرة للقيِّ المشايخ.
- ذكر ابن الجوزي عن الحجَّاج بن الشاعر، أنه جاء إلى أحمد بن حنبل، فسأله أن يحدثه في سنة 203 (يعني وعمره كان آنذاك 39 سنة) فأبى أن يحدِّثه.
فخرج إلى عبد الرزاق، ثم رجع في سنة أربع يعني ومائتين، وقد حدَّث أحمد، واستوى الناس عليه، وكان له في هذا اليوم أربعون سنة.
ثناء الأئمة عليه:
- فلما جلس للتحديث ضُربت إليه أكباد الإبل وشُدَّت إليه الرِّحال من كل صوبٍ للنَّهل من معينه الثري. وذاع في الأقطار الإسلامية المتراميةِ صيتُه وظهر علمهُ وفضله ,قال الحسن بن إسماعيل: سمعت أبي يقول: كان يجتمع في مجلسِ أحمد زُهاءً على خمسة آلاف أو يزيدون أقلّ من خمسِمائة يكتبون والباقون يتعلَّمون منه حسن الأدب وحسن السَّمت.
- وقال عليُّ بن المديني: أحمد بن حنبل سيدُنا، وكان يُجلُّه ويكرمه كثيراً، وهو هو في علم الحديث: حتى قال فيه البخاري: ما استصغرتُ نفسي إلا عند علي بنِ المديني.
- وكان يقول ابنُ المديني أيضا: إن سيدي أحمدَ بن حنبل أمرني ألا أحدِّث إلا من كتاب.
- وقال أيضا: أحمدُ بن حنبلٍ عندي أفضلُ من سعيد بنِ جبير في زمانه، لاظ”ن سعيدا كان له نظراءُ، وإن هذا ليس له نظير.
- وقال أيضا: إن الله عز وجل أعزَّ هذا الدين برجلين ليس لهما ثالثٌ، أبو بكر الصديق يوم الردَّة وأحمدُ بن حنبلٍ يوم المحنة وقد كان لأبي بكر أصحابٌ وأعوان. وأحمد ليس له أعوانٌ ولا أصحابٌ.
تعليق:
مواقف الرجال يحفظها التاريخ للأجيال ,وتبقى فخرا وشرفا لا يقدَّر بالمال .
- كان يعيش زاهداً بعيدا عن التَّرف والترفُّه، ولم يقبل الولايات والمناصب وآثر الخمول لنفسه واختار التواضع والقناعة بما يسدُّ به حاجته في أدنى درجات المعيشة.
ذكر ابن الجوزي عن الشافعي قوله: لما دخلت على هارونَ الرشيد قلت له بعد المخاطبة: إني خلَّفت اليمن ضائعةً تحتاج إلى حاكمٍ، فقال: انظر رجلًا ممَّن يجلس إليك حتى تولِّيه قضاءَها، فلمّا رجع الشافعي إلى مجلسه، رأى أحمدَ بنَ حنبل من أمثلهم أقبلَ عليه، فقال: إني كلمت أميرَ المؤمنين أن يولِّي قاضياً باليمن وأنَّه أمرني أن أختارَ رجلا ممن يختلفُ إليَّ وإنِّي قد اخترتك فتهيَّأ حتى أُدخلك على أمير المؤمنين يولِّيَك قضاء اليمن.
فأقبل إليه أحمدُ وقال: إنَّما جئت إليك لأَقتبس منك العلم تأمرني أن أدخلَ لهم في القضاء ووبَّخه فاستحى الشافعي.
ملخص الفتنة :
- قال ابن الأثير في تاريخِه في حوادث سنة 240: وفيها تُوفيَ القاضي أبو عبد الله أحمدُ بن دؤاد في المحرّم بعد ابنه أبي الوليد بعشرين يوما، وكان داعيةً إلى القول بخلق القرآن وغيره من مذاهبِ المعتزلة وأخذ ذلك عن بشرٍ المريسي وأخذه بشرٌ من الجهم بن صفوان، وأخذه جهمٌ من الجعد بن درهم، وأخذه الجعدُ من أبان بنِ سمعان، وأخذه أبان من طالوتَ ابنِ أختِ لبيد بن الأعصم . وأخذه طالوتُ من لبيدٍ بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وكان لبيدٌ يقول: بخلق التوراة، وأول من صنف في ذلك طالوت، وكان زنديقا، فأفشى الزندقة .
ورجال هذه السلسلة الزائغة يهودٌ أو من أصل اليهود، فبِشْرٌ بن غياث المريسي الذي تولَّى كبر هذه الفتنة في وقته وكان عين الجهمية ورأسَهم وعالمهم في عصره كان أبوه يهوديا.
- روى الخطيب في تاريخه عن إسحاقَ بن إبراهيم الملقبِ بلؤلؤ, الصدوق الثقة قال: مررت بالطريق فإذا بشرٌ المرّيسي والناس عليه مجتمعون. فمرّ يهودي، فأنا سمعته يقول: لا يفسدُ عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة يعني أن أباه كان يهوديا.
وملخص الفتنة والمحنة أن المأمون الخليفة العباسي كان قد استحوذ عليه جماعةٌ من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحقِّ وزينوا له القولَ بخلق القرآن ونفيِ الصفات عن الله عز وجلَّ.
قال البيهقي: لم يكن في الخلفاء قبله في بني أمية وبني العباس خليفةٌ إلا على مذهب السلف وليس منها جهميٌّ، فلما وليَ هو الخلافةَ اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك، وزيَّنوا له، واتَّفق خروجه إلى طرسوس لغزو الروم، فكتب إلى نائبهِ ببغداد إسحاق بنِ إبراهيم بن مصعب صاحبِ الشرطة، يأمره أن يدعوَ الناس إلى القول بخلق القرآن.
واتفق له ذلك في آخر عمره قبل موته بشهور من سنة 218.
[ انتهى النقل من مقدمة كتاب العلل ومعرفة الرجال للمحقق وصي الله عباس ].
- كان خلفاء بني أمية وبني العباس لا يتساهلون مع من خالف مذهبَ السلف وقد قتل خالدٌ بن عبد الله القسري أميرُ الكوفة الجعدَ بن درهم ,وسجن أسلمُ بن يسار -أحدُ أمراء بني أمية –الجهمَ بن صفوان وأدَّبه بالضرب إلى أن مات في سجنه ,وأخذ الخليفة هارونُ الرشيد بشراً المرّيسي فوضعه في السجن وأمرَ بجلده كلَّ أسبوع مائةَ جلدة حتى مات في سجنه .
- وتغيَّر الحال لما تولى الخلافة َالمأمونُ بسبب بطانة الشر ثمامةَ بنِ أشرس وأحمد بنِ أبي دؤاد وهما مؤدباه ومُعلِّماه في الصغر قرَّبهما منه لما تولَّى الخلافة وجعلهما من خاصَّته ومستشاريه فأفسدا قلبه وعقله بفكرةِ خلق القرآن التي صار يمتحن الناس بها ويحملُهم عليها.
تعليق :
- البطانة السيئة من المبتدعة ضررها خطير على دين الأمة.
- قال عمر رضي الله عنه: " : يهدم الإسلام زلَّة العالم، وجدال المنافق بالقرآن، وحُكم الأئمة المضلين". رواه الدارمي
- البدع لا تظهر بالحجَّةِ والعلم وإنما ظهورها بسيف السُّلطان وقهر الناس على تبنِّيها كرهاً .[ولا تزال طائفة من أمتي ....]
- تاريخ خلافة المعتصم باللَّه في سنة ثمانيَ عشْرة ومائتين.218 سُجن أحمد سنتين وأربعة أشهرٍ ثم أخرج ومُنع من التَّحديث ومُنع الناس من مجالسته.
- المأمون والمعتصمُ اقتصرت محنتُهم على العلماء والقضاةِ ولم تتعدّاهما لبقية المسلمين بخلاف الواثق الذي ألزم حتى الصِّبيان في الكتاتيب .
- تاريخ خلافة الواثق باللَّه في سنة سبع و عشرين ومائتين.227حسَّن له ابن أبي دؤاد امتحان الناس بخلق القرآن ففعل ذلك، ولم يتعرَّض لأحمدَ لِما علم من صبره، أو لما خاف من تأثير عقوبته، لكنّه أرسل إلى أحمد بنِ حنبل: لا تساكنِّي بأرض، فاختفى بقية حياة الواثق، فما زال يتتقلُ في الأماكن ثم عاد إلى منزله بعد أشهر، فاختفى فيه إلى أن مات الواثق.[ص166 من كتاب المحنة ]
- تاريخ خلافة المتوكل على الله في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.232وفي هذه الفترة ِأظهرت السنة وقُمعت البدعة وكثرت على أحمدَ عطايا السلطان وهو يردُّها وجعل يقول: والله لقد تمنَّيت الموتَ في الأمر الذي كان، وإني لأتمنَّى الموت في هذا، وذاك أن هذا فتنة الدنيا، وكان ذاك فتنةُ الدين. ثم جعل يضم أصابع يده ويقول: لو كانت نفسي في يدي لأرسلتها، ثم يفتح أصابعه.[ ص193 من كتاب المحنة]
فوائد من كتاب المحنة للمقدسي تحقيق عبد المحسن التركي :
رؤى ومبشراتٌ على الثبات :
-ذكر أحمدُ بن محمد بنِ حنبل المحنة يوماً ، فقال: رأيت في المنام عليًّا بنَ عاصم فأولت: علي علو، وعاصم عصمة من الله عز وجل، فالحمد لله على ذلك.ص13.
- روى ابن الجوزي بسنده إلى أحمد المرّوذي أن رجلا رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له تمضي حتى تأتيَ بغداد،فإذا أتيت بغدادَ فسل عن منزل أحمدَ بن حنبل، فإذا لقيته فقل: النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: إنَّ الله مبتليك ببليَّة، وممتحنُك بمحنة، وقد سألته لك الصبر عليها، فلا تجزع. ص6
- روى موفقُ الدين المقدسي بسنده قال يحيى الجلاءُ، أو علي بن الموفق: ناظرت قوماً من الرافضة أيام المحنة، قال: فنالُوني بما أكره، فصرت إلى منزلي وأنا مغمومٌ بذلك، فقدمت لي امرأتي عشائي فقلت لها: لست آكل، فرفعته ونمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم داخلاً المسجد وفي المسجد حلقتان: حلقة فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابن أبي دؤاد وأصحابه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم بين الحلقتين وأشار بيده فقال: {فإن يكفر بها هؤلاء} وأشار بيده إلى حلقة ابن أبي دؤاد وأصحابه، {فقد وكلنا بها قوماً لسوا بها بكافرين} وأشار بيده إلى الحلقة التي فيها أحمدُ بن حنبل رحمه الله.ص16
تعليق :
وهذه المبشرات تزيد المؤمن ثباتا.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ يَكَدْ يَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْذِبُ»(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
وقوله "لمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤيا يراها العبد الصالح أو تُرى له"م
ثبات أحمد رحمه الله :
- كان أحمدُ إذا ذكر السبعة الذين أجابوا اغتمّ لذلك : وكان أولُ من حُمل للمحنة هؤلاء السبعة، جاء كتاب المأمون في أمرهم أن يُحملوا إليه ولم يُمتحنوا هاهنا، وإنما أخرجهم إليه فأجابوه بالرَّقة، وكانوا: يحيى بن معين، وأبو خيثمة زهير بنُ حرب، وأحمد ابن إبراهيم الدورقي، وإسماعيل الجوزي، ومحمّد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم عبد الرحمن بن يونس المستملي، وابن أبي مسعود. فحضرتهم حين أُخرجوا إلى الرَّقة في الخان بباب الأنبار، فأخرجوا جميعاً فأجابوا وأطلقوا. ص40
تعليق :
- أنكر عليهم أحمد لأنهم أجابوا بسهولة ولم يُمسّوا بعذاب وقد اختار رحمه الله أن المكره ينبغي أن يمس بعذاب قال أحمد : القيد كره والحبس كره والضرب كره فأما إذا لم ينل بمكروه فلا عذر له .بخلاف الجمهور القائلين بأن مجرد التهديد من قادر على التنفيذ يكفي لتحقّق عذر الإكراه .
- دخل جماعةٌ من أهل الحديث على أحمدَ بالرَّقة وهو محبوسٌ، فجعلوا يذكرونه ما يروى في التَّقية من الأحاديث، فقال أحمد: وكيف تصنعون بحديث خباب: ((إن من كان قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار، ثم لا يصدُّه ذلك عن دينه)).ص63
تعليق :
اختار رحمه الله العزيمة , وقد ذكر الشيخ العثيمين في القول المفيد :
مسألة: هل الأولى للإنسان إذا أكره على الكفر أن يصبر ولو قتل، أو يوافق ظاهرا ويتأول؟
هذه المسألة فيها تفصيل:
أولا: أن يوافق ظاهرا وباطنا، وهذا لا يجوز لأنه رِدَّة.
ثانيا: أن يوافق ظاهرا لا باطنا، ولكن يقصد التخلص من الإكراه، فهذا جائز.
ثالثا: أن لا يوافق لا ظاهرا ولا باطنا ويقتل، وهذا جائز، وهو من الصبر
لكن أيهما أولى أن يصبر ولو قتل، أو أن يوافق ظاهرا فيه تفصيل: إذا كان موافقة الإكراه لا يترتب عليه ضرر في الدين للعامة، فإن الأولى أن يوافق ظاهرا لا باطنا.
أما إذا كان في موافقته وعدم صبره ضرر على الإسلام، فإنه يصبر، وقد يجب الصبر.(باختصار)
- قال إسحاقُ بن إبراهيم : ما رأيت أحداً لم يداخل السلطان ولا خالط الملوكَ أثبتَ قلباً من أحمد يومئذ، ما نحن في عينه إلا كأمثالِ الذباب.
تعليق :
- الحق ما شهدت به الأعداءُ "وشهد شاهد من أهلها".وعدمُ مبالاتهم بهم من أثر التوحيد والتمسك بالحق.
فتنة الحبس والقيد والسوط: 'خلافة المعتصم'
- هدّد المعتصمُ أحمد فقال: وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربنَّك بالسِّياط أو تقول كما أقول، ثم التفت إلى جلاد، فقال: خذه إليك، قال: فأخذه فخرق قميصه ثم أوقفه بين العُقابين، فلما ضرب سوطاً واحداً، قال: باسم الله، فلما ضرب الثاني، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما ضُرب الثالث، قال: القرآن كلام الله غير مخلوق، فلما ضرب الرابع، قال: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}، فضربه تسعة وعشرين سوطاً ص76
تعليق :
ممّا يقوي العبد على الأعمال الشاقة ذكر الله : قال النبي صلى الله عليه وآله لابنته فاطمة لما سألته خادما:" ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فإنه خير لكما من خادم" وكذلك البلاء يخفِّفه ذكر الله وهل بلغ الأولياء رتبة الولاية إلا بذكر الله؟
- قال أبو عبد الله : ذهب عقلي مراراً فإذا رفع عنِّي الضربُ رجعت إلى نفسي، وإذا استرخيت وسقطتُ رفع عني الضرب، أصابني ذلك مراراً وأنا لا أعقل.ص96
- قال صالحٌ بن أحمد: قال لي أبي: كان عقلي معي إلى ثمانيةً وثلاثين سوطاً، ثم لم أدر أين كنتُ، ذهب عقلي.ص117.
قال شاباص التائب : لقد ضربتُ أحمدَ بن حنبل ثمانين سوطاً، لو ضُربتْ فيلاً لهدَّته.ص149
وما تركه المعتصم إلا عند الإياس منه، وكان أبو إسحاق ندم بعد ذلك وأسقط في يده حتى صلح ص103
- جيء برجل طبيب ليعالجه، فقال: قد رأيت من ضرب ألف سوط، ما رأيت ضرباً مثل هذا ص80
تعليق :
هذا الثبات العظيم يدل على معرفة بالله وإيمان وصدق ويقين , فمن تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدّة ومن حفظ حدود الله حفظه الله ,ومن صدق مع الله صدقه ,والله عند ظن عبده به وهو معه إذا ذكره .
مواقف مشرفة :
- قال أبو الفضل: ثم امتُحن القومُ، فوجِّه بمن امتنَع إلى الحبس، فأجاب القوم جميعاً ( السبعة الذين ذكروا من قبل ) غير أربعة: أبي، ومحمد بن نوح، وعبيد الله بن عمر القواريري،والحسن بن حمَّاد سجادة، ثم أجاب عبيد الله بن عمر، والحسن بن حماد، وبقي أبي، ومحمد بن نوح في الحبس، فمكثا أياماً في الحبس.
وكان أبو عبد الله بعد ذلك يعذر القواريري وسجادة، يقول: قد أعذرا وحبسا وقُيّدا، وقال الله عز وجل: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} ثم قال: القيد كره والحبس كره.ص43
تعليق :
- لم يكن أحمد يُلزم الناس بما كان عليه هو من العزيمة لذا عذر من حُبس وأجاب تقية ولم يعذر من تساهل في الموافقة .ولا عذر لمن ركن إلى القوم الظالمين قال ابن الجوزي في مناقب أحمد ص390:إن معظم القوم لما أجابوا قبلوا الأموال وترددوا إلى القوم , وتقربوا منهم ففعلوا ما لا يجوز فلهذا استحقوا الذم والهجر .
1- قال أحمد بن حنبل: ما سمعت كلمةً كانت أوقعَ في قلبي من كلمةٍ سمعتها من أعرابيٍّ في رحبة طوق، وقال لي: يا أحمد، إن قتلك الحق متَّ شهيداً، وإن عشت عشْت حميداً؟ص47
2- قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي، يقول كثيراً : رحم الله أبا الهيثم، غفر الله لأبي الهيثم عفا الله عن أبي الهيثم. فقلت: يا أبت: من أبو الهيثم؟ قال: ما تعرفه؟ قلت: لا. قال: أبو الهيثم الحداد، اليوم الذي خرجت فيه للسياط ومُدت يداي للعُقابين، إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي: تعرفني؟ قلت: لا. قال: أنا أبو الهيثم العيار، اللص الطرَّار، مكتوبٌ في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانيةَ عشَر ألفَ سوطٍ بالتفاريق، وصبرتُ في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فاصبر أنت في طاعةِ الرحمن لأجل الدين. قال: فضربت ثمانية عشر سوطاً بدل ما ضرب ثمانية عشر ألفاً، وخرج الخادم فقال: عفا عنه أميرُ المؤمنين.
3-ورد على عاصم بن علي كتاباً من ابنتيه من واسط: يا أبانا إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمدَ بن حنبل فضربه بالسَّوط على أن يقول: القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تُجبه إن سألك، فوالله لأن يأتينا نعيُك أحبُّ إلينا من أن يأتينا أنَّك قلت. ص151
تعليق :
1- هذه مواقفُ سطّرها بعض العامّةٍ من أهل السنّة كلّهم يوصون بالثبات على الحقّ , فعلى المسلم السلفي أن تكون له مواقفُ حازمةٌ في نصرة السنّة (وهذا من وصايا شيخنا العلامة محمد علي فركوس)
2- ولا يُلتفت إلى المخذّلين : ...من أنت؟ ومن تكون؟ وووو... من ذاك الأعرابي أو أبو الهيثم .
3- إن لم تكن :كأحمد فلا أقل من أن تكون كأبي الهيثم أو كالأعرابي من أنصار أهل الحق .
4- وليُعلم أنَّ أهل الحقّ لا يثبّطون أحداً قام بواجبه في نصرة الحقّ ,وليكن المرء على ذُكرٍ أن أبا جهل قتله غلامين من غلمان الأنصار .
5- تواضع أحمدَ حيث يَسمع لمن كلّمه ولا يزدري أحدا من عباد الله .
6- الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها ولا ينبل الرّجل حتى يأخذ ممّن هو دونه .
-أحمد الرجل الصالح :
أ-توفيق الله لابن حنبل:
- مرَّ في ترجمته ...فربَّما أملوا عليه الشئ من المنكر فلا يكتبه لهم.
- قال أبو زرعة الرازي : قلت لأحمد بنِ حنبل: كيف تخلَّصت من سيف المعتصم وسوط الواثق؟ فقال: لو وضع الصدق على جرح لبرٍأ.ص143
- أُخرج يوماً رحمه الله بعد التعذيب الشديد, قال:وحُملت على دآبَّةٍ والأقياد ثقيلة علي وما معي أحدٌ يمسكني، فظننتُ أنِّي أسقطُ إلى الأرض أو نحوه، فأدخلت فصُيِّرت في بيتٍ وأغلق عليَّ الباب وأقعد معي رجلان، وليس في البيتٍ سراجٌ، فقمت أصلٍّي ولم أعرف القبلة، فصليت، فلما أصبحت نظرت فإذا أنا على القبلة.ص85
تعليق :
- قيامه إلى الصلاة في تلك الحالة يظهر صلاح الرجل وتقواه واستقباله للقبلة دليل توفيق الله وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع الى الصلاة .
- ولما حُمل الإمام من دار الخلافة إلى دار إسحاق بن إبراهيم وهو صائمٌ أتوه بسويقٍ ليفطر من الضعف، فامتنع من ذلك وأتمَّ صومه، وحين حضرت صلاة الظهر صلَّى معهم والدم في ثوبه، فقال له ابن سماعة القاضي، وصليت في دمك؟ فقال له أحمد: قد صلى عمرُ وجرحه يثعب دما فسكت.
قال : وصي الله عباس:
: إن الصلاة التي صلاها الإمام في دمائه لهي أفضل إن شاء الله عند الله بآلاف الدرجات من صلواتهم بطهاراتهم الظاهرة الكاملة، لأن صلواتهم مشوبة بالبدعٍ وفساد العقيدة وأما صلاة الإمام فهي خالصةٌ من أي شائبة يزيٍّنها الوسام الكريم بالجراحات لله وفي سبيل الله. وهذا الدم الشريف الذي سال منه لوجه الله يأتي يوم القيامة إن شاء الله. اللون لون الدم والريح ريح المسك يرفع الله به درجاته عنده. [من مقدمة كتاب العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد ص75].
ب-تفطنه لمكايد الشيطان :
- رُئيت له رؤيا وأنَّه ردَّ الرِّداء على كتف رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فقال أحدُهم : إن الرِّداء الذي رده أحمدُ على كتف رسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يردُّها أحمد على الناس، قال: فكان أحمدُ إذا ذكر هذا الحديث نكت بإصبُعه الأرض، ثم قال: وددت لو أن الجبل ساخ بي أو سار بي ولم أسمع من هذا الكلام. كل ذلك لئلا يتَّكل أحمد على شيء من القول.ص34.
- قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : لما حضرت أبي الوفاة ُكنت عنده وكان يغرقُ فيما هو فيه، وبيدي خرقة أمسح بها عينيه ساعة ساعة، ففتح أبي عينيه وحدَّق بهما وأومأ بيده، وقال: لا بعدُ، لا بعدُ، دفعاتٍ. فقلت: يا أبت، من تخاطب؟ قال: هذا إبليس قائماً بحضرتي عاضّاً على أنامله، يقول: يا أحمد، فُتَّني، فأقول: لا، حتى أموت.ص128.
تعليق :
- هؤلاء هم الأئمة وهذا حالهم لا يغرّهم المدح والإطراء ولا يحبّون المدح والثناء آتاهم الله بصيرة نافذة وذهناً وقّاداً ونوراً في القلوب يجلِّي الأشياء على حقيقتها. لا يأمنون على أنفسهم مادامت الأرواح في أجسادهم .
ج-إجابة دعائه :
- قال أبو عبد الله : كنت أدعو الله أن لا يريني وجْههُ يعني المأمون وذلك أنه بلغني عنه أنه يقول: لئن وقعت عيني عليه لأقطعنَّهُ إرباً إرباً. قال أبو عبد الله: فكنت أدعو الله أن لا يريني وجهه، فلما دخلنا طرسوس أقمنا أياماً وأنا في ذلك، إذا رجل قد دخل علينا، فقال لي: يا أبا عبد الله، قد مات الرجل، فحمدت الله تعالى.
- بُشِّر أحمدُ أن المأمون قد مات في هذه الساعة. قال القواريري: فنظرت إلى أحمد وهو رافع يديه يدعو، فما شككنا أنّه دعا عليه فاستجيب له.ص68.
تعليق :
- الدعاء سلاح المؤمنين وملاذ المظلومين ومأوى المستضعفين .كما قال القائد المسلم وهو يستعرض جيش الموحدين:
[ أصبع محمد بن واسع أحب إلي من ألف سيفٍ شهير وألف شاب طرير ]
د-ورعه وزهده :[فتنة الدنيا]
- لما أمر أبو إسحاق المعتصم بتخلية أبي عبد الله خلعَ عليه أبو إسحاق منطقة وقميصاً وطيلساناً وخفاً وقلنسوة فأمر به فبيع، وأخذ ثمنه فتصدق به.
- بعث إليه المتوكل بكسوةٍ وعشرة آلاف درهمٍ فقسَّمها وهو يقول وجِّهْ إلى فلانٍ حتى يفرق في ناحيته، وإلى فلانٍ، فلم يزل حتى فرقها كلها، ونفض الكيس قال صالحٌ: ونحن في حالة الله جل وعزَّ بها عليم.ص173
وأرسل الثياب إلى بغداد تباع ويتصدق بثمنها، ونهاهم أن يشتري أحدٌ منهم منها شيئاً.ص188
-بعدما توالت عليه هدايا المتوكل جعلَ يقول: والله لقد تمنَّيتُ الموت في الأمر الذي كان، وإني لأتمنَّى الموت في هذا، وذاك أن هذا فتنة الدنيا، وكان ذاك فتنةُ الدين. ثم جعل يضم أصابع يده ويقول: لو كانت نفسي في يدي لأرسلتها، ثم يفتح أصابعه. ص193.
ه-عفوه:
- وجاء رجل يستأذن على أحمد يريد أن يتحلَّل منه، فقام بين يديه وجعل يبكي وقال: يا أبا عبد الله، أنا كنت ممن حضر ضربك يوم الدار، وقد أتيتك فإن أحببت القصاص فأنا بين يديك وإن أردت أن تُحلَّني فعلت. فقال: على أن لا تعود لمثل ذلك؟ قال: نعم قال: قد جعلتك في حلٍّ، فخرج يبكي، وبكى من حضر من الناس.
- وقل آخر :يا أبا عبد الله، اجعلني في حلٍّ، قال: مِن ماذا؟ قال: كنت حاضراً يوم ضُربت، وما أعنت ولا تكلَّمت، إلا أني حضرت ذلك، فأطرق أبو عبد الله ثم رفع رأسه إليه، فقال: أحدث لله توبةً، ولا تعد إلى مثل ذلك الموقف. فقال له: يا أبا عبد الله، أنا تائب إلى الله تعالى من السلطان، قال له أبو عبد الله: فأنت في حلّ وكلُّ من ذكرني إلا مبتدع.
- قال أبو الفضل: دخلت على أبي رحمه الله يوماً، فقلت له: بلغني أن رجلاً جاء إلى فضل الأنماطي فقال: اجعلني في حلٍّ إذ لم أقم بنُصرتك. فقال فضل: لا جعلت أحداً في حل فتبسم أبي وسكت، فلما كان بعد أيام قال لي: مررت بهذه الآية {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}، فنظرت في تفسيرها فإذا هو ما حدثني به هاشم بن القاسم، حدثني المبارك، حدثني من سمع الحسن، يقول: إذا جثت الأمم بين يدي رب العالمين يوم القيامة، نودوا: ليقُم من أجره على الله عز وجل، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا. قال أبي: فجعلت الميت في حل من ضربه إياي، وجعل يقول: وما على رجل ألا يعذبَ الله بسببه أحداً.ص98.
و - عتاب الإمام أحمد على الذين أجابوا في المحنة :
- روى ابن الجوزي بإسناده عن أبي بكر المرُّوذي يقول: جاء يحيى بن معين فدخل على أحمد بن حنبل وهو مريض، فسلَّم فلم يرد عليه السلام، وكان أحمدُ قد حلف بالعهد أن لا يكلم أحدا ممن أجاب حتى يلقى الله عز وجل، فما زال يحيى يعتذر ويقول: حديث عمار، وقال الله تعالى: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" فيُولِّي أحمدُ وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: أفٍّ وقام، وقال: لا يقبلُ لنا عذرًا، فخرجت بعده وهو جالسٌ على الباب، فقال: أيُّ شيء قال أحمد بعدي؟ قلت: قال: يحتج بحديث عمار، وحديث عمار مررتُ وهم يسبُّونك فنهيتهم فضربوني، وأنتم قيل لكم نريد أن نضربكم، فسمعت يحيى يقول: مرْ يا أحمد غفر الله لك، فما رأيت والله تحت أديم سماء الله، أفقهُ في دين الله منك .
- وقد أجاب في المحنة خوفاً من الأذى والقتل علي ابن المديني رحمه الله أيضا وذكروا عنه أشياء فهجره الإمام أحمد لذلك.
. [انظر مقدمة كتاب العلل ومعرفة الرجال للامام أحمد ص81].
ي- انتقام الله ممن آذاه:
- لمَّا ضرب المعتصم أحمدَ بنَ حنبل لم ينتفع بنفسه، وأخذته الرِّعدة وضيق النفس، وكانت ترتعد فرائصه ولا تكاد تستقيم له قدمٌ على الأرض، فإذا قيل له: الأطباء، قال: أنا أعرف علَّتي، عِلَّتي محنة العبد الصالح أحمدَ بنِ حنبل حين ابْتُليت به. حتى مات على ذلك.
- الجلاد الذي ضرب أحمد وقعت في يده الأكلة في وقته ذلك، وبعد ثلاثٍ مات، واسود وجهه كلُّه. ص116
- ابن أبي دؤاد ضربه الفالج وصودرت أمواله.مع أن المتوكل كان يرسل من يسأل عنه أَحمدَ فلا يجيبه .
ك- قوة حجته :
1- كان بحمد الله صوته يعلو على أصواتهمقال مرّة أحدهم : قال الله عز وجل: {ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٍ} أفيكون محدث إلا مخلوقاً؟! قال: فقلت: قال الله عز وجل: {ص. والقرآن ذي الذكر} فالذكر هو القرآن، وتلك ليس فيها ألف ولا لام.ص88
2- قال بعضهم: أليس قال: {قل الله خالق كل شيءٍ}؟ قال: قلت: قد قال: {تدمر كل شيءٍ} فدمرت كل شيء إلا ما أراد الله عز وجل؟!ص89
3-قال الله لموسى في كتابه حكاية عن نفسه تعالى: {وكلم الله موسى} فأثبت الله تعالى الكلام لموسى كرامة منه لموسى، وقال بعد كلامه له: {تكليماً} تأكيداً للكلام. وقال الله تعالى في كتابه: يا موسى {إنني أنا الله لا إله إلا أنا}، أفتنكرون هذا؟ فتكون هذه الياء الراجعة حكاية ترد على غير الله ويكون مخلوقاً يدعي الربوبية ألا وهو عز وجل. قال الله تعالى: {يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك}،ص89
4- لما ولي المتوكل قال لي إسحاق بن إبراهيم: اجعلني في حلّ، فقلت: قد جعلت كلَّ من حضر في حلٍّ. قال أبي: فقال لي إسحاق: أسألك عن القرآن مسألة مسترشد، لا مسألة امتحان، وليكن ذلك عندك مستوراً؛ ما تقول في القرآن؟ قال أبي: فقلت: القرآن كلام الله غير مخلوق. قال: فقال لي: من أين قلت غير مخلوق؟ قال أبي: فقلت: قال الله عز وجل {ألا له الخلق والأمر} ففرق بين الخلق والأمر. فقال إسحاق: الأمر مخلوق؟ فقلت: سبحان الله أيخلق بخلق خلقاً!ص180
ل- حقد وحنق أهل البدعة عليه:
كان أمير المؤمنين يقول له: أجبني حتى أجيء فأطلق عنك بيدي.
ويحك يا أحمد، أنا والله عليك شفيق، وإني لأشفق عليك مثل شفقتي على هارون ابني، فأجبني. فقلت: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئاً من كتاب الله عز وجل أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .ص94
- قال المعتصم مرّة لابن أبي دؤاد: لقد ارتكبتُ إثماً في أمر هذا الرجل، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنه والله كافر مشركٌ، قد أشرك من غير وجهٍ، فلا يزال به حتى يصرفه عما يريد. وقد كان أراد تخليتي بغير ضربٍ، فلم يدعه، ولا إسحاق بن إبراهيم، وعزم حينئذ على ضربي.ص111
- قال أبو عبد الله: لولا الخبيثُ ابن أبي دؤاد كان أبو إسحاق قد خلاني، ولكن هو وإسحاق بن إبراهيم قالا له: يا أمير المؤمنين، ليس من تدبير الخلافة أن تخالف خليفتين وتخلي سبيله.ص114
م- الذكر الحسن والثناء بعد الابتلاء :
- كان بشر بن الحارث يقول: أدخل أحمد بن حنبل الكير فخرج ذهبة حمراء. قال علي: فبلغ أحمدَ قولُ بشر، فقال: الحمد لله الذي رضى بشراً بما صنعنا.
- مرض الإمام أحمد ووفاته:
بعد حياة حافة بالعلم والجهاد مرض الإمام مرض موته ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة 241 وتوفى عاشر يوم مرضه يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول.
ودفن بعد العصر، وصلى عليه جم غفير قدر بألف ألف نفس وستمائة ألف سوى من صلى في الخانات والبيوت قدِّر بألف ألف نفس ، رحمه الله ورفع درجاته مع النبيين والصديقين والشهداء.
آمين.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
كتبه أبو همام عبد القادرحري .
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر ; 12 Jul 2018 الساعة 04:53 PM
|