للشيخ إياد اللقان (أبوعبدالله) حفظه الله
بسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَمَا لكَ عَقْلٌ يا خالدٌ المصرِيُّ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ:
لقد استمعتُ واستمعَ غيرِي إلى صوتيةِ المدعُو خالدِ عبد الرحمن المصريِّ الذي أظهر فيها خبايا أصحابِ النَّهْجِ الفاضح من تجرُّؤٍ كبيرٍ، وتطاولٍ خَطِيرٍ، وطعنٍ صريحٍ في إمامٍ من أئمَّة السُّنَّة الأعلامِ، بشهادةِ الأئمَّةِ الكبارِ - نحسبُهُ كذلك واللهُ حَسِيبُهُ - وهو شيخُنا الشَّيخُ العلَّامةُ المجاهد ربيعُ بنُ هادي بنِ عُمَيرٍ المدخليُّ، بارك اللهُ في عُمْرِهِ وثبَّتَهُ على السُّنَّةِ .
وفي هذه الصَّوتية يدَّعِي خالدٌ المصريُّ أنَّ الشَّيخَ ربيعًا يقرِّرُ منهج الخوارجِ، ويؤيِّدُ مجالسَ الشُّورى السِّريَّةِ، وأنَّهُ خالف أصلًا من أصُولِ السُّنَّةِ فانحرف بذلك عن منهج السَّلفِ كما زعم هذا المتطاولُ .
ولقد صدق الإمامُ أحمدُ - رحمه الله - في بيان حال هذا وأمثالِهِ فقال : «فَمَا أَحْسنَ أثرَهُم على النَّاسِ، ( أي: العُلماءَ)، وما أقبحَ أثرَ النَّاسِ عليهم».
وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيميّةَ - رحمه الله – في «مِنْهاجِ السُّنَّةِ» (1/22): «ومن أعظم خُبْثِ القُلُوبِ أن يكونَ في قلب العبد غِلٌّ لخيار المؤمنين وسادةِ أولياء الله بعد النَّبِيِّينَ».
وصدق الشَّيخُ الفَوْزانَ - حفظه الله - وهو يتكلَّمُ عن أصناف الطَّاعِنين في أهل العلم فقال كما في «الأجوبة المفيدة»: «لا يَقَعُ في أعراض العُلماءِ المستقِيمِينَ على الحقِّ إلا أحدُ ثلاثةٍ: إمَّا منافقٌ معلومُ النِّفاقِ , أو فاسقٌ يُبْغِضُ العلماءَ؛ لأنَّهُم يمنعُونَهُ مِنَ الفِسقِ, وإمَّا حِزْبيٌّ ضالٌّ يَبْغَضُ العلماءَ، لأنَّهُم لا يُوافِقُونَهُ على حزبيِّتِهِ وأفكارِهِ المنحرفة".
وأقولُ لهذا المصريِّ: لقد ارتقيتَ مُرْتقًا وَعِرًا يا هذا , ألا تَعْلَم أنَّ من علامة أهل البدع الوقيعةَ في أهل الأثرِ، وصدق القائلُ:
يا نَاطِحَ الجَبَلِ العاليَ لِيَكْلِمَهُ
أَشْفِقْ عَلَى الرَّأْسِ لا تَشْفِق عَلَى الجَبَلِ
كَنَاطِحِ صَخْرةً يَوْمًا لِيُوهِنَهَا
فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلَ
ولقد صدق الذَّهبيُّ في أمثالك حينما علَّقَ على إيراد العُقَيليِّ لعليِّ بن المدينيِّ في كتابه «الضُّعفاءِ», فقال :«أَفَمَا لَكَ عَقْلٌ يا عُقَيليُّ , أتدري فِيمن تتكلَّمُ؟».
وأقولُ: أما لكَ عَقْلٌ يا خالدُ، فتتكلَّمُ في إمامٍ من أئمَّةِ السُّنَّةِ؛ فجهودُهُ في الدِّفاعِ عن السُّنَّةِ مَنثورةٌ، وكتبُهُ في المعمورةِ منشُورَةٌ ، فكم مِن بدعةٍ قَمَعَهَا, وكم من حزبيّةٍ دكَّ حصُونَهَا، فبكلامِكَ هذا أَبَنْتَ عن منهجِكَ، ومنهج من يؤيِّدُكَ، ولا يضرُّ الرَّبيعُ طَعْنَ الطَّاعِنينَ، فالرَّبيعُ هو الرَّبيعُ، سيبقى صخرةً سُنِّيةً تتحطَّمُ عليها أمواجُ بدعهم وضلالاتِهم وطعوناتِهم الجائرةِ، وسَيُرْفَعُ الرَّبِيعُ - بإذن ربه -، فبالله عليكم أين هم الذِين تكلَّم فِيهمُ الرَّبيع؟!.
وأما أنتَ ومن يُؤيِّدُك، فظهر لكلِّ ذِي عينٍ منهجَكُم الخطيرَ لضرب الدَّعوةِ السَّلفيةِ، وأقولُ: إنَّ أهلَ الضَّلالةِ لا حيلةَ لنا فيهم، فالتَّبريراتُ والتَّعليقاتُ ستنهالُ دفاعًا عن خالدٍ المصريِّ من جماعة: «الأَخَسِّ مِنَ الحدَّاديةِ».
وهذا ما أشرنا إليه في جَلْسةٍ لطلبةِ عِلْمٍ بغزَّةَ مع متعصبةِ محمَّد بنِ هادي: بأنَّ المقصودَ من الطُّعوناتِ في طلبة الشَّيخِ ربيع الشَّيخُ نفسُهُ لا طلَّابُهُ، وما تفوَّهُ به اليومَ خالدٌ المصريُّ أظهر به ما في مَخْبُوءاتِ القَوْمِ من طعنٍ في الشَّيخِ ربيعٍ، وإسقاطٍ للواء الجَرْحِ والتَّعديل في هذا الزَّمانِ بشهادة الأئمَّةِ الأعلام ، لا كما يدَّعِي بعضُ المفتُونِين: أنَّ هذا مجرَّدُ تخطئةٍ للشَّيخِ، وزاعم هذا أحدُ رجلينِ: إمَّا جاهلٌ، أو صاحبُ هوىً مفتونٌ متعصِّبٌ.
أمَّا ما زَعَمَهٌ خالدٌ المصريُّ من أنَّ مجالسَ شُورَى العلماءِ مجالسَ سِرِّيةٍ حزبيِّة خارجيّةٍ، فأقولُ دفعًا لهذه الفِرْية: أخرج الإمامُ البخاريُّ في «صحيحه» (8/ 168) ح(6830) من حديث ابن عبَّاسٍ قَالَ: «كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ المُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ،، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنىً، وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اليَوْمَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي فُلاَن؟ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَوَاللهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلاَّ فَلْتَةً فَتَمَّتْ.
فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللهُ لَقَائِمٌ العَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا، وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ؛ فَإِنَّهَا دَارُ الهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أَهْلُ العِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللهِ -إِنْ شَاءَ اللهُ- لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالمَدِينَةِ...».
قال ابن الملقِّن معلِّقًا في «التَّوضيح لشَّرْح الجامعِ الصَّحيحِ» (31/218): «قولُهُ: (يُطيِّرُونَها عندَ كُلِّ مُطَيِّرٍ) أي: تُتَأَوَّلُ على غير وجهِهَا. وفيه: دليلٌ أنَّهُ لا يجبُ أن يحدِّثَ بحديثٍ يَسْبِقُ منه إلى الجُهَّالِ الإنكارُ لمعناه، لِـمَا يُخْشَى مِنَ افتراقِ الكلمةِ في تأويلِهِ... قولُهُ: (فَأَمْهِل حتَّى تَقْدَمَ المدِينةَ) إلى آخرِهِ. فيه: دليلٌ على أنَّ أهلَ المدينةِ مخصُوصُون بالعِلْمِ والفَهْمِ، ألا ترى اتفاقَ عُمَرَ مع عبدِ الرَّحمنِ على ذلك ورجوعَهُ إلى رَأْيه».
وسُئِلَ الشَّيخُ الفوزان السُّؤالَ التَّالي: نسمعُ بعض طلبة العِلْمِ أحيانًا يَطْعَنُونَ في العلماء بِحُجَّةِ أنَّهُم يسكُتُونَ عند حصولِ بعض الحوادث أو عند حُلُولِ بعض النَّوازلِ!!! فما هو تعليقكُم يا فضيلةَ الشَّيخِ؟.
فأجاب ما نصُّهُ: «أحيانًا يكُونُ السُّكوتُ هو المصلحةُ، وأحيانًا يكونُ الكلامُ هو المصلحةُ, فالعلماءُ يُرَاعُونَ المصالحَ ودرءَ المفاسدِ، ولا يتكلَّمُون إلا حيثُ يُفِيدُ الكلامُ وينفعُ، ولا يسكتُونَ إلا حيثُ يكُونُ السُّكُوتُ أولى. فالعلماءُ بالمعنى الصَّحيحِ: لا يسكُتُونَ إلا إذا كان السُّكوتُ له مجالٌ، ولا يتكلَّمُون إلا إذا كان الكلامُ له مجالٌ، و الأمور إذا حَدَثَتْ لا يَصْلُحُ لكُلِّ واحدٍ أن يتكلَّمَ فيها، وإِنَّما تُوكَلُ لأهل العلم وأهل الرَّأي وأهل الكلمةِ، كما قال جلَّ وعَلَا : ï´؟وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ مِنَ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، ولو ردُّوه إلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمï´¾.
فالأمورُ التي تتعلَّقُ بمصالحِ المسلمين وبالأُمَّةِ هذه لا يتولَّاها إلا أهلُ الحلِّ والعَقْدِ, أهلُ العلم والبصيرةِ الذين يلتمِسُون لها الحُلولَ الصَّحيحةَ. وأما أن يتولَّاها ويتكلَّمُ فيها كلُّ من هبَّ ودبَّ، فهذا من الضَّررِ على المسلمين، ومِنَ الإرجافِ والتَّخويفِ، ولا يَصِلُ المسلمُونَ من وراءِ ذلك إلى نتيجةٍ.
وهذه أيضًا أمورٌ قد تكُونُ أمورًا سِرِّيةً، تُعالَجُ بالسِّرِيّةِ، ولا تعالَجُ عَلانيةً أمامَ النَّاسِ، إنَّما تُعَالَجُ مع السِّرِيَّة وَمَعَ الطُّرُقِ الصَّحيحةِ, الأمورُ تحتاج إلى رَوِيّةٍ، وإلى تعقُّلٍ، والواجبُ على العامة أن يَرْجعُوا إلى أهل العلم، وأهل الرَّأي والبصيرةِ في هذه الأمور». [نقلًا عن موقع الآجُرِيّ من مقالٍ بعُنوانَ: لماذا يسكتُ بعضُ العلماءِ في بعض النَّوازلِ؟].
ماذا عسى خالدٌ المصريُّ ومُشجِّعُوه أن يقولُوا في كلامِ العلَّامة الحَبْر الفَوْزَان هذا، أتُرَاهُ - على زعمِكُم - يقولُ بالمجالس السرِيّةِ الحزبيّةِ الخارجيّةِ!!، فجوابُكُم عن كلامِ العلَّامةِ الفَوْزان هو جوابُنا عن الشَّيخِ رَبِيع، وإلا لَزِمَكُم التناقضُ والكَيْلُ بمِكْيالين، أو يلزمكُم رَمْي الشَّيْخِينِ بموافقةِ الخوارجِ، وحينئذٍ فقد وقعتُم في الحَمْأَة السَّوْأى.
نكتفي بهذا القدرِ، نسأل الله تعالى أن يردَّ خالدًا المصريَّ ومن مَعَهُ للحقِّ ردًّا جميلًا، وأن يُنِير بصائرَ قلوبِهم بالحقِّ الـمُبِين، وصلَّى اللهُ وسلَّم على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أَجْمَعِين.
وكتبَهُ أبو عبدَ الله
إِيّاد عطا الله لقان
بتاريخ 15/ جمادى الآخِرَة / 1440هـ
|