16 Apr 2013, 07:54 AM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر^ البليدة^ قرواو
المشاركات: 111
|
|
في مقدار الرضاع المحرم
السـؤال:
خطبني ابن خالتي وتبين بأنّ هذه الخالة ( أي أمه ) قد أرضعت أمي، وعندما سألناها ( أي المرضعة ) قالت بأنها أرضعتها رضعة ثم ربما زادتها رضعة أخرى أي بمعنى أصح رضعة أو رضعتين، وتشهد أختها ( أي خالة أخرى ) على أنها شهدت الرضعة الثانية ولا تدري إن زادت عن ذلك أم لا.
والخلاصة أن الرضاع قد تم برضعتين على الأكثر، وحين سألنا في هذه المسألة قيل لنا أن الرضاع يحرم بخمس و ذلك موافق لحديث عائشة "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي الرسول ( صلى الله عليه وسلم) و هن فيما يقرأ من القرآن "(1) وحديث مسلم " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان"(2).
ولكن المشكل الذي وقعنا فيه هو ما هي الرضعة ؟ أي ما الذي نقول عنه أنه رضعة؟
فقد جاء في جواب أحد الأئمة الذين سألناهم: أن التحريم يقع بخمس رضعات إلا أنه تابع قوله بأن الرضعة في المذهب الشافعي وأحمد ليست الشبعة وهو أن يلتقم الطفل الثدي ثم يسيبه ثم يلتقمه ثم يسيبه حتى يشبع بل إذا أخذ الثدي ثم تركه باختياره فهي رضعة ثم أخذه وتركه فرضعة أخرى وإن تركه بغير اختياره ثم عاد إليه قريبا ففيه نزاع.
إن هذا القول قد حيرني كثيرا، فهل هذا هو الصحيح في صفة الرضعة ومفهومها ؟ كما أنني قرأت قولا آخر يخالف هذا القول يقول: بأن الرضعة لا تحسب إلا إذا عدت في العرف رضعة كاملة.
ولهذا أتساءل هل إذا رضع الطفل أو إذا تناول الثدي ثم انصرف عنه للتنفس أو لشيء آخر ثم عاد إليه هل تسمى رضعة ثانية أو أن كل ذلك يسمى رضعة واحدة. ماهو الدليل الذي يؤيد الرأي الأول و ما هو الدليل الذي يؤيد الرأي الثاني ؟ وشكرا.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلمي أنّ ما أفتيت به من أنّ التحريم لا يثبت بأقل من خمس رضعات متفرقات هو المذهب الظاهر والأقوى ويدل عليه حديث عائشة - رضي الله عنها - الذى رواه مسلم المذكور في محل السؤال، و هو تقييد لإطلاق الكتاب و السنة، وتقييد المطلق بيان لا نسخ ولا تخصيص، وما اعترض عليه من أن الحديث تضمن الخمس رضعات قرآنا، والقرآن شرطه التواتر ولم يتواتر محل النزاع، فمردود لأن التواتر شرط في التلاوة لا شرط في الحكم و قصد المستدل بهذا إثبات الحكم لا إثبات التلاوة، والحجة تثبت بالظن و يجب عنده العمل و قد عمل الأئمة بقراءة الآحاد في مسائل كثيرة منها قراءة ابن مسعود و أُبي ووقع الإجماع على ذلك و لا مستند له غيرهما، و في المسألة تحقيق طويل يمكن الرجوع إلى زاد المعاد لابن القيم(3)، المحلى ابن حزم(4)، بداية المجتهد لابن رشد(5)، المغني لابن قدامة(6)، شرح مسلم للنووي(7)، زاد المسير لابن الجوزي(8)، نيل الأوطار للشوكاني(9)، وهذا القول هو مذهب ابن مسعود وإحدى الروايات عن عائشة، وعبد الله بن الزبير و عطاء وطاووس والشافعي و أحمد في ظاهر مذهبه و ابن حزم و ابن القيم و أكثر أهل الحديث.
أما الإرضاع فلا يتحقق إلا برضعة كاملة، وهي أن يمتص الصبي اللبن من الثدي ولا يدعه إلا طائعا باختياره من غير عارض، والمصة والمصتان دون الرضعة لا تؤثر في الغذاء لا إنباتا للّحم ولا إنشازا للعظم فلا تحرم لحديث عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "لا تحرم المصة والمصتان(10) وفي رواية "لا تحرم الإملاجة ولا الاملاجتان"(11)، والمراد بالإملاجة مثل المصة هي الإرضاعة الواحدة وهو أخذ اليسير من الشيء، فإذا قطع الصبي رضعته لعارض كتنفس أو استراحة يسيرة أو لشيء يلهيه ثم يعود من قريب لا يخرجها عن كونها رضعة واحدة وهذا هو مذهب الشافعي في تحقيق الرضعة الواحدة وهو موافق للغة على ما ذكره الصنعاني في سبل السلام 3/438، فإذا حصلت خمس رضعات على هذه الصفة حرمت و إلا فلا.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
________________________________________
1- أخرجه مسلم كتاب الرضاع(3670)، وأبو داود كتاب النكاح باب هل يحرم ما دون خمس رضعات(2064)، والنسائي كتاب النكاح باب القدر الذي يحرم من الرضاعة(3320)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه مسلم كتاب الرضاع (3666)، وابن ماجه كتاب النكاح باب لا تحرم المصة والمصتان(2016) من حديث أم الفضل رضي الله عنها.
3- (5/571).
4- (10/9).
5- (2/35-36).
6- (7/536).
7- (10/29).
8- (2/46).
9- (8/170).
10- أخرجه مسلم كتاب الرضاع (3663)، وأبو داود كتاب النكاح باب هل يحرم مادون خمس رضعات(2065)، والترمذي كتاب الرضاع (1182)، والنسائي كتاب النكاح باب القدر الذي يحرم من الرضاعة(3322)، وابن ماجه كتاب النكاح باب لا تحرم المصة والمصتان(2017)، وأحمد(7/48) رقم(23506) عن عائشة رضي الله عنها.
11- أخرجه مسلم كتاب الرضاع (3664)، والنسائي في كتاب النكاح باب القدر الذي يحرم من الرضاعة(3321)، وأحمد(7/476) رقم(26332) من حديث أم الفضل رضي الله عنها.
أذان الفجر الشرعي
السؤال:
إنّ الحمد لله نستعينه ونستغفره والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وبعد: فالسلام عليكم ورحمة الله
أجيبونا -جزاكم الله خيرا- فيمن يؤذّن متأخرا عن الوقت المحدد في الرزنامة الرسمية بعشر دقائق (10)، وذلك في صلاة الفجر. كم يضيف إليها (20) دقيقة بين الأذان الثاني والإقامة للصلاة ؟ بارك الله فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم -وفقك الله- أنّ الفجر فجران، فجر صادق وصفته أن ينتشر ممتدا في الأفق الشرقي، والمراد بالأفق هو ما يرى من السماء متصلا بالأرض، والثاني: فجر كاذب وصفته أنّه يرتفع في السماء مثل العمود ولا يكون ممتدا في الأفق، وقد عبّر عنه الحديث بـ "ذنب السّرحان"(1) أي ذيل الذنب.
والفجر الحقيقي الذي تحلّ فيه الصلاة هو الفجر الصادق، أما الفجر الكاذب هو الفجر الأول إنّما يكون بالليل، ومن افتتح الصلاة قبل طلوع الفجر الآخر يجب عليه الإعادة لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام"(2).
والأذان الرسمي الحالي المبني على التوقيت الفلكي لم يراع حقيقة طلوع الفجر الصادق ولا صفته والمفارقة فيه ظاهرة للعيان، وإنّما يدخل الفجر الصادق بعد مضي الأذان الرسمي بحوالي عشر دقائق إلى عشرين دقيقة، بحسب فصول السنة حرصا على أهمّ ركن في الدين وهو الصلاة، وحملا لأفعال المصلين على الصحة والسلامة، وتجاوبا مع ما يمليه الشرع ويأمر به. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اسْتَجِيْبُوا لِلَّهِ وَللِرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيْكُمْ﴾ [الأنفال 24]، وقال عزَّ وجل:﴿ومَا آتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر 7]، وقد أمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات وفي وقتها المحدد لها شرعا قال تعالى ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِيْنَ كِتَاباً مَّوْقُوْتاً﴾ [النساء 103] أي أجلا محددا، وقال سبحانه:﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلوَاَت وَالصَّلاَةِ الوُسْطَى﴾ [البقرة 238]، ويصف سبحانه وتعالى المؤمنين وعباد الرحمن بقوله: ﴿وَالَّذِيْنَ هُمْ عَلَى صَلواتِهِمْ يُحَافِظُوْنَ﴾ [المؤمنون 9] أي يحافظون على أدائها بالوجه الشرعي وفي الوقت الذي عيَّنه الله تعالى لأداء الصلاة. نسأله تعالى أن يعيننا على أدائها بالوجه الأكمل وأن يجعلنا من المحافظين عليها العاملين بما أمر الله تعالى المنتهيين عمّا نهى عنه المولى عزَّ وجل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في 24 شعبان 1422 ه
الموافق 4 نوفمبر 2001 م.
________________________________________
1- أخرجه الحاكم (1/191)، وعنه البيهقي (1/377)، والديلمي (2/244) من حديث جابر رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2002).
2- أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/52/2)،وعنه الحاكم (1/425)، والبيهقي (1/377 و457 و4 م216) من حديث ابن عباس رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (693).
المحراب والمقصورة
السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم, أمّا بعد:
فضيلة الشيخ لقد تقرر عندنا أنّ المحراب بدعة محدثة, لكن السؤال الذي يطرح نفسه أنّ النّاس الآن يقولون: إنّنا نبني المقصورة, ومعلوم أنّ المحراب لا يتمّ إلاّ ببناء المقصورة على الغالب, والقاعدة "ما أدى إلى حرام فهو حرام" و "ما لا يتمّ ترك الحرام إلاّ به فهو واجب" فهل نقول إنّ بناء المقصورة الآن محرم لغيره ؟ أفتونا مأجورين، جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فعطفا على ما تقدم من أنّ إحداث المحراب أمر لم يكن عليه سلف الأمة, وكلّ طريق أو وسيلة مؤدية إلى تحقيقه فإن كانت مقصودة بالفعل من أجل غرض بدعي فحيلة محذورة شرعا, لأنّ حكم الوسيلة لها حكم الغاية, والنهي عن الشيء يقتضي النهي عن جميع لوازمه وأجزائه كما تقرر في علم القواعد.
أمّا إن بنيت المقصورة ولم يكن القائم بها له غرض ومقصد من ورائها سوى الحاجة والمصلحة المقتضية لها, فإن كانت موجودة فلا يجوز إحداث مقصورة أخرى لأنّه يؤدي إلى تضييق المسجد على المصلّين يوم اجتماع النّاس،فضلا عن كونها زيادة عن الحاجة, فيكون من قبيل تحصيل الحاصل, وتحصيله محال, أمّا إن انعدمت فإقامتها من غير ذلك المقصد السابق فتشرع في الحدود التي تلبي حاجيات أهل المسجد، والمقصورة معدودة من المسجد لكونها من توابع المسجد المتصلة به اتصال قرار، هذا كلّه مبني عل المقاصد والنيات عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى"(1) فإن نوى التدرع بالمقصورة للوصول إلى ما لا يرضاه الشرع فإثمه عليه، والأمور بمقاصدها كما تأصّل في قواعد الفقه.
والله أعلم بالصواب وفوق كلّ ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 20 ربيع الثاني 1418ه
الموافق لـ : 25 أوت 1997م
________________________________________
1- أخرجه البخاري في بدء الوحي رقم(1)، ومسلم في الإمارة رقم(5036)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
بيع أدوات الحلاقة
السؤال: ما حكم بيع أدوات الحلاقة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فأدوات الحلاقة لها حكم مقاصدها، فإذا استعملت في معصية كحلق اللحى والوجه وما يمنع من الجسد أخذه، وكذلك المثلة شعر الرأس والقزع وغيرها، فإنّ الحكم هو منع بيعها وحرمة ثمنها لما فيه من الإعانة على المعصية لقوله تعالى:﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾[المائدة:2]، أمّا إذا استعملت في المواضع المباحة على الوجه المطلوب والمشروع صح البيع والثمن لما فيه من التعاون على البر والتقوى، غير أنّه لمّا كان في هذا المجتمع استعمال النّاس لهذه الأدوات على غير الوجه الشرعي فالواجب اتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام، ذلك لأنّ معظم الشيء يقوم مقام كلّه على ما تقرر في القواعد، هذا ويجوز –في كلّ الأحوال- معاملة من علم من حاله على وجه التعيين استعمالها بما لا يتنافى مع تعاليم الشريعة.
والله أعلم، وفوق كلّ ذي علم عليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
طريق التخلص من الفوائد البنكية
السؤال: ماذا يفعل الإنسان بالفوائد البنكية؟ وهل يجوز إنفاقها على الفقراء والمساكين وهـل يأخذ أجرا عن هذه الصدقة؟ وما هي الطرق الأخرى لإنفاق هذه الفوائد الربوية؟
وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالفوائد الربوية الصادرة عن البنك فهي محرمة ويجوز التصدق بها بنية المظلـوم على المصالح العامّة للمسلمين وعلى كلّ ما يرجع إليهم بالنفع وكذا على الفقراء والمساكين لأنّه ما كان محرّما من الأموال فحكمه إن لم يعلم صاحبه ولا ورثته يتحول إلى مال عام يشترك فيه عموم النّاس ويرجع إلى منافعهم العامة.
والله أعلم،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و صلّ اللهم على محمّـد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:12ربيع الأول1420هـ
الموافق لـ:26جوان1999م.
التعامل مع صاحب المال الحرام
السؤال:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، شيخنا الفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد:
فأستسمحكم شيخنا -رعاك الله- أن أقتطع جزءا من وقتكم عسى أن تجيبوا على مسألتي وتجدوا حلاّ لمشكلتي، وهي أنّ أخي موظف بشركة قائمة على أساس غير شرعي إذ هو مفتش في الضرائب وهو غير متزوج يقيم معنا في البيت، ولكونه لا يستحلّ بماله لشراء لوازم البيت فإنّي أجد حرجا في الانتفاع بما يأتي به أكلا أو استعمالا مع العلم أنّه ليس هو المعني بالإنفاق بل الوالد هو المنفق لكن يساعده في كل شيء تقريبا، فهل يحرم عليّ الانتفاع بما يجلبه إلى البيت أم لا ؟ وأحيانا يكون الأكل مزيجا من المال الحلال أي: مال الوالد ومال أخي الذي لا أستطيع أن أقول إنّه حرام حيث إنّ هذه الكلمة لها مدلول عظيم مؤثر على العائلة ولا يقبلونه، وذلك أنّ أخي استفتى إماما بالحيّ فأجاز له العمل في الشركة علما أنّه يعتبره أهلا للسؤال والفتوى باعتباره إماما يُصلّي بالنّاس، حافظ للقرآن له علم. وأمّا أنا فلا أعتبره كذلك إذ هو حافظ للقرآن فقط وليس له أصول وضوابط المجتهد -فيما أعلم- بل سمعت عنه أمورا تجعلني لا أثق فيه منها أنّه يكتب التمائم ويرقي بأساليب غير شرعية كسؤاله عن اسم والدة المريض وغيره.
فهل يكون بهذا إثمه على من أفتاه وماله حلال ينتفع به الجميع أم يبقى بالنسبة إليّ حراما لعدم صدور الفتوى من أهلها؟
كذلك هو يسأل عن كونه أحيانا يساعد أصحاب المحلات في تقليص وتخفيض قيمة الضريبة وكثيرا ما يكون جزاء هذا العمل أنّهم يقدمون له هدايا وسلعا من تلك المحلات والمصانع فما حكم عمله هذا للمساعدة ؟
وما حكم الهدايا ؟ ودائما تحت فتوى الإمام السابق أنّها حلال ما دام لم يطلبها هو
أفيدونا شيخنا حفظكم الله.
ملاحظة: وإن لم أستطع إقناع أخي أنّ المؤسسة غير شرعية إلاّ أنّه بدأ يشك في الأمر لذا فهو يحاول أن يدخل ميدان التجارة غير أنّه لم يوفق بعد، لعلّ سبب ذلك المال الحرام فأطلب منكم شيخنا الدعاء له بالتوفيق دون أن تنسوا صاحب السؤال.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فبالنسبة لصاحب العمل غير المشروع في الأصل إذا قبض المال بطريق فاسد يعتقد صحته بناء على فتوى من ظن السائل أنّه أهل لها واطمأنت نفسه إليه فإنّه يملك ما قبضه لأنّه سلك لمعرفة الحكم الشرعي الطريق المطلوب المتمثل في قوله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [النحل43]، وفي قوله صلى الله عليه و سلم: "ألا سألوا إذا لم يعلموا إنّما شفاء العي السؤال"(1)، وإن وقع الإثم فإنّما يقع على من أفتاه من غير ثبت أو سند شرعي أو لم يكن أهلا للاجتهاد والفتوى, فإذا توفرت في المفتي الشروط المعتبرة في الفتوى فهو مأجور أصاب أو أخطأ لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعا: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"(2)، والعامي لا مذهب له، وله أن يتخيّر من العلماء إذا عجز عن إدراك الأفضل علما وورعا, فإن علم بعد ذلك حكم التحريم فيه وجب عليه التخلص منه ورده إن كان باقيا أو بدله إن كان فائتا, فإن لم يعلم صاحبه, فإلى المرافق العامة يوّجه, وإلاّ فإلى الفقراء والمساكين والمحتاجين يتصدق به لقوله تعالى: (و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) [البقرة278] وقوله تعالى:(فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) [البقرة275]
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيبا، وإنّ الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرّسل كلّوا من الطيبات و اعملوا صالحا) [المؤمنون51] وقال تعالى:(يا أيّها الذين آمنوا كلّوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إيّاه تعبدون)[البقرة172]، ثمّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك"(3) والهدايا والعطايا المأخوذة بسبب المنصب حرام وغلول لقوله صلى الله عليه وسلم "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذه فهو غلول"(4) ولقوله صلى الله عليه و سلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول"(5) وفي الحديث أيضا:"من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا"(6) .
أمّا بالنسبة للسائل المعتقد للتحريم – وهو في يد أبويه – فإن كان المال المحرم الممزوج بغيره من الحلال من غير تمييز أقلّ من الحلال حلّ لأنّ الأقل يتبع الأكثر، فإن امتنع عنه للورع فإنّه يعارضه الورع في طلب رضا الوالدين وهو آكد من الأول فضلا عن حاجة بدنه إليه, وإن كان الأكثر حراما حرم, إقامة للأكثر مقام الكلّ، قطع به ابن الجوزي في المنهاج تأسيسا على قاعدة أنّ للأكثر مقام الكلّ إذ معظم الشيء يقوم مقام كلّه على ما قرره الزركشي في قواعده وعليه فليمتنع عن مؤاكلة والديه وإن كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وإن رأى من نفسه أنّه لا سبيل لقوام بدنه إلاّ عن طريقه فليقلل من الأكل ولا يوسع إلاّ بقدر الحاجة عملا بقاعدة الضرورات تقدر بقدرها، وما زاد عن ذلك فهو عدوان.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
________________________________________
1- أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب في المجروح يتيمم(336)، والدارقطني في سننه(744)، والبيهقي(1115)، من حديث جابر رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في تمام المنة (ص131)، وفي صحيح سنن أبي داود(336) .
2- أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنة» باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (6916)، ومسلم في «الأقضية» باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ: (4487)، وأبو داود في «الأقضية» باب في القاضي يخطئ (3574)، وابن ماجه في «الأحكام» يجتهد فيصيب الحق (2314)، وأحمد: (17360)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
3- أخرجه مسلم كتاب الزكاة باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
4- أخرجه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء باب في أرزاق العمال، من حديث بريدة رضي الله عنها، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع(5899)، وفي صحيح الترغيب والترهيب(779).
5- أخرجه مسلم كتاب الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة، والترمذي كتاب الطهارة باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور، وابن ماجه كتاب الطهارة وسننها، باب لا يقبل الله صلاة بغير طهور، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
6- أخرجه أو داود كتاب البيوع باب في الهدية لقضاء الحاجة، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(3465).
|