منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 Apr 2013, 12:45 AM
أبو عبد الرحمن مراد بلالي أبو عبد الرحمن مراد بلالي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر^ البليدة^ قرواو
المشاركات: 111
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الرحمن مراد بلالي
افتراضي مسائل يكثر السؤال عنها في مجالس العلامة فركوس حفظه الله(متجدد)

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله عزوجل
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾
[سورة المائدة الآية 2]

فعملا بقوله تعالى احببت ان اضع بين يدي اخواني هذا المشروع المتواضع والمتمثل في وضع بعض المسائل التي كثر السؤال عنها في مجالس الوالد العلامة ابي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله والذي بدوره يرشد السائل الى مراجعة الفتوى في موقعه المبارك ؛ قصد اعانة اخواني على ايجاد مبتغاهم راجيا من الله عزوجل التوفيق والسداد انه ولي ذلك والقادر عليه




المدة التي يقصر المسافر الصلاة

السؤال: ما صفة الصلاة وحكمها في سفر وإقامة...(أعني النازل في أثناء السفر)، بارك الله فيكم؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالمسافر الذي لم ينو الإقامة الدائمة في البلد الذي سافر إليه ولا يعلم متى يرجع من سفره فإنّ له القصر، ولو أقام مدة طويلة تفوق مدة القصر أي ولو أقام سنين وهو أرجح أقوال أهل العلم وبه قال إسحاق بن راهويه وروي هذا عن ابن عمر وأنس وغيرهما(1) لأنّ الإقامة لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت إذا لم يستوطن المكان وهو ما اختاره ابن القيم رحمه الله- قال ابن المنذر:"أجمع أهل العلم أنّ للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون" وذلك لأنّه ليس في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلاّ مقيم ومسافر كما قال تعالى: ﴿يوم ظعنكم ويوم إقامتكم﴾[النحل:80]، والمقيم هو المستوطن الذي اتخذ مسكنا خاصا ينوي الإقامة فيه مطمئنا فهذا لا يشرع له القصر، أمّا المقيم غير المستوطن الذي ينزل بمكان لا ينوي الإقامة به ولا يشعر بالاستقرار فهو مسافر يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهورا، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد الإقامة بزمن محدود (لا ثلاثة، ولا أربعة، ولا اثنا عشر، ولا خمسة عشر)، وقد وردت آثار سلفية تشهد لهذا المذهب منها: أنّ المسلمين أقاموا بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصلاة مع علمهم أنّ حاجتهم لا تنقضي في أربعة أيام ولا أكثر(2) وأقام ابن عمر رضي الله عنهما بأذربيجان ستة أشهر أريح عليهم الثلج فكان يصلي ركعتين،(3) والمعلوم أن الثلج لا يتحلل ويذوب في أربعة أيام، وعن أبي المنهال العنزي قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: إنّي أقيم بالمدينة حولا لا أشد على سير؟ قال:"صلّ ركعتين"(4) وعن مسروق أنّه أقام بالسلسلة سنتين يقصر الصلاة التماسا للسنة(5) وغيرها من الآثار التي تقوي هذا الرأي الذي تجتمع عليه كافة الأدلة.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّـد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.

الجزائر في: 22ربيع الأول 1419هـ
الموافق لـ: 7جويلية 1999م

________________________________________
1- انظر المجموع للنووي: (4/365).
2- مجموع الفتاوى لابن تيمية: (24/18)
3- أخرجه البيهقي (3/152)، وأحمد(2/83-154) بنحوه مطولا بسند حسن، انظر الإرواء: (577)
4- أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: (2/209).
5- أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: (2/210)، وابن أبي شيبة في مصنفه: (2/353).



ترك صلاة الجمعة من أجل العمل

السؤال: بعض المصالح الخاصّة توجب على عمالها البقاء يوم الجمعة للمداومة في مؤسّستها فهل يصلّون ظهرا أم جمعة؟ وإن كان الأول فهل يجب أن يصلّوها جماعة؟

الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ صلاة الجمعة فرض عين على المسلم الحرّ العاقل البالغ المقيم القادر على السعي إليها الخالي من الأعذار المبيحة للتخلف عنها باتّفاق، لقوله تعالى:}يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُوْدِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[الجمعة 9] ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لينتهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجمعات، أو ليختمنَّ الله على قلوبهم ثمّ ليكونُنَّ من الغافلين"(1) ولقوله صلى الله عليه وسلم:"من ترك ثلاث جُمَعٍ تهاونا بها طبع الله على قلبه"(2) هذا، والجمعة تصلح تأديتها في جميع الأماكن سواء في مصر أو قرية أو مسجد أو أبنية بلد، أو الفضاء التابع لها، فالجمعة من جنس الصلوات إجماعا، فهي لا تختص بحكم غيرها إلاّ ما استثناه الدليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"(3)، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل البحرين :"أن جمعوا حيثما كنتم"(4) وهو شامل لكلّ الأماكن حتى أهل المياه على نحو ما صحّ الأثر عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن تعذّر إقامتها لسبب أو لآخر، فقد تقدّم أنّ من شرط وجوب الجمعة أن يكون الساعي لها خاليا من الأعذار المبيحة للتخلّف عنها، وفي الجملة كلّ من تلحقه مفسدة أو مضرة عند السعي إليها فهو معدود من أهل الأعذار عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:"من سمع النداء ولم يجبه، فلا صلاة له إلا من عذر"(5) والعذر المتمثل في المشقة والحاجة والضرورة الذي هو سبب الرخصة أمر إضافيّ نسبيّ لا أَصْلِي يرجع تقديره إلى اجتهاده الشخصي ووسعه وطاقته الخاصّة وهو موكول إلى دينه وإيمانه وورعه وتقواه في اعتباره، فكلّ مكلّف فقيه نفسه في الأخذ بالرخصة ما لم يجد فيها حدًّا شرعيا فيقف عنده.
وتتميماً للفائدة فإنّ الحديث السابق يفيد –أيضا- أنَّ من شرط وجوب الجمعة والجماعة سماع النداء، وهو شامل بالضرورة المتواجد خارج البلد فضلا عمن بداخله، والاعتبار في سماع النداء أن يكون المؤذن صيتاً، والأصوات هادئة والرياح ساكنة، والعوارض منتفية.
هذا، وممّا تقرر فقهاً، أنَّ من لا تجب عليه الجمعة ولم يحضرها يصلّيها ظهرا.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.

________________________________________
1- أخرجه مسلم كتاب الجمعة: باب التغليظ في ترك الجمعة، والدارمي كتاب الصلاة: باب في من يترك الجمعة من غير عذر، والبغوي في شرح السنة كتاب الجمعة: باب وعيد من ترك الجمعة بغير عذر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
2- أخرجه أبوداود كتاب الصلاة :باب تفريع أبواب الجمعة: باب التشديد في ترك الجمعة، والترمذي كتاب الجمعة: باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر، وابن ماجة كتاب إقامة الصلاة و السنة فيها، باب فيمن ترك الجمعة من غير عذر، وأحمد (3/424-425)، وابن حبان كتاب الصلاة: باب صلاة الجمعة رقم (2775) من حديث أبي الجعد الضمري رضي الله عنه، والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (727).
3- أخرجه البخاري كتاب الصلاة: باب جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة عن جابر رضي الله عنه.
4- أخرجه ابن أبي شيبة : باب من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها، قال الألباني في الضعيفة (2/318): إسناده صحيح على شرط الشيخين
5- أخرجه ابن ماجة كتاب المساجد والجماعة: باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، وابن حبان كتب الصلاة: باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها، والحاكم كتاب الصلاة(1/363)، وانظر الإرواء (2/337)، تمام المنة (367)، صحيح الترغيب والترهيب (1/301) رقم (436).





الصلاة على الميت في المقبرة

السؤال: ما حكم الصلاة في المقبرة على الميّت؟ وما الجواب على من يستدلون على الجواز بحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة السوداء فيالمقبرة؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالغالب على هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة إيقاعه لها في موضع خارج عن المسجد معدٍّ للصلاة على الجنائز، وهو المعروف بـ"مصلى الجنائز" وقد كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الشرق، ويشهد لذلك جملة من الأحاديث الصحيحة المثبتة لذلك، ولا يخفى أنّ هديه صلى الله عليه وسلم هو الأفضل، لكن هذه الأفضلية لا تمنع من مشروعية الصلاة على الجنازة داخل المسجد لما رواه مسلم وغيره أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: "والله ما صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء وأخيه إلاّ في جوف المسجد"[وفيه قصة](1). أمّا رواية "من صلّى على جنازة في المسجد فلا شيء له"(2) فلا تنافي رواية عائشة رضي الله عنها، لأنّ النفي فيه عن أجر خاص بصلاة الجنازة في المسجد، لا نفي أجر الصلاة عليها مطلقا وعليه، فحديث عائشة رضي الله عنها يفيد جواز صلاة الجنازة في المسجد والأفضل أن تكون خارج المسجد في المصلى-كما تقدم- وممّا يقوي المشروعية صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه في المسجد، وصلاة صهيب على عمر رضي الله عنه في المسجد.
أمّا المقبرة فليست موضعا للصلاة فيها، ولا تجوز الصلاة فيها ولا إليها للأحاديث الناهية عن ذلك، منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأرض كلّها مسجد إلاّ المقبرة والحمّام"(3) وحديث أنس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الصلاة بين القبور"(4) ولحديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها"(5)، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إنّ الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"(6). ويتضمن هذا العموم صلاة الجنازة مع أنّه قد ورد التصريح بالنهي عن الصلاة فيها في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:" أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور"(7) هذه الأحاديث يشمل عموم النهي فيها جنس الصلاة سواء كان فرضا، أداء كانت أو قضاء، أو نفلا، مطلقا كان أو مقيدا، كما تعمّ الصلاة على الميت سواء كانت على الجنازة أو في قبره، لكن لمّا ورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:" مات رجل-وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده- فدفنوه بالليل، فلمّا أصبح أعلموه، فقال:" ما منعكم أن تعلموني ؟" قالوا: كان الليل، وكانت الظلمة، فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبره، فصلى عليه، قال: فأمّنا،وصفّنا خلفه، وأنا فيهم، وكبّر أربعا"(8)، ومثله عن المرأة السوداء التي كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد الثابت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه(9)، فخصّ من عموم نهيه عن الصلاة في المقبرة صورة الصلاة على الميّت في قبره بهذه الأدلة وبقي عموم النهي شاملا للصلاة على الجنازة وغيرها، أي بقاء النهي من حيث عمومه متناولا ما عدا صورة التخصيص، وبهذا الجمع التوفيقي بين الأدلة يزول الإشكال وترتفع الشبهة، ويعمل بكلّ دليل في موضعه، تحقيقا لقاعدة الإعمال أولى من الإهمال.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.

________________________________________
1- أخرجه مسلم في الجنائز رقم (973)، وأبو داود في الجنائز رقم (3189) من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه أبو داود في الجنائز رقم (3191)، وابن ماجة في الجنائز رقم (1517)، والطحاوي في شرح المعاني (1/284)، وابن عدي (2/198)، وعبد الرزاق في المصنف(6579)، وأحمد (2/444و455)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2351). وقال -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(5/462): " وشذ عنهم جميعا أبو داود في روايته فلفظها:" فلا شيء عليه".
3- أخرجه أبو داود في الصلاة رقم (492)، والترمذي في الصلاة رقم (317)، وابن ماجة في المساجد والجماعة رقم (745)، والدارمي في الصلاة رقم (1441)، والبيهقي في السنن رقم (4454)، وأحمد (12104)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وصححه الألباني في الإرواء (1/320).
4- أخرجه البزار (441)و(442)و(443)، من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص: (270).
5- أخرجه مسلم في الجنائز رقم (972)، والنسائي في القبلة رقم (760)، وأحمد رقم (17678)، من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه.
6- أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها رقم (780)، والترمذي في الأدب رقم (2877)، وأحمد رقم (8040)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
7- أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» رقم (5631)، من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث حسنه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/144)، وصححه الألباني في «أحكام الجنائز» (270)، وفي «صحيح الجامع» (12790).
8- أخرجه ابن ماجة في الجنائز رقم (1530)، والبيهقي في السنن رقم (7159)، وصححه الألباني في الإرواء (3/183) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
9- أخرجه البخاري في الصلاة (460)، ومسلم في الجنائز (2259)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.





في حكم إمامة من يَلْحَن في القراءة

السـؤال:
ما حكمُ إمامةِ رجلٍ يلحن في قراءتِه للقرآنِ؟
الجـواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما، أما بعد:
فلا خلاف بين المذاهب الأربعة في عدم صِحَّة صلاة وإمامة من يتعمَّد اللحن المحيل للمعنى، أمَّا من يحيل المعنى غير متعمِّد في ذلك، فإن كان ذلك في الفاتحة لم تصحَّ إمامته، وإن كان في غيرها صَحَّت مع الكراهة وهو مذهب الشافعي وأحمد، أمَّا مذهب المالكية فلا تصحُّ إمامة اللحان في الفاتحة أو في غيرها، وذهب بعضهم إلى صِحَّة إمامته في غير الفاتحة بلا كراهة.
والصحيح عدم صِحَّتها؛ لأنَّ القرآن معجز بلفظه ومعناه، وإذا لَحَن في الفاتحة لحنًا يحيل المعنى بضمِّ أو كسرِ تاء «أنعمتَ» من الفاتحة زال إعجازها فلا تسمَّى قرآنًا، وفي الحديث: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» (1)؛ ولأنه لم يقرأها قراءة صحيحة على الصفة التي أَمَرَ بها النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، ومن ثمَّ لا تصحُّ إمامته، أمَّا ما عدا الفاتحة فأهون، إذ تصحُّ الصلاة بالفاتحة فقط، أمَّا القراءة بعدها فمستحبة على القول الراجح.
هذا، وإذا كان يَلْحَن لحنًا لا يحيل المعنى كضمِّ الهاء من لفظ الجلالة في قوله تعالى: ﴿الحَمْدُ للهِ﴾، وفتح النون والميم في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فإنه على أصحِّ الأقوال كراهة إمامته وهو -أيضًا- مذهب الشافعي والحنابلة خلافًا للمالكية الذين يرون عدم صِحَّة إمامته، والأول هو الصحيح؛ لأنَّ مدلول اللفظ مع اللَّحْن الذي لا يحيل المعنى باقٍ من جهة، وقد أتى بفرض القراءة من جهة أخرى فتصحُّ صلاته وإمامته.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 25 شعبان 1426ه
الموافقل: 29سبتمبر 2005م

________________________________________
0- أخرجه البخاري في «الأذان» أبواب صفة الصلاة (1/183) باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، ومسلم في «الصلاة» (1/184) رقم (394)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.





في حكم الحلوى المصنوعة من مادة «الجيلاتين»
والأجبان المحتوية على «الإنفحة»

السـؤال:
ما حكم الحلويات المست من «إنجليترا» وغيرها من البلدان الأوروبية التي تحتوي على مادة «الجيلاتين» الموجودة في عظام ولحم الخنزير والبقر؟ وما حكم الأجبان المحتوية على مادة «رينات» وهي مادة مستخرجة من بطن الجدي أو الحَمَل الرضيع، وتسمى بالإنفحة؟ علمًا بأنَّ أهل هذه البلدان وغيرها لا يذبحون غالبًا؟
الجـواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلا مانع من جواز الحلويات والأجبان المست التي تحتوي على مادة «الجيلاتين» و«الإنفحة» إن كانت مستخرجة من حيوانات مأكولة اللحم أو من موادَّ مباحةٍ تندرج ضمن ذبائحِ أهل الكتاب ممَّا لهم فيه ممارسة وصناعة، فهي طاهرة لقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الّذِينَ أُوْتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لهُمْ﴾ [المائدة 5]، أمَّا إذا كانت مادة «الجيلاتين» مستخرجة من الحيواناتِ المحرمة الأكلِ لنجاستها وخبثها وضررها كجلد الخِنْزير وعظامه وغيره من الحيوانات والمواد المحرمة، فإنَّ الحلويات وسائر الأطعمة التي اختلطت بها مادة «الجيلاتين» يحرم -شرعًا- استهلاكها أو بيعها أو استخدامها في الطعام أو اقتناؤها للنصوص الواردة في تحريم الخِنْزِير والميتة وسائر الخبائث، إذ المعلوم -فقهًا- أنَّ «التَّحْرِيمَ يَتْبَعُ الخُبْثَ وَالضَّرَرَ».
فإن كان في اختلاط هذه المستهلكات أو المبيعات بمادة «الجيلاتين» على وجهٍ يدخل الشكّ والريبة لموضع الاشتباه، فإنَّ الواجب أن يتركها تغليبًا لجانب التحريم، وعملاً بالاحتياط في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ»(1)، ولقوله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ»(2).
أمَّا الأجبان المحتوية على «الإنفحة» أو «رينات» فإنه ما دامت تستخرج من بطن الجدي أو الحمَل الرضيع وهما ممَّا يؤكل لحمها فلا إشكال فيما إذا ذُكِّيَ هذا الحيوانُ الذكاةَ الشرعية.
وإنَّما يرد الإشكال فيما إذا كانت هذه الحيوانات ميتة أو لم تُذَكَّ الذكاةَ الشرعية على ما هو جار في معظم بلاد الغرب الأوروبي من أهل الكتاب، أو كانت من ذبائح المجوس، الأمر الذي أحدث خلافًا بين أهل العلم في الجواز والمنع، واختلافهم ناشئ عن اختلافهم في لبن الميتة وإِنفِحَتها، هل هما طاهران أو نجسان، فمن رأى نجاستها حكم بتحريم ما يصنع بالإنفحة، حلويات كانت أو أجبانًا، وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد ومن رأى طهارتهما حكم بجوازها وهو مذهب أبي حنيفة(3)، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد ارتضاها شيخ الإسلام ابن تيمية(4)، حيث قال -رحمه الله-: «والأظهر أن جُبْنَهم حلالٌ -يعني المجوس- وأنَّ إنفحةَ الميتةِ ولبنَها طاهرٌ»(5) وهو الظاهر من القولين عملاً بفعل الصحابة لَمَّا فتحوا بلاد العراق أكلوا جبن المجوس وشاع هذا بينهم من غير نكير، فضلاً على أنَّ اللبن والإنفحة ليسَا محلاًّ للموت، وإنما أخذ حكم نجاستها عند من يقضي بنجاستها لكونهما مستخرجين من ذات الميتة وهي وعاء نجس، غير أنَّه لا يتمُّ التسليم أنَّ المائع ينجس بملاقاة النجاسة لعموم حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: «المَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(6)، والمائعات كُلُّها حكمها حكم الماء قَلَّت أو كَثُرَت، وعليه يتقرَّر حكم بيع الحلويات والأجبان وهو الحلُّ والجواز ما لم يعلم احتواؤهما على مادة محرَّمة كشحم الخنزير أو أحد أجزاء الميتة ممَّا تحلُّها الحياة، ففي هذه الحال تحرم قطعًا إذا لم تتغير حقائقها.
فإذا تقرّر هذا الأصل في كلا المسألتين، فإنّه يبقى الحكم على أفرادها يُعلم بنوعٍ من تحقيق المناط.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.

الجزائر في: 13 ربيع الثاني 1431ه
الموافق ل:29 مارس 2010م

________________________________________
1- أخرجه البخاري في «الإيمان» باب فضل من استبرأ لدينه: (1/ 19)، ومسلم (2/ 750) في «المساقاة» رقم (1599)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
2- أخرجه الترمذي في «صفة القيامة والرقائق والورع»: (2517)، والنسائي في «الأشربة» باب: الحث على ترك الشبهات (5711)، وأحمد في «مسنده»: (1/ 200)، من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ل «مسند أحمد»: (3/ 169) والألباني في «الإرواء»: (1/ 44)، والوادعي في «الصحيح المسند»: (318).
3- أجزاء الميتة الصلبة التي لا دم فيها كالقرن والسن والحافر والخف والإنفحة الصلبة طاهرة عند الأحناف لأنّ هذه الأشياء ليست بميتة لعدم دخول الحياة فيها، والميتة من الحيوان اسم لما زالت حياته، فالإنفحة الصلبة متفق على طهارتها، أمّا الإنفحة المائعة واللبن في ضرع الميتة فالأظهر طهارتها. [«البدائع»: 1/63].
4- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (21/60).
5- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (21/103).
6- أخرجه وأبو داود في «الطهارة»، باب ما جاء في بئر بضاعة: (66)، والترمذي في «أبواب الطهارة»، باب ما جاء أنَّ الماء لا ينجسه شيء (66)، وأحمد في «مسنده»: (3/ 31)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو صحيح بطرقه وشواهده، انظر «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 13، 14) و«إرواء الغليل» للألباني (1/ 45).




إعطاء الرشوة من أجل دفع ضرر الضرائب

السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الشرع في دفع مال لشخص معيّن حتى يقوم هذا الأخير بسحب وثيقة ما، وينجرّ عن بقائها في مستندات أو ملف شخص آخر معاملته معاملة قاسية من حيث الغرامة المالية، والضرائب الجبائية علما أنّ هذا الشخص المعيّن يعمل في المصلحة المختصة نفسها.؟
أفتونا مأجورين، وأجركم على الله، وجزاكم الله خيرا ورجائي أن يكون الجواب كتابيا -إن أمكن- وشكرا.

الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وبعد:
فإنّ من حبس عن ماله – ابتداء– فبذل إلى غيره مالا للسعي إلى خلاصه، أو ليحكم له بحق، أو لدفع ظلم عنه ولم يجد وسيلة للوصول إليه سواه، وكان الساعي موظفا في مصالح محلّ سعيه حين وقوع المظلمة فسق الآخذ فقط دون المعطي لاضطراره إلى التوصل إلى حقه بأيّ طريق كان، وأصل تأثيمه ما أخرجه أبو داود والحاكم وصححه من حديث بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا -أي منحناه راتبا- فما أخذ بعد ذلك فهو غلول"(1) ودليل تبرئة المعطي من الإثم حديث الملحِّينَ الذين لا يستحقون الصدقة فيعطيها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤالهم له قال عليه الصلاة والسلام: "إنّ أحدكم ليخرج بصدقته من عندي متأبطها، وإنّما هي له نار"، فقال عمر: يا رسول الله كيف تعطيها و قد علمت أنّها له نار؟ قال:"ما أصنع؟ يأبون إلاّ مسألتي ويأبى الله عزّ وجلّ لي البخل"(2) غير أنّه لا يجوز الدوام على هذا العمل إن علم أنّ المظلمة لا ترتفع إلاّ به لما فيه من الإعانة على الظلم وأكل أموال النّاس بالباطل، فضلا عن أنّ الاستمرار فيه يوّرث الرضا بالمعصية، وينقلب المنكر معروفا والمعروف منكرا لا يمكن تغييره، ولو بأضعف الإيمان فيمنع هذا الطريق سدا للذريعة.
هذا، وأخيرا فإنّ الواجب يقتضي نصر المظلوم بإخراجه من الظلم، وذلك بعدم التعاون معه على الإثم والعدوان المنهي عنهما بنص الآية ففي صحيح البخاري: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"، قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: " تمنعه من الظلم فذلك نصر له"(3).
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما.

الجزائر في: 21 رمضان 1417 هـ
الموافق لـ: 31 جانفي 1997 م

________________________________________
1- أخرجه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء باب في أرزاق العمال، من حديث بريدة رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع(5899)، وفي صحيح الترغيب والترهيب(779).
2- أخرجه أحمد (11296)، وابن حبان رقم(840)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(1/498)، وفي غاية المرام ص:(266) رقم(463).
3- أخرجه البخاري في «المظالم»، باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما: (2443)، والترمذي في «الفتن»: (2421)، وأحمد: (13421)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وأخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب»، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما (6582) من حديث جابر رضي الله عنه.




إتمام الطهارة بالتيمم

السؤال: مريض إذا أصاب الماء قدمه تضرر هل يتيمم ؟ أم يتوضأ ويسقط العضو؟ أم يجمع بين التيمم والوضوء مع إسقاط العضو؟
إذا كان مرضه هذا مزمنا هل يعتبر فاقدا للعضو فيؤمر بالوضوء مع إسقاط العضو؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنه إذا لم يستطع استعمال الماء أو خاف باستعماله فوات منفعة عضو أو تأخّر برئه ، إما بالتجربة أو العادة ، أو بإخبار طبيب عارف ، فالواجب ترك غسل ما لا يقدر على غسله و يعدل إلى التيمم، لأن كل ما عجز عنه المكلف ساقط عنه بنص الآية ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾[البقرة:286] ، والحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(1) فالنص يدل على العفو عن كل ما خرج عن الطاقة وقد استدل بهذا النص -من جهة أخرى- على أنّ ما دخل تحت الاستطاعة ففرضه العمل، وعليه فلا يكون مجرد خروج بعضه عن الاستطاعة موجبا للعفو عن جميعه » لأن الميسور لا يسقط بالمعسور»، و»معظم الشيء يقوم مقام كله»، و »الأقل يتبع الأكثر» في كثير من الأحكام خصوصا فيما يحتاط فيه، و من منطلق هذه القواعد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الجنب إذا أصيب بجراحة على رأسه و أكثر أعضائه سليم، فإنه يدع الرأس و يغسل سائر الجسد ويمسح موضع الجراحة عملا بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في الرجل الذي شج فاغتسل فمات فقال صلى الله عليه وسلم : " إنما كان يكفيه أن يتيمم، و يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده "(2). وبما ثبت عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه توضأ وكفُّهُ معصوبة، فمسح عليها وعلى العصائب وغسل سوى ذلك(3)، ومدعمين ًجواز المسح على الجبيرة بالقياس على المسح على العمامة والخفين تقوية للنص بالقياس(4).
وفي تقديري أن هذا الرأي معتبر لو صح الشطر الثاني منه عند قوله : "و يعصب على جرحه" و هي - عند أهل الاختصاص - زيادة ضعيفة لا تصلح للاحتجاج وإن ورد في المسح عليها أحاديث أخرى لا يصح تقوية الحكم بها لشدة ضعفها، و لم يثبت فيه سوى الشطر الأول منه(5).
وأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما فهو فعل صحابي لا حجة فيه توجب العمل به لمخالفة غيره من الصحابة له فيه، كابن عباس وعمرو بن العاص، رضي الله عنهم، فالواجب عند اختلاف الصحابة فيما بينهم، التخير من أقوالهم بحسب الدليل، قال ابن تيمية : » وإن تنازعوا رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء »(6).
أما الاستدلال بالقياس على المسح على العمامة والخفين كأصل في إثبات العبادات فإنه على رأي من لا يجيز القول به في العبادات ظاهر في عدم الاحتجاج به، وأما من يحتج بالقياس في العبادات ويثبته في كل ما جاز إثباته بالنص، إذ القياس الصحيح دائر مع أوامر الشريعة ونواهيها وجودا وعدماَ، إذ ليس في الشريعة ما يخالف القياس(7). فإن إجراء القياس في هذه المسألة متعذر من عدة جوانب:
الأول: أن القياس فرع تعقُلِ المعنى المعلل به الحكم في الأصل، فيتعذر البناء لعدم تعقل معنى الأصل.
الثاني: أن الأصل المقيس عليه رخصة أي منحة من الله فلا تتعدى موردها إلى غير محلها والقياس مبني على تعدية العلة.
وثالثها: أنه لو سلم هذا القياس بأنه صحيح، فإنه معارض بتعين الجمع بين الوضوء والتيمم توفيقاَ بين الروايتين جميعا ولا يخفى أن القياس فاسد الاعتبار إذا عارضه نص صحيح أو إجماع موثوق -كما سيأتي-.
هذا، و لا يعطى ما لا يقدر على غسله حكم المعدوم وفق قاعدة التقديرات لأنه إنما يحتاج إليها إذا دلّ دليل على ثبوت الحكم مع عدم سببه أو شرطه أو مانعه، و إذا لم تدع الضرورة إليها لا يجوز التقدير حينئذ لأنه خلاف الأصل كذا قرره القرافي في فروقه(8)، ذلك لأن قاعدة إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود ليست من قواعد أصول الخلاف بل تذكر جمعا للنظائر الداخلة تحت هذا الأصل، و لا يخفى عدم ورود دليل يعطي بعض الأعضاء حكم المعدوم في الوضوء، بل في الحديث السابق ما يدل على العدول إلى التيمم عند تعذر استعمال الماء، فضلا عن أن الغاسل لبعض الأعضاء دون الأخرى لا يسمى في عرف الشرع متوضئاً، و لا يصدق عليه أنه أتى بما أمره الله تعالى من الوضوء، لذلك وجب المصير إلى البدل الذي جعله الشرع عوضا عن الوضوء عند تعذر استعمال بعض أعضاء الوضوء، و ما دخل تحت استطاعته من المأمور به وجب الإتيان به، أي وجوب استعمال الماء الذي يكفي لبعض الطهارة، ذلك لأنه ليس مجرد خروج بعضه عن الاستطاعة موجبا للعفو عن جميعه، عملا بقوله تعالى: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾]التغابن:16] وفي حديث أبي هريرة المتقدم "وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" إذ فيهما دليل على العفو عن كل ما خرج عن الطاقة، ووجوب استعمال ما يكفي بعض طهارته مع التيمم للباقي ، وقد وردت بعض ألفاظ روايات حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيه"غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم" فذكر نحوه ولم يذكر التيمم، قال أبو داود »وروى هذه القصة الأوزاعي عن حسان بن عطية ، قال فيه : " فتيمم "» قال الشوكاني »ورجح الحاكم إحدى الروايتين، وقال البيهقي يحتمل أن يكون قد فعل ما في الروايتين جميعًا فيكون قد غسل ما أمكنه وتيمم للباقي، وله شاهد من حديث ابن عباس ومن حديث أبي أمامة عند الطبراني»(9)، وأيد النووي هذا الجمع بين الوضوء والتيمم وقال» وهو متعين »(10)، وجاء في المغني» إذا كان به قرح أو مرض مخوف أو أجنب فخشي على نفسه إن أصاب الماء ، غسل الصحيح من جسده وتيمم لما لم يصبه الماء»(11). ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الجريح إذا كان محدِثاً حدثاً أصغر يصح أن يتيمم بعد كمال الوضوء، ثم قال» بل هذا هو السنة»(12)، ومثل هذا الجمع ينعكس معناه على قاعدة:»الميسور لا يسقط بالمعسور».
هذا واستعمال التيمم لا يقدر بوقت معين، بل هو مشروع وإن طال العهد لحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مرفوعاً "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين"(13).
والله أعلم و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و على آله وصحبه و التابعين لهم بإحسان و سلم تسليما.

الجزائر في : 09 شوال 1417 هـ.
الموافق لـ : 16 فيفري 1997 م.

________________________________________
1- متفق عليه.أخرجه البخاري (13/251) ومسلم(9/100) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
2- أخرجه أبو داود(1/239) وابن ماجة(1/189) والحاكم(1/178) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه
3- سنن البيهقي(1/328)
4- سبل السلام للصنعاني(1/204)
5- انظر تمام المنة للألباني(131) وتخريج شرح السنة للأرناؤوط(2/121).
6- مجموع الفتاوى لابن تيمية(20/14).
7- المصدر السابق(19/289) إعلام الموقعين لابن القيم(2/71).
8- " الفروق " للقرافيّ (2/199-203).
9- نيل الاوطار للشوكاني(1/387).
10- الفتح لابن حجر(1/454).
11- المغني لابن قدامة(1/261).
12- الاختيارات الفقهية لابن تيمية للبعلي(ص21)
13- أخرجه أبو داود(1/235-237) والترمذي(1/212) والنسائي(1/171) وأحمد(5/146) من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه والحديث صححه الترمذي والألباني في الإرواء(1/181).



التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن مراد بلالي ; 16 Apr 2013 الساعة 07:52 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 Apr 2013, 07:54 AM
أبو عبد الرحمن مراد بلالي أبو عبد الرحمن مراد بلالي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر^ البليدة^ قرواو
المشاركات: 111
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الرحمن مراد بلالي
افتراضي

في مقدار الرضاع المحرم
السـؤال:
خطبني ابن خالتي وتبين بأنّ هذه الخالة ( أي أمه ) قد أرضعت أمي، وعندما سألناها ( أي المرضعة ) قالت بأنها أرضعتها رضعة ثم ربما زادتها رضعة أخرى أي بمعنى أصح رضعة أو رضعتين، وتشهد أختها ( أي خالة أخرى ) على أنها شهدت الرضعة الثانية ولا تدري إن زادت عن ذلك أم لا.
والخلاصة أن الرضاع قد تم برضعتين على الأكثر، وحين سألنا في هذه المسألة قيل لنا أن الرضاع يحرم بخمس و ذلك موافق لحديث عائشة "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي الرسول ( صلى الله عليه وسلم) و هن فيما يقرأ من القرآن "(1) وحديث مسلم " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان"(2).
ولكن المشكل الذي وقعنا فيه هو ما هي الرضعة ؟ أي ما الذي نقول عنه أنه رضعة؟
فقد جاء في جواب أحد الأئمة الذين سألناهم: أن التحريم يقع بخمس رضعات إلا أنه تابع قوله بأن الرضعة في المذهب الشافعي وأحمد ليست الشبعة وهو أن يلتقم الطفل الثدي ثم يسيبه ثم يلتقمه ثم يسيبه حتى يشبع بل إذا أخذ الثدي ثم تركه باختياره فهي رضعة ثم أخذه وتركه فرضعة أخرى وإن تركه بغير اختياره ثم عاد إليه قريبا ففيه نزاع.
إن هذا القول قد حيرني كثيرا، فهل هذا هو الصحيح في صفة الرضعة ومفهومها ؟ كما أنني قرأت قولا آخر يخالف هذا القول يقول: بأن الرضعة لا تحسب إلا إذا عدت في العرف رضعة كاملة.
ولهذا أتساءل هل إذا رضع الطفل أو إذا تناول الثدي ثم انصرف عنه للتنفس أو لشيء آخر ثم عاد إليه هل تسمى رضعة ثانية أو أن كل ذلك يسمى رضعة واحدة. ماهو الدليل الذي يؤيد الرأي الأول و ما هو الدليل الذي يؤيد الرأي الثاني ؟ وشكرا.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلمي أنّ ما أفتيت به من أنّ التحريم لا يثبت بأقل من خمس رضعات متفرقات هو المذهب الظاهر والأقوى ويدل عليه حديث عائشة - رضي الله عنها - الذى رواه مسلم المذكور في محل السؤال، و هو تقييد لإطلاق الكتاب و السنة، وتقييد المطلق بيان لا نسخ ولا تخصيص، وما اعترض عليه من أن الحديث تضمن الخمس رضعات قرآنا، والقرآن شرطه التواتر ولم يتواتر محل النزاع، فمردود لأن التواتر شرط في التلاوة لا شرط في الحكم و قصد المستدل بهذا إثبات الحكم لا إثبات التلاوة، والحجة تثبت بالظن و يجب عنده العمل و قد عمل الأئمة بقراءة الآحاد في مسائل كثيرة منها قراءة ابن مسعود و أُبي ووقع الإجماع على ذلك و لا مستند له غيرهما، و في المسألة تحقيق طويل يمكن الرجوع إلى زاد المعاد لابن القيم(3)، المحلى ابن حزم(4)، بداية المجتهد لابن رشد(5)، المغني لابن قدامة(6)، شرح مسلم للنووي(7)، زاد المسير لابن الجوزي(8)، نيل الأوطار للشوكاني(9)، وهذا القول هو مذهب ابن مسعود وإحدى الروايات عن عائشة، وعبد الله بن الزبير و عطاء وطاووس والشافعي و أحمد في ظاهر مذهبه و ابن حزم و ابن القيم و أكثر أهل الحديث.
أما الإرضاع فلا يتحقق إلا برضعة كاملة، وهي أن يمتص الصبي اللبن من الثدي ولا يدعه إلا طائعا باختياره من غير عارض، والمصة والمصتان دون الرضعة لا تؤثر في الغذاء لا إنباتا للّحم ولا إنشازا للعظم فلا تحرم لحديث عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "لا تحرم المصة والمصتان(10) وفي رواية "لا تحرم الإملاجة ولا الاملاجتان"(11)، والمراد بالإملاجة مثل المصة هي الإرضاعة الواحدة وهو أخذ اليسير من الشيء، فإذا قطع الصبي رضعته لعارض كتنفس أو استراحة يسيرة أو لشيء يلهيه ثم يعود من قريب لا يخرجها عن كونها رضعة واحدة وهذا هو مذهب الشافعي في تحقيق الرضعة الواحدة وهو موافق للغة على ما ذكره الصنعاني في سبل السلام 3/438، فإذا حصلت خمس رضعات على هذه الصفة حرمت و إلا فلا.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .

________________________________________
1- أخرجه مسلم كتاب الرضاع(3670)، وأبو داود كتاب النكاح باب هل يحرم ما دون خمس رضعات(2064)، والنسائي كتاب النكاح باب القدر الذي يحرم من الرضاعة(3320)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه مسلم كتاب الرضاع (3666)، وابن ماجه كتاب النكاح باب لا تحرم المصة والمصتان(2016) من حديث أم الفضل رضي الله عنها.
3- (5/571).
4- (10/9).
5- (2/35-36).
6- (7/536).
7- (10/29).
8- (2/46).
9- (8/170).
10- أخرجه مسلم كتاب الرضاع (3663)، وأبو داود كتاب النكاح باب هل يحرم مادون خمس رضعات(2065)، والترمذي كتاب الرضاع (1182)، والنسائي كتاب النكاح باب القدر الذي يحرم من الرضاعة(3322)، وابن ماجه كتاب النكاح باب لا تحرم المصة والمصتان(2017)، وأحمد(7/48) رقم(23506) عن عائشة رضي الله عنها.
11- أخرجه مسلم كتاب الرضاع (3664)، والنسائي في كتاب النكاح باب القدر الذي يحرم من الرضاعة(3321)، وأحمد(7/476) رقم(26332) من حديث أم الفضل رضي الله عنها.






أذان الفجر الشرعي

السؤال:
إنّ الحمد لله نستعينه ونستغفره والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وبعد: فالسلام عليكم ورحمة الله
أجيبونا -جزاكم الله خيرا- فيمن يؤذّن متأخرا عن الوقت المحدد في الرزنامة الرسمية بعشر دقائق (10)، وذلك في صلاة الفجر. كم يضيف إليها (20) دقيقة بين الأذان الثاني والإقامة للصلاة ؟ بارك الله فيكم.

الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم -وفقك الله- أنّ الفجر فجران، فجر صادق وصفته أن ينتشر ممتدا في الأفق الشرقي، والمراد بالأفق هو ما يرى من السماء متصلا بالأرض، والثاني: فجر كاذب وصفته أنّه يرتفع في السماء مثل العمود ولا يكون ممتدا في الأفق، وقد عبّر عنه الحديث بـ "ذنب السّرحان"(1) أي ذيل الذنب.
والفجر الحقيقي الذي تحلّ فيه الصلاة هو الفجر الصادق، أما الفجر الكاذب هو الفجر الأول إنّما يكون بالليل، ومن افتتح الصلاة قبل طلوع الفجر الآخر يجب عليه الإعادة لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام"(2).
والأذان الرسمي الحالي المبني على التوقيت الفلكي لم يراع حقيقة طلوع الفجر الصادق ولا صفته والمفارقة فيه ظاهرة للعيان، وإنّما يدخل الفجر الصادق بعد مضي الأذان الرسمي بحوالي عشر دقائق إلى عشرين دقيقة، بحسب فصول السنة حرصا على أهمّ ركن في الدين وهو الصلاة، وحملا لأفعال المصلين على الصحة والسلامة، وتجاوبا مع ما يمليه الشرع ويأمر به. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اسْتَجِيْبُوا لِلَّهِ وَللِرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيْكُمْ﴾ [الأنفال 24]، وقال عزَّ وجل:﴿ومَا آتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر 7]، وقد أمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات وفي وقتها المحدد لها شرعا قال تعالى ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِيْنَ كِتَاباً مَّوْقُوْتاً﴾ [النساء 103] أي أجلا محددا، وقال سبحانه:﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلوَاَت وَالصَّلاَةِ الوُسْطَى﴾ [البقرة 238]، ويصف سبحانه وتعالى المؤمنين وعباد الرحمن بقوله: ﴿وَالَّذِيْنَ هُمْ عَلَى صَلواتِهِمْ يُحَافِظُوْنَ﴾ [المؤمنون 9] أي يحافظون على أدائها بالوجه الشرعي وفي الوقت الذي عيَّنه الله تعالى لأداء الصلاة. نسأله تعالى أن يعيننا على أدائها بالوجه الأكمل وأن يجعلنا من المحافظين عليها العاملين بما أمر الله تعالى المنتهيين عمّا نهى عنه المولى عزَّ وجل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.

الجزائر في 24 شعبان 1422 ه
الموافق 4 نوفمبر 2001 م.

________________________________________
1- أخرجه الحاكم (1/191)، وعنه البيهقي (1/377)، والديلمي (2/244) من حديث جابر رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2002).
2- أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/52/2)،وعنه الحاكم (1/425)، والبيهقي (1/377 و457 و4 م216) من حديث ابن عباس رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (693).






المحراب والمقصورة

السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم, أمّا بعد:
فضيلة الشيخ لقد تقرر عندنا أنّ المحراب بدعة محدثة, لكن السؤال الذي يطرح نفسه أنّ النّاس الآن يقولون: إنّنا نبني المقصورة, ومعلوم أنّ المحراب لا يتمّ إلاّ ببناء المقصورة على الغالب, والقاعدة "ما أدى إلى حرام فهو حرام" و "ما لا يتمّ ترك الحرام إلاّ به فهو واجب" فهل نقول إنّ بناء المقصورة الآن محرم لغيره ؟ أفتونا مأجورين، جزاكم الله خيرا.

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فعطفا على ما تقدم من أنّ إحداث المحراب أمر لم يكن عليه سلف الأمة, وكلّ طريق أو وسيلة مؤدية إلى تحقيقه فإن كانت مقصودة بالفعل من أجل غرض بدعي فحيلة محذورة شرعا, لأنّ حكم الوسيلة لها حكم الغاية, والنهي عن الشيء يقتضي النهي عن جميع لوازمه وأجزائه كما تقرر في علم القواعد.
أمّا إن بنيت المقصورة ولم يكن القائم بها له غرض ومقصد من ورائها سوى الحاجة والمصلحة المقتضية لها, فإن كانت موجودة فلا يجوز إحداث مقصورة أخرى لأنّه يؤدي إلى تضييق المسجد على المصلّين يوم اجتماع النّاس،فضلا عن كونها زيادة عن الحاجة, فيكون من قبيل تحصيل الحاصل, وتحصيله محال, أمّا إن انعدمت فإقامتها من غير ذلك المقصد السابق فتشرع في الحدود التي تلبي حاجيات أهل المسجد، والمقصورة معدودة من المسجد لكونها من توابع المسجد المتصلة به اتصال قرار، هذا كلّه مبني عل المقاصد والنيات عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى"(1) فإن نوى التدرع بالمقصورة للوصول إلى ما لا يرضاه الشرع فإثمه عليه، والأمور بمقاصدها كما تأصّل في قواعد الفقه.
والله أعلم بالصواب وفوق كلّ ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

الجزائر في: 20 ربيع الثاني 1418ه
الموافق لـ : 25 أوت 1997م

________________________________________
1- أخرجه البخاري في بدء الوحي رقم(1)، ومسلم في الإمارة رقم(5036)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.





بيع أدوات الحلاقة

السؤال: ما حكم بيع أدوات الحلاقة؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فأدوات الحلاقة لها حكم مقاصدها، فإذا استعملت في معصية كحلق اللحى والوجه وما يمنع من الجسد أخذه، وكذلك المثلة شعر الرأس والقزع وغيرها، فإنّ الحكم هو منع بيعها وحرمة ثمنها لما فيه من الإعانة على المعصية لقوله تعالى:﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾[المائدة:2]، أمّا إذا استعملت في المواضع المباحة على الوجه المطلوب والمشروع صح البيع والثمن لما فيه من التعاون على البر والتقوى، غير أنّه لمّا كان في هذا المجتمع استعمال النّاس لهذه الأدوات على غير الوجه الشرعي فالواجب اتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام، ذلك لأنّ معظم الشيء يقوم مقام كلّه على ما تقرر في القواعد، هذا ويجوز –في كلّ الأحوال- معاملة من علم من حاله على وجه التعيين استعمالها بما لا يتنافى مع تعاليم الشريعة.
والله أعلم، وفوق كلّ ذي علم عليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.





طريق التخلص من الفوائد البنكية

السؤال: ماذا يفعل الإنسان بالفوائد البنكية؟ وهل يجوز إنفاقها على الفقراء والمساكين وهـل يأخذ أجرا عن هذه الصدقة؟ وما هي الطرق الأخرى لإنفاق هذه الفوائد الربوية؟
وجزاكم الله خيرا.

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالفوائد الربوية الصادرة عن البنك فهي محرمة ويجوز التصدق بها بنية المظلـوم على المصالح العامّة للمسلمين وعلى كلّ ما يرجع إليهم بالنفع وكذا على الفقراء والمساكين لأنّه ما كان محرّما من الأموال فحكمه إن لم يعلم صاحبه ولا ورثته يتحول إلى مال عام يشترك فيه عموم النّاس ويرجع إلى منافعهم العامة.
والله أعلم،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و صلّ اللهم على محمّـد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

الجزائر في:12ربيع الأول1420هـ
الموافق لـ:26جوان1999م.







التعامل مع صاحب المال الحرام


السؤال:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، شيخنا الفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد:
فأستسمحكم شيخنا -رعاك الله- أن أقتطع جزءا من وقتكم عسى أن تجيبوا على مسألتي وتجدوا حلاّ لمشكلتي، وهي أنّ أخي موظف بشركة قائمة على أساس غير شرعي إذ هو مفتش في الضرائب وهو غير متزوج يقيم معنا في البيت، ولكونه لا يستحلّ بماله لشراء لوازم البيت فإنّي أجد حرجا في الانتفاع بما يأتي به أكلا أو استعمالا مع العلم أنّه ليس هو المعني بالإنفاق بل الوالد هو المنفق لكن يساعده في كل شيء تقريبا، فهل يحرم عليّ الانتفاع بما يجلبه إلى البيت أم لا ؟ وأحيانا يكون الأكل مزيجا من المال الحلال أي: مال الوالد ومال أخي الذي لا أستطيع أن أقول إنّه حرام حيث إنّ هذه الكلمة لها مدلول عظيم مؤثر على العائلة ولا يقبلونه، وذلك أنّ أخي استفتى إماما بالحيّ فأجاز له العمل في الشركة علما أنّه يعتبره أهلا للسؤال والفتوى باعتباره إماما يُصلّي بالنّاس، حافظ للقرآن له علم. وأمّا أنا فلا أعتبره كذلك إذ هو حافظ للقرآن فقط وليس له أصول وضوابط المجتهد -فيما أعلم- بل سمعت عنه أمورا تجعلني لا أثق فيه منها أنّه يكتب التمائم ويرقي بأساليب غير شرعية كسؤاله عن اسم والدة المريض وغيره.
فهل يكون بهذا إثمه على من أفتاه وماله حلال ينتفع به الجميع أم يبقى بالنسبة إليّ حراما لعدم صدور الفتوى من أهلها؟
كذلك هو يسأل عن كونه أحيانا يساعد أصحاب المحلات في تقليص وتخفيض قيمة الضريبة وكثيرا ما يكون جزاء هذا العمل أنّهم يقدمون له هدايا وسلعا من تلك المحلات والمصانع فما حكم عمله هذا للمساعدة ؟
وما حكم الهدايا ؟ ودائما تحت فتوى الإمام السابق أنّها حلال ما دام لم يطلبها هو
أفيدونا شيخنا حفظكم الله.
ملاحظة: وإن لم أستطع إقناع أخي أنّ المؤسسة غير شرعية إلاّ أنّه بدأ يشك في الأمر لذا فهو يحاول أن يدخل ميدان التجارة غير أنّه لم يوفق بعد، لعلّ سبب ذلك المال الحرام فأطلب منكم شيخنا الدعاء له بالتوفيق دون أن تنسوا صاحب السؤال.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فبالنسبة لصاحب العمل غير المشروع في الأصل إذا قبض المال بطريق فاسد يعتقد صحته بناء على فتوى من ظن السائل أنّه أهل لها واطمأنت نفسه إليه فإنّه يملك ما قبضه لأنّه سلك لمعرفة الحكم الشرعي الطريق المطلوب المتمثل في قوله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [النحل43]، وفي قوله صلى الله عليه و سلم: "ألا سألوا إذا لم يعلموا إنّما شفاء العي السؤال"(1)، وإن وقع الإثم فإنّما يقع على من أفتاه من غير ثبت أو سند شرعي أو لم يكن أهلا للاجتهاد والفتوى, فإذا توفرت في المفتي الشروط المعتبرة في الفتوى فهو مأجور أصاب أو أخطأ لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعا: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"(2)، والعامي لا مذهب له، وله أن يتخيّر من العلماء إذا عجز عن إدراك الأفضل علما وورعا, فإن علم بعد ذلك حكم التحريم فيه وجب عليه التخلص منه ورده إن كان باقيا أو بدله إن كان فائتا, فإن لم يعلم صاحبه, فإلى المرافق العامة يوّجه, وإلاّ فإلى الفقراء والمساكين والمحتاجين يتصدق به لقوله تعالى: (و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) [البقرة278] وقوله تعالى:(فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) [البقرة275]
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيبا، وإنّ الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرّسل كلّوا من الطيبات و اعملوا صالحا) [المؤمنون51] وقال تعالى:(يا أيّها الذين آمنوا كلّوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إيّاه تعبدون)[البقرة172]، ثمّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك"(3) والهدايا والعطايا المأخوذة بسبب المنصب حرام وغلول لقوله صلى الله عليه وسلم "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذه فهو غلول"(4) ولقوله صلى الله عليه و سلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول"(5) وفي الحديث أيضا:"من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا"(6) .
أمّا بالنسبة للسائل المعتقد للتحريم – وهو في يد أبويه – فإن كان المال المحرم الممزوج بغيره من الحلال من غير تمييز أقلّ من الحلال حلّ لأنّ الأقل يتبع الأكثر، فإن امتنع عنه للورع فإنّه يعارضه الورع في طلب رضا الوالدين وهو آكد من الأول فضلا عن حاجة بدنه إليه, وإن كان الأكثر حراما حرم, إقامة للأكثر مقام الكلّ، قطع به ابن الجوزي في المنهاج تأسيسا على قاعدة أنّ للأكثر مقام الكلّ إذ معظم الشيء يقوم مقام كلّه على ما قرره الزركشي في قواعده وعليه فليمتنع عن مؤاكلة والديه وإن كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وإن رأى من نفسه أنّه لا سبيل لقوام بدنه إلاّ عن طريقه فليقلل من الأكل ولا يوسع إلاّ بقدر الحاجة عملا بقاعدة الضرورات تقدر بقدرها، وما زاد عن ذلك فهو عدوان.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.

________________________________________
1- أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب في المجروح يتيمم(336)، والدارقطني في سننه(744)، والبيهقي(1115)، من حديث جابر رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في تمام المنة (ص131)، وفي صحيح سنن أبي داود(336) .
2- أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنة» باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (6916)، ومسلم في «الأقضية» باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ: (4487)، وأبو داود في «الأقضية» باب في القاضي يخطئ (3574)، وابن ماجه في «الأحكام» يجتهد فيصيب الحق (2314)، وأحمد: (17360)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
3- أخرجه مسلم كتاب الزكاة باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
4- أخرجه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء باب في أرزاق العمال، من حديث بريدة رضي الله عنها، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع(5899)، وفي صحيح الترغيب والترهيب(779).
5- أخرجه مسلم كتاب الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة، والترمذي كتاب الطهارة باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور، وابن ماجه كتاب الطهارة وسننها، باب لا يقبل الله صلاة بغير طهور، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
6- أخرجه أو داود كتاب البيوع باب في الهدية لقضاء الحاجة، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(3465).

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 Apr 2013, 09:41 AM
جماع ياسين هشام جماع ياسين هشام غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
الدولة: قصر الشلالة تيارت الجزائر
المشاركات: 62
افتراضي

جزاك الله خيراً
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مسائل, أسئلةمهمة, فركوس, فقه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013