14 Oct 2024, 04:30 PM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2019
المشاركات: 31
|
|
مُعتَقَدُ أَهلِ الإِسلَامِ مِن كَلَامِ الأَئِمَّةِ الأَعلَام
بِاسمِ اللّهِ الرَّحمَنِ الرّحيم
الحَمدُ لِلّه ، والصّلاةُ والسّلامُ علَى رسُولِ اللّه ، وآلهِ وصَحبِهِ ومَن وَالَاه ، وبَعد :
فَإنّ أوجَبَ مَا عَلَى المُسلِمِ مَعرِفَتهُ وتَعلُّمَهُ وتَيَقُّنَهُ هُو مُعتَقَدَهُ فِي دِينِهِ ، وذَلِكَ أَنَّ أَسَاس الدِّينِ وقَوَامهُ هُوَ العَقِيدَةُ الصّحِيحَة ، فَإذَا صَحَّ مُعتَقَدُ المُسلِمِ صَحَّ وسَلِمَ سَائِرُ دِينِه ، واستَقَامَ بِإِذنِ اللَّه ، وإِذَا فَسَدَ مُعتَقَدُ المُسلِمِ فَسَد سَائِرُ دِينِهِ ، وأَتَتهُ الشُّرُورُ مِن كُلِّ حَدَبٍ وصَوب ، ولَا يَدرِي فِي أَيِّ أَودِيّةِ البَاطِلِ والبِدَعِ يَكُونُ هَلَاكُه .
مِن أجلِ هذَا كَتبَ عُلمَاء الإسلَام الكُتُب وألّفُوا المُؤلّفات فِي بيَانِ عَقيدَة المُسلمِين ، عَقِيدة أهلِ السُّنّة والجَمَاعة ، وتَوضِيحِها وتَجلِيّتِها للنّاس ، عُمدَتهُم في ذَلِك كتَابُ ربِّهِم وسُنّة نبيِّهم ، ومَا أجمَعَ علَيه الصَّدرُ الأولُ مِن هذهِ الأمّة ، فَكَتبُوا المُختصَرَات مِن الكُتُب
في العَقِيدة لِيَسهُلَ حِفظُها وتَداوُلها والرُّجوعِ إليهَا ، وكتبُوا المُطوَّلات من الكُتب والمُؤلّفات وساقُوا فيها الأدلّة من الكتاب والسُّنّة وما أجمَع عليه سَلفُ الأمّة وأئمّتها ، لِيُبيِّنُوا لِلنّاسِ أَنَّ مُعتقَدَهُم في دِينهِم إنّما مَصدرُهُ مِن عِندِ رَبِّهِم جَلّ وعَلَا ، ومِن عِندِ نَبيِّهِم الذي لا يَنطِقُ عنِ الهَوى ، ومِن تِلك الكُتب المُختصرَة العَقيدَة الواسِطيّة لشيخِ الاسلَام ابنُ تيميّة ، ولُمعَةُ الاعتِقَادِ الهَادِي إلى سَبيلِ الرّشَاد لابنِ قُدامَة المَقدسِي وغيرِهِما ..
و من المُطوّلات من الكُتب والمُؤلفات أصُول السُّنّة للإمَام أحمَد ، والسُّنّة لعبد اللَّهِ بن أحمَد ، و السُّنّة للخلال ، و أصول السُّنّة لأبي زرعة وأبي حاتم ، و الشّريعة للآجري ، و الإبانتين لابن بطّة ، و الحجّة لأبي القاسم الأصبهاني ، و شرح أصول اعتقاد أهل السُّنّة للّالكائي ، و اعتقاد أهل الحديث للصّابوني وغيرها .
ورُبّما توسّعوا في بعض الأبواب ردًّا على بعض البدع و الفرق المخالفة التي عاصروها لِيَنقُضُوا ما عليه هذه الفرق من باطل ، كلّ هذا اهتمامًا بأمرِ العقِيدة ومنزلتها في دين اللّه عزّوجلّ ، و أهميتها في صلاح أو فساد دين المسلم .
وإنِّي أحببتُ أن أنقل جُمَلًا من كلام هؤلاء العلماء الأعلام ، وأتخيّرُ من مِشكاتهِم ومن مَعِينِهِم جُمَلًا و عِبَارَاتٍ في أغلب أبواب العقيدة جَاعِلًا إيّاها كَالمُذكِّرةِ لِمَا يجبُ على المُسلم اعتقاده في دينه ، واخترتُ من كلام هؤلاء العلماء مايكون مُختصرًا ، واضِحَ العٌبارة ، مُحيطًا بِالمَعنى المَطلُوب ، ورُبّما أنقلُ في كُلِّ بابٍ من هذه الأبواب لأكثر من واحدٍ من هؤلاء الأعلام ، تأكيدًا لِلمَعنى ، وإحاطةً به ، وتَجلِيَّةً لِمعانِيه ، و سَمَّيتُ هذهِ المُذكِّرَة :
[ مُعتَقَد أَهلِ الإِسلَامِ مِن كَلَامِ الأَئِمَّةِ الأَعلَام ]
سَائِلًا اللَّهَ جَلَّ وعَلَا أن يَنفَعَنِي بِها ، وأن يَنفعَ بِها كُلَّ مَن نَظَرَ فِيها ، والحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين .
( ٠١ ) [ يتلقَّى المُسلمون عقيدتهم في دينهم من كتاب ربّهم جلّ وعلا ، ومن سُنّة نبيِّهم ﷺ ، وما أجمع عليه سلفهُم الصّالحون ]
قال الإمام اللّالكائي ( ت : ٤١٨ هـ) :
( فإنّ أوجب ما على المرءِ معرفةَ اعتقادِ الدِّين ، وما كلّف اللّه به عبادهُ من فهمِ توحيدهِ وصفاتهِ ، وتصديقِ رُسله بالدّلائل واليقين ، والتّوصُل إلى طُرقها والاستدلال عليها بالحُجج والبراهين ، وكان من أعظم مقول ، وأوضح حجّة ومعقول ، كتاب اللّه الحقّ المبين ، ثمّ قول رسول اللّه ﷺ وصحابته الأخيار المتّقين ، ثمّ ما أجمع عليه السّلف الصّالحون .) ( 1 )
و قال شيخ الاسلام ابن تيميّة رحمه اللّه تعالى :
( فيأخذُ المُسلمون جميع دينهم من الاعتقادات والعبادات وغير ذلك من كتاب اللَّه ، وسُنّة رسُوله ، وما اتّفق عليه سلفُ الأمّة وأئمّتها ، وليس ذلك مُخالفًا للعقل الصّريح ، فإنّ ما خالف العقل الصّريح فهو باطل ، وليس في الكتاب والسُّنّة والإجماع باطل ، ولكن فيه ألفاظٌ قد لا يفهمها بعض النّاس ، أو يفهمون منها معنى باطلا ، فالآفة منهم ، لا من الكتاب والسُّنّة .) ( 2 )
( ٠٢ ) [ المُتَمَسِّكُونَ بِالإسلامِ المَحضِ الخَالِصِ عَنِ الشَّوبِ هُم أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، وهُمُ الفِرقةُ النّاجِيةُ المَنصُورَة ]
قال ابن تيميّة رحمه اللّه تعالى :
( .. فَهَذَا اعتِقَادُ الفِرقَةِ النَّاجِيَةِ المَنصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ : وَهُوَ الإِيمانُ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالبَعثِ بَعدَ المَوتِ ، والإِيمَانِ بِالقَدَرِ خِيرِهِ وَشَرِّه .) ( 3 )
وقال أيضًا رحمه الله تعالى :
( ... لَمَّا أَخبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ أُمَّتهُ سَتَفتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبعِينَ فِرقَة كُلُّهَا فِي النَّار إلاَّ وَاحِدَةً وَهِيَ الجَمَاعَةُ ، وَفِي حَدِيثٍ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ : [ هُم مَن كَانَ عَلَى مِثلِ مَا أَنَا عَلَيهِ اليَومَ وَأَصحَابِي ] صَارَ المُتَمَسِّكُونَ بِالإسلامِ المَحضِ الخَالِصِ عَنِ الشَّوبِ هُم أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، وَفِيهِمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحُونَ ، وَمِنهُمُ أَعلامُ الهُدَى ، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى ، أُولو المَنَاقِبِ المَأثُورَةِ وَالْفَضَائِلِ المَذكُورَةِ ، وَفِيهِمُ الأَبدَالُ ، وَفِيهِمُ أَئِمَّةُ الدِّينِ الَّذِينَ أَجمَعَ المُسلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِم وَدِرَايَتِهِم ، وَهُمُ الطَّائِفَةُ الْمَنصُورَةُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ ﷺ : [ لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنصُورَةً ، لاَ يَضُرُّهُم مَّن خَالَفَهُم وَلاَ مَن خَذَلَهُم حَتَّى تَقُومَ السَّاعَة .] ) ( 4 )
و قال الشّيخ عبد العزيز ابن باز رحمه اللّه تعالى :
( .. هم أهل السُّنّة والجماعة ، وهم الفرقة النّاجية ، فالأمّة افترقت على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلُّها في النّار إلا واحدة ، وهذه الواحدة هي الفِرقةُ النّاجية ، هي التي آمنت باللّه ورسوله ، وآمنت بأسماء الله وصفاته ، وآمنت بأنّه سبحانه مُستحِقُّ العِبادة ، وأنّه الإله الحقّ ، وأنّه فوق العرش قد استوى عليه استواءً يليقُ بجلاله ، وأنّه مُسمّى بالأسماء الحسنى والصِّفات العُلَى الواردة في الكتاب العزيز وفي السُّنّة الصّحيحة المُطهّرة ، هم أهل السُّنّة والجماعة ، وهم الفِرقة النّاجية ، وهم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة ، وإن قَلُّوا ، وإن قَلُّوا في أي مكان ، أمَّا الثِّنتان والسّبعون فرقة فهم مُتوعَّدُون بالنّار ، فيهم الكافر وفيهم المبتدع الذي ليس بكافر ، هم الذين حادوا عن طريقة السّلف ، لكن تارةً يكون الذي حاد عنها كافرًا ، وتارة يكون دون ذلك .. ) ( 5 )
( ٠٣ ) [ الأُصُولُ التي يَنبَنِي عليها الإيمان ]
قال شيخ الاسلام ابن تيميّة رحمه اللّه تعالى :
( .. فَهَذَا اعتِقَادُ الفِرقَةِ النَّاجِيَةِ المَنصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَة ، أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ : وَهُوَ الإِيمانُ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالبَعثِ بَعدَ المَوت ، والإِيمَان بِالقَدَرِ خِيرِهِ وَشَرِّه .) ( 6 )
و قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه اللّه تعالى :
(• فالإيمان باللّه يتضمّنُ الإيمان بوجوده وبربوبيته وبألوهيته وبأسمائه وصفاته .
• والإيمان بالملائكةِ يتضمنُ الإيمان بوجودهم ، والإيمانُ باسم من عُلِم اسمه كجبريل ، والإيمان بصفة من عُلِم وصفه کجبريل أيضا ، والإيمان بأعمالهم ووظائفهم مثل عَمل جبريل ينزل بالوحي ومالكٌ خازن النار .
• والإيمان بالكتب يتضمّنُ تصديق كونها من عند اللّه ، وتصديق ما أخبرت به ، والإيمان بأسماء ما عُلم منها كالتوراة ، وما لم يُعلَم فيؤمن به إجمالا ، والتزام أحكامها إذا لم تنسخ .
• والإيمان بالرُّسل يتضمّنُ الإيمان بأنّهم صادقون في رسالتهم ، وبأسماء من علمت أسماؤه منهم ، وما لم يعلم فيؤمن به إجمالا ، وتصديق ما أخبروا به ، والتزام أحكام شرائعهم غير المنسوخة ، والشّرائع السّابقة كلّها منسوخة بشريعة محمد ﷺ .
والإيمان باليوم الآخر يتضمّن الإيمان بكلّ ما أخبر به النّبِيُّ ﷺ مِمَّا يكون بعد الموت .
• والإيمان بالقدر يتضمّن الإيمان بأنّ كلّ شيء واقعٌ بقضاء اللّه وقدره . ) ( 7 )
( ٠٤ ) [ الأصلٌ الأوّلُ مِن أُصُولِ الإيمَان : الإيمانُ باللّهِ جَلَّ وعَلَا ]
قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه اللّه تعالى :
( الإيمان باللّه يتضمّنُ الإيمان بوجوده ، وبربوبيته ، وبألوهيته ، وبأسمائه وصفاته .)
[ مُذكِّرةٌ على العقيدة الواسطية ]
و قال محمد الأمين الشنقيطي رحمه اللّه تعالى :
( وقد دلّ استقراء القرآن العظيم على أنّ توحيد اللّه ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : توحيده في ربوبيته ، وهذا النّوع من التّوحيد جُبلت عليه فِطَرُ العُقلاء ، قال تعالى : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه } [ الزخرف ٨٧ ] ، وقال : { قل من يرزقكم من السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يُخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحيّ ومن يُدبِّرُ الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون } [ يونس ٣١ ] ، وإنكار فرعون لهذا النّوع من التّوحيد في قوله : { قال فرعون وما رب العالمين }[ الشّعراء ٢٣ ] تجاهلٌ عن عارفٍ أنّه عبدٌ مربُوب ، بدليل قوله تعالى : { قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا ربُّ السماوات والأرض بصائر } الآية [ الإسراء ١٠٢ ] ، وقوله : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوا } [ النّمل ١٤ ] ، وهذا النّوع من التّوحيد لا ينفعُ إلّا بإخلاص العبادة للّه ، كما قال تعالى : { وما يؤمن أكثرهم باللّه إلا وهم مشركون } [ يوسف ١٠٦ ] ، والآيات الدّالة على ذلك كثيرة جدا .
الثاني : توحيده جلّ وعلا في عبادته ، وضابط هذا النوع من التّوحيد هو تحقيق معنى لا إله إلا اللّه ، وهي مُتركِبةٌ من نفيٍ وإثبات .
فمعنى النّفي منها : خلعُ جميع أنواع المعبودات غير اللّه كائنةً ما كانت في جميع أنواع العبادات كائنةً ما كانت ، ومعنى الإثبات منها : إفراد اللّه جلّ وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص ، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصّلاة والسّلام ، وأكثر آيات القرآن في هذا النّوع من التّوحيد ، وهو الذي فيه المعارك بين الرُّسل وأممهم { أجعل الآلهة إلها واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عُجاب } [ ص ٥ ] ، ومن الآيات الدّالة على هذا النّوع من التّوحيد قوله تعالى : { فاعلم أنّه لا إله إلا اللّه واستغفر لذنبك } [ محمد ١٩ ] ، وقوله : { ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولًا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت } [ النّحل ٣٦ ] ، وقوله : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون } [ الأنبياء ٢٥ ]، وقوله : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يُعبدون } [ الزّخرف ٤٥ ] ، وقوله : { قل إنّما يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحدٌ فهل أنتم مسلمون } [ الأنبياء ١٠٨ ]، فقد أمر في هذه الآية الكريمة أن يقول : إنّما أوحي إليه محصور في هذا النّوع من التّوحيد لشمول كلمة لا إله إلا اللّه لجميع ما جاء في الكتب ، لأنّها تقتضي طاعة اللّه بعبادته وحده ، فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي ، وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب ، والآيات في هذا النّوع من التّوحيد كثيرة .
النّوع الثّالث : توحيده جلّ وعلا في أسمائه وصفاته ، وهذا النّوع من التّوحيد ينبني على أصلين :
الأول : تنزيه اللّه جلّ وعلا عن مُشابهة المخلوقين في صفاتهم ، كما قال تعالى : { ليس كمثله شيء } [ الشّورى ١١ ] ، والثّاني : الإيمان بما وصف اللّه به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى اللّه عليه وسلم على الوجه اللّائق بكماله وجلاله ، كما قال بعد قوله : { ليس كمثله شيءٌ } قال : { وهو السّميع البصير } [ الشّورى ١١ ] مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتِّصاف ، قال تعالى : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يُحيطون به علما } [ طه ١١٠ ] ، وقد قدّمنا هذا المبحث مستوفى مُوضّحًا بالآيات القرآنية في سورة الأعراف . ) ( 8 )
( ٠٥ ) [ طَرِيقَةُ سَلَفِ الأُمَّةِ فِي الإِيمَانِ بآيَاتِ وأحَادِيثِ الصِّفَات ]
قال شيخ الاسلام ابن تيميّة رحمه اللّه تعالى :
( وَمِنَ الإيمَانِ بِاللّهِ الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ فِي كِتِابِهِ العَزِيز ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ ، مِن غَيرِ تَحرِيفٍ وَلاَ تَعطِيل ، وَمِن غَيرِ تَكيِيفٍ وَلاَ تَمثِيل ، بَل يُؤمِنُونَ بِأَنَّ اللّه { لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } ، فَلاَ يَنفُونَ عَنهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفسَه ، وَلاَ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِه ، وَلاَ يُلحِدُونَ فِي أَسمَاءِ اللّهِ وآيَاتِه ، وَلاَ يُكَيِّفُونَ ، وَلاَ يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلقِه ، لأَنَّهُ سُبحَانَهُ لاَ سَمِيَّ لَه ، وَلاَ كُفءَ لَه ، وَلاَ نِدَّ له ، ولاَ يُقَاسُ بِخَلقِهِ سُبحَانَهَ وَتَعَالَى ، فَإنَّهُ أَعلَمُ بِنَفسِهِ وَبِغَيرِه ، وَأَصدَقُ قِيلاً ، وَأَحسَنُ حَدِيثًا مِن خَلقِهِ ، ثُمَّ رُسُلُه صَادِقُونَ مُصَدَّقُون ، بِخِلاَفِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَيهِ مَا لاَ يَعلَمُون . ) ( 9 )
وقال أيضًا رحمه اللّه تعالى :
( طريقة سلف الأمة وأئمتها أنّهم يصفون اللّه بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، إثباتٌ بلا تمثيل ، وتنزيهٌ بلا تعطيل ، إثبات الصِّفات ونفي مُمَاثلةِ المخلوقات ، قال تعالى : { ليس كمثله شيء } فهذا ردٌّ على المُمثِّلة ، { وهو السّميع البصير } ردٌّ على المعطلة .
فقولهم في الصِّفات مبنيٌّ على أصلين :
أحدهما : أنّ اللّه سبحانه وتعالى مُنزهٌ عن صفات النّقص مطلقا ، كالسِّنة والنّوم والعجز والجهل وغير ذلك ، والثّاني : أنّه مُتّصفٌ بصفات الكمال التي لا نقص فيها على وجه الاختصاص بما له من الصفات ، فلا يُماثله شيءٌ من المخلوقات في شيءٍ من الصِّفات . ) ( 10 )
و قال الإمام مالك بن أنس :
( الإستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .) ( 11 )
( ٠٦ ) [ الأصلُ الثَّانِي مِن أُصُولِ الإِيمَان : الإِيمَانُ بِالمَلَائِكَةِ الكِرَام ]
قال الحليميُّ الجُرجاني ( ت ٤٠٣ هـ ) :
(الإيمانُ بالمَلائِكةِ يَنتَظِمُ معاني ، أَحَدُها التصديقُ بوجودِهم ، والآخَرُ إنزالُهم منازِلَهم وإثباتُ أنَّهم عِبَادُ اللّهِ وخَلقُه كالإنسِ والجِنّ ، مأمورونَ مُكَلَّفون لا يَقدِرون إلَّا على ما يُقَدِّرُ لهم اللّهُ تعالى ، ولا يُوصَفون بشَيءٍ يؤدِّي وَصفُهم به إلى إشراكِهم باللهِ تعالى ، ولا يُدعَون آلِهةً كما قد دعَتهم الأوائِلُ ، والثَّالِثُ الاعترافُ بأنَّ منهم رُسُلًا للّه تعالى يُرسِلُهم إلى من يشاءُ مِنَ البَشَر . ) ( 12 )
و قال ابنُ حَجَرٍ العسقلاني رحمه اللّه تعالى :
( الإيمانُ بالمَلائِكةِ هو التصديقُ بوُجودِهم ، وأنّهم كما وصفهم اللَّهُ تعالى عبادٌ مُكرَمون ، وقَدَّم المَلائِكةَ على الكُتُب والرُّسُل نظرًا للترتيبِ الواقِع ، لأنَّه سُبحانَه وتعالى أرسل المَلَكَ بالكِتابِ إلى الرَّسول . ) ( 13 )
و قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
( والإيمان بالملائكة يتضمّن أربعة أمور :
الأول : الإيمان بوجودهم .
الثاني : الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه كجبريل ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالا .
الثّالث : الإيمان بما علمنا من صفاتهم ، كصفة جبريل فقد أخبر النّبيّ ﷺ أنّه رآه على صفته التي خُلق عليها وله ستّمائة جناح قد سدّ الأفق ، وقد يتحوّل الملك بأمر الله تعالى إلى هيئة رجل كما حصل لجبريل حين أرسله تعالى إلى مريم فتمثّل لها بشرا سويا ، وحين جاء إلى النّبيّ ﷺ وهو جالس في أصحابه ، جاءه بصفة لا يُرى عليه أثر السّفر ولا يعرفه أحدٌ من الصّحابة ، فجلس إلى النّبيّ ﷺ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفّيه على فخذيه ، وسأل النّبيّ ﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان ، والسّاعة وأماراتها ، فأجابه النّبيّ ﷺ فانطلق ، ثم قال النّبيّ ﷺ : [ هذا جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم ] رواه مسلم ، وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم ولوط كانوا في صورة رجال .
الرابع : الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى كتسبيحه والتّعبد له ليلًا ونهارًا بدون ملل ولا فتور . ) ( 14 )
( ٠٧ ) [ الأصل الثّالث من أصول الإيمان : الإيمان بالكتب السّماوية ]
قال ابنُ بطَّة العكبري رحمه الله تعالى :
( .. كذلك وجوبُ الإيمانِ والتّصديقِ بجميعِ ما جاءت به الرُّسُلُ من عندِ الله ، وبجميعِ ما قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ ، فهو حقٌّ لازم ، فلو أنَّ رجلًا آمن بجميعِ ما جاءت به الرُّسُلُ إلَّا شيئًا واحدًا كان برَدِّ ذلك الشَّيءِ كافرًا عند جميعِ العُلَماء . ) ( 15 )
وقال ابنُ تيميَّةَ رحمه الله تعالى :
( قد اتَّفَق المُسلِمون على ما هو معلومٌ بالاضطرارِ مِن دينِ الإسلامِ وهو أنَّه يجبُ الإيمانُ بجَميعِ الأنبياءِ والمُرسَلين وبجميعِ ما أنزله اللهُ مِن الكُتُبِ ، ) ( 16 )
و قال عبد الرحمن بن ناصر السَّعديُّ رحمه الله تعالى :
( .. فيه الإيمانُ بجميعِ الكُتُبِ المُنَزَّلةِ على جميعِ الأنبياءِ ، والإيمانُ بالأنبياءِ عُمومًا وخصوصًا ، ما نَصَّ عليه في الآيةِ لشَرَفِهم ولإتيانِهم بالشَّرائعِ الكِبار ، فالواجِبُ في الإيمانِ بالأنبياءِ والكُتُبِ أن يُؤمَنَ بهم على وَجهِ العُمومِ والشُّمول ، ثمَّ ما عُرِف منهم بالتّفصيلِ وجب الإيمانُ به مُفَصَّلًا . ) ( 17 )
( ٠٨ ) [ وَمِنَ الإِيمَانِ باللهِ وَكُتُبِهِ : الإيمانُ بِأَنَّ القُرآنَ كَلامُ الله ، مُنَزَّلٌ ، غَيرُ مَخلُوق ، مِنهُ بَدَأَ وَإِلَيهِ يَعُود ]
قال ابن تيميّة رحمه الله تعالى :
( .. وَمِنَ الإِيمَانِ باللهِ وَكُتُبِهِ الإيمانُ بِأَنَّ القُرآنَ كَلامُ الله ، مُنَزَّلٌ غَيرُ مَخلُوق ، مِنهُ بَدَأَ وَإِلَيهِ يَعُود ، وَأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَة ، وَأَنَّ هَذَا القُرآنَ الَّذِي أَنزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلم هُوَ كَلامُ اللهِ حَقِيقَةً لاَ كَلامَ غَيرِه ، وَلا يَجُوزُ إِطلاقُ القَولِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَن كَلاَمِ الله ، أَو عِبَارَة ، بَل إِذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَو كَتَبُوهُ فِي المَصَاحِفِ لَم يَخرُج بِذَلِكَ عَن أَن يَكُونَ كَلامَ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَة ، فَإِنَّ الْكَلاَمَ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَن قَالَهُ مُبتَدِئًا ، لاَ إلَى مَن قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا ، وَهُوَ كَلامُ اللهِ حُرُوفُهُ ومَعَانِيهِ ، لَيسَ كَلامُ اللهِ الحُرُوفَ دُونَ المَعَانِي ، وَلاَ المَعَانِي دُونَ الحُرُوفِ .) ( 18 )
و قال محمد الأمين الشِّنقيطي رحمه الله تعالى :
( {حَتَّى يَسمَعَ كَلَامَ الله } هو هذا القُرآنُ العظيمُ ، وهذه الآيةُ الكريمةُ من سورةِ بَراءةَ نَصٌّ صريحٌ في أنَّ هذا الذي نقرَؤُه ونتلوه هو بعينِه كلامُ الله ، فالصَّوتُ صَوتُ القارئ ، والكلامُ كَلامُ البارئ ، لأنَّ اللهَ صرَّح بأنَّ هذا المشرِكَ المُستجيرَ يَسمَعُ كَلامَ اللهِ يتلوه عليه نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فهذا المحفوظُ في الصُّدورِ ، المقروءُ في الألسِنَةِ ، المكتوبُ في المصاحِفِ ، هو كلامُ الله جَلَّ وعلا بمعانيه وألفاظِه . ) ( 19 )
( ٠٩ ) [ الأصل الرابع من أصول الإيمان : الإيمان بجميع الأنبياء والرُّسل ]
قال السِّعدِيُّ رحمه الله تعالى :
-- عند تفسير الآية ١٧٧ من سورة البقرة --
( .. فيه الإيمانُ بجميع الكتب المُنزلة على جميع الأنبياء ، والإيمان بالأنبياء عمومًا وخصوصًا ، ما نصّ عليه في الآية لشرفهم ، ولإتيانهم بالشّرائع الكبار ، فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب أن يؤمن بهم على وجه العُموم والشُّمول ، ثم ما عُرف منهم بالتّفصيل وجب الإيمان به مفصلا .) ( 20 )
وقال ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله تعالى :
( اتَّفَق المُسلِمون على ما هو معلومٌ بالاضطرارِ من دينِ الإسلامِ وهو أنَّه يجِبُ الإيمانُ بجَميعِ الأنبياءِ والمُرسَلين ، وبجميعِ ما أنزله اللهُ مِنَ الكُتُب ، فمن كَفَرَ بنبيٍّ واحدٍ تُعلَمُ نُبُوَّتُه ، مِثلُ إبراهيمَ ولوطٍ وموسى وداودَ وسُلَيمانَ ويونُسَ وعيسى ، فهو كافِرٌ عند جميعِ المُسلِمين ، حُكمُه حُكمُ الكُفَّار . ) ( 21 )
( ١٠ ) [ الأصلُ الخامِس مِن أُصُولِ الإيمَان : الإيمانُ بِالبَعثِ بعدَ المَوت . ]
قال ابنُ حزمٍ رحمهُ اللهُ تعالى :
( اتَّفَقَ جَميعُ أهلِ القِبلةِ - على تَنابُذِ فِرَقِهم - على القَولِ بالبَعثِ في القيامة ، وعلى تَكفيرِ من أنكَرَ ذلك .) ( 22 )
و قال ابنُ عبدِ البَر رحمهُ اللهُ تعالى :
( إنَّ من شَرطِ الشَّهادةِ التي بها يُخرَجُ من الكُفرِ إلى الإيمانِ مَعَ الإقرارِ بأن لَا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ الإقرار بالبَعثِ بَعدَ المَوت ، وقد أجمَعَ المُسلِمونَ على أنَّ من أنكَرَ البَعثَ فلا إيمانَ له ولا شَهادة ، وفي ذلك ما يُغني ويَكفي مَعَ ما في القُرآنِ من تَأكيدِ الإقرارِ بالبَعثِ بَعدَ المَوت ، فلا وجهَ للإنكارِ في ذلك . ) ( 23 )
و قال ابنُ عُثيمِين رحمهُ اللهُ تعالى :
( البَعثُ حَقٌّ ثابِتٌ دَلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ وإجماعُ المُسلِمينَ ، قال اللهُ تعالى : { ثُمَّ إنَّكم بَعدَ ذلك لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إنَّكُم يَومَ القيامةِ تُبعَثُونَ } ، وقال النَّبيُّ ﷺ : [ يُحشَرُ النَّاسُ يَومَ القيامةِ حُفاةً غُرلًا ] مُتَّفَقٌ عليه ، وأجمَع المُسلِمونَ على ثُبوتِه ، وهو مُقتَضى الحِكمةِ حَيثُ تَقتَضي أن يَجعَلَ اللهُ تعالى لهذه الخَليقةِ مَعادًا يُجازيهم فيه على ما كلَّفَهم به على ألسِنةِ رُسُلِه ، قال اللهُ تعالى : { أفحَسِبتُم أنَّما خَلَقنَاكُم عَبثًا وأنَّكم إِلَينَا لَا تُرجَعُونَ } ، وقال لنَبيِّه ﷺ : { إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَليَكَ القُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد } ، وقد أنكَرَ الكافِرونَ البَعثَ بَعدَ المَوتِ زاعِمينَ أنَّ ذلك غَيرُ مُمكِن ، وهذا الزَّعم باطِلٌ دَلَّ على بُطلانِه الشَّرعُ والحِسُّ والعَقلُ . ) ( 24 )
( ١١ ) [ ومِنَ الإِيمَانِ بِاليَومِ الآخِرِ : الإِيمَانُ بِمَا يَأتِي .. ]
قالَ ابنُ عُثيمِين رحِمهُ اللهُ تَعالى :
( .. ونُؤمن باليوم الآخر وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده ، حين يُبعَثُ النّاسُ أحياءً للبقاء إمّا في دار النّعيم وإمّا في دار العذاب الأليم ، فنُؤمن بالبعث ، وهو إحياء الله تعالى الموتى حين يَنفُخُ إسرافيل في الصور النفخة الثّانية فيقوم النّاس من قبورهم لربِّ العالمين حفاةً بلا نعال ، عراةً بلا ثياب ، غرلاً بلا ختان ..
○ ونؤمن بصحائف الأعمال تُعطى باليمين أو من وراء الظهور بالشّمال ..
○ ونؤمن بالموازين توضع يوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئا ..
○ ونؤمن بالشّفاعة العظمى لرسول ﷺ خاصّة ..
○ ونؤمن بالشّفاعة فيمن دخل النّار من المؤمنين ليخرجوا منها ، وهي للنّبيِّ ﷺ وغيره من النّبيّين والمؤمنين والملائكة ، وبأن الله تعالى يُخرج من النّار أقوامًا من المؤمنين بغير شفاعة ، بل بفضله ورحمته ..
○ ونؤمن بحوض رسول الله ﷺ ..
○ ونؤمن بالصراط المنصوب على جهنّم ، يمر النّاس عليه على قدر أعمالهم ..
○ ونؤمن بكلِّ ما جاء في الكتاب والسُّنّة من أخبار ذلك اليوم وأهواله أعاننا الله عليها ..
○ ونؤمن بالجنّة والنّار ، فالجنّة دار النّعيم التي أعدّها الله تعالى للمؤمنين المتّقين ، فيها من النّعيم ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر ، والنّار دار العذاب التي أعدّها الله تعالى للكافرين الظالمين ، فيها من العذاب والنكال ما لا يخطر على البال ..
وهما موجودتان الآن ولن تفنيا أبد الآبدين .
○ ونشهد بالجنّة لكلّ من شهد له الكتاب والسُّنّة بالعين أو بالوصف ..
ونشهد بالنّار لكلّ من شهد له الكتاب والسُّنّة بالعين أو بالوصف ..
○ ونؤمن بفتنة القبر ، وهي سؤال الميت في قبره عن ربّه ودينه ونبيه ..
○ ونؤمن بنعيم القبر للمؤمنين .
○ ونؤمن بعذاب القبر للظالمين الكافرين .
والأحاديث في هذا كثيرة ومعلومة .
فعلى المؤمن أن يؤمن بكلِّ ما جاء به الكتاب والسُّنّة من هذه الأمور الغيبية ، وأن لا يعارضها بما يُشاهد في الدنيا ، فإنّ أمور الآخرة لا تُقاس بأمور الد؟ُنيا لظهور الفرق الكبير بينها ، والله المستعان . ) ( 25 )
( ١٢ ) [ الأَصلُ السَادِس مِن أُصُولِ الإِيمَان : الإِيمَانُ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّه . ]
قالُ الحافِظُ عبد الغنِيّ المَقدِسِي رحِمهُ اللهُ تَعَالى :
( وأجمَع أئمةُ السّلفِ مِن أهلِ الإسلام على الإيمان بالقدر خيرِه وشرِّه ، حُلوِه ومُرِّه ، قلِيلِه وكثِيره ، بقضاء الله وقدره ، لا يكون شيءٌ إلّا بإرادته ، ولا يجري خيرٌ وشرٌّ إلّا بمشيئتِه ، خَلَق من شاء للسّعادة واستعمله بها فضلا ، وخلق من أراد للشَّقاءِ واستعمله به عدلا ، فهو سِرٌّ استأثر به ، وعِلمٌ حجَبَهُ عن خلقه { لا يُسأل عمّا يفعلُ وهُم يُسألُون . } ) ( 26 )
و قال ابن تيميّة رحمه الله تعالى :
( .. وَتُؤمِنُ الفِرقَةُ النَّاجِيَةُ مِن أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّه ، وَالإِيمَانُ بِالقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَين ، كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيئَين .
فَالدَّرَجَةُ الأُولَى : الإيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلِيمٌ بِالخَلق ، وَهُم عَامِلُونَ بِعِلمِهِ القَدِيمِ الَّذِي هُوَ مَوصُوفٌ بِهِ أَزَلاً وَأَبَدًا ، وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحوَالِهِم مِنَ الطَّاعَاتِ وَالمَعَاصِي وَالأَرزَاقِ وَالآجَال ، ثُمَّ كَتَبَ اللهُ فِي اللَّوحِ المَحفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلق ، فَأَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ قَالَ لَهُ اكتُب ، قَالَ مَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ اكتُب مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَومِ القِيَامَة ، فَمَا أَصَابَ الإِنسَانَ لَم يَكُن لِيُخطِئَه ، وَمَا أَخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصِيبَه ، جَفَّتِ الأَقلاَمُ وَطُوِيَتِ الصُّحُف ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَلَم تَعلَم أَنَّ الله يَعلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِير } ، وَقَال : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرضِ وَلا فِي أَنفُسِكُم إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِير } وَهَذَا التَّقدِيرُ التَّابِعُ لِعِلمِهِ سُبحَانَهُ يَكُونُ فِي مَوَاضِعَ جُملَةً وَتَفصِيلا ، فَقَد كَتَبَ فِي اللَّوحِ المَحفُوظِ مَا شَاء ، وَإِذَا خَلَقَ جَسَدَ الجَنِينِ قَبلَ نَفخِ الرُّوحِ فِيهِ بَعَثَ إِلَيهِ مَلَكًا فَيُؤمَرُ بِأْربَعِ كَلِمَات ، فَيُقَالُ لَهُ : اكتُب رِزقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ ، وَشَقِيٌّ أَم سَعِيد ، وَنَحو ذَلِك ، فَهَذَا التَّقدِيرُ قَد كَانَ يُنكِرُهُ غُلاةُ القَدَرِيَّةِ قَدِيمًا ، وَمُنكِرُهُ اليَومَ قَلِيل .
وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَة : فَهِيَ مَشِيئَةُ اللهِ النَّافِذَة ، وَقُدرَتهُ الشَّامِلَة ، وَهُوَ : الإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَان ، وَمَا لَم يَشَأ لَم يَكُن ، وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ مِن حَرَكَةٍ وَلاَ سُكُونٍ إلاَّ بِمَشِيئَةِ سُبحَانَه ، لاَ يَكُونُ فِي مُلكِهِ مَا لاَ يُرِيد ، وَأَنَّهُ سُبحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ مِنَ المَوجُودَاتِ وَالمَعدُومَات ، مَا مِن مَخلُوقٍ فِي الأَرضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ إلاَّ اللهُ خَالِقُهُ سُبحَانَه ، لا خَالِقَ غَيرُه ، وَلاَ رَبَّ سِوَاه ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَد أَمَرَ العِبَادَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِه ، وَنَهَاهُم عَن مَعصِيَتِه ، وَهُوَ سُبحَانَهُ يُحِبُّ المُتَّقِينَ وَالمُحسِنِينَ وَالمُقسِطِين ، وَيَرضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ، وَلا يُحِبُّ الكَافِرِين ، وَلاَ يَرضَى عَنِ القَومِ الفَاسِقِين ، وَلاَ يَأمُرُ بِالفَحشَاء ، وَلاَ يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفر ، وَلاَ يُحِبُّ الفَسَاد .
والعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً وَاللهُ خَلَقَ أفعَالَهُم ، وَالعَبدُ هُوَ المُؤمِنُ وَالكَافِرُ وَالبَرُّ وَالفَاجِرُ وَالمُصَلِّي وَالصَّائِم .
ولِلعِبَادِ قُدرَةٌ عَلَى أَعمَالِهِم ، وَلَهُم إِرَادَة ، واللهُ خَالِقُهُم وقُدرَتَهُم وَإِرَادَتَهُم ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لِمَن شَاء مِنكُم أَن يَستَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله رَبُّ الْعَالَمِينَ } ، وهَذِهِ الدَّرَجَةُ مِنَ القَدَرِ يُكَذِّبُ بِهَا عَامَّةُ القَدَرِيَّة الَّذِينَ سَمَّاهُمُ النَّبِيُّ مَجُوس هَذِهِ الأُمَّة ، وَيَغلُو فِيهَا قَومٌ مِن أَهلِ الإثبَاتِ حَتَّى سَلَبُوا العَبدَ قُدرَتَهُ وَاختِيَارَه ، وَيُخرِجُونَ عَن أَفعَالِ اللهِ وَأَحكَامِهِ حُكمَهَا وَمَصَالِحَهَا .) ( 27 )
و قال البربهاري رحمه الله تعالى :
( الكلامُ والجدلُ والخُصُومةُ فِي القَدرِ خاصّةً منهيٌّ عنه عند جميع الفِرق ، لأنّ القدَرَ سِرُّ الله ، ونَهَى الرَّبُّ تبارك وتعالى الأنبياء عنِ الكلامِ في القدَر ، ونَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عنِ الخُصُومةِ في القَدَر ، وكَرِهَهُ العُلماءُ وأهلُ الوَرعِ ونَهُوا عنِ الجِدالِ في القدَر ، فعليك بالتّسليم والإقرار والإيمان ، واعتقادِ ما قال رسول الله ﷺ في جُملة الأشياء ، وتسكُت عمّا سِوى ذلك . ) ( 28 )
( ١٣ ) [ ومِنَ الإيمَانِ بِالله : الإيمَانُ أَنَّهُ سُبحَانَهُ فَوقَ سَمَاوَاتِه ، عَلَى عَرشِه ، عَلِيٌّ عَلَى خَلقِه ، وَهُوَ سُبحَانَهُ مَعَهُم أَينَمَا كَانُوا ، يَعلَمُ مَا هُم عَامِلُون . ]
عن مُقاتِل عنِ الضّحَاك في قولِهِ عَزَّوجَلَّ { مَا يَكُونُ مِن نَجوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُم وَلا خَمسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } قال : ( هُوَ فَوقَ العَرشِ ، وعِلمُهُ مَعَهُم أينَمَا كَانُوا . ) ( 29 )
و قَالَ شَيخُ الاسلامِ ابنُ تيميّة رحمَهُ اللهُ تَعالَى :
( وَقَد دَخَلَ فِيمَا ذَكَرنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ الإِيمَانُ بِمَا أَخبَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِه ، وَتَوَاتَرَ عَن رَّسُولِه ، وَأَجمَعَ عَلَيهِ سَلَفُ الأُمَّة ، مِن أَنَّهُ سُبحَانَهُ فَوقَ سَمَاوَاتِه ، عَلَى عَرشِه ، عَلِيٌّ عَلَى خَلقِه ، وَهُوَ سُبحَانَهُ مَعَهُم أَينَمَا كَانُوا ، يَعلَمُ مَا هُم عَامِلُون ، كَمَا جَمَعَ بَينَ ذَلِكَ في َقَولِه : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ يَعلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرضِ وَمَا يَخرُجُ مِنهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُم أَينَ مَا كُنتُم وَاللهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ } ، وَلَيسَ مَعنَى قَولِه : { وَهُوَ مَعَكُم } أَنَّهُ مُختَلِطٌ بِالخَلق ، فَإِنَّ هَذَا لاَ تُوجِبُهُ اللُّغَة ، بَلِ القَمَرُ آيَةٌ مِن آيَاتِ الله - مِن أَصغَرِ مَخلُوقَاتِهِ - وَهُوَ مَوضُوعٌ فِي السَّمَاء ، وَهُوَ مَعَ المُسَافِرِ وَغَيرُ المُسَافِرِ أَينَمَا كَان .
وَهُوَ سُبحَانَهُ فَوقَ عَرشِه ، رَقِيبٌ عَلَى خَلقِه ، مُهَيمِنٌ عَلَيهِم ، مُطَّلِعٌ عَلَيهِم ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِن مَّعَانِي رُبُوبِِيَّتِه .
وَكُلُّ هَذَا الكَلامِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ ـ مِن أَنَّهُ فَوقَ العَرشِ وَأَنَّهُ مَعَنَا ـ حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِه ، لاَ يَحتَاجُ إَلَى تَحرِيف ، وَلَكِن يُصَانُ عَنِ الظُّنُونِ الكَاذِبَة ، مِثلِ أَن يُظَنَّ أَنَّ ظَاهِرَ قَولِهِ { فِي السَّمَاء } أَنَّ السَّمَاءَ تُظِلُّهُ أَو تُقِلُّه ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجمَاعِ أَهلِ العِلمِ وَالإِيمَان ، فَإنَّ اللهَ قَد وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرض ، وَهُوَ يُمسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ أَن تَزُولاَ ، وَيُمسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرضِ إلاَّ بِإِذنِه ، وَمِن آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرضُ بِأَمرِه . ) ( 30 )
وقَالَ أيضًا رحِمهُ الله تَعالَى :
( وَمَا ذُكِرَ فِي الكِتِابِ وَالسُّنَّةِ مِن قُربِهِ وَمَعِيَّتِهِ لاَ يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِن عُلُوِّهِ وَفَوقِيَّتِه ، فَإِنَّهُ سُبحَانَهُ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِه ، وَهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّه ، قَرِيبٌ فِي عُلُوِّهِ . ) ( 31 )
( ١٤ ) [ ومِنَ الإِيمَانِ بِالله وَمَلاَئِكَتَهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ : الإيمَانُ بِأَنَّ المُؤمِنِينَ يَرَونَ رَبّهُم يَومَ القِيَامَةِ عَيَانًا بِأَبصَارِهِم . ]
قَالَ الطّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ( ٣٢١هـ ) :
( .. والرُؤيَةُ حقٌّ لأهلِ الجَنّةِ بِغَيرِ إحَاطةٍ ولَا كَيفِيّة ، كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ ربِّنَا : { وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة } .) ( 32 )
وقَالَ ابنُ تَيميّة رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( وَقَد دَّخَلَ أيضًا فِيمَا ذَكَرنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِهِ وَبِكُتُبِهِ وَبِمَلاَئِكَتَهِ وَبِرُسُلِهِ : الإيمَانُ بِأَنَّ المُؤمِنِينَ يَرَونَهُ يَومَ القِيَامَةِ عَيَانًا بِأَبصَارِهِم كَمَا يَرَونَ الشَّمسَ صَحوًا لَيسَ بِهَا سَحَاب ، وَكَمَا يَرَونَ القَمَرَ لَيلَةَ البَدرِ لاَ يُضَامُونَ فِي رُؤيَتِه ، يَرَونَهُ سُبحَانَهَ وَهُم فِي عَرَصَاتِ القِيَامَة ، ثُمَّ يَرَونَهُ بَعدَ دُخُولِ الجَنَّة ، كَمَا يَشَاءُ اللهُ تَعَالَى . ) ( 33 )
وقَالَ ابنُ أبِي العِزّ الحَنَفِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ( ٧٩٢ هـ ) :
( المُخَالِفُ فِي الرُؤيَةِ : الجَهمِيّةُ والمُعتَزِلَةِ ومَن تَبِعَهُم مِن الخَوَارِجِ والإِمَامِيَة ، وقولُهَم باطِلٌ مَردُودٌ بالكِتابِ والسُّنّة ، وقَد قَالَ بثُبوتِ الرُّؤيَة الصَحابةُ والتَابِعُون وأئِمَّةُ الإسلَامِ المعرُوفُونَ بِالإمَامَةِ فِي الدِّين ، وأهلُ الحَدِيثِ ، وسَائِرُ طوائِفِ أهلِ الكلَام المَنسُوبُونَ إلَى السُّنّةِ والجَمَاعَة . ) ( 34 )
( ١٥ ) [ وَمِن أُصُولِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ : أَنَّ الدِّينَ والإيمَانَ قَولٌ وعَمَل ، وَأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ بِالطّاعَةِ ، وَيَنقُصُ بِالمَعصِيَة . ]
قال ابن تيميّة رحمه الله تعالى :
( وَمِن أُصُولِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَولٌ وَعَمَل ، قَولُ القَلبِ وَاللِّسَان ، وَعَمَلُ القَلبِ وَاللِّسَانِ وَالجَوَارِح ، وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ ، وَيَنقُصُ بِالمَعصِيَة ، وَهُم مَعَ ذَلِكَ لا يُكَفِّرُونَ أَهلَ القِبلَةِ بِمُطلَقِ المَعَاصِي وَالكَبَائِرِ كَمَا يَفعَلُهُ الخَوَارِج ، بَلِ الأُخُوَّة الإِيمَانِيَّة ثَابِتَةٌ مَعَ المَعَاصِي ، كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ : { فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعرُوف .. } ، وَقَال : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا فَإِن بَغَت إِحدَاهُمَا عَلَى الأُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمرِ الله فَإِن فَاءت فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا بِالعَدلِ وَأَقسِطُوا إِنَّ الله يُحِبُّ المُقسِطِينَ * إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُم } ، وَلاَ يَسلُبُونَ الفَاسِقَ المِلِّيَّ اسم الإيمَانِ بِالكُلِّيَّة وَلاَ يُخَلِّدُونَهُ فِي النَّار كَمَا تَقُولُ الْمُعتَزِلَةُ ، بَلِ الفَاسِقُ يَدخُلُ فِي اسمِ الإيمَان ، كَمَا فِي قَولِه : { فَتَحرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤمِنَة } ، وَقَد لاَ يَدخُلُ فِي اسمِ الإِيمَانِ الْمُطلَق كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى : { إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَانا } ، وَقَولُهُ ﷺ : [ لاَ يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وَهُوَ مُؤمِن ، وَلا يَسرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِن ، وَلاَ يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُهَا وَهُوَ مُؤمِن ، وَلاَ يَنتَهِبُ نَهبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ ] ، وَيَقُولُونَ : هُوَ مُؤمِنٌ نَاقِصُ الإِيمَان ، أَو مُؤمِنٌ بِإِيمَانِهِ فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِه ، فَلاَ يُعطَى الاسمَ المُطلَقَ ، وَلاَ يُسلَبُ مُطلَقَ الاسم .) ( 35 )
و قَالَ أبُوعُثمَان الصَّابُونِي رَحِمَهُ اللهِ تَعَالَى :
( ويَعتقِدُ أهلُ السُّنّة أنّ المُؤمِنَ وإن أذنَبَ ذُنُوبًا كثيرةً صغائِر وكبائِر فإنّه لا يَكفُرُ بِهَا ، وإن خَرجَ مِنَ الدُّنيَا غَيرَ تَائِبٍ مِنهَا ومَاتَ على التّوحيد والإخلاص فإنّ أمره إلى الله عزّوجلّ ، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنّة يوم القيامة سالماً غانماً غير مبتلى بالنّار ولا مُعاقب على ما ارتكبه واكتسبه ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار ، وإن شاء عاقبه وعذّبه مدّة بعذاب النّار ، وإذا عذّبه لم يخلِّده فيها ، بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار . ) ( 36 )
( ١٦ ) [ وَسَطِيَّةُ أَهلِ السُّنّةِ والجَمَاعَة بَينَ فِرَقِ الأُمَّة ]
قَالَ شَيخُ الإِسلَامِ ابنُ تَيمِيّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( .. وَهَكَذَا أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ فِي الفِرَق ،
○ فَهُم فِي : بَابِ أَسمَاءِ اللهِ وَآيَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَسَطٌ بَينَ أَهلِ التَّعطِيلِ الذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسمَاءِ اللهِ وَآيَاتِه ، وَيُعَطِّلُونَ حَقَائِقَ مَا نَعَتَ الله بِهِ نَفسَهُ حَتَّى يُشَبِّهُوهُ بِالعَدَمِ وَالمَوَات ، وَبَينَ أَهلِ التَّمثِيلِ الَّذِينَ يَضرِبُونَ لَهُ الأَمثَالَ وَيُشَبِّهُونَهُ بِالمَخلُوقَات ، فَيُؤمِنُ أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ بِمَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفسَهُ وَمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ مِن غَيرِ تَحرِيفٍ وَلَا تَعطِيل ، وَمِن غَيرِ تَكيِيفٍ وَتَمثِيل .
○ وَهُم فِي بَابِ خَلقِهِ وَأَمرِهِ وَسَطٌ بَينَ المُكَذِّبِينَ بِقُدرَةِ اللهِ الذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِقُدرَتِهِ الكَامِلَةِ وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ ، وَخَلقِهِ لِكُلِّ شَيء ، وَبَينَ المُفسِدِينَ لِدِينِ اللهِ الذِينَ يَجعَلُونَ العَبدَ لَيسَ لَهُ مَشِيئَةٌ وَلَا قُدرَةٌ وَلَا عَمَل ، فَيُعَطِّلُونَ الأَمرَ وَالنَّهيَ وَالثَّوَابَ وَالعِقَاب ، فَيَصِيرُونَ بِمَنزِلَةِ المُشرِكِينَ الذِينَ قَالُوا : { لَو شَاءَ اللهُ مَا أَشرَكنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمنَا مِن شَيء } ، فَيُؤمِنُ أَهلُ السُّنَّةِ بِأَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير ، فَيَقدِرُ أَن يَهدِيَ العِبَادَ وَيُقَلِّبَ قُلُوبَهُم ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَم يَشَأ لَم يَكُن ، فَلَا يَكُونُ فِي مُلكِهِ مَا لَا يُرِيدُ ، وَلَا يَعجِزُ عَن إنفاذِ مُرَادِه ، وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ مِن الأَعيَانِ وَالصِّفَاتِ وَالحَرَكَات ، وَيُؤمِنُونَ أَنَّ العَبدَ لَهُ قُدرَةٌ وَمَشِيئَةٌ وَعَمَل ، وَأَنَّهُ مُختَار ، وَلَا يُسَمُّونَهُ مَجبُورا ، إذِ المَجبُورُ مَن أُكرِهَ عَلَى خِلَافِ اختِيَارِه ، وَاَللهُ سُبحَانَهُ جَعَلَ العَبدَ مُختَارًا لِمَا يَفعَلُه ، فَهُوَ مُختَارٌ مُرِيد ، وَاَللهُ خَالِقُهُ وَخَالِقُ اختِيَارِه ، وَهَذَا لَيسَ لَهُ نَظِير ، فَإِنَّ اللهَ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ لَا فِي ذَاتِهِ ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ ، وَلَا فِي أَفعَالِهِ .
○ وَهُم فِي بَابِ الأَسمَاءِ وَالأَحكَامِ وَالوَعدِ الوَعِيدِ وَسَطٌ بَينَ الوعيديّةِ الَّذِينَ يَجعَلُونَ أَهلَ الكَبَائِرِ مِن المُسلِمِينَ مُخَلَّدِينَ فِي النَّار ، وَيُخرِجُونَهُم مِن الإِيمَانِ بِالكُلِّيَّة ، وَيُكَذِّبُونَ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ ﷺ ، وَبَينَ المُرجِئَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إيمَانُ الفُسَّاقِ مِثلُ إيمَانِ الأَنبِيَاء ، وَالأَعمَالُ الصَّالِحَةُ لَيسَت مِن الدِّينِ وَالإِيمَان ، وَيُكَذِّبُونَ بِالوَعِيدِ وَالعِقَابِ بِالكُلِّيَّة ، فَيُؤمِنُ أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ بِأَنَّ فُسَّاقَ المُسلِمِينَ مَعَهُم بَعضُ الإِيمَانِ وَأَصلُه ، وَلَيسَ مَعَهُم جَمِيعُ الإِيمَانِ الوَاجِبِ الَّذِي يَستَوجِبُونَ بِهِ الجَنَّة ، وَأَنَّهُم لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّار ، بَل يَخرُجُ مِنهَا مَن كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ حَبَّةٍ مِن إيمَان ، أَو مِثقَالُ خَردَلَةٍ مِن إيمَان ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ادَّخَرَ شَفَاعَتَهُ لِأَهلِ الكَبَائِرِ مِن أُمَّتِه .
○ وَهُم أَيضًا فِي أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَرَضِيَ عَنهُم وَسَطٌ بَينَ الغَالِيَةِ الَّذِينَ يُغَالُونَ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَيُفَضِّلُونَهُ عَلَى أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ، وَيَعتَقِدُونَ أَنَّهُ الإِمَامُ المَعصُومُ دُونَهُمَا ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ ظَلَمُوا وَفَسَقُوا ، وَكَفَّرُوا الأُمَّةَ بَعدَهُم كَذَلِكَ ، وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ نَبِيًّا أَو إلَهًا ، وَبَينَ الجَافِيَةِ الَّذِينَ يَعتَقِدُونَ كُفرَهُ وَكُفرَ عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا وَيَستَحِلُّونَ دِمَاءَهُمَا ، وَدِمَاءَ مَن تَوَلَّاهُمَا ، وَيَستَحِبُّونَ سَبَّ عَلِيٍّ وَعُثمَانَ وَنَحوِهِمَا ، وَيَقدَحُونَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَإِمَامَتِه .
○ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ أَبوَابِ السُّنَّةِ هُم وَسَطٌ لِأَنَّهُم مُتَمَسِّكُونَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ ، وَمَا اتَّفَقَ عَلَيهِ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِن المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَان . ) ( 37 )
و قال ابنُ قَيِّمِ الجُوزِيّة رحمه الله تعالى :
( لا تجِدُ أهلَ الحَقِّ دائمًا إلَّا وسَطًا بين طرفيِ الباطِل ، وأهلُ السُّنَّةِ وسَطٌ في النِّحَلِ كما أنَّ المُسلِمينَ وَسَطٌ في المِلَل . ) ( 38 )
( ١٧ ) [ إِجمَاعُ أَهلِ السُّنّةِ والجَمَاعَة عَلَى تَزكِيَّةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ، والثّنَاءِ عَلَيهِم ، وعَدَم الطَّعنِ فِيهِم . ]
قَالَ السّفَارِينِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( والذِي أجمَعَ عَلَيهِ أَهلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةُ أنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أحَدٍ تَزكِيّةُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ بِإثبَاتِ العَدَالَةِ لَهُم ، والكَفِّ عَنِ الطَّعنِ فِيهِم ، والثَّنَاءِ عَلَيهِم .. ) ( 39 )
و قَالَ ابنُ تيميّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( وَمِن أُصُولِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ سَلاَمَةُ قُلُوبِهِم وَأَلسِنَتِهِم لأَصحَابِ رَسُولِ ﷺ ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ بِهِ فِي قَولــــِهِ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفِرْ لَنَا وَلإِخوَانِنَا الذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ للذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم } ، وَطَاعَة النَّبِيِّ ﷺ فِي قَولِه : [ لاَ تَسُبُّوا أَصحَابِي فَوَالذِي نَفسِي بِيَدِه لَو أَنَّ أَحَدَكُم أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِم وَلا نَصِيفَه ] ، وَيَقبَلُونَ مَا جَاءَ بِهِ الكِتَابُ وَالسَّنَّةُ وَالإِجمَاعُ مِن فَضَائِلِهِم وَمَرَاتِبِهِم ، وَيُفَضِّلُونَ مَن أَنفَقَ مِن قَبلِ الْفَتحِ -- وَهُوَ صُلحُ الحُدَيبِيَة -- وَقَاتَلَ عَلَى مَن أَنفَقَ مِن بَعدُ وَقَاتَلَ ، وَيُقَدِّمُونَ المُهَاجِرِينَ عَلَى الأَنصَار ، وَيُؤمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ قَالَ لأَهلِ بَدرٍ -- وَكَانُوا ثَلاثَ مِائَةٍ وَبِضعَةَ عَشَر -- : [ اعمَلُوا مَا شِئتُم فَقَد غَفَرتُ لَكُم ] ، وَبِأَنَّهُ لاَ يَدخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحتَ الشَّجَرَةِ كَمَا أَخبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ ، بَل لَقَد رَضَيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ، وَكَانُوا أَكثَرَ مِن أَلفٍ وَأَربَعِ ماِئَة ، وَيَشهَدُونَ بِالجَنَّةِ لِمَن شَـــهِدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، كَالعَشَرَةِ ، وَثَابِتِ بنِ قِيسِ بنِ شَمَّاسٍ ، وَغَيرِهِم مِنَ الصَّحَابَة . ) ( 40 )
و قَالَ الإِمَامُ أبُو زُرعَةَ الرَّازِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( إذا رأيت الرّجل ينتقصُ أحداً مِن أصحابِ رسُولِ اللهِ ﷺ فاعلَم أنّهُ زِندِيق ، وذلِك أنَّ الرّسُول ﷺ عِندنَا حقّ ، والقرآنُ حقّ ، وإنّما أدَّى إلينَا هذا القرآنَ والسُّنَنَ أصحَابُ رسُولِ اللهِ ﷺ ، وإنّمَا يُريدُونَ أن يَجرَحُوا شُهُودنا لِيُبطلُوا الكِتاب والسُّنّةِ ، والجَرحُ بِهِم أَولَى ، وهُم زَنَادِقَة .) ( 41 )
( ١٨ ) [ إِعتِقَادُ أَهلِ السُّنّةِ والجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ خَيرَ هَذِهِ الأُمَّة بَعدَ نَبِيِّهـَا ﷺ : أَبُو بَكرٍ ، ثُمَّ عُمَر ، ثم عُثمَانَ ، ثم عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ، ويُؤمِنُونَ أَنَّ الخِلافَةَ بَعدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ كَانَت عَلَى هَذَا التَرتِيب ، وَمَن طَعَنَ فِي خِلاَفَةِ أَحَدٍ مِن هَؤُلاءِ فَهُوَ ضَالٌ عَنِ الحَقّ . ]
قَالَ ابنُ أَبِي زَيدٍ القَيرَوَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( .. وأَنَّ خَيرَ القُرُونِ : القَرنُ الذِينَ رَأُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وصَحبِهِ وسَلّم ، وآمَنُوا بِه ، ثُمّ الذِينَ يَلُونَهُم ، ثُمّ الذِينَ يَلُونَهُم ، وأَفضَلُ الصَّحَابَةِ : الخُلَفَاءُ الرّاشِدُونَ المَهدِيُّون أبُو بَكرٍ ، ثُمّ عُمَر ، ثُمّ عُثمَان ، ثُمّ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَجمَعِين . ) ( 42 )
و قَالَ ابنُ تَيمِيّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( .. وَيُقِرُّونَ بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقلُ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَغَيرهِ مِن أَنَّ : خَيرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعدَ نَبِيِّهـَا أَبُو بَكرٍ ، ثُمَّ عُمَر ، وَيُثَلِّثُونَ بِعُثمَانَ ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُم كَمَا دَلَّت عَلَيهِ الآثَار ، وَكَمَا أَجمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى تَقدِيمِ عُثمَان فِي البَيعَة ، مَعَ أَنَّ بَعضَ أَهلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اختَلَفُوا فِي عُثمَانَ وَعَلِيٍّ رَضَيَ اللهُ عَنهُمَا ـ بَعدَ اتِّفَاقِهِم عَلَى تَقدِيمِ أَبِي بَكرٍ وَعُمَر ـ أَيُّهُمَا أَفضَلُ ، فَقَدَّمَ قَومٌ عُثمَانَ وَسَكَتُوا ، أَورَبَّعُوا بِعَلِيٍّ ، وَقَدَّم قَومٌ عَلِيًّا ، وَقَومٌ تَوَقَّفُوا ، لَكِنِ استَقَرَّ أَمرُ أَهلِ السُّنَّةِ عَلَى تَقدِيمِ عُثمَان ، ثُمَّ عَلِيّ ، وَإِن كَانَت هَذِه المَسأَلَةُ - مَسأَلَةُ عُثمَانَ وَعَلِيّ - لَيسَت مِنَ الأُصُولِ التِي يُضَلَّلُ المُخَالِفُ فِيهَا عِندَ جُمهُورِ أَهلِ السُّنَّة ، لَكِنِ التِي يُضَلَّلُ فِيهَا مَسأَلَةُ الخِلاَفَة ، وَذَلِكَ أَنَّهُم يُؤمِنُونَ أَنَّ الخَلِيفَةَ بَعدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَبُو بَكرٍ ، وَعُمَر ، ثُمَّ عُثمَان ، ثُمَّ عَلِيّ ، وَمَن طَعَنَ فِي خِلاَفَةِ أَحَدٍ مِن هَؤُلاءِ فَهُوَ أَضَلُّ مِن حِمَارِ أَهلِه . ) ( 43 )
( ١٩ ) [ مِن عَقِيدَةِ أَهلِ السُّنّةِ وَالجَمَاعَةِ : الإِمسَاكُ عَن مَاشَجَرَ بَينَ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ . ]
قَالَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( تِلكَ فِتنَةٌ عَصَمَ اللهُ مِنهَا سُيُوفَنَا ، فَلنَعصِم مِنهَا أَلسِنَتَنَا .) ( 44 )
و قَالَ ابنُ تَيمِيّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( .. وَيُمسِكُونَ - أي أَهلُ السُّنّةِ والجَمَاعَة - عَمَّا شَجَرَ بَينَ الصَّحَابَة ، وَيَقُولُونَ : إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ المَروِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِم مِنهَا مَا هُوَ كَذِب ، وَمِنهَا مَا قَد زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ وَغُيِّرَ عَن وَجهِه ، وَالصَّحِيحُ مِنهُ هُم فِيهِ مَعذُورُون ، إِمَّا مُجتَهِدُونَ مُصِيبُون ، وَإِمَّا مُجتَهِدُونَ مُخطِئُون ، وَهُم مَعَ ذَلِكَ لاَ يَعتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَن كَبَائِرِ الإِثمِ وَصَغَائِرِه بَل يَجُوزُ عَلَيهِمُ الذُّنُوبُ فِي الجُملَة ، وَلَهُم مِنَ السَّوَابِقِ وَالفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغفِرَةَ مَا يَصدُرُ مِنهُم - إِن صَدَر - حَتَّى إنَّهُم يُغفَرُ لَهُم مِنَ السَّيِّئَاتِ مَا لاَ يُغفَرُ لِمَن بَعدَهُم ، لأَنَّ لَهُم مِنَ الحَسَنَاتِ التِي تَمحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيسَ لِمَن بَعدَهُمْ ، وقَد ثَبَتَ بِقَولِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُم خَيرُ القُرُون ، وَأَنَّ المُدَّ مِن أَحَدِهِم إذَا تَصَدََّقَ بِهِ كَانَ أَفضَلَ مِن جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّن بَعدَهُم ، ثُمَّ إِذَا كَانَ قَد صَدَرَ مِن أَحَدِهِم ذَنبٌ فَيَكُونُ قَد تَابَ مِنهُ أَو أَتَى بَحَسَنَاتٍ تَمحُوهُ ، أَو غُفِرَ لَهُ بِفَضلِ سَابِقَتِه ، أَو بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ الَّذِي هُم أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِه ، أَو ابتُلِيَ بِبَلاَءٍ فِي الدُّنيَا كُفِّرَ بِهِ عَنهُ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ المُحَقَّقَة ، فَكَيفَ الأُمُورُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجتَهِدِين ، إن أَصَابُوا فَلَهُم أَجرَان ، وَإِن أَخطَؤُوا فَلَهُم أَجرٌ وَاحِد وَالخَطَأُ مغفُور ، ثُمَّ إِنَّ القَدْرَ الَّذِي يُنكَرُ مِن فِعلِ بَعضِهِم قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغفُورٌ فِي جَنبِ فَضَائِلِ القَومِ وَمَحَاسِنِهِم مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالجِهَادِ فِي سَبِيلِه ، وَالهِجرَةِ وَالنُّصرَةِ وَالعِلمِ النَّافِعِ وَالعَمَلِ الصَّالِح ، وَمَن نَّظَرَ فِي سِيرَةِ القَومِ بِعِلمٍ وَبَصِيرَةٍ وَمَا مَنَّ اللهُ عَلَيهِم بِهِ مِنَ الفَضَائِلِ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُم خِيرُ الخَلقِ بَعدَ الأَنبِيَاء ، لاَ كَانَ وَلا يَكُونُ مِثلُهُم ، وَأَنَّهُمُ الصَّفوَةُ مِن قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيرُ الأُمَمِ وَأَكرَمُهَا عَلَى الله . ) ( 45 )
و قَالَ ابنُ حَجَرٍ العَسقَلَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( .. واتّفَق أهلُ السُّنّةِ على وُجُوبِ مَنعِ الطَّعنِ علَى أحدٍ مِن الصّحَابةِ بِسَببِ مَا وَقعَ لهُم مِن ذلِك ، و لو عُرِفَ المُحِقُّ مِنهُم ، لأنّهُم لم يُقاتِلُوا في تِلكَ الحُرُوبِ إلَّا عَنِ اجتِهَاد ، وقَد عَفَا اللهُ تَعَالَى عَنِ المُخطِئ فِي الاجتِهَاد ، بَل ثَبَتَ أنّهُ يُؤجَرُ أجرًا واحدًا ، و أنَّ المُصِيبَ يُؤجَرُ أَجرَين . ) ( 46 )
( ٢٠ ) [ وَمِن اعتِقَادِ أَهلِ السُّنّةِ وَالجَمَاعَة : حُبُّ أَهلِ بَيتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَتَوَلِّيهِم . ]
قَالَ الإِمَامُ أَبُو بَكرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَين الآجُرِّي رَحِمَهُ الله تَعَالَى ( ٣٦٠ ) :
( وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤمنٍ ومُؤمِنَة مَحبَة أَهلِ بيتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وآلهِ وسَلَّم ، بَنُو هَاشِم : عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِب وَوَلدُه وذُرِّيّتَه ، وفَاطِمَةٌ وَوَلدُها وذُرِّيتَها ، والحَسَنُ والحُسَينُ وأولَادُهُما وذُرِّيتَهُما ، وجَعفَرٌ الطَّيَّار وَوَلَدُه وذُرِّيتَه ، وحَمزَةَ وَوَلدُه ، والعَبَّاسُ وَوَلَدُه وذُرِّيتَه ، رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم ، هَؤُلَاءِ أهلُ بَيتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ و آلِهِ وسَلَّم ، وَاجِبٌ عَلَى المُسلِمِينَ مَحَبَّتهُم وإكرَامُهُم ، واحتِمَالُهُم وحُسنُ مُدَارَاتِهِم ، والصَّبرُ عَلَيهِم ، والدُّعَاءُ لَهُم . ) ( 47 )
و قَالَ ابنُ تَيمِيّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
( وَيُحِبُّونَ - أي المُسلِمُونَ أهلُ السُّنّةِ والجَمَاعَة - أَهلَ بَيتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، وَيَتَوَلَّونَهُمْ ، وَيَحفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّة رَسُولِ اللهِ ﷺ : حَيثُ قَالَ يَومَ غَدِيرِ خُمٍّ : [ أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهلِ بَيتِي ] ، وَقَالَ أَيضًا لِلعَبَّاسِ عَمّه ـ وَقَدِ اشتَكَى إِلَيهِ أَنَّ بَعضَ قُرَيشٍ يَجفُو بَنِي هَاشِمٍ ـ فَقَالَ : [ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُم ، لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي ] ، وَقَالَ: [ إِنَّ اللهَ اصطَفَى بَنِي إِسمَاعِيلَ ، وَاصطَفَى مِن بَنِي إسمَاعِيلَ كِنَانَة ، وَاصطَفَى مِن كِنَانَةَ قُرَيشًا ، وَاصطَفَى مِن قُرَيشٍ بَنِي هَاشِم ، وَاصطَفَانِي مِن بَنِي هَاشِم . ] ) ( 48 )
( ٢١ ) [ ومِن اعتِقَادِ أهلِ السُّنّةِ والجَمَاعَةِ : تَوَلِّي أزوَاجِ رَسُولِ اللَّهٌ ﷺ أمَّهَاتِ المُؤمِنِين . ]
قَالَ أبُو عُثمَانَ الصَّابُونِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
فِي بَيَانِ عَقِيدَةِ السَّلَفِ أصحَابِ الحَدِيث :
(... وكَذلِكَ يَرَونَ تَعظِيمَ قَدرِ أزواجِهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهنَّ ، والدُّعَاءِ لَهُنَّ ، ومَعرِفَة فَضلِهِنَّ ، والإقرَار بأنَّهنَّ أمَّهاتُ المُؤمِنِين .) ( 49 )
وقَالَ ابنُ قُدَامَةَ المَقدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
( من السُّنَّةِ الترَضِّي عن أزواجِ رَسولِ اللَّهِ ﷺ أمَّهاتِ المُؤمِنين ، المطَهَّراتِ المُبَرَّآتِ مِن كُلِّ سُوء ، أفضَلُهنَّ خَديجةُ بنتُ خُوَيلِد ، وعائِشةُ الصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيق ، التي برَّأها اللَّهُ فِي كِتَابِه ، زوجُ النَّبِيِّ ﷺ في الدُّنيا والآخِرة ، فمَن قَذَفها بِمَا بَرَّأهَا اللَّهُ مِنهُ فَقَد كَفَرَ بِاللَّهِ العَظِيم .) ( 50 )
و قَالَ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
( وَيَتَوَلَّونَ - أي المُسلِمُونَ أَهلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَة - أَزوَاجَ رَسُولِ اللهِ ﷺ أُمَّهَاتِ المُؤمِنِين ، وَيُؤمِنُونَ بَأَنَّهُنَّ أَزوَاجُهُ فِي الآخِرَة ، خُصُوصًا خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أُمَّ أَكثَرِ أَولاَدِه ، وَأَوَّلَ مَن آمَنَ بِهِ وَعَاَضَدَهُ عَلَى أَمرِه ، وَكَانَ لَهَا مِنهُ المَنزِلَةُ العَالِيَة ، وَالصِّدِّيقَةَ بِنت الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ، التِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ ﷺ : [ فَضلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ . ] ) ( 51 )
( ٢٢ ) [ مِن عَقِيدَةِ أهلِ السُّنّةِ والجَمَاعَة : التَّصدِيقُ بِكَرَامَاتِ الأَولِيَاء ، وأَنَّهَا حَقّ . ]
قَالَ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
( .. وَمِن أُصُولِ أَهلِ السُّنَّةِ : التَّصدِيقُ بِكَرَامَاتَ الأَولِيَاءِ وَمَا يُجرِي اللهُ عَلَى أَيدِيهِم مِّن خَوَارِقِ العَادَاتِ فِي أَنوَاعِ العُلُومِ وَالمُكَاشَفَات ، وَأَنوَاعِ القُدرَةِ وَالتَّأثِيرَات ، كالمَأثُورِ عَن سَالِفِ الأُمَمِ فِي سُورَةِ الكَهفِ وَغَيرِهَا ، وَعَن صَدرِ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ قُرُونِ الأُمَّة ، وَهِيَ مَوجُودَةٌ فِيهَا إِلَى يَومِ القِيَامَة . ) ( 52 )
و قَالَ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
( مِن عَقِيدَةِ أهلِ السُّنّة والجَمَاعَةِ الإيمَانُ بِكَرَامَاتِ الأَولِيَاء ، وأنّها حقّ ، وهِيَ خوارِقُ العَادَات التِي يَخلُقُها اللَّهُ لبعضِ أولِيائِه ، إمّا لِحاجةٍ به ، أو لِإقَامةِ الحُجّة على العدُو ، على أعداء اللَّه ، لنَصرِ الدّين ، وإقَامة أمرِ اللَّه ، فتكونُ لأوليَاء اللَّهِ المُؤمنِين ، تارةً لحاجَتهِم ، كَأَن يُسهِّل اللَّهُ له طعامًا عند جُوعِه ، أو شرابًا عند ظَمَإِه ، لا يدرى من أين أتى ، أو في محلٍّ بعيد عن الطّعام والشّراب ، أو نحو ذلك ، أو بركةٍ في طعام تكون واضحة ، أو غير ذلك من الخوارق للعادات ، والميزانُ في ذلك أن يكون مُستقيمًا على الكتاب والسُّنّة ، لا تكون كرامة هذه الخارقة إلّا إذا كان الشّخص معروفًا بالاستقامة على دين اللَّهِ ورسُوله ، أمَّا إذا كان مُنحرفًا عن الشّريعةِ فليست كرامة ، ولكنّها من خوارق الشّياطين ، ومن فتنة الشّياطين ، وإنّما تكون الكرامة لأولياء اللَّهِ المُؤمنين الذين عُرفوا بالاستقامة على دين اللَّه ، واتِّباعِ شريعته ، فما خرق اللَّهُ لهم من العادات تُسمَّى كرامة .) ( 53 )
( ٢٣ ) [ ومِن أُصُولِ أهلِ السُّنّةِ والجَمَاعَةِ : وُجُوبُ طَاعَةِ وُلّاةِ الأُمُورِ إلّا فِي مَعصِيَةِ اللَّهِ عَزّوجَل . ]
قَالَ الإمَامُ أحمَدُ بنُ حَنبَل رَحِمهُ اللّهُ تَعَالَى ( ٢٤١ هـ ) :
( .. والسَّمعُ وَالطَّاعَة للأئمّة وأميرالمُؤمنِينَ البَرِّ والفاجر ، وَمن وَلِيَ الخِلَافَة وَاجتَمعَ النَّاسُ عَلَيهِ وَرَضوا بِهِ ، وَمن عَلِيَهُم بِالسَّيفِ حَتَّى صَار خَليفَةً وَسُمِّيَ أَمِير المُؤمنِين .) ( 54 )
و قَالَ الإمَامُ المُزنِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( ت ٢٦٤ هـ ):
( وَالطَّاعَة لأولي الْأَمر فِيمَا كَانَ عِند الله عز وَجل مرضيا ، وَاجتنَابُ مَا كَانَ عِند اللَّهِ مُسخطا ، وَتركِ الخُرُوج عِند تعدِّيهم وجورهم ، وَالتَّوبَة إِلَى اللَّه عزّوَجل كَيْمَا يعطف بهم على رعيتهم .) ( 55 )
و قَالَ الإمَامُ البَربَهَارِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( ت ٣٢٩ ه ) :
( والسَّمعُ والطاعةُ للأئمة فيما يُحب اللَّهُ ويرضى ، ومن وَلِيَ الخِلافة بإجماع النّاسِ عليه ورِضاهُم به فهو أمير المؤمنين ، لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يَبِيتَ ليلةً ولا يرى أنّ عليه إماما ، بَرًّا كان أو فاجرا . ) ( 56 )
و قَالَ الحَافِظُ النّوَوِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( ت ٦٧٦ ه ):
( وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ : فَمُعَاوَنَتُهُم عَلَى الحَقِّ وَطَاعَتُهُم فِيه ، وأمرهم به ، وتنبيهم وَتَذكِيرُهُم بِرِفقٍ وَلُطفٍ ، وَإِعلَامُهُم بِمَا غَفَلُوا عَنهُ وَلَم يَبلُغهُم مِن حُقُوقِ المُسلِمِينَ ، وَتَركُ الخُرُوجِ عَلَيهِم وَتَأَلُّفُ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِم .) ( 57 )
و قَال ابنُ أبِي العِزّ الحَنَفِي رحِمهُ اللَّهُ تعالى :
( وأمّا لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنّه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفيرُ السيِّئات ومضاعفة الأجور . ) ( 58 )
و قَال الإمامُ البَربهَارِي رَحِمِهُ اللّهُ تعالَى :
( وإذَا رَأيتَ الرّجلَ يَدعُو علَى السُّلطان فاعلَم أنَّهُ صَاحبُ هَوَى ، وإذَا رَأيتَ الرَّجل يَدعُو للسُّلطان بالصَّلاح فاعلَم أنَّه صَاحبُ سُنّة إن شَاء اللَّهُ ، لِقَولِِ فُضَيل : [ لَو كَانَت لِي دَعوَة مَا جَعلتُها إلّا فِي السُّلطَان ] ) ( 59 )
( ٢٤ ) [ وَمِن مُعتَقَدِ أَهلِ السُّنّةِ والجَمَاعَةِ : عَدَمُ الخُرُوجِ عَلَى الأئمّةِ ووُلَّاةِ الأُمُورِ وإن جَارُوا ، وأنّهُ يتَرتَّبُ عَلَى الخُرُوجِ عَن طَاعَتهِم مِن المَفَاسِدِ أضعَافَ مَا يَحصُلُ مِن جورِهِم . ]
قَالَ الإمَامُ أحمدُ بنُ حَنبَل رَحِمهُ اللَّهُ تَعَالَى ( ٢٤١ هـ ) :
( وَمن خرج على إِمَام من أَئِمَّة المُسلمين وَقد كَانُوا اجتَمعُوا عَلَيهِ وأقرُّوا بالخلافة بِأَيّ وَجهٍ كَان - بِالرِّضَا أَو الغَلَبَة - فقد شقّ هَذَا الخَارِجُ عَصا المُسلمين وَخَالف الآثَار عَن رَسُول الله ﷺ ، فَإِن مَاتَ الخَارِجُ عَلَيهِ مَاتَ ميتَةً جَاهِلِيَّة .) ( 60 )
وقال أيضًا رحمه الله تعالى :
( لَا يَحِلُّ قتال السُّلطَان وَلَا الخُرُوج عَلَيهِ لأحدٍ من النَّاس ، فَمن فعل ذَلِك فَهُوَ مُبتَدعٌ على غير السّنة وَالطَّرِيق. ) ( 61 )
و قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى ( ت ٣٢١ ه ) : ( وَلَا نَرَى الخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَّاةِ أُمُورِنَا وإن جاروا ، ولا ندعوا عَلَيهِم ، وَلَا نَنزِعُ يَدًا مِن طَاعَتِهِم ، وَنَرَى طَاعَتَهُم مِن طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرِيضَة مَا لَم يَأْمُرُوا بِمَعصِيَة ، وَنَدعُو لَهُم بِالصَّلَاحِ والمُعافاة ، ونتَّبِعُ السُّنّة والجماعة ، ونجتنب الشُّذُوذ والخِلاف والفُرقة . ) ( 62 )
و قال الإمام البربهاري رحمه الله تعالى ( ت ٣٢٩ هـ ) :
( ومن خرج على إمامٍ من أئمة المسلمين فهو خارجي ، وقد شقّ عصا المسلمين ، وخالف الآثار ، وميتته ميتة جاهلية .) ( 63 )
وقال أيضًا رحمه الله تعالى :
( ولا يحلُّ قتال السلطان والخروج عليه وإن جاروا ، وذلك قول رسول الله ﷺ لأبي ذر : [ اصبر وإن كان عبدًا حبشيا ] ، وقوله للأنصار : [ اصبروا حتى تلقوني على الحوض ] ) ( 64 )
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى :
( وَأَمَّا الخُرُوجُ عَلَيهِم وَقِتَالُهُم فَحَرَامٌ بِإِجمَاعِ المُسلِمِينَ وَإِن كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ وَقَد تَظَاهَرَتِ الأَحَادِيثُ بِمَعنَى مَا ذَكَرتُهُ وَأَجمَعَ أَهلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَنعَزِلُ السُّلطَانُ بِالفِسقِ وَأَمَّا الوَجهُ المَذكُورُ فِي كُتُبِ الفِقْهِ لِبَعضِ أَصحَابِنَا أَنَّهُ يَنعَزِلُ وَحُكِيَ عَنِ المُعتَزِلَةِ أَيضًا فَغَلَطٌ مِن قَائِلِهِ مُخَالِفٌ لِلإِجمَاعِ ، قَالَ العُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ انعِزَالِهِ وَتَحرِيمِ الخُرُوجِ عَلَيهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ البَينِ فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه .) ( 65 )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
( ولَعَلَّهُ لا يكادُ يُعرَفُ طائفة خرجت على ذي سلطان إلّا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته . ) ( 66 )
و قال البربهاري رحمه الله تعالى :
( ولَيسَ مِنَ السُّنّةِ قِتَالُ السُّلطَان ، فإنّ فيهِ فسادُ الدِّينِ والدُّنيَا . ) ( 67 )
( ٢٥ ) [ ثُمَّ إنّ أَهلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ يَعلَمُون أنَّ أصدَقَ الكَلَامِ كَلَامُ اللَّه ، ويُؤثِرُونَهُ عَلَى غَيرِهِ مِن كَلامِ أصنَافِ النَّاس ، ويُقدِّمُونَ هَديَ نبِيِّهم ﷺ ويتَّبِعُونَ آثَارَهُ بَاطِنًا وظَاهِرًا ، مُتابِعِينَ في ذَلِكَ سَبِيلَ أصحَابِهِ السَّابِقِينَ مِنَ المُهَاجِرِينَ والأَنصَار ، ويُثَلِّثُونَ بإجمَاعِ سَلَفِ هَذهِ الأمّةِ إذ بَعدَهُم كثُرَ الإختِلَافُ ، وَهُم يَزِنُونَ بِهَذِه الأُصُولِ الثَّلاثَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيهِ النَّاسُ مِن أَقوَالٍ وَأَعمَالٍ بَاطِنَةٍ أَو ظَاهِرَةٍ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدِّين ]
قَالَ شَيخُ الإسلَامِ ابنُ تَيمِيّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
( .. ثُمَّ مِن طَرِيقَةِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ اتِّبَاعُ آثَارِ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَار ، وَاتِّبَاع وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، حَيثُ قَالَ: [ عَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيْينَ مِن بَعدِي ، تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذ ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُور ، فَإِنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَة ] .
وَيَعلَمُونَ أَنَّ أَصدَقَ الكَلامِ كَلامُ الله ، وَخَيرَ الهَديِ هَديُ مُحَمَّدٍ ﷺ ، وَيُؤثِرُونَ كَلاَمَ اللهِ عَلَى غَيرِهِ مِن كَلامِ أَصنَافِ النَّاس ، وَيُقَدِّمُونَ هَديَ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى هَديِ كُلِّ أَحَد ، وَلِهَذَا سُمُّوا أَهلَ الكِتَابِ وَالسُّنَّة ، وَسُمُّوا أَهلَ الجَمَاعَة ، لأَنَّ الجَمَاعَةَ هِيَ الاِجتِمَاع ، وَضِدُّهَا الفُرقَة ، وَإِن كَانَ لَفظُ الجَمَاعَةِ قَد صَارَ اسمًا لِنَفسِ القَومِ المُجتَمِعِينَ ، وَالإِجِمَاعُ هُوَ الأَصلُ الثَّالِثُ الَّذِي يُعتَمَدُ عَلَيهِ فِي العِلمِ وَالدِّين .
وَهُم يَزِنُونَ بِهَذِه الأُصُولِ الثَّلاثَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيهِ النَّاسُ مِن أَقوَالٍ وَأَعمَالٍ بَاطِنَةٍ أَو ظَاهِرَةٍ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدِّين .
وَالإِجمَاعُ الَّذِي يَنضَبِطُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيهِ السَّلَفُ الصَّالِح ، إِذ بَعدَهُم كَثُرَ الاختِلاَفُ، وَانتَشَرَ فِي الأُمَّة . ) ( 68 )
( ٢٦ ) [ ثُمَّ هُم - أَي أهلُ السُّنّةِ والجَمَاعَة - مَعَ هَذِهِ الأُصُولِ التِي سَبَقَ بَيَانُهَا ، يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَة ، وَيَدعُونَ إِلَى مَحَاسِنِ الأَعمَالِ ومَكَارِمِ الأََخلَاق ، ويَنهَونَ عَن أَضدَادِ ذَلِك ، مُتَابِعِينَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كِتَابَ رَبِّهِم ، وسُنَّةَ نَبِيِّهِم ﷺ . ]
قَالَ شَيخُ الإِسلَامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
( ثُمَّ هُم مَّعَ هّذِهِ الأُصُولِ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَة ، وَيَرَونَ إِقَامَةَ الحَجِّ وَالجِهَادِ وَالجُمَعِ وَالأَعيَادِ مَعَ الأُمَرَاءِ أَبرَارًا كَانُوا أَو فُجَّارًا ، وَيُحَافِظُونَ عَلَى الجَمَاعَات ، وَيَدِينُونَ بِالنَّصِيحَةِ للأُمَّة ، وَيَعتَقِدُونَ مَعنَى قَولِهِ ﷺ : [ المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ المَرصُوصِ يَشُدُّ بَعضَهُ بَعضًا ] وَشَبَّكَ بَينَ أَصَابِعِه ، وَقَولِهِ ﷺ : [ مَثَلُ المُؤمِنِينَ فِي تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بُالحُمَّى وَالسَّهَر ] ، وَيَأمُرُونَ بِالصَّبرِ عِندَ البَلاءِ ، وَالشُّكرِ عِندَ الرَّخَاء ، وَالرِّضَا بِمُرِّ القَضَاء ، وَيَدعُونَ إِلَى مَكَارِمِ الأَخلاقِ وَمَحَاسِنِ الأَعمَال ، وَيَعتَقِدُونَ مَعنَى قَولِهِ ﷺ : [ أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا ] ، وَيَندُبُونَ إِلَى أَن تَصِلَ مَن قَطَعَك ، وَتُعطِي مَن حَرَمَك ، وَتَعفُو عَمَّن ظَلَمَك ، وَيَأمُرُونَ بِبِرِّ الوَالِدَينِ ، وَصِلَةِ الأَرحَام ، وَحُسنِ الجِوَار ، وَالإِحسِانِ إلَى اليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَّبِيل ، وَالرِّفقِ بِالمَملُوك . وَيَنهَونَ عَنِ الفَخرِ وَالخُيَلاءِ وَالبَغيِ ، وَالاستِطَالَةِ عَلَى الخَلقِ بِحَقٍّ أَو بِغَيرِ حَقّ ، وَيَأمُرُونَ بِمَعَالِي الأَخلاَق وَيَنهَونَ عَن سَفسَاِفِِهَا ، وَكُلُّ مَا يَقُولُونَهُ وَيَفعَلُونَهُ مِن هَذَا وَغَيرِهِ فَإِنَّمَا هُم فِيهِ مُتَّبِعُونَ لِلكِتَابِ وَالسُّنَّة ، وَطَرِيقَتُهُم هِيَ دِينُ الإسلاَمِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا ﷺ . ) ( 69 )
تَمَّت بِحَمدِ اللَّهِ تَعَالَى
#مُعتَقَد_أَهلِ_الإِسلَامِ_مِن_كَلَامِ_الأَئِمَّةِ _الأَعلَام
سَائِلًا اللَّهَ جلّ وعَلَا أَن يَنفَعَ بِهَا .
وجمع : ابن أبي صالح
الطّيب ابن خليفة مودع عزام .
( 1 ) [ شرح أصول اعتقاد أهل السُّنّة ]
( 2 ) [ مجموع الفتاوى ١١/ ٤٩٠ ]
( 3 ) [ العقيدة الواسطية ]
( 4 ) [ العقيدة الواسطية ]
( 5 ) [ خصائص الفرقة الناجية ]
( 6 ) [ العقيدة الواسطية ]
( 7 ) [مذكرةٌ على العقيدة الواسطية ]
( 8 ) [ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ]
( 9 ) [ العقيدة الواسطية ]
( 10) [ منهاج السُّنّة النّبوية ]
( 11 ) [ أخرجه البيهقي في الأسماء والصِّفات ٢ /٣٠٥ ]
( 12 ) [ المنهاج في شعب الإيمان ١ /٣٠٢ ]
( 13 ) [ فتح الباري ١ /١١٧ ]
( 14 ) [ شرح ثلاثة أصول ]
( 15 ) [ الإبانة الصُّغرى ص ٢٣٢ ]
( 16 ) [ الجوابُ الصّحيح ٢ /٣٧١ ]
( 17 ) [ من تفسير السِّعدي الآية ١٣٦ سورة البقرة ]
( 18 ) [ العقيدة الواسطية ]
( 19 ) [ العذب النّمير ٥ /٢٨٠ ]
( 20 ) [ تيسير الكريم الرّحمن ، تفسير الآية ١٧٧ البقرة ]
( 21 ) [ الجوابُ الصّحيح ٢/ ٣٧١ ]
( 22 ) [ الفَصلُ في المِلَلِ والنِّحَل ٤ /٦٦ ]
( 23 ) [ التّمهِيد ٩/ ١١٦ ]
( 24 ) [ مجموع فتاوى ابنُ عُثيمِين ٥ /١٢٧ ]
( 25 ) [ عقيدة أهل السُّنّة والجماعة لابن عُثيمِين (بتصرف) ]
( 26 ) [ تَذكِرَةُ المُؤتَسِي ]
( 27 ) [ العقيدة الواسطية ]
( 28 ) [ شرح السُّنّة ]
( 29 ) [ وَصَلَهُ أحمَد في السُّنّة ، وأبُودَاوُد في المَسائِل . ]
( 30 ) [ العقيدة الواسطية ]
( 31 ) [ العقيدة الواسطية ]
( 32 ) [ العَقِيدَةُ الطحّاوِيَة ]
( 33 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيّة ]
( 34 ) [ شَرحُ الطّحّاوِيّة ]
( 35 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيّة ]
( 36 ) [ عقيدة السّلف أصحاب الحديث ص ٢٦٤ ]
( 37 ) [ مجموع الفتاوى ٣ /٣٧٣ ، ٣٧٥ ]
( 38 ) [ مفتاح دار السعادة ٢ /٢٤٣ ]
( 39 ) [ لَوَامِعُ الأَنوَارِ البَهِيّة ]
( 40 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيّة ]
( 41 ) [ الكِفَايَةُ فِي عِلمِ الرِّوَايَة لِلخَطِيب البَغدَادِي ]
( 42 ) [ مُقَدِّمَةُ ابنُ أَبِي زَيدٍ القَيرَوَانِيُّ فِي العَقِيدَة ]
( 43 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيّة ]
( 44 ) [ الطَّبَقَاتُ الكُبرَى ٣٩٤/٥ ]
( 45 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيّة ]
( 46 ) [ فَتحُ البَارِي ١٣ /٣٧ ]
( 47 ) [ كِتَابُ الشَّرِيعَة ]
( 48 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيَة ]
( 49 ) [عَقِيدَةُ السَّلَفِ أصحَاب الحَدِيث ص ٢٩٤ ]
( 50 ) [ لُمعَةُ الاعتِقَاد الهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَاد ص ٤٠ ]
( 51 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيَّةُ لِشَيخِ الإِسلَامِ ابنِ تَيمِيَّة ]
( 52 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيّة ]
( 53 ) [ نُورٌ عَلَى الدَّرب ]
( 54 ) [ شَرحُ السُّنّة ]
( 55 ) [ شرح السُّنّة للمُزني ص ٨٤ ]
( 56 ) [ شرحُ السُّنّة للبربهاري ص ٥٦ ]
( 57 ) [ شرحُ النّووي على مُسلم ٢ /٣٩ ].
( 58 ) [ شرحُ العقِيدَة الطّحَاوية ]
( 59 ) [ شرحُ السُنّة للبَربهَارِي ص ١١٣ ]
( 60 ) [ أصول السُّنّة للإمام أحمد بن حنبل ص ٤٧ ]
( 61 ) [ شرح أصول اعتقاد أهل السُّنّة والجماعة للالكائي ١٨١/١
( 62 ) [ العقيدة الطحاوية ]
( 63 ) [ شرح السُّنّة للبربهاري ]
( 64 ) [ شرح السُّنّة للبربهاري ]
( 65 ) [ المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ١٢ /٢٢٩ ]
( 66 ) [ منهاج السُّنّة النَّبويّة ٣/ ٣٩١ ]
( 67 ) [ شرحُ السُّنّة للبربهاري ص ٥٨ ]
( 68 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيّة ]
( 69 ) [ العَقِيدَةُ الوَاسِطِيّة ]
|