كلمات في الأدب والأخلاق وتزكية النفوس

[هشام بن حسن]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فبين أيديكم ـ إخواني الكرام ـ أقوال منقولة عن أئمة فحول وعلماء ربانيين نحن بأمس الحاجة إليها، تتعلق بجانب مهم جدا من ديننا السمح الحنيف وهو جانب تزكية النفوس والتحلي بعالي الأخلاق والآداب ، كما قال ربنا جل وعلا :" هو الذي بعث في الأمّيين رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة " فقدّم التزكية قبل العلم لعظمها وأهميتها ومكانتها، فلا حرمني الله وإياكم من الاتعاظ بها والاعتبار بمدلولها، وإليكم بعضا منها ولعلنا نضيف إليها تباعا ما توفر لدينا أو ما يجود به إخواننا من أعضاء هذا المنتدى المبارك .

قال الإمام ابن القيم في كتابه الفوائد ص 56 :" يا مخنث العزم : أين أنت ؟! والطريق طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد في المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم تزها أنت باللهو واللعب ؟!!

ونقل الإمام الذهبي تحت ترجمة شيخ أهل الحديث في عصره بنيسابور الفقيه المالكي البوشنجي رحمه الله :
قال أبو النضر الفقيه : سمعت البوشنجي يقول :" من أراد العلم والفقه بغير أدب، فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله "
( السير 13/ 586 )

ونقل أيضا عن الوليد بن مسلم قال:" سألت الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وابن جريج : لمن طلبتم العلم ؟ كلهم يقول : لنفسي غير ابن جريج فإنه قال : طلبته للناس "
قلت ( أي الذهبي ): ما أحسن الصدق ! اليوم تسأل الفقيه الغبي : لمن طلبت العلم ؟ فيبادر ويقول : طلبته لله، ويكذب إنما طلبه للدنيا، ويا قلة ما عرف منه " ( السير 6/ 328 )

ونقل أيضا عن الفضيل بن عياض أنه قال:" خصلتان تقسّيان القلب : كثرة الكلام وكثرة الأكل ... يا مسكين، أنت مسيء وترى أنك محسن، وأنت جاهل وترى أنك عالم، وتبخل وترى أنك كريم، وأحمق وترى أنك عاقل، أجلك قصير، وأملك طويل "
قلت : إي ـ والله ـ صدق، وأنت ظالم وترى أنك مظلوم، وآكل للحرام وترى أنك متورع، وفاسق وتعتقد أنك عدل، وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله " ( السير 8/ 440)

ونقل أيضا عن ابن وهب أنه قال:" نذرت أنّي كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدّق بدرهم، فمن حبّ الدراهم تركت الغيبة "
قلت : هكذا ـ والله ـ كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع " ( السير 9/ 228 )

ونقل أيضا عن أحمد بن سلمة النيسابوري أنه قال:" سمعت هنادا يقول غير مرة ـ إذا ذكر قبيصة ـ :" الرجل الصالح، وتدمع عيناه، وكان هنّاد كثير البكاء ..." .
قلت : كذا كان والله أهل الحديث: العلم والعبادة، واليوم فلا علم ولا عبادة، بل تخبيط ولحن وتصحيف كثير، وحفظ يسير، وإذا لم يرتكب العظائم ولا يخلّ بالفرائض فلله درّه " ( السير 10/ 133- 134 )

وقال رحمه الله ( السير 14/ 40 ) :" لو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له، قمنا عليه وبدّعناه وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة " .

وقال أيضا ( كتاب الكبائر وتبيين المحارم ص 79 ) :" أشر الكبر من تكبر على العباد بعلمه، وتعاظم في نفسه بفضيلته، فإن هذا لم ينفعه علمه، فإن من طلب العلم للآخرة كسره علمه، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد، فلم يغتر عنها، بل يحاسبها كل وقت ويثقفها، فإن غفل عنها جمحت عن الصراط المستقيم وأهلكته. ومن طلب العلم للفخر والرياسة، ونظر إلى المسلمين شزرا، وتحامق عليهم، وازدرى بهم، فهذا من أكبر الكبر، ولا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كبر، فلا حول ولا قوة إلا بالله ".
( وانظر هذه الأقوال وغيرها كثير للإمام الذهبي في الرسالة المفيدة التي جمعها الشيخ الدكتور جمال عزون ـ وفقه الله ـ تحت عنوان كلمات في العلم وأدب الطلب والاتباع وذم الابتداع )

وقال الحافظ المفسر ابن كثير رحمه الله كما في البداية والنهاية - (ج 9 / ص 367 – 368 ) :
"ومن كلام إياس الحسن: لأن يكون في فعال الرجل فضل عن مقاله خير من أن يكون في مقاله فضل عن فعاله.
وقال سفيان بن حسين: ذكرت رجلا بسوء عن إياس بن معاوية فنظر في وجهي وقال: أغزوت الروم ؟ قلت: لا ! قال: السند والهند والترك، قلت: لا.
قال: أفسلم منك الروم والسند والهند والترك ولم يسلم منك أخوك المسلم ؟ قال: فلم أعد بعدها "

وقال شيخ الإسلام ابن باز ـ رحمه الله وطيّب ثراه ـ :
" هذا العصر : عصر الرفق والصبر والحكمة، وليس عصر الشدّة .
الناس أكثرهم في جهل، في غفلة وإيثار للدنيا، فلا بدّ من الصبر ،ولا بدّ من الرفق ؛حتى تصل الدعوة ، وحتى يبلغ الناس ، وحتى يعلموا .ونسأل الله للجميع الهداية "
( مجموع الفتاوى (8 / 376 ) و (10 / 91 )


وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى .

[وسيم قاسيمي]

بارك الله فيك لما وضعته لنا من كلمات منبهة لنا ، ونسأل الله أن يردنا إليه ردا جميلا ، وجزاك الله عنا خير الجزاء ووفقك لكل ما فيه خير وصلاح

[هشام بن حسن]

وفيك بارك الله أخانا أبا أسامة ، ونسأل الله أن يوفقنا للعمل بما علمنا.