توضيح ماتع في معنى قول الله تعالى: (تبيانا لكلّ شيء)
قال أحد علماء التفسير عند قول الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ):
وَ «كُلُّ شَيْءٍ» يُفِيدُ الْعُمُومَ إِلَّا أَنَّهُ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ فِي دَائِرَةِ مَا لِمِثْلِهِ تَجِيءُ الْأَدْيَانُ وَالشَّرَائِعُ: مِنْ إِصْلَاحِ النُّفُوسِ، وَإِكْمَالِ الْأَخْلَاقِ، وَتَقْوِيمِ الْمُجْتَمَعِ الْمَدَنِيِّ، وَتَبَيُّنِ الْحُقُوقِ، وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، وَصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَأْتِي فِي خِلَالِ ذَلِكَ مِنَ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ وَالدَّقَائِقِ الْكَوْنِيَّةِ، وَوَصْفِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ، وَأَسْبَابِ فَلَاحِهَا وَخَسَارِهَا، وَالْمَوْعِظَةِ بِآثَارِهَا بِشَوَاهِدِ التَّارِيخِ، وَمَا يَتَخَلَّلُ ذَلِكَ مِنْ قَوَانِينِهِمْ وَحَضَارَاتِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ.
وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ كُلِّهِ أَسْرَارٌ وَنُكَتٌ مِنْ أُصُولِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ صَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ الْحَقِيقِيِّ إِنْ سَلَكَ فِي بَيَانِهَا طَرِيقَ التَّفْصِيلِ وَاسْتُنِيرَ فِيهَا بِمَا شَرَحَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَفَاهُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَعُلَمَاءُ أُمَّتِهِ، ثُمَّ مَا يَعُودُ إِلَى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ وَصْفِ مَا أَعَدَّ لِلطَّائِعِينَ وَمَا أَعَدَّ لِلْمُعْرِضِينَ، وَوَصْفِ عَالَمِ الْغَيْبِ وَالْحَيَاةِ الْآخِرَةِ.
فَفِي كُلِّ ذَلِكَ بَيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ يُقْصَدُ بَيَانُهُ لِلتَّبَصُّرِ فِي هَذَا الْغَرَض الْجَلِيل، فيؤول ذَلِكَ الْعُمُومُ الْعُرْفِيُّ بِصَرِيحِهِ إِلَى عُمُومٍ حَقِيقِيٍّ بِضِمْنِهِ وَلَوَازِمِهِ. وَهَذَا مِنْ أَبْدَعَ الْإِعْجَازِ.
|