
30 Mar 2010, 10:12 AM
|
|
دروس في شرح "كتاب التوحيد" (متجدد إن شاء الله)
إن كتاب "القول المفيد" للعلامة الشيخ أبي عبد الله محمد بن صالح بن عثيمين ـ رحمه الله ـ (ت: 1421هـ) يعد من أفضل شروح "كتاب التوحيد"، وحرصا على إفادة الطلاب، والاستفادة منهم، أحببت أن أضع بين أيديهم مختصرا (بل هو معتصر) لهذا الكتاب القيم، وأركز فيه على معنى الآية، والشاهد منها للتوحيد، أما الفوائد الأخرى فمكانها في الأصل، وقد أذكر بعض المسائل المهمة التي ذكرها الشيخ ـ رحمه الله ـ، وخاصة التي لها علاقة بقضايا العصر، وقد أزيد فيه أشياء مفيدة.
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
وسيكون موعد الدرس كل يوم ثلاثاء، يعني أنقل شرح باب واحد في كل أسبوع.
كِتَابُ التَّوحِيدِ لم يُذكر في النُّسخ الَّتي بأيدينا خطبةٌ للكتاب من المؤلِّف؛ فإمَّا أن تكون سقطت من النُّسَّاخ، وإمَّا أن يكون المؤلِّف اكتفى بالتَّرجمة لأنَّها عنوانٌ على موضوع الكتاب وهو التَّوحيد.
[تَعرِيفُ التَّوحِيد]
التَّوحيد: إِفرَادُ اللهِ ـ سبحانه ـ بِمَا يَختَصُّ بِهِ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ وَالأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
أَقسَامُهُ:
ينقسم التَّوحيد إلى ثلاثة أقسام:
وقد اجتمعت في قوله تعالى: "رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" [مريم: 65].
1 ـ توحيد الرُّبوبيَّة:
"هو إفراد الله ـ عزَّ وجلَّ ـ بالخَلق، والمُلك، والتَّدبير".
وهذا القسم من التَّوحيد أقره المشركون؛ قال تعالى: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ" [الزخرف: 9].
وأنكره فرعون ـ على سبيل التَّعطيل ـ مكابَرَةً؛ "فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى" [النازعات: 24]، "مَا عَلِمْتُ لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيرِي" [القصص: 38]، ولكن كما قال تعالى: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا" [النمل: 14].
وأنكره ـ على سبيل التَّشريك ـ المجوسُ؛ حيث قالوا: إنَّ للعالَم خالِقَين هما الظُّلمَة والنُّور.
2 ـ تَوحِيدُ الأُلُوهِيَّة:
"وهو إفراد الله ـ عز وجل ـ بالعبادة".
ويسمى (توحيد الألوهيَّة) باعتبار إضافته إلى الله، و(توحيد العِبادَة) باعتبار إضافته إلى الخلق.
فالله هو المستحِقُّ للعِبادة، قال تعالى: "ذِلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البَاطِلُ" [لقمان: 30].
3 ـ توحيد الأسماء والصفات:
"إِفرَاد الله ـ عز وجل ـ بما لَه من الأسماء والصِّفات".
ويتضمَّن شيئين:
ـ الإثبات؛ بأن نُثبِت لله ـ عز وجل ـ جميع أسمائِه وصفاتِه الَّتي أثبتَها في كتابه، أو سنَّةِ نبيِّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من غير تحريف، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تكييف.
ـ نفي المُماثَلَة؛ بأن لا نَجعل له مَثِيلاً في أسمائِه وصفاتِه؛ كما قال تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" [الشورى: 11].
فمن لم يثبِت ما أثبتَه الله لنفسه؛ فهو معطِّلٌ، وتعطيله هذا يشبِه تعطيلَ فرعون.
ومن أثبَتها مع التَّشبيه صار مشابهًا للمشركِين الَّذين عَبَدُوا مع الله غيرَه.
ومن أثبتَها بدون مماثَلَة صار مِن المُوحِّدِين.
وهذا القِسم هو الَّذي ضَلَّت فيه بعضُ الأمَّة الإسلاميَّة وانقَسموا فيه إلى فِرقٍ كثيرة.
وَقَولُ اللهِ تَعَالَى: "وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ" [الذاريات: 56] الآية.
قوله تعالى: "إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" ليوحِّدونِ.
واللام للتَّعليل، وهي عِلَّة غائيَّةٌ؛ لبَيَان الغايَةِ والمقصودِ من الفِعل، وقد تقَعُ، وقد لا تقَعُ.
فهذه هي الحكمة من خلق الجنِّ والإنس، ولهذا أعطى اللهُ ـ عز وجل ـ البَشرَ عقولاً، وأرسل إليهم رُسُلاً، وأنزل عليهم كُتبًا، ولو كان الغَرض من خلقهم كالغَرض من خَلْق البَهائِم؛ لضَاعَت الحكمة من إِرسال الرُّسل، وإِنزال الكُتب.
فدلالة الآية على التوحيد: أنه الحكمة العظمى من إيجاد الخلق.
وَقَولُه تعالى: "وَلَقَد بَعَثنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعبُدُوا اللهَ وَاجتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" [النحل: 36]
قوله تعالى: "بَعَثنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ": أَرسَلْنا في كلِّ طائِفة من النَّاس.
فكلُّ أمَّةٍ بُعث فيها رسولٌ؛ مِن عهد نوحٍ؛ إلى عهد نبيِّنا محمَّدٍ ـ صلى الله عليهم أجمعين ـ.
قوله: "أَنِ اعْبُدُوا اللهَ" أي: تذلَّلوا له بالعِبادة.
قوله: "وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" أي: ابتَعِدوا عنه، وأجمعُ ما قِيل في تعريفه هو ما ذكره ابنُ القَيِّم ـ رحمه الله ـ بأنَّه: "مَا تجاوَز به العَبدُ حدَّهُ؛ مِن مَتبُوعٍ، أو مَعبُودٍ، أو مُطاعٍ".
فالمَتبُوع مثل: الكُهَّان، والسَّحرَة، وعُلمَاء السُّوءِ.
والمَعبُود مثل: الأَصنَام.
والمُطَاع مثل: الأُمَرَاء الخَارِجِين عن طَاعَة اللهِ.
والتَّوحِيد لا يَتِمُّ إِلاَّ برُكنَين، هما:
1 ـ الإثبات.
2 ـ النَّفي.
إذ النَّفي المَحضُ تعطِيلٌ مَحضٌ، والإِثبَات المَحضُ لا يَمنَعُ المُشارَكَة.
ودِلالَة الآية عَلَى التَّوحِيد: أنَّ الأَصنَام مِن الطَّواغِيت الَّتِي تُعبَدُ مِن دُون اللهِ، وأنَّ الرُّسل أجمعوا على الدَّعوةِ إلى التَّوحيد.
وَقَولُهُ تَعَالَى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ" [الإسراء: 23] الآية.
قوله تعالى: "قَضَى رَبُّكَ": قضاءً شرعيًّا؛ يجوزُ وقوعُه مِن المقضِيِّ عليه وعدمُه، ولا يكون هذا إلاَّ فيما يحبُّه الله.
قوله: "أَن لاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ": أي : ألا تفردوا أحدًا بالعبادة سواه.
ودلالة الآية على التوحيد: أن الله ـ عز وجل ـ قضى بالتوحيد ووصى به.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "وَاعبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا" [النساء: 36].
قوله تعالى: "وَلاَ تُشْرِكُوا" في مقابل (لا إله)؛ لأنَّها نفيٌ.
وقوله: "وَاعْبُدُوا اللهَ" في مقابل (إلاَّ اللهُ)؛ لأنَّها إثباتٌ.
وقوله: "شَيْئًا" تعُمُّ كلَّ شيءٍ: لا نبيًّا، ولا مَلَكًا، ولا ولِيًّا، بل ولا أمرًا من أمور الدُّنيا.
ودلالة الآية على التوحيد: أن الله عز وجل أمر به.
وَقَولُهُ تَعَالَى: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم أَلاَّ تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا" [الأنعام: 151] الآيات.
قوله تعالى: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ": أي أَقبِلُوا، وهَلُمُّوا أقصُّ عليكم "مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ"، ثم ذكر هذه المحرمات.
قوله: "أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا" أي لا تُشرِكوا به أيَّ شيءٍ؛ فيَعُمُّ كلَّ ما يُشرَك بِه، ومن لازِمه أن يَعبُد الله ـ عز وجل ـ وحده.
ودلالة الآية على التوحيد: أن التوحيد من الوصايا التي أمر بها الله ـ عز وجل ـ، ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
قَولُهُ: قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ ـ رضي الله عنه ـ: "مَنْ أَرَادَ يَنظُر إلىَ وصِيَّةِ محمَّدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَليَقرَأ" إلخ
الاستفهام هنا للحثِّ والتَّشويق.
قوله: "وَصِيَّةِ مُحَمَّدٍ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُهُ"، لم يوص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشيء، وإنما هذا من فقه ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ؛ إذ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بالتوحيد ودعا إليه أمته في حياته كلها.
وَعَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ ـ رضي الله عنه ـ؛ قَال: "كُنتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ لِي: "يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟". قُلتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَن لاَّ يُعِذِّبَ مَن لاَّ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَال: "لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا". أخرجاه في "الصَّحيحين"
قوله: "مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ؟"، أي: ما أوجَبَه علَيهم.
قوله: "وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟"، أي: ما أوجب الله ـ عز وجل ـ على نفسه في مُعاملَة العِباد.
قوله: "قُلت: اللهُ ورَسُولُه أَعلَمُ": أي: أعلَمُ مِن غيرهما، وأعلمُ منِّي أيضًا.
قوله: "يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا"وهذا هو التَّوحيد الذي جاءت به الرسل.
قوله: "أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ"، أي: أَأَسكُت فلاَ أُبشِّر النَّاس؟ والبِشارَة: هي الإِخبار بما يَسر، وقد تستعمل في الإخبار بما يَضُرُّ، ومنه قوله تعالى: "فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [الانشقاق: 24]، لكنَّ الأكثر الأوَّل.
قوله: "لا تُبَشِّرْهُم"، أي: لا تُخبِرهم.
ودلالة الحديث على التوحيد: فضِيلة التَّوحيد، وأنَّه مانِعٌ مِن عَذابِ الله.
كتبه أبو عبد الله حسن بن داود بوقليل ـ عفا الله عنه وعن والديه ـ.
|