عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 13 Mar 2020, 12:35 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





الحكم على حديث:

(الدّعاء ينفع ممّا نزل ...)

السؤال:

أبو محمد أرسل بمجموعة من الأسئلة يبدأ هذه الرسالة ويستفسر عن معنى حديثين يقول: ما صحتهما حديث: «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء»، ما صحة هذا الحديث؟

الجواب:

لا أذكر حال سنده، لكن معناه صحيح، فـالدّعاء ينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل من الأقدار المعلّقة بالدّعاء. لا يرد القدر إلاّ الدعاء، فالدّعاء فيه خير عظيم، والله يقول جل وعلا: (أُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر:60] ، ويقول سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة:186] ، ويقول عزّوجل: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۝ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف:55-56].

فالدّعاء مطلوب، وينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل، فينبغي للمؤمن أن يكثر من الدّعاء وأن يلحّ في الدّعاء ويسأل ربّه من فضله، الله يقول: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)[النساء:32]
فيسأله صلاح العمل.. صلاح القلب.. يسأله بسط الرزق.. تفريج الكربة .. تيسير الأمور، يسأله نصر الإسلام والمسلمين .. عزّ الإسلام والمسلمين، يسأل الله لولاة الأمور التّوفيق وصلاح النية والعمل، يسأل الله لوالديه المغفرة إذا كانا مسلمين، يسأل لهما المغفرة والرحمة، وإذا كانا حيين يسأل لهما التوفيق، وحسن الختام وهكذا، يسأل الشيء الطيب في دينه ودنياه. نعم.

المقدم: أحسن الله إليكم.

المصدر




الله تعالى يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات

فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، في شرح العقيدة الطحاوية، يُقرأ عليه، ثمّ يشرح رحمه الله:


اقتباس:


قَوْلُهُ: (وَاللَّهُ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ الدَّعَوَاتِ، وَيَقْضِي الْحَاجَاتِ).

قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60]، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186]، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْخَلْقِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ إِذَا مَسَّهُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ دَعَاهُ لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا.

وَإِجَابَةُ اللَّهِ لِدُعَاءِ الْعَبْدِ -مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا- وَإِعْطَاؤُهُ سُؤْلَهُ، مِنْ جِنْسِ رِزْقِهِ لَهُمْ، وَنَصْرِهِ لَهُمْ، وَهُوَ مِمَّا تُوجِبُهُ الرُّبُوبِيَّةُ لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِتْنَةً فِي حَقِّهِ وَمَضَرَّةً عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ كُفْرُهُ وَفُسُوقُهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ.

وَفِي "سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ.


الشيخ: أيش قال عليه؟

الطالب: صحيح، وهو مخرج في "المشكاة". رواه ابن ماجه، ورواه أيضًا الإمام أحمد في "المسند"، وكذلك رواه الترمذي. وكذلك رواه البزار، كما ذكر ابن كثير في "التفسير". واللفظ الذي هنا هو لفظ الترمذي والبزار.

الشيخ: وشعيب؟

الطالب: يقول: أخرجه ابن ماجه في أول الدعاء بلفظ: (مَن لم يدعو الله يغضب عليه)، وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" بلفظ: (مَن لم يسأل الله غضب عليه)، وأخرجه أحمد بلفظ: (مَن لا يسأله غضب عليه)، وهو في "المستدرك" بلفظ: (مَن لا يدعو الله غضب عليه). كلّها من رواية أبي صالح الخوزي، عن أبي هريرة، وأبو صالح الخوزي ضعَّفه ابن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به. وباقي رجاله ثقات، ومع ذلك فقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقد ظنَّ الحافظُ ابن كثير أنَّ أبا صالح هذا هو السمان، فجزم بأنَّ أحمد تفرد بتخريجه، قال الحافظ في "الفتح": وليس كما قال، قد جزم شيخه المزي في "الأطراف" بأنه الخوزي، ووقع في رواية الحاكم والبزار عن أبي صالح الخوزي: سمعتُ أبا هريرة. وفي الباب ما يُؤيده عند الترمذي من حديث ابن مسعودٍ رفعه: (سَلُوا الله من فضله، فإنّه يُحب أن يُسأل)، وله من حديث ابن عمر رفعه: (إنَّ الدُّعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، وفي سنده لين، وأخرج الطبراني في "الدعاء" بسندٍ رجاله ثقات -إلا أنَّ فيه عنعنة بقية- عن عائشة مرفوعًا: (إنَّ الله يُحب المحسنين في الدُّعاء).

الشيخ: وشواهد هذا الحديث كثيرة: حديث عن النعمان بن بشير في السنن الأربعة بإسنادٍ جيدٍ: (الدعاء هو العبادة)، وفي لفظٍ آخر: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء).

والدّعاء أجمع عليه المكلَّفون من المسلمين، ومن غير المسلمين، ولهذا أجمع أهلُ السُنَّة والجماعة على أنَّ الدعاء من أفضل العبادات، ومن أفضل الأسباب وأعمّها وأجمعها، والدّعاء بإجماع أهل العلم ينفع الحيَّ والميت، وهو سلاح المؤمن، وقد أخذ الشاعرُ من حديث: (مَن لا يسأل الله يغضب عليه) فقال:
الله يغضب إن تركتَ سؤاله وبُنَيّ آدم حين يُسأل يغضب

فالمقصود أنّه جلَّ وعلا لكرم جوده وسعة عطائه وعظيم إحسانه يُحب أن يُسأل، ويُحب أن يُدعا، ويُحب الإلحاح في الدعاء، جلَّ وعلا.
ولهذا جاء في الحديث الصحيح: يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: دعوتُ دعوتُ فلم أره يُستجاب لي، فحينئذٍ يستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.

فينبغي للمؤمن أن يُكثر من الدعاء دائمًا، ولا سيما في المهمات، مثل: سؤال الله الجنّة، والتَّعوذ به من النار، وسؤال الله العفو، وسؤال الله صلاح قلبه وصلاح عمله، وسؤال الله حسن الختام، فالدّعاء له شأن عظيم، ولهذا يقول سبحانه: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60]، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186].

ولا ريب أنَّ المعاصي من أعظم أسباب منع الإجابة: كالربا وغير هذا من المحرَّمات وسائر المعاصي، كلّها من أسباب حرمان الإجابة، فليحذر العبد تعاطي أسباب الحرمان، ويجتهد في الاستقامة على أمر الله، والبُعد عن معاصيه، وليلحّ في الدعاء، وليتحرَّ أوقات الإجابة: في آخر الليل، والسجود، وآخر الصلاة، وبين الأذان والإقامة، ويوم الجمعة، فهذه أوقات لها شأنها، فينبغي له أن يدعو الله بصدقٍ وإخلاصٍ وإقبالٍ عليه جلَّ وعلا، وإذا كان عن طهارةٍ واستقبال القبلة كان ذلك أكثر إجابةً، وأقرب إلى الإجابة.

س: الدّعاء هو العبادة أليس في البخاري؟

ج: لا، في السنن.

س: قوله: إجابة الدّعاء قد يكون ضررًا عليه؟

ج: قد يسأل الله شيئًا يضرّه، قد يسأل الله المالَ الكثير، أو يسأل الله الزوجة الفلانية، وقد يسأل الله بعض الأولاد، فيُضرُّ بهذا، لما سبق في علم الله من هؤلاء، ولكن يتحرّى الخير، ويسأل ربَّه أن يكون ما أعطاه خيرًا له، لا يتساهل، كم من زوجةٍ أهلكت صاحبَها، كم من ولدٍ أهلك صاحبه، كم من مالٍ هلك به صاحبه، نسأل الله السَّلامة.


اقتباس:


وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ:

الرَّبُّ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قَدْ نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الدُّعَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: الْوُجُودُ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لَا يُدْعَا.


الشيخ: يعني: كونه يُدعا دليل على وجوده وسماعه وغناه، فلولا أنّه يسمع، وأنّه موجود، وأنّه غني، وأنّه قادر، لما شرع الدعاء، فإن الفقير كيف يُعطي؟ ومَن لا يسمع كيف يُعطي؟ ومَن ليس بموجودٍ كيف يُعطي؟ وكيف يُسأل؟ ومَن ليس غنيًّا كذلك، ومَن ليس عليمًا بأحوال عباده كذلك، فهذا يُفيد العلم والحياة والوجود والغنى والرحمة والإحسان عزّوجل.


اقتباس:


الثَّانِي: الْغِنَى، فَإِنَّ الْفَقِيرَ لَا يُدْعَا.

الثالث: السمع، فإنَّ الأصمَّ لا يُدْعا.

الرَّابِعُ: الْكَرَمُ، فَإِنَّ الْبَخِيلَ لَا يُدْعَا.

الْخَامِسُ: الرَّحْمَةُ، فَإِنَّ الْقَاسِيَ لَا يُدْعَا.

السَّادِسُ: الْقُدْرَةُ، فَإِنَّ الْعَاجِزَ لَا يُدْعَا.


الشيخ: كذلك العلم، مَن لا يعرف أحوال عباده كيف يُدعا؟ مَن لا يعرف أحوالهم حتّى يعرف صدقهم في دعائهم فإنّه لا يُدعا، فلولا أنّه يعرف أحوالهم لما شرع الدّعاء، فإنه يعلم الدَّاعي هل هو صادق أو كاذب؟

الطالب: أبو صالح الخوزي لين الحديث، من الثالثة، البخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي، وابن ماجه.


اقتباس:


وَمَنْ يَقُولُ بِالطَّبَائِعِ يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ لَا يُقَالُ لَهَا: كُفِّي! وَلَا النَّجْمُ يُقَالُ لَهُ: أَصْلِح مِزَاجِي! لِأَنَّ هَذِهِ عِنْدَهُمْ مُؤَثِّرَةٌ طَبْعًا لَا اخْتِيَارًا، فَشَرَعَ الدُّعَاءَ وَصَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ لِيُبَيِّنَ كَذِبَ أَهْلِ الطَّبَائِعِ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَالِيةِ الْمُتَصَوِّفَةِ إِلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ! قَالُوا: لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ الْإِلَهِيَّةَ إِنِ اقْتَضَتْ وُجُودَ الْمَطْلُوبِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الدُّعَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ! وَقَدْ يَخُصُّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ خَوَاصَّ الْعَارِفِينَ! وَيَجْعَلُ الدُّعَاءَ عِلَّةً فِي مَقَامِ الْخَوَاصِّ! وَهَذَا مِنْ غَلَطَاتِ بَعْضِ الشُّيُوخِ.


الشيخ: وهذا من أقبح الجهل.


اقتباس:


فَكَمَا أَنَّهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الدُّعاء أمر أُنشئت عَلَيْهِ تَجَارِبُ الْأُمَمِ، حَتَّى إِنَّ الْفَلَاسِفَةَ تَقُولُ: ضَجِيجُ الْأَصْوَاتِ فِي هَيَاكِلِ الْعِبَادَاتِ بِفُنُونِ اللُّغَاتِ تُحلل مَا عَقَدَتْهُ الْأَفْلَاكُ الْمُؤَثِّرَاتُ! هَذَا وَهُمْ مُشْرِكُونَ.

وَجَوَابُ الشُّبْهَةِ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ: فَإِنَّ قَوْلَهُمْ عَنِ الْمَشِيئَةِ الْإِلَهِيَّةِ: إِمَّا أَنْ إِمَّا أَنْ تَقْتَضِيَهُ أَوْ لَا. فثَمَّ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ: أَنْ تَقْتَضِيَهُ بِشَرْطٍ لَا تَقْتَضِيهِ مَعَ عَدَمِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الدُّعَاءُ مِنْ شَرْطِهِ، كَمَا تُوجِبُ الثَّوَابَ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَا تُوجِبُهُ مَعَ عَدَمِهِ، وَكَمَا تُوجِبُ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلَا تُوجِبُهُ مَعَ عَدَمِهِمَا.


الشيخ: المسبّبات كلّها بابها واحد، المسببات مربوطة بأسبابها، وهذا لازم القدرية، ولازم الآخرين ممّن ليس عندهم بصيرة، فإنّه قدَّر الأشياء سبحانه، وقدَّر أسبابها ومُسبّباتها، فـالشِّبع له أسباب، والجوع له أسباب، والغنى له أسباب، والفقر له أسباب، والمرض له أسباب، والصحة لها أسباب، والجنة لها أسباب، والنار لها أسباب، فمعنى هذا تعطّل كل شيءٍ.


اقتباس:


وَحُصُولَ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ، وَالزَّرْعَ بِالْبَذْرِ. فَإِذَا قُدِّرَ وُقُوعُ الْمَدْعُوِّ بِهِ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: لَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ، كَمَا لَا يُقَالُ: لَا فَائِدَةَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْبَذْرِ وَسَائِرِ الْأَسْبَابِ.

فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ كَمَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالْفِطْرَةِ.

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ مَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ: أَنَّ الِالْتِفَاتَ إِلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ، وَمَحْو الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ، وَالْإِعْرَاض عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ. وَمَعْنَى التَّوَكُّلِ وَالرَّجَاءِ يَتَأَلَّفُ مِنْ وُجُوبِ التَّوْحِيدِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ.



الشيخ: الله أعلم، هو موجب التوحيد، وموجب العقل، وموجب الشرع، الشرع يُوجب الأسباب، والعقل يقتضي الأسباب، والتوحيد كذلك، فـالتّوكّل هو اعتماد على الله عزّوجل وثقة به، مع تعاطي الأسباب، هذا موجب التوحيد، هو توحيد الله، والاعتماد عليه، والثقة بالأسباب التي شرعها: من طاعة الأوامر، وترك النَّواهي، فالعقل يقتضي ذلك، عقل العاقل المتبصّر يعقل أنَّ الله جلَّ وعلا هو ربّه وموجده، وأنّه شرع له أسبابًا لا بدَّ من تعاطيها لأكله وشربه ونكاحه وأولاده وغير ذلك، والشّرع يُوجب هذا أيضًا، أوجب تعاطي الأسباب، والبُعد عن ضدِّها، فأوجب النكاح، وأوجب الكسب، وأوجب طاعة الأوامر، وترك النَّواهي.


اقتباس:


وَمَعْنَى التَّوَكُّلِ وَالرَّجَاءِ يَتَأَلَّفُ مِنْ وُجُوبِ التَّوْحِيدِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ.


الشيخ: لعلّه نقلها من كلام ابن القيم أو غيره، فعباراته وشرحه في الغالب نقول من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير.

س: أليس المراد أنَّ التوحيد يتكون من هذه، مجموع هذه الأشياء؟

ج: ....... وجوب التوحيد، مُؤولة، بمعنى: أنه يُوجبه التوحيد، ويُوجبه العقل، ويُوجبه الشرع، فيُوجبه التوحيد والعقل والشرع، فيتكون التَّوكل من هذه الأمور: من إخلاص العبادة لله وحده، والاعتماد عليه، والثقة به، مع الأخذ بالأسباب، والتَّعاطي للأسباب،

فـالالتفات للأسباب والاعتماد عليها هذا نوعٌ من الشرك، فكونه يعتمد على الأسباب في بيعه وشرائه وزراعته، وينسى الله نوعٌ من الشرك، ونوع من الغفلة، ونوع من المعصية، وكونه يمحو أن تكون أسبابًا ويقول: ليست لي أسباب. هذا نقص في العقل، فالناس يعرفون أنّها أسباب، ويعقلون أنَّ الأكل سبب للشّبع، ويعقلون أنَّ البذر والسَّقي سبب للنبات، ويعقلون أن النكاح والجماع سبب للحمل، هذا شيء معقول، فمَن محا هذا فهو فاقد العقل.

الأمر الثالث: الإعراض عن الأسباب، وعدم الالتفات إلى الأسباب، فهو يجهر أنّها أسباب، لكن يُعرض عنها، ولا يُبالي بها، فهذا قدح في الشرع، لأنَّ الشرع أمر بالأسباب، إذا قال: لست ببائعٍ، ولا مُشترٍ، وسأجلس في المسجد أنتظر الرزق. فهذا أولًا نقص في العقل بلا شكٍّ كما تقدّم، ثانيًا: معارض للشرع، فإنَّ الشّرع أمره أن يأخذ بالأسباب، ويتعاطى الأسباب الدِّينية والدنيوية جميعًا، فمَن أعرض عنها فقد خالف الشرع، ومَن قال: إنّها ليست بأسباب، فقد خالف الشرع والعقل جميعًا، ومَن اعتمد عليها كذلك خالف الشرع، فإنَّ الاعتماد ليس عليها، بل على الله، يتوكل على الله ويأخذ بالأسباب، فالله إن شاء نفع بها، وإن شاء أبطلها عزّوجل.


اقتباس:


وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الِالْتِفَاتَ إِلَى السَّبَبِ هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ، وَرَجَاؤُهُ وَالِاسْتِنَادُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شُرَكَاءَ وَأَضْدَادٍ مَعَ هَذَا كُلِّهِ، فَـإِنْ لَمْ يُسَخِّرْهُ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ لَمْ يُسَخَّرْ.



س: قوله: مُسبِّب الأسباب؟

ج: نعم، هو الذي بحكمته وقُدرته جعلها أسبابًا، وهو مُسبّبها ومُوجدها.


اقتباس:


وَقَوْلُهُمْ: إِنِ اقْتَضَتِ الْمَشِيئَةُ الْمَطْلُوبَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الدُّعَاءِ!

قُلْنَا: بَلْ قَدْ تَكُونُ إِلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ أُخْرَى عَاجِلَةٍ وَآجِلَةٍ، وَدَفْعِ مَضَرَّةٍ أُخْرَى عَاجِلَةٍ وَآجِلَةٍ.



الشيخ: والتَّعبد بالسّبب وتعاطيه كما أمر الله، واعتقاد أنَّ الله شرعه وأمر به هذا أيضًا فائدة.


اقتباس:


وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ!

قُلْنَا: بَلْ فِيهِ فَوَائِدُ عَظِيمَةٌ: مِنْ جَلْبِ مَنَافِعَ، وَدَفْعِ مَضَارَّ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، بَلْ مَا يُعَجِّلُ لِلْعَبْدِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِرَبِّهِ، وَإِقْرَارِهِ بِهِ، وَبِأَنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ قَدِيرٌ عَلِيمٌ رَحِيمٌ، وَإِقْرَارِهِ بِفَقْرِهِ إِلَيْهِ، وَاضْطِرَارِهِ إِلَيْهِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ الْعَلِيَّةِ، وَالْأَحْوَالِ الزَّكِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَطَالِبِ.


الشيخ: ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (ما من عبدٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحمٍ إلاّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمّا أن تُعَجَّل له دعوته في الدنيا، وإمّا أن تُدَّخَر له في الآخرة، وإمّا أن يُصْرَف عنه من الشرِّ مثل ذلك، قيل: يا رسول الله، إذًا نُكثر، قال: الله أكثر.







الصور المرفقة
نوع الملف: png الله الله ربي لاأشرك به شيئا.png‏ (234.7 كيلوبايت, المشاهدات 1629)
نوع الملف: png وأيوب إذ نادى ربه أني.png‏ (361.7 كيلوبايت, المشاهدات 1459)
نوع الملف: png الاستعانة بالله.png‏ (481.0 كيلوبايت, المشاهدات 1610)
رد مع اقتباس