عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26 Jun 2014, 02:53 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي قصة الشَّيخ ربيع بن هادي مع أهل زمانه

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم


(قصة الشَّيخ ربيع بن هادي مع أهل زمانه)

افترى بنو إسرائيل على كليم الله موسى فرموه بما ليس فيه فبرَّأه الله من ذلك وقال: «لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله ممَّا قالوا»، وقال المنافقون في أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ما قالوا، فغضب الله لها وأنزل في براءتها قرآنًا يُتلى، وعاتب أهل الإسلام على تركهم البراءة إليها في ذلك.
فهو أدبٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يقوموا بدفع ما يُبتغى للبرآء من الفِرى.


ستقف على أنِّي لم أعن بقصَّة الشَّيخ قصةً يجهلها النَّاس، بل قصةٌ هي ممَّا بدا للعيان وطار على كل لسان، ثمَّ هي بعدُ من عجائب الأيَّام، تجمع من مظاهر النَّقص والسُّفول في هذا الوقت صنوفًا وألوانًا.


أردت أن أكتب في ذلك فازدحمت الفكرة في الذِّهن، واستبَقَت العبارة إلى اللِّسان.


الحيزوم ممتلئ أسىً، والجوى يتبرَّح أسفًا، لحال رجل بذل الإحسان وُسعه فكيل له ضعفاه إساءةً.


عاش إمامًا في زمن الأئمَّة، شهدوا له بالفضل وعلوِّ الكعب في علم الشَّريعة والدَّعوة والأمر بالمعروف ومحاربة البدع والمنكرات والمحدثات.


ثمَّ من عرفه ـ إن أنصف ـ رأى ما لا يكاد يوجد إلَّا في زمن الأوَّلين :عبادةً وزهدًا وسماحةً وكرمًا وجود نفس.


اللَّهم لا غلوًّا ولا إسرافًا ولكنَّها النَّصَفة.



قال الله تعالى : «إلَّا من شهد بالحق وهم يعلمون»، وقال سبحانه :«ولا تكتموا الشَّهادة».


فأنا والله أعتقد أنَّ الرَّجل لسانُ أهل السُّنة والحديث في وقته، ما علمنا أحدًا من نظرائه بلغ مبلغه في العناية بمنهج أئمَّة أهل السُّنَّة في أبواب الدِّين معرفة وامتثالًا،
وفوق ذلك أحسبه من صلحاء عباد الله في أرضه.


فأنت تعاين الرَّجل من النَّاس فينطبع في ذهنك عنه وصف أو صورة هي في الغالب أبرز ما يتحلَّى به، فيكون بعد ذلك مقرونًا في ذهنك بتلك الصُّورة أو الصِّفة، حتَّى إذا ذكر عندك قفز ذلك المعنى إلى ذهنك لا يستأذن.


عن نفسي أحدِّث، فلست مسؤولًا إلَّا عنها:


رأيتُ الشَّيخ عبد الله بن غديَّان، فلا يخطر على بالي إلا مَثَل زهده بين عينيَّ.
وقابلت الفوزان فصورته في ذهني: الحزمُ والصَّلابة في الدِّين.


عرفت الشَّيخ يوسف الدَّخيل، فتواضعه وبشاشته عند اللِّقاء هي المقارنة لاسمه في خلدي.


جلست للشَّيخ عبد المحسن العبَّاد، فلا يزال ذكره في نفسي مقترنًا بالورع والصِّيانة.



حضرت دروس الشَّيخ صالح اللحيدان فليط بقلبي غوره في الفتيا، وحسن جوابه فيما يرد عليه من المسائل.


اجتمعت بالشَّيخ عبد الرَّزَّاق العباد فحليف صورته في خاطري الوقارُ.


دنوت من الشَّيخ مفلح الرَّشيدي فصورته عندي دماثة خلقه وقربه من جليسه.

رأيت هؤلاء فرجعت بهذا، ورأيت غيرهم فرجعت من الصُّورة بغير ذلك.


وقد اختلفت كثيرًا إلى الشَّيخ ربيع بن هادي ما بين سنة (1425-1428) فايمُ الله ما يقع اسمه في سمعي أو يجري ذكره على لساني أو خاطري إلا ورأيت خشيته لله وتعظيمه إيَّاه.

قد والله كنت أجلس إلى من أجلس إليه وغرضي الاستفادة والاستزادة، لكنِّي كنت أحرصَ شيء على مجالس الشَّيخ ربيع وربَّما تكلَّفت ذلك أحيانًا مع المرض والتَّعب، ومقصدي ـ علمَ الله ـ أن أصحِّح إسلامي.


أسمعه في مجالسه يحبِّب الله إلى عباده، يحثُّهم على خشيته وتعظيمه، ويأمر بطاعته، ويحذِّر من عذابه وبطشه.
يأمر بالتَّقوى ويحثُّ على الفضيلة ويهيب بالأخلاق: الصِّدقِ والإخلاصِ واحترامِ العلماء وبذلِ النَّصيحة والغيرةِ على محارم الله.


وفوق ذلك تراه باذلًا لكلِّ شيء (المال والوقت والجهد والعِرض وراحة أهله في دارهم) في الدَّعوة إلى الله تعالى ونصرة دينه في أقطار الأرض.


وبالعبارة الجامعة: إن هو إلا نقيب مكرُمات وأخو فضائل.
هذا الَّذي رأيته منه وعلمته عنه.
فإن قال غيري غير هذا فما شهدنا إلا بما علمنا ،،، وما أنا عليهم بمسيطر.


حمَل عن الأكابر .
تعلَّم وعلَّم.
درَّس ورأس.
ألَّف وحقَّق.
ناقش وأشرف.
فلمَّا ولَّوا وخلَّفوه على ما عرفوه عليه غير مغيِّر ولا مبدِّل فدنا إِناه وطاب جناه وكان حقُّه أن يُقبل عليه النَّاس نهلًا من علمه بدرس الكتب وثني الرُّكب
بدلَ ذلك قام شرذمة من أبناء زماننا فتسلَّطوا عليه بقالة السُّوء: إن سبًّا فما أوجعه، وإن هجاءً فما أقذعه.
قالاتٌ لو قيلت في الفسقة من النَّاس والمردة منهم لكانت إفحاشًا.
أفتقال في سراة النَّاس وساداتهم؟


ليس هذا وحسب، ولكن قوم عرفوا من الشَّيخ مثل ما ذكرت وعلموا منه ما علمت ثمَّ عميت عليهم الأنباء فما بين ساكت ومتحيِّر، والفاضل منهم يُسأل عنه فيقول: ما علمت إلا خيرًا.
عُقرتَ غُفَلُ ،، إنَّما تقول مثل هذا في بقَّال الحيِّ وخاطب ابنة جارك.
أمَّا حملة الدِّين وأنصار السُّنن والمرابطون على ثغور الإسلام فإن لم تكن في الطَّليعة فلا أقلَّ من النُّصرة.



هذه نفثة مصدور أرجو ثواب بثِّها يوم البعث والنُّشور.
وإلَّا:
فالشَّيخ عنها غنيّ.
والطَّاعن فيه مستمر في الغيّ.


وحسبُ الواحد منَّا كلمةٌ يرجو أن تُزاد في حسناته، فإنَّ قاعدة النَّجاة المأثورة عن نبيِّ الهدى صلَّى الله عليه وسلم: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا».
أنا أعلم أنَّ السُّكوت حكمة، وأن بعض التَّغافل فقهٌ وفطنة، ولا سيَّما إذا أظلمت المسالك وادلهمَّت الفتنة، والكبار من أهل الكلمة والقلم كثير، وفيهم الغَناء والكفاية، ومع ذلك فإنِّي أكتب ما تقرأ براءة إلى الله تعالى ممَّا أراني إيَّاه ممَّا وقع على الشَّيخ من بغي وظلم.


طال عليَّ الوقتُ منذ اشرأبت هذه القضيَّة ـ أعني الطَّعن في منهج الشَّيخ وعلمه ـ ولا أقف على شيء مكتوب ولا مسموع في ذلك إلَّا وتجرَّدتُ للنَّظر فيه لعلِّي أجد فيه هدى أو أقتبس منه ما يوقفني على ما لم أنتبه له من غلط الشَّيخ، فوالله ما رأيتُ إلى السَّاعة أحدًا قارب أو كاد، بل كلُّه كلامٌ في غير مورد، فلا أكاد أفرغ من شيء من ذلك إلَّا وتمثُل لي كلمة الإمام الألباني رحمه الله إذ قال عن ردود الشَّيخ: «والعلم معه».
نعم، العلم والسُّنة معه، والجهل والبدعة مع من خالفه، لا لأنَّه علَم على الحقِّ يوالى ويعادى فيه، ولكن لأنَّه إمام هدى، والطَّاعن فيه إنَّما منهجَ أهل الحقِّ أراد، وطريقةَ السَّلف قصد.


لست أتكلَّم عمَّن اجتهد من أهل السُّنَّة في إدراك الحقِّ فأداه اجتهاده إلى غير ما عليه الشَّيخ فهو إن شاء الله مأجور.
لكن من ضاقت نفسُه عن مقالة أهل الحديث فلم يجد متنفَّسًا إلَّا بالوقيعة في حمَلته ووُعاته ـ أبي محمَّد وإخوانه ـ، كالشَّأن فيمن قصد إلى إبطال السُّنن والآثار فطعن في حملتها، والله الموعد فيقضي بين الجميع.

رد مع اقتباس