الموضوع
:
حكم أخذ جزء من جسد إنسان وتركيبه في آخر مضطر إليه برضا من أخذ منه
عرض مشاركة واحدة
#
1
10 Mar 2008, 07:16 PM
أبو معاذ حمزة الباتني
زائر
المشاركات: n/a
حكم أخذ جزء من جسد إنسان وتركيبه في آخر مضطر إليه برضا من أخذ منه
بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في حكم أخذ جزء من جسد إنسان وتركيبه في آخر مضطر إليه برضا من أخذ منه
سؤال
: هل يجوز
أخذ جزء من جسد الإنسان وتركيبه في إنسان آخر مضطر إليه برضا من أخذ منه
؟ .
جواب
:
جميع المسائل التي تحدث في كل وقت ، سواء حدثت
أجناسها أو أفرادها - يجب أن تتصور قبل كل شيء ، فإذا عرفت حقيقتها ، وشخصت صفاتها ، وتصورها الإنسان تصورا تاما بذاتها ومقدماتها ونتائجها - طبقت على نصوص الشرع وأصوله الكلية ، فإن الشرع يحل جميع المشكلات : مشكلات الجماعات والأفراد ، ويحل المسائل الكلية والجزئية ، يحلها حلا مرضيا للعقول الصحيحة ، والفطر المستقيمة ، ويشترط أن ينظر فيه البصير من جميع نواحيه وجوانبه الواقعية والشرعية ، فنحن في هذه المسألة قبل كل شيء نقف على الحياد ، حتى يتضح لنا اتضاحا تاما للجزم بأحد القولين .
فنقول :
من الناس من يقول : هذه الأشياء لا تجوز ؛ لأن الأصل أن الإنسان ليس له التصرف في بدنه بإتلاف أو قطع شيء منه أو التمثيل به ؛ لأنه أمانة عنده لله ؛ ولهذا قال تعالى : سورة البقرة الآية 195
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
والمسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه .
أما المال : فإنه يباح بإباحة صاحبه ، وبالأسباب التي جعلها الشارع وسيلة لإباحة التملكات .
وأما الدم : فلا يباح بوجه من الوجوه ، ولو أباحه صاحبه لغيره ، سواء كان نفسا أو عضوا أو دما أو غيره ، إلا على وجه القصاص بشروطه ، أو في الحالة التي أباحها الشارع ، وهي أمور معروفة ليس منها هذا المسئول عنه .
ثم إن ما زعموه من المصالح للغير ، معارض بالمضرة اللاحقة لمن قطع منه ذلك الجزء ، فكـم من إنسان تلف أو مرض بهذا العمل .
(
الجزء رقم : 2
،
الصفحة رقم: 71
)
ويؤيد هذا قول الفقهاء : من ماتت وهي حامل بحمل حي لم يحل شق بطنها لإخراجه ، ولو غلب الظن ، أو لو تيقنا خروجه حيا ، إلا إذا خرج بعضه حيا فيشق للباقي ، فإذا كان هذا في الميتة فكيف حال الحي ؛ فالمؤمن بدنه محترم حيا وميتا .
ويؤخذ من هذا أيضا أن الدم نجس خبيث ، وكل نجس خبيث لا يحل التداوي به ، مع ما يخشى عند أخذ دم الإنسان من هلاك أو مرض ، فهذا من حجج هذا القول .
ومن الناس من يقول : لا بأس بذلك ؛ لأننا إذا طبقنا هذه المسألة على الأصل العظيم للمحيط الشرعي - صارت من أوائل ما يدخل فيه ، وأن ذلك مباح ، بل ربما يكون مستحبا ، وذلك أن الأصل : إذا تعارضت المصالح والمفاسد ، والمنافع والمضار ، فإن رجحت المفاسد أو تكافأت منع منه ، وصار درء المفاسد في هذه الحال أولى من جلب المصالح ، وإن رجحت المصالح والمنافع على المفاسد والمضار اتبعت المصالح الراجحة . وهذه المذكورات مصالحها عظيمة معروفة ، ومضارها إذا قدرت فهي جزئية يسيرة منغمرة في المصالح المتنوعة .
ويؤيد هذا : أن حجة القول الأول ، وهي : أن الأصل أن بدن الإنسان محترم لا يباح بالإباحة ، متى اعتبرنا فيه هذا الأصل ، فإنه يباح كثير من ذلك للمصلحة الكثيرة المنغمرة في المفسدة بفقد ذلك العضو أو التمثيل به ، فإنه يباح لمن وقعت فيه الآكلة التي يخشى أن ترعى بقية بدنه ، يجوز قطع العضو المتآكل لسلامة الباقي ، وكذلك يجوز قطع الضلع التي لا خطر في قطعها ، ويجوز التمثيل في البدن بشق البطن أو غيره ؛ للتمكن من علاج
(
الجزء رقم : 2
،
الصفحة رقم: 72
)
المرض ، ويجوز قلع الضرس ونحوه عند التألم الكثير ، وأمور كثيرة من هذا النوع أبيحت لما يترتب عليها من حصول مصلحة أو دفع مضرة . وأيضا فإن كثيرا من هذه الأمور المسئول عنها ، يترتب عليها المصالح من دون ضرر يحدث ، فما كان كذلك فإن الشارع لا يحرمه ، وقد نبه الله تعالى على هذا الأصل في عدة مواضع من كتابه ، ومنه قوله عن الخمر والميسر : سورة البقرة الآية 219
قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا
فمفهوم الآية : أن ما كانت منافعه ومصالحه أكثر من مفاسده وإثمه ، فإن الله لا يحرمه ولا يمنعه ، وأيضا فإن مهرة الأطباء المعتبرين متى قرروا تقريرا متفقا عليه أنه لا ضرر على المأخوذ من جسده ذلك الجزء ، وعرفنا ما يحصل من ذلك من مصلحة الغير ، كانت مصلحة محضة خالية من المفسدة ، وإن كان كثير من أهل العلم يجوزون ، بل يستحسنون إيثار الإنسان غيره على نفسه بطعام أو شراب هو أحق به منه ، ولو تضمن ذلك تلفه أو مرضه ونحو ذلك ، فكيف بالإيثار بجزء من بدنه لنفع أخيه النفع العظيم من غير خطر تلف ، بل ولا مرض ، وربما كان في ذلك نفع له ، إذا كان المؤثر قريبا أو صديقا خاصا ، أو صاحب حق كبير ، أو أخذ عليه نفعا دنيويا ينفعه ، أو ينفع من بعده .
ويؤيـد هذا أن كثيرا من الفتاوى تتغير بتغير الأزمان والأحوال والتطورات ، وخصوصا الأمور التي ترجع إلى المنافع والمضار .
(
الجزء رقم : 2
،
الصفحة رقم: 73
)
ومن المعلوم أن ترقي الطب الحديث له أثره الأكبر في هذه الأمور ، كما هو معلوم مشاهد ، والشارع أخبر بأنه ما من داء إلا وله شفاء ، وأمر بالتداوي خصوصا وعموما ، فإذا تعين الدواء وحصول المنفعة بأخذ جزء من هذا ، ووضعه في الآخر ، من غير ضرر يلحق المأخوذ منه - فهو داخل فيما أباحه الشارع ، وإن كان قبل ذلك ، وقبل ارتقاء الطب فيه ضرر أو خطر ، فيراعى كل وقت بحسبه ؛ ولهذا نجيب عن كلام أهل العلم القائلين : بأن الأصل في أجزاء الآدمي تحريم أخذها ، وتحريم التمثيل بها ، فيقال : هذا يوم كان ذلك خطرا أو ضررا ، أو ربما أدى إلى الهلاك ، وذلك أيضا في الحالة التي ينتهك فيها بدن الآدمي وتنتهك حرمته ، فأما في هذا الوقت ، فالأمران مفقودان : الضرر مفقود ، وانتهاك الحرمة مفقود ، فإن الإنسان قد رضي كل الرضا بذلك ، واختاره مطمئنا مختارا ، لا ضرر عليه ، ولا يسقط شيء من حرمته ، والشارع إنما أمر باحترام الآدمي تشريفا له وتكريما ، والحالة الحاضرة غير الحالة الغابرة .
ونحن إنما أجزنا ذلك إذا كان المتولي طبيبا ماهرا ، وقد وجدت تجارب عديدة للنفع وعدم الضرر ، فبهذا يزول المحذور .
ومما يؤيد ذلك ما قاله غير واحد من أهل العلم ، منهم : شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم : أنه إذا أشكل عليك شيء ، هل هو حلال أم حرام ، أو مأمور به أو منهي عنه ؛ فانظر إلى أسبابه الموجبة وآثاره ونتائجه الحاصلة ، فإذا كانت منافع ومصالح وخيرات وثمراتها طيبة ، كان من قسم المباح أو المأمور به ، وإذا كان بالعكس ، كانت بعكس ذلك .
طبق هذه المسألة على هذا الأصل ، وانظر أسبابها وثمراتها ، تجدها
(
الجزء رقم : 2
،
الصفحة رقم: 74
)
أسبابا لا محذور فيها ، وثمراتها خير الثمرات .
وإذ قال الأولون : أما ثمراتها - ( غير متيقنة ) فنحن نوافق عليها ، ولا يمكننا إلا الاعتراف بها ، ولكن الأسباب محرمة كما ذكرنا في أن الأصل في أجزاء الآدمي : التحريم ، وأن استعمال الدم استعمال للدواء الخبيث ، فقد أجبنا عن ذلك بأن العلة في تحريـم الأجزاء إقامة حرمة الآدمي ، ودفع الانتهاك الفظيع ، وهذا مفقود هنا .
وأما الدم فليس عنه جواب إلا أن نقول : إن مفسدته تنغمر في مصالحه الكثيرة ، وأيضا ربما ندعي أن هذا الدم الذي ينقل من بدن إلى آخر ليس من جنس الدم الخارج الخبيث المطلوب اجتنابه والبعد عنه ، وإنما هذا الدم هو روح الإنسان وقوته وغذاؤه ، فهو بمنزلة الأجزاء أو دونها ، ولم يخرجه الإنسان رغبة عنه ، وإنما هو إيثار لغيره ، وبذل من قوته لقوة مخيره ، وبهذا يخف خبثه في ذاته ، وتلطفه في آثاره الحميدة ؛ ولهذا حرم الله الدم المسفوح ، وجعله خبيثا ، فيدل ( هذا ) على أن الدماء في اللحم والعروق ، وفي معدنها قبل بروزها ليست محكوما عليها بالتحريم والخبث .
فقال الأولون : هذا من الدم المسفوح ، فإنه لا فرق بين استخراجه بسكين أو إبرة أو غيرها ، أو ينجرح الجسد من نفسه فيخرج الدم ، فكل ذلك دم مسفوح محرم خبيث ، فكيف تجيزونه ، ولا فرق بين سفحه لقتل الإنسان أو الحيوان ، أو سفحه لأكل ، أو سفحه للتداوي به ، فمن فرق بين هذه الأمور فعليه الدليل .
فقال هؤلاء المجيزون : هب أنا عجزنا عن الجواب عن حل الدم المذكور فقد ذكرنا لكـم عن أصول الشريعة ومصالحها ما يدل على إباحة
(
الجزء رقم : 2
،
الصفحة رقم: 75
)
أخذ جزء من أجزاء الإنسان لإصلاح غيره ، إذا لم يكن فيه ضرر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
صحيح البخاري الصلاة (481) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585) ، سنن الترمذي البر والصلة (1928) ، سنن النسائي الزكاة (2560) ، سنن أبو داود الأدب (5131) ، مسند أحمد بن حنبل (4/405). المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا
و
صحيح البخاري الأدب (6011) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586) ، مسند أحمد بن حنبل (4/270). مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد
.
فعموم هذا يدل على هذه المسألة ، وأن ذلك جائز .
فإذا قلتم : إن هذا في التواد والتراحم والتعاطف ، كما ذكره النبي لا في وصل أعضائه بأعضائه .
قلنا : إذا لم يكن ضرر ، ولأخيه فيه نفع فما الذي يخرجه من هذا ، وهل هذا إلا فرد من أفراده ؛ كما أنه داخل في الإيثار ، وإذا كان من أعظم خصال العبد الحميدة مدافعته عن نفس أخيه وماله ولو حصل عليه ضرر في بدنه أو ماله - فهذه المسألة من باب أولى وأحرى ، وكذلك من فضائله تحصيل مصالح أخيه ، وإن طالت المشقة ، وعظمت الشقة ، فهذه كذلك وأولى .
ونهاية الأمر : أن هذا الضرر غير موجود في هذا الزمن ، فحيث انتقلت الحال إلى ضدها وزال الضرر والخطر ، فلم لا يجوز ؛ ويختلف الحكـم فيه لاختلاف العلة .
ويلاحظ أيضا في هذه الأوقات التسهيل ، ومجاراة الأحوال ، إذا لـم تخالف نصا شرعيا ؛ لأن أكثر الناس لا يستفتون ولا يبالون ، وكثير ممن يستفتي إذا أفتي بخلاف رغبته وهواه تركه ولـم يلتزم .
فالتسهيل عند تكافؤ الأقوال يخفف الشر ، ويوجب أن يتماسك الناس بعض التماسك ؛ لضعف الإيمان وعدم الرغبة في الخير ، كما يلاحظ أيضا أن العرف عند الناس : أن الدين الإسلامي لا يقف حاجزا دون المصالح الخالصة أو الراجحة ، بل يجاري الأحوال والأزمان ويتتبع المنافع
(
الجزء رقم : 2
،
الصفحة رقم: 76
)
والمصالح الكلية والجزئية ، فإن الملحدين يموهون على الجهال أن الدين الإسلامي لا يصلح لمجاراة الأحوال والتطورات الحديثة ، وهم في ذلك مفترون ، فإن الدين الإسلامي به الصلاح المطلق من كل وجه ، الكـلي والجزئي ، وهو حلال لكل مشكلة خاصة أو عامة ، وغير قاصر من جميع الوجوه .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
:
عبد الله بن قعود
عضو
:
عبد الله بن غديان
نائب رئيس الجنة
:
عبد الرزاق عفيفي
الرئيس
:
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
منقول من/
التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ حمزة الباتني ; 10 Mar 2008 الساعة
07:40 PM
أبو معاذ حمزة الباتني