
23 Jan 2008, 12:16 PM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: الجزائر - مدينة سعيدة
المشاركات: 361
|
|
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاواه (18/ 177-178):
((وَقَدْ شَاعَ فِي لِسَانِ الْعَامَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) مِنْ الْبَابِ الأَوَّلِ؛ حَيْثُ يَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى سَبَبُ تَعْلِيمِ اللَّهِ.
وَأَكْثَرُ الْفُضَلاءِ يَطْعَنُونَ فِي هَذِهِ الدَّلالَةِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَرْبِطْ الْفِعْلَ الثَّانِيَ بِالأَوَّلِ رَبْطَ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ؛ فَلَمْ يَقُلْ: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمْكُمْ"(1) وَلاَ قَالَ: "فَيُعَلِّمْكُمْ"(1)، وَإِنَّمَا أَتَى بِوَاوِ الْعَطْفِ؛ وَلَيْسَ مِنْ الْعَطْفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الأَوَّلَ سَبَبُ الثَّانِي.
وَقَدْ يُقَالُ الْعَطْفُ قَدْ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الاقْتِرَانِ وَالتَّلازُمِ: كَمَا يُقَالُ: زُرْنِي وَأَزُورُك؛ وَسَلِّمْ عَلَيْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْك...وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي اقْتِرَانَ الْفِعْلَيْنِ، وَالتَّعَاوُضَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لِسَيِّدِهِ: أَعْتِقْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ؛ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ؛ أَوْ اخْلَعْنِي وَلَك أَلْفٌ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا بِأَلْفِ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ؛ فَإِنَّهُ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ بِأَلْفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَوْلٌ شَاذٌّ.
وَيَقُولُ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ لِلآخَرِ: أُعْطِيك هَذَا وَآخُذُ هَذَا...وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ، فَيَقُولُ الآخَرُ: نَعَمْ! وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا هُوَ السَّبَبَ لِلآخَرِ دُونَ الْعَكْسِ.
فَقَوْلُهُ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَكُلٌّ مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ، وَتَقْوَى الْعَبْدِ، يُقَارِبُ الآخَرَ، وَيُلازِمُهُ، وَيَقْتَضِيهِ، فَمَتَى عَلَّمَهُ اللَّهُ الْعِلْمَ النَّافِعَ: اقْتَرَنَ بِهِ التَّقْوَى بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَمَتَى اتَّقَاهُ زَادَهُ مِنْ الْعِلْمِ، وَهَلُمَّ جَرًّا...)).
|