حديث: (( ليس على النساء أذان و لا إقامة و لا جمعة و لا اغتسال جمعة و لا تقدمهن امرأة و لكن تقوم في وسطهن )).
قال العلامة الألباني في “ السلسلة الضعيفة و الموضوعة “ ( 2 / 269 ) : " موضوع " . رواه ابن عدي في “الكامل “ ( 65 / 1 ) و ابن عساكر ( 16 / 159 / 2 ) عن الحكم عن القاسم عن - أسماء - ( يعني بنت يزيد ) , مرفوعا . و قال ابن عدي بعد أن ساق أحاديث أخرى للحكم هذا و هو ابن عبد الله بن سعد الأيلي : " أحاديثه كلها موضوعة , و ما هو منها معروف المتن فهو باطل بهذا الإسناد , و ما أمليت للحكم عن القاسم بن محمد و الزهري و غيرهم كلها مما لا يتابعه الثقات عليه , و ضعفه بين على حديثه " . و قال أحمد : " أحاديثه كلها موضوعة " . و قال السعدي و أبو حاتم : " كذاب ". و قال النسائي و الدارقطني و جماعة : " متروك الحديث " .كما في “ الميزان “ ثم ساق له أحاديث هذا منها . و الحديث رواه البيهقي في “السنن الكبرى “ ( 1 / 408 ) من طريق ابن عدي , ثم قال عقبه : " هكذا رواه الحكم بن عبد الله الأيلي , و هو ضعيف ,و رويناه في الأذان و الإقامة عن أنس بن مالك موقوفا و مرفوعا , و رفعه ضعيف, و هو قول الحسن و ابن المسيب و ابن سيرين و النخعي " .
( تنبيه ) : أخطأ في هذا الحديث عالمان جليلان : أحدهما أبو الفرج ابن الجوزي فإنه قال في “ التحقيق “ ( 79 / 1 ) : " و قد حكى أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ليس على النساء أذان و لا إقامة )). و هذا لا نعرفه مرفوعا , إنما رواه سعيد بن منصور عن الحسن و إبراهيم و الشعبي و سليمان بن يسار , و حكى عن عطاء أنه قال : يقمن “ . قلت : فلم يعرفه ابن الجوزي مرفوعا , و قد روي كذلك كما سبق . و الآخر الشيخ سليمان بن عبد الله حفيد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى فقال الشيخ سليمان في حاشيته على “ المقنع “ ( 1 / 96 ) : "رواه البخاري عن أسماء بنت يزيد "! و هذا خطأ فاحش لا أدري منشأه , و هو الذي حملني على تحقيق القول في هذا الحديث و نشره على الناس , و خاصة إخواننا النجديين , خشية أن يغتروا بهذا القول ثقة منهم بالشيخ رحمه الله تعالى, و العصمة لله وحده.
ثم تبين أن البخاري محرف من “ النجاد “ فقد عزاه إليه بعض الحنابلة كما حدثني أحد أساتذة الجامعة الإسلامية في المدينة في ( 17 / 9 / 1381 ) . و “النجاد “ هذا أحد محدثي فقهاء الحنابلة و حفاظهم , و اسمه أحمد بن سلمان بن الحسن أبو بكر الفقيه , ولد سنة 253 , و توفي سنة 348 . ثم إن الحديث أخرج الشطر الأول منه عبد الرزاق في “ المصنف “ ( 5022 ) و البيهقي من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال : فذكره موقوفا . و هذا سند ضعيف مع وقفه , فإن عبد الله بن عمر هذا هو العمري المكبر و هو ضعيف . و أما قول الشوكاني في “النيل “ ( 2 / 27 ) : " إسناد صحيح " فليس بصحيح . و لعله توهم أن العمري هذا هو المصغر , فإنه ثقة و ليس به ,فإن اسمه عبيد الله , على أنه أوهم أن الحديث مرفوع عن ابن عمر , و ليس كذلك كما عرفت . و قد روي عن ابن عمر خلافه , فقال أبو داود في “ مسائله “ ( 29 ) : " سمعت أحمد سئل عن المرأة تؤذن و تقيم ؟ قال : سئل ابن عمر عن المرأة تؤذن و تقيم ؟ قال : أنا أنهى عن ذكر الله عز وجل ؟! أنا أنهى عن ذكر الله عز وجل ؟! استفهام". وهذا أولى من الذي قبله و إن كنت لم أقف على إسناده , و غالب الظن أنه لو لم يكن ثابتا عند أحمد لما احتج به . ثم صدق ظني , فقد وجدت الأثر المذكور أخرجه ابن أبي شيبة في “مصنفه “ ( 1 / 223 ) بسند جيد عن ابن عمر , و يؤيده , ما عند البيهقي عن ليث عن عطاء عن عائشة أنها كانت تؤذن و تقيم , و تؤم النساء و تقوم وسطهن . و رواه عبد الرزاق و ابن أبي شيبة مختصرا . و ليث هو ابن أبي سليم , و هو ضعيف . ثم روى البيهقي عن عمرو بن أبي سلمة قال : سألت ابن ثوبان : هل على النساء إقامة ؟ فحدثني أن أباه حدثه قال : سألت مكحولا ؟ فقال : إذا أذن فأقمن فذلك أفضل , و إن لم يزدن على الإقامة أجزأت عنهن , قال ابن ثوبان : و إن لم يقمن فإن الزهري حدث عن عروة عن عائشة قالت : (( كنا نصلي بغير إقامة )) . قلت : و ابن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي الدمشقي و ليس هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان كما ذكر المعلق على “سنن البيهقي “ , و هو العامري المدني , فإن هذا العامري متقدم على العنسي هذا من التابعين , و العنسي من أتباع التابعين , و هو حسن الحديث ,و بقية الرجال ثقات , فالسند حسن , و قد جمع البيهقي بين هذا و بين رواية ليث المقدمة بقوله : “ و هذا إن صح مع الأول , فلا يتنافيان , لجواز أنها فعلت ذلك مرة , و تركته أخرى لبيان الجواز , و الله أعلم .
و يذكر عن جابر بن عبد الله أنه قيل له : أتقيم المرأة ؟ قال : نعم “ . و الحق في هذه المسألة ما قاله أبو الطيب صديق خان في “الروضة الندية “ ( 1 / 79 ) : " ثم الظاهر أن النساء كالرجال لأنهن شقائقهن , و الأمر لهم أمر لهن ,و لم يرد ما ينتهض للحجة في عدم الوجوب عليهن , فإن الوارد في ذلك في أسانيده متروكون لا يحل الاحتجاج بهم , فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذاك , و إلا فهن كالرجال ".
|