
23 Jul 2010, 05:02 AM
|
موقوف
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
|
|
وفي أوّل هذا الشّريط بعد أن حرص على أن تنال المرأة الشهادات العالية في التعليم حتى لا تترك المجال للعلمانيات! أخذ يُحَرِّض على الخروج بصراحة قائلا: " إنّني أعتقد أنّ زمن الشّكوى قد انتهى أو كاد أن ينتهي ـ أعني ـ أنّ دور الخيِّرين والخيِّرات لا يجوز أبدا أن يتوقف عند مجرد رفع الشّكاوي إلى الجهات المختصة حصل كذا وحصل كذا ... ".
قلت: ماذا تريد ـ يا سلمان!ـ بهذا التّهييج؟! إنه تحريض صريح على الخروج؛ لأن الشكوى باللسان لا تكفي عندك! وليس فوق التغيير باللسان إلا اليد كما هو معلوم، وقد لا يكلِّف الشرعُ الرِّجالَ أنفسهم بما فوق ذلك. فلئن شحّت نفسُك عن قبول المعاذير، فـ » رفقاً بالقوارير «!
ثم تأمل اعتماد سلمان ـ كغيره من الثوار ـ على الغثاء وقارنه بقول المؤرِّخ ابن خلدون ـ رحمه الله ـ: " ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء؛ فإن كثيرا من المنْتَحِلين للعبادة وسلوك الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجَور من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه، والأمر بالمعروف رجاءً في الثواب عليه من الله، فيَكثُر أتباعُهم والمتشبِّثون بهم من الغوغاء والدهماء، ويُعَرِّضون أنفسهم في ذلك للمهالك، وأكثرهم يَهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين؛ لأن الله سبحانه لم يَكتب ذلك عليهم ... ".
ثم يا سلمان! أما علمت أن فتواك هذه طار بها الثُّوَّار الإسلاميون عندنا كل مطار، وتنادوا مُصْبِحين ومُمْسين أن اغدوا على جهادكم إن كنتم ـ في هذه ـ لعلماءِ السّعوديّة سامعين؟!
يا سلمان! لسان كل سلفيّ في الجزائر يقول لك: أترضى لنا بفتياك ـ ونحن إخوانك ـ أن نعيش في أيامنا هذه أسوأ الأحوال. أنت تكتب من وراء مكتبك المترف، وإخوانك المجاهدون الذين حسَّنت فيهم ظنّك قد حلقوا لِحاهم، وتجرّدوا من ثيابهم الإسلامية وحلقوا شعورهم وقصروها على أقبح وأحدث صورة يعرف عليها الكفار والفسّاق، ونحن نقاسي ما نقاسيه بمظهرنا الإسلامي، ولم يثبت اليوم على زيِّه الإسلامي إلا السّلفي غير المتحزِّب، يمضي إلى بيت الله خائفا يترقب، فلا يدري أيرجع إلى بيته أم يُدسُّ في التّراب؟
وهل يغني عنك شيئا هذا التناقض الآتي حين قلت بعده مباشرة: " نحن لاندعو إخواننا في الجزائر ولا في أي بلد آخر إلى مواجهة دامية لاتحمد عقباها .. ".
النقد: إنّ قولك: " لا تحمد عقباها " فذلكة يتخذها السياسيون للتخلص من العُتبَى ولو مشوا على حبلين متضادي الاتّجاه! لأنّ هذه الجملة إمّا هي صفة كاشفة، فيكون المعنى متفقاً مع سابقه في التحريض على المواجهة الدّامية لمن رجم بالغيب فرأى العقبى محمودة، وإمّا هي بيان للواقع، فإن غضضنا الطرف عن كلماتك التي تتّهمك بالتحريض لم تنج من التناقض؛ لأنك تدعو إلى المواجهة ولو بالصدور العارية، والسّواعد التي لا تحمل شيئاً، ثم تتظاهر بالترّاجع ( العاقل! ) مع أنّ الذي يرجّح أنك تقصد الأول هو نصيحتك للجبهة بعده مباشرة بقولك: " يمكن أن تصبر ويمكن أن تصابر ويمكن أن تظل وفيّة لدينها ولقادتها الإسلاميين الآن، وبعد شهر، وبعد سنة، وبعد سنوات، وتظل تنادي بالإسلام وتصبر وتتحمّل وتبذل المزيد من القتلى الذين نحتسبهم عند الله تعالى شهداء،ومن التضحيات ومن تحمّل السّجون وتحمّل الأذى حتى يظهرها الله تعالى ... ".
النقد: جاء في شريط من » سلسلة الهدى والنّور « رقم (470/1) قول السائل للشيخ الألباني: " هناك ـ يا شيخ ـ من يقول إنّه من يقتل الآن على السّاحة المصرية بين الحكومة والإخوة؛ بعض الإخوة يقول إنّه شهيد، والحديث يقول: » إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار «).
أجاب الشيخ: " أولاً: الجواب عن هذا السؤال باختصار: أنّ من يقتل في هذه المجابهات التي تقع بين الدولة وبين بعض أفراد الشّعب المسلم، وأستدرك هنا على نفسي، فأقول: بين الدولة التي لا تحكم بما أنزل الله وبين بعض أفراد الشعب الذي يطالب الدولة بأن تحكم بما أنزل الله، فما يقع من قتلى بين الطّرفين، فليس فيهم من يصح أن يقال فيه: إنّه شهيد ".
ثم فصّل في التفريق بين الشّهادة الحقيقية والشّهادة الحكمية، وقال بعدها: " هؤلاء الذين أنت تسأل عنهم لا يَصْدُق فيهم لا الشهادة الحقيقية، بل ولا الشّهادة الحكمية ". ثم أفاض في تعليل ذلك بعلم غزير، يجب على الشباب المتحيّر اليوم طلبه، لأنّه شحّت فهومُ كثيرٍ من أهل العلم عن استنباطه. والله يعصم المتحمِّسين من شرِّ الجهل به.
قال سلمان: " هذا مع أنّ وضع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر وضع جيّد، وهي امتداد لجمعية العلماء، فهي ذات اتجاه سلفي في الغالب .. ".
النقد: هنا خطآن من أخطاء الواقع يدلان على أنّ هؤلاء لا يصلحون بعد للإعلام الإسلامي، وهما:
الأول: لم يخطر ببالي ولا ببال أحد من المنخرطين في جبهة الإنقاذ هذا الامتداد، وحبله مقطوع من زمن بعيد، وقد حيّرني هذا الخبر إذ لم أتصوّره لحظة من حياتي بل ولا ادّعاه الناطق الرسمي لجبهة الإنقاذ ولا نائبه، مَن مِن أعضاء جمعية العلماء هو الآن في حزب جبهة الإنقاذ ؟ لقد مات معظم أعضاء الجمعية ففي أيّ مقبرة تمّ الاجتماع بينهما وأعطيت الجبهة الميثاق والعهد من شيوخها ؟ {ستُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ ويُسْئَلُون}! ومن بقي من شيوخ الجمعية لم يُعرف له نشاط في الجبهة؛ لأنّ الجمعية حُلّت قبل وجود الجبهة بنحو ثلاثين سنة، بل ومن سوء حظ أخينا سلمان أنّ أعضاء الجمعية الأحياء قد أسّسوا لهم جمعيتهم من جديد إظهارا لمخالفتها للدَعِيّ المُتَبَنَّى. وأنشأت لها جريدة » البصائر« التي لا علاقة لها بجبهة الإنقاذ لا تلميحاً ولاتصريحاً، بل أقول صراحة: إنّ جلَّ أعضائها كانوا أشدّ ما يكونون على الجبهة لأنهم حكوميّون، لهم مراكز مرموقة، خاصة في وزارة الشّئون الدينية {ولا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}.
ثم من النّاحية التاريخية والمنهجية في آنٍ واحدٍ، أقول: لو أنّ الأعضاء الأحياء من الجمعية انضمّوا إلى جبهة الإنقاذ لم يكن لك أن تربط بين الجمعية التي أسّسها ابن باديس ـ رحمه الله ـ وبين هؤلاء؛ ذلك لأنّ الجمعية لم تُؤسّس أصالة كحزب سياسي، ويكفيك تسميتها ( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين )، وعملها كان مؤَصَّلا على التعليم، خاصة على التّصفية والتربية، في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب يتناثر طَلْعُها كطلع الفُطور. ثم كان بينها وبين الأحزاب الوطنية المتحمّسة لقتال الفرنسيين خلاف شديد، لأنّها كانت ترفض دخول المعركة والأمّة لم تهيأ بعد، كما يقوله السلفيون في كل زمان ومكان تفقُّهًا على أبواب الجهاد، خاصة منهم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ـ وهو رحمه الله لسان الجمعية ـ، وهاك كلماته في حكم التحزّب، قال: " أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَمَ بالشّر ناجمها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجمها، وسَجَم على الوطن بالملح الأُجاج ساجِمُها، إنّ هذه الأحزاب كالميزاب، جمع الماء كَدَراً وفرّقه هَدَراً، فلا الزُّلال جمع، ولا الأرض نفع "، وقال أيضا: " إنّنا نعدّ من ضعف النتائج من أعمال الأحزاب في هذا الشرق كله آتيا من غفلتهم عن هذه الأصول، ومن إهمالهم لتربية الجماهير وتصحيح مقوِّماتها حتى تصبح أمّة وقوة ورأيا عاما .. " ويقول: " ... إذا كان من خصائص الاستعمار أن يُضْعف المقوِّمات ويُميتَها، ثم يكون من خصائص أغلب الأحزاب أنّها تهملها ولا تلتفت إليها، فهل يلام العقلاء إذا حكموا بأنّ هذه الأحزاب شرّ على الشرق من الاستعمار؟ "، ويقول عن الجمعية: " جمعية العلماء جمعية علمية دينية تهذيبية فهي بالصفة الأولى تعلّم وتدعو إلى العلم وترغّب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لاتتستر، وهي بالصفة الثانية تعلّم الدين والعربية؛ لأنهما شيآن متلازمان، وتدعو إليهما وترغّب فيهما، وتنحو في الدين منحاها الخصوصي؛ وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعبادته؛ لأنّ هذا هو معنى الإصلاح الذي أُسّست لأجله ووقَّفت نفسها عليه، وهي تعمل في هذه الجهة أيضا بوسائل علنية ظاهرة، وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق ... "، ولما كانت الجمعية غير سياسية، وكانت الأحزاب السياسية تشوش على المتعلمين المتجمعين حول الجمعية بما تسميه جهادا ضدّ فرنسا، قام إنكار الجمعية عليها، فقد قال فيها الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ: " وفي باب الأعمال لم نر منهم إلا عملا واحدا، هو الذي سميناه: جناية الحزبية على التعليم والعلم. هؤلاء القوم قطعوا الأعوام الطوال، في الأقوال والجدال، وجمع الأموال، وتعليل الأمّة بالخيال، ومجموع هذا هو ما يسمونه سياسية ووطنية ... كثرت مواسم الانتخاب حتى أصبحت كأعياد اليهود، لايفصل بعضها عن بعض إلا الأيام والأسابيع، وكان ذلك كله مقصودا من الاستعمار، لما يعلمه في أمّتنا من ضعف، وفي أحزابنا من تخاذل وأطماع، وفي مؤسساتنا ومشاريعنا العلمية من اعتماد على الوحدات المتماسكة من الأمّة، فأصبح يرميهم في كل فصل بانتخاب يوهن به صَرْح التعليم، ويفرّق به الجمعيات المتراصّة حوله، والتعليم هو عدو الاستعمار الألدّ لو كان هؤلاء القوم يعقلون ".
ثم تحدّث عن أثر الحزبيات في تمزيق صفّ الطّلبة فقال: " ولو أنّ مدارسنا اشتدت أصولها، وامتدت فروعها، وكانت تأوي في الجانب المالي إلى ركن شديد، وترجع في الجانب العلمي إلى رأي رشيد، لكان وبال هذه النعَرات الحزبية الشيطانية راجعا إلى أصحابه وحدهم ... هذه إحدى جنايات الحزبية على التعليم، زيادة على جنايتها على الأخوة والمصلحة الوطنية العامة ". ولعلّ أصرح كلمة تُبيِّن أن جمعية العلماء لم تنهج النهج السياسي هي وصية رئيسها الشيخ عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله ـ لطلبته حين جمعهم بالمسجد الأخضر في قسنطينة فقال: " اتقوا الله! ارحموا عباد الله! اخدموا العلم بتعلّمه ونشره، تحمَّلوا كل بلاء ومشقة في سبيله، ولْيَهُن عليكم كل عزيز، ولْتَهُن عليكم أرواحكم من أجله. أما الأمور الحكومية وما يتصّل بها فدعوها لأهلها، وإياكم أن تتعرَّضوا لها بشيء ".
وهو يقول هذا عن دراية بما يُدبَّر للمسلمين من مكائد، ولذلك قال: " ... حُوربت فيكم العُروبة حتى ظُنّ أن قد مات منكم عِرْقُها، ومُسخ فيكم نُطقُها، فجئتم بعد قرن، تَصْدَحُ بلابِلُكم بأشعارها فتثير الشعور والمشاعر، وتهدر خطباؤُكم بشقاشقها، فتدكُّ الحصونَ والمعاقلَ، ويهز كتَّابكم أقلامها، فتصيب الكِلَى والم .
وحورب فيكم الإسلام حتى ظُنّ أن قد طُمست أمامكم معالمُه، وانتُزعت منكم عقائدُه ومكارمُه، فجئتم بعد قرن، ترفعون عَلَم التوحيد، وتنشرون من الإصلاح لواء التجديد، وتدعون إلى الإسلام، كما جاء به محمد ، لا كما حرَّفه الجاهلون، وشوّهه الدّجّالون، ورضيه أعداؤه.
وحورب فيكم العلمُ حتى ظُن أن قد رضيتم بالجهالة، وأخلدتم للنذالة، ونسيتم كل علم إلا ما يَرْشَحُ به لكم، أو ما يمزج بما هو أضرُّ من الجهل عليكم، فجئتم بعد قرن ترفعون للعِلم بناءً شامخاً، وتشيِّدون له صرحاً سامقاً، فأسستم على قواعد الإسلام والعروبة والعلم والفضيلة جمعيتَكم هذه؛ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وحوربت فيكم الفضيلة، فسِمْتُم الخسف، ودُيِّثتم بالصَّغار حتى ظُن أن قد زالت المروءة والنجدة، وفارقَتْكم العزّة والكرامة، فَرَئِمْتُم الضَيْم، ورضيتم الحَيْف، وأعطيتم بالمَقَادة، فجئتم بعد قرن تنفُضون غبار الذّل، وتُهَزْهِزون أسس الظلم، وتُهَمْهِمون هَمْهَمَة الكريم المحنَّق، وتُزَمْجِرون زمْجَرَة العزيز المهان، وتطالبون مطالبة من يعرف له حقًّا لا بدّ أن يعطاه أو يأخذه ).
وشرح ـ رحمه الله ـ سبب اختياره الدين على السياسة للنهوض بالأمّة في الوقت الذي كانت تؤاخذ الجمعية بعدم دخولها في السياسة، فقال: " وبعدُ، فإننا اخترنا الخطة الدينية على غيرها، عن علم وبصيرة وتمسكاً بما هو مناسب لفطرتنا وتربيتنا من النصح والإرشاد، وبثّ الخير والثبات على وجه واحد والسير في خطّ مستقيم، وما كنّا لنجد هذا كله إلا فيما تفرَّغنا له من خدمة العلم والدين، وفي خدمتهما أعظم خدمة، وأنفعها للإنسانية عامة.
ولو أردنا أن ندخُل الميدان السياسي لدخلناه جهراً، ولضربنا فيه المثل بما عُرف عنا من ثباتنا وتضحياتنا، ولقُدنا الأمّة كلها للمطالبة بحقوقها، ولكان أسهل شيءٍ علينا أن نسير بها على ما نرسمه لها، وأن نَبْلغ من نفوسها إلى أقصى غايات التأثير عليها، فإن مما نعلمه، ولا يخفى على غيرنا أن القائد الذي يقول للأمّة:
( إنّك مظلومة في حقوقك، وإنّني أريد إيصالكِ إليها )، يجد منها ما لا يجد من يقول لها: ( إنّك ضالة عن أصول دينك، وإنّني أريد هدايتَك )، فذلك تلبِّيه كلها، وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها. وهذا كله نعلمه، ولكنّنا اخترنا ما اخترنا لما ذكرنا وبيَّنا، وإنّنا ـ فيما اخترناه ـ بإذن الله لَمَاضون، وعليه متوكِّلون ".
وهذا يشبه كلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حين قال: " وكثير ممّن خرج على ولاة الأمور أو أكثرهم إنما خرج لينازعهم مع استئثارهم عليه، ولم يصبروا على الاستئثار، ثم إنّه يكون لولي الأمر ذنوب أخرى فيبقى بغضه لاستئثاره يعظّم تلك السيّئات، ويبقى المقاتل له ظانّا أنه يقاتله لئلاّ تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ومن أعظم ما حرّكه عليه طلب غرضه: إما ولاية، وإما مال كما قال تعالى:{فَإِنْ أُعطُوا مِنهَا رَضُوا وَإِنْ لمَ يُعطَوْا مِنها إذَا هُم يَسخَطُون}، وفي الصحيح عن النبي أنّه قال: » ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء يمنعه من ابن السبيل، يقول الله له يوم القيامة: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل مالم تعمل يداك، ورجل بايع إماماً لايبايعه إلا لدنيا؛ إن أعطاه منها رضي، وإن منعه سخط، ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذبا: لقد أُعطي بها أكثر ممّا أُعطي «.
والمقصود من سوق كلام شيوخ جمعية العلماء إثبات الاختلاف المنهجي بين جبهة الإنقاذ والجمعية بما لايدع لأحدٍ ريبة.
إنّ الدّافع لقيام الجبهة هو الاستجابة للغثاء النَّاقم على النِّظام من أجل الخبز، ولقد تعجَّبت الصحافة كلها من الخطب التي ألقيت في الجمعة التي تلت انتفاضة (5 ـ أكتوبر ـ 1988م)، لأنّها كانت مهدئة، حتى من علي بن حاج، وكان قد نهى الناّس عن تكسير المعدّات والآلات، ولكن لمّا رأوا بأنّ أطرافا أخرى تطمع في استغلال الجموع الشّعبية التي استفزتها اليد الإلحادية عمدا، سارعوا إلى تغيير اللهجة، وغلب الغوغاء على الدّعاة حتى جارَوْهم على باطلهم، وكُوّنت المسيرات بعد هذه الجمعة بيومين فقط!! وبعدها حتى محمد السّعيد المعروف بشيء من التعقل في هذه القضايا لم يجد بدًّا من طاعة الغوغاء ـ بعد اعتقال ابن حاج ومدني ـ وألبسوه قميص المتهوّر وهو له كاره، وكان يَهاب أن يذكر كلمة ( الحكمة ) التي نبذها العوام، وأضحى تيار الدهماء كالسّيل لايوقف في طريقه، ولم يمكن للدّاعية إلا أن يكون مُسيَّرا. ولم يقف الحدّ عند تحكّم الغوغاء في هذه القضايا، بل إذا وجدوا منهم من يأمرهم بالتّأني سارعوا إلى تجميده ورميه بالعظائم، كما فعلوا بشيخيهم: بشير فقيه والهاشمي سحنوني، لأنّ هذا الأخير ـ ككثير من الحزبيين ـ عَوّدوا العوام على استعدائهم على من لا يمشي معهم من الدعاة، فانقلب السهم على راميه. وقد قال ابن تيمية: " والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، وهذا شأن الفتن، كما قال تعالى:{واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِين ظَلَمُوا مِنكُمْ خاصَّةً}، وإذا وقعتْ الفتنة لم يَسْلَم مِن التلوّث بها إلا مَن عصمه الله ".
الثاني: تنبّه أيّها القاريء إلى أصل أخشى أن تنساه، وهو أنّ السّلفية لا تعرف الحزبية، بل لم يكن يُفرَّق بين السّلفي والإخواني إلا بها، وتذكّر أنّ جبهة الإنقاذ حزبٌ كما يصرّح به رؤوسها أنفسهم، وقد كتب علي بن حاج في تأييد بدعة التحزب، فإلى أي الفريقين تنتمي جبهة الإنقاذ ؟
ولو سلّمنا بأنّ الحزبية من الإسلام، وأنّ العلماء الكبار كانوا مخطئين في إنكارهم ذلك، لقلنا: إنّ وصف سلمان للجبهة بأنّها سلفية خلاف الواقع، لأن كلامه هذا جاء عقب إقصاء السلفيين منها، وإدخال علي ابن حاج وعباسي مدني السجن، وتسلّمها بقوة جماعة ( الجَزْأَرَة ) التي هي من أعدى أعداء السّلفية، وترأسها محمد سعيد، بل هم على طريقة من يلقّب أهل الحديث بالحشوية ... المهمّ: زعمك هذا ـ يا سلمان!ـ كان في الوقت الذي كانت فيه أسماء المرشَّحين للانتخابات البرلمانية كلها من ( الجزأرة )، إلا واحدا في باب الوادي بالعاصمة، تركوه مصيدة للسّلفيين، لأن هذا الحي على سلفية وإن كان فيها دخن، فهل من معتبر؟ ولا أعتقد أن من حولك من الجزائريين يكتمك هذا إلا أن يكون من ( الجزْأَرِيين )!
فليتك ـ يا سلمان!ـ قلت ما قلت قبل هذا التاريخ لوجدنا لك مخرجا، لكن احمد الله وحده، فقد جعل لك خير مخرج حين قال: {وَالذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم ذَكَرُوا الله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُم يَعْلَمُون}.
ـ قال سلمان: " سمعت أن الشيخ محمد ناصرالدين الألبانيّ ـ حفظه الله ـ الإمام العالم المحدّث، أرسل رسالة إلى الإخوة في الجزائر، وقرئت في المساجد، يؤيّدهم فيها، فكان لها أثر كبير على نفوس الناس هناك ".
النقد: كأنك ـ يا سلمان ـ تقول أي شيء! ما الذي يمنعك من التأني والعمل بقول الله: {يَأيُهَا الذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِق بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا}، وبقوله: {إلا مَن شَهِدَ بِالحق وَهُم يَعْلَمُون}؟ ولئن قلت: أنا ما تكلمت إلا بما سمعت والعهدة على الراوي، قلنا لك: أين أنت من قول رسول الله : » كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع «". كل من يعرف الشيخ الألباني يكذّبك في زعمك هذا؛ لأن الشيخ من نوادر أهل العلم الذين عُرفوا بصفاء المنهج والثبات عليه، ومن هذا الصفاء إنكاره الشديد على المشتغلين بالسياسة الآن، خاصة المتحزّبين منهم، وكلمته التي أضحت كالحكمة التي لم يسبق إليها ـ فيما علمت ـ مشهورة، ألا وهي قوله: " أرى الآن من السياسة ترك السياسة ". الشيخ كالجبل الشامخ لايتزحزح، كم كلمه المتحزبون وأرادوا استدراجه واستعطافه، وكانوا يكلمونه طوال هذه السنوات كل ليلة، وحرّفوا لديه الحقائق وأرادوا منه نصف كلمة تؤيّدهم، ولكن الشيخ في صبره العجيب وجلده الشديد وحلمه الطويل يقول في جرأته المعروفة مع القريب والبعيد: " لاحزبية في الإسلام ". يا سلمان أين فقهك للواقع ؟ لقد سارت الركبان في كل أصقاع المعمورة بكلمة تقول: " لئن جاز أن تستغل الحركات الإسلامية الماكرة كبار المشايخ بالتمويه عليهم، فإن الشيخ الألباني ميؤوس منه عندهم ". أنت ـ ياسلمان! ـ قلت: " لماذا نهوّن من شأن هذه الجماهير المسلمة في الجزائر وفي غير الجزائر ونعتقد أنها تنفضّ ... " توسّمت انتصار الجبهة وهي تحاصَر بقوة، وهذه فراستك! فكيف كان اغترارك حين رأيتها بعدها قد حازت مقاعد البرلمان؟ وتأمّل فراسة الشيخ الألباني أيّام انتصار الجبهة في الانتخابات البرلمانية، حين كاد الناس ـ أصحاب النتائج ـ يُجمعون على أنّها وصلت، أخبرني الشيخ علي بن حسن بن عبد الحميد آخر سنة 1412هـ، حدّثه الشيخ سليم الهلالي أنه كان عند الشيخ الألباني حين أُخبر بالانتصار المذكور فقال الشيخ: رغوة صابون أو كلمة نحوها، ثم مشيت إلى بيت الشيخ سليم الهلالي طلبا للإسناد العالي وهو صحيح كالشمس كما ترى، فقال لي: " قال الشيخ: هذه رغوة فقاقيع ". بالجزم من غير الشّك الذي تحفّظ فيه الشيخ علي حفظهما الله تعالى، وهما محل صدق والحمد لله، ومن ارتاب فإن الشيخ حيٌّ يرزق وهاتفه بلا حجاب.
فهل الشيخ يكره قيام دولة الإسلام ؟ أم هي فراسة مجتهد قد ظهر صدقها، ولا يدركها طالب العلم مهما جمع من قصاصات الجرائد ؟! فأي الفريقين أحق بالحديث في هذه المسائل: أهو طالب العلم الذي لا هو يعرف تمحيص الأخبار، ولا هو يتأنى لتبيّن الصدق من الكذب، ولا هو يحسن تحليل واقع الناس؟ {ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِنَ العِلْم}! أم هو العالم المجتهد المسنّ الذي أدّبته النّصوص وحنّكته التجارب؟ {وَلَو رَدُّوه إِلى الرسول وَإِلى أُولي الأمْرِ مِنهم لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَه مِنهُم}. وفي جواب الشيخ أمارة واضحة على قوة إيمانه بالغيب، ويقينه في صدق نصوص الوحيين، وأنه لا تخدعه نتائج الواقع ما لم تؤسَّس على الشرع ـ نحسبه كذلك ـ ويا ليت شعري كيف يكون يوم أصحاب النتائج إذا أحيى الدجالُ المقتولَ بين أيديهم وأَخرج كنوزَ الأرض ...؟ فاللهم حفظك.
يتبع
|