![]() |
احـذر مـن الـقـدح فـي الـعـلـمـاء
إن القدح في العلماء، و الطعن فيهم سبيل من سبل أهل الزيغ و الضلال، ذلك أن الطعن في العلماء ليس طعنا في ذواتهم، و إنما هو طعن في الدين و الدعوة التي يحملونها، و الملة التي ينتسبون إليها، و الطعن في العلماء محرم؛ لأنهم من المسلمين، و الرسول – صلى الله عليه – و سلم يقول:
"إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا" (1) و يكتسب مزيد حرمة؛ لأنه وسيلة للطعن في الدين، و هذا مراد أهل البدع الطاعنين في سلف الأمة و علمائها التابعين لهم بإحسان، و الطرق و الأسباب معتبرة بالمقاصد تابعة لها. يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله –: (لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب و طرق تفضي إليها، كانت طرقها و أسبابها تابعة لها، معتبرة بها، فوسائل المحرمات و المعاصي في كراهتها و المنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها و ارتباطاتها بها، و وسائل الطاعات و القربات في محبتها، و الإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود و كلاهما مقصود لكنه مقصود قصد الغايات، و هي مقصودة قصد الوسائل، فإذا حرّم الرب تعالى شيئا، و له طرق و وسائل تفضي إليه فإنه يحرمها و يمنع منها تحقيقا لتحريمه، و تثبيتا له، و منعا أن يقرب حماه، و لو أباح الوسائل و الذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم و إغراء للنفوس به، و حكمته تعالى، و عله يأبى ذلك كل الإباء) (2) و لمّا فقه السلف هذا جعلوا منتقص الصحابة زنديقا، لما يفضي إليه هذا القول من الطعن في الدين، و تنقص سنة سيد المرسلين – صلى الله عليه و سلم –: • عن مصعب بن عبد الله قال: (حدثني أبي عبد الله بن مصعب الزبيري قال: قال لي أمير المؤمنين المهدي: يا أبا بكر، ما تقول فيمن تنقص أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم –، قال: قلت: زنادقة. قال: ما سمعت أحدا قال هذا قبلك. قال: قلت: هم قوم أرادوا رسول الله – صلى الله عليه و سلم – بنقص فلم يجدوا أحدا من الأمة يتابعهم على ذلك. فتنقصوا هؤلاء عند أبناء هؤلاء، و هؤلاء عند أبناء هؤلاء، فكأنهم قالوا: رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يصحبه صحابة السوء و ما أقبح بالرجل أن يصحبه صحابة السوء ! فقال ما أراه إلا كما قلت.) (3) • و قال أبو زرعة – رحمه الله –: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فاعلم أنه زنديق، و ذلك أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – عندنا حق، و القرآن حق، و جاء به حق، و إنما أدّى إلينا هذا القرآن و السنن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه و سلم –، و إنما يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب و السنة، و الجرح بهم أولى، و هم زنادقة.) (4) |
و كذلك السلف فيمن طعن في العلماء من التابعين فمن بعدهم:
• قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى –: (إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛ فإنه كان شديدا على المبتدعة.) (5) • و قال يحيى بن معين – رحمه الله تعالى –: (إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة و عكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام.) (6) و هذا محمول على الكلام في العالم بظلم و هوى، أما إذا كان المتكلم في العالم عالم مثله منصف فنعم. • قال الإمام الذهبي – رحمه الله –: (هذا محمول على الوقوع فيهما – يعني حماد بن سلمة، و عكرمة – بهوى و حيف في وزنهما، أما من نقل ما قيل في جرحهما، و تعديلهما على الإنصاف، فقد أصاب.) (7) إن السلف – رضوان الله عليهم – لم يقتصروا على النهي عن الطعن في العلماء؛ بل نهوا أيضا عن الاستخفاف بهم: • قال الإمام ابن المبارك – رحمه الله -: (حق على العاقل ألا يستخف بثلاثة: العلماء، و السلاطين، والإخوان؛ فإنه من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، و من استخف بالسلطان ذهبت دنياه، و من استخف بالإخوان ذهبت مروءته.) (8) و القدح في العلماء إيذاء لهم، و الإيذاء للعلماء إيذاء لأولياء لله صالحين، فإن العلماء العاملين يدخلون دخولا أوليا في وصف الأولياء. و هذا معنى أن إيذاء العلماء أمر خطير، لأن من عادى وليا لله فقد آذنه الله بالحرب، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – في الحديث القدسي: "من عادى لي وليا فقد آذنته في الحرب". (9) و الاستهزاء بأهل العلم و الفضل، و تعييرهم و القدح فيهم خطر على دين المرء، إذ قد يفضي بصاحبه إلى ما لم يكن بحسبانه، لقد قال رجل من المنافقين: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا و لا أكذب ألسنا و لا أجبن عند اللقاء (10)، فصارت هذه الكلمة على كفر أولئك المنافقين، فأنزل الله فيهم قرآنا يرد اعتذارهم و يدفعه: {و لئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض و نلعب قل أبالله و آياته و رسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} (التوبة 65 – 66). فلقد جعل الله – عز و جل – استهزاء هؤلاء المنافقين برسول الله – صلى الله عليه و سلم – و صحبه استهزاء به سبحانه، و هذا كله يدل على عظيم خطر الأمر. |
فاحذر من الاستهزاء بالعلماء، و الطعن فيهم، و احذر من غيبتهم، فإن الله – عز و جل – حرم الغيبة، فقال [النبي –صلى الله عليه و سلم –] في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه –: "أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا: الله و رسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره". قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، و إن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته." (11)
و غيبة العلماء أعظم من غيبة غيرهم من الناس. • قال الإمام الحافظ ابن عساكر الدمشقي: (و اعلم يا أخي و فقنا الله و إياك إلى مرضاته و جعلنا ممن يخشاه و يتقيه حق تقاته: أن لحوم العلماء – رحمة الله عليهم – مسمومة، و عادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، و التناول لأعراضهم بالزور و الافتراء مرتع وخيم و الاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلق ذميم). (12) و لا تجرّئ الرعاع على الطعن في العلماء، فإن بعض طلبة العلم يجرّئ الناس على القدح في أولي العلم بما يقذفه من أقوال لا يظنها تبلغ ما تبلغ، فيقول: فلان يعتد بتصحيحه، و فلان لا يقبل رأيه، و قد يكون هذا المعترض حقا و لكن يجب ألا يقوله عند العامة، و صغار طلبة العلم الذين لا يزنون الأقوال و يحسبون لها حسابا، بل يأخذون تلك الكلمة فيجترئون – تحت ظل نحن رجال و هم رجال – على العلماء ثم على الأئمة و هكذا، فالشر مبدأه شرارة. (1): رواه البخاري: (2/191)، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى من حديث مسلم. و مسلم: (2/889، ح 1218)، كتاب الحج، باب حجة النبي –صلى الله عليه و سلم – من حديث جابر – رضي الله عنه. (2): إعلام الموقعين (3/147). (3): رواه الخطيب البغدادي: "تاريخ بغداد": (10/174). (4): رواه الخطيب البغدادي: "الكفاية في علم الرواية" (49)، و الحافظ ابن حجر "الإصابة" (1/10). (5): رواه الذهبي: "سير أعلام النبلاء (7/450). (6): رواه اللالكائي: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة" (3/514)، و الذهبي: "سير أعلام النبلاء" (7/447)، (5/31). (7): سير أعلام النبلاء (5/31). (8): رواه الذهبي في "السير" (17/251). (9): رواه البخاري في "صحيحه" (9/190)، كتاب الرقائق، باب التواضع، و رواه ابن ماجه في "سننه" (2/1321، ح 3989)، كتاب الفتن، باب من ترجى له السلامة من الفتن. (10): ينظر في سبب نزول الآية و قصة هذا المنافق و من معه: الطبري "جامع البيان" (10/171 – 173)، و ابن كثير "تفسير القرآن العظيم" (2/368)، و الواحدي "أسباب النزول" (287 – 288). (11): رواه مسلم (4/2001، ح 2589)، كتاب البر و الصلة، باب تحريم الغيبة، و أحمد (3/386، 458)، و الدارمي في "مسنده" (2/209 – 210) كتاب الرقائق، باب ما جاء في الغيبة. (12): "تبيين كذب المفتري" (28). _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ المصدر: "قواعد في التعامل مع العلماء" / للشيخ عبد الرحمن بن معلا اللويحق، بتقديم الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله. |
بارك الله فيك أخي أبا البراء على هذا الموضوع القيم
|
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
|
الساعة الآن 02:23 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013