منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   قــســـــــــــم الأخــــــــــــوات (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=36)
-   -   حكم المظاهرات في الإسلام-حوار مع الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=24920)

أم وحيد 18 Jun 2021 08:20 PM

حكم المظاهرات في الإسلام-حوار مع الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان
 
2 مرفق


بسم الله الرّحمن الرّحيم

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته


http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624043945

في هذا الموضوع، وإن كنت قد عرضتُ في السابق، موضوعا يتعلّق بـالمظاهرات وحكم الخروج على الحاكم المسلم. قد نشرتُ الحلقة الثانية ولم أنشر الأولى. بعنوان: حكم المظاهرات في الإسلام لفضيلة الشيخ الحكيم ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله وأعلى مقامه.

وقبل هذا أريد أن أحيلكم إلى مقطع للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، يقول فيه السائل:

ما الجمع بين أحاديث السمع والطاعة وحديث : ( أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) ؟

للاستماع من هنا

ولهذا أردتُ إعادة نشر الموضوع لأهميته وضرورة تذكير المؤمنين به، في هذه الظروف الحساسة التي تحتاج إلى وعي حكيم يقنع الناس أنّ العمل الذي يترتب عنه فساد نتائج، فهو فساد ويدخل أهله في زمرة المفسدين في الأرض الذين لايصلحون، وخاصّة إذا كان صادرا عن أناس، ينتسبون إلى العلم، ويثق فيهم العوام، ويعتبرونهم من أهل الدراية والحكمة والرشاد. والله المستعان.

وحسن النيّة لاتصحّح فسادًا إلاّ إذا تمّ تداركه بـالإصلاح والتقويم.

http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624043765

وفي هذه المشاركة، أبتدىء بالحلقة الأولى، حفاظا على التسلسل المنطقي، وتتبّعا للحوار والأدلّة التي تمّ ذكرها في هذه الحلقة، بين الشيخ ربيع المدخلي والدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان.


فإليكم الحلقة الممتعة كاملةً، أرجو الاستفادة والإفادة، والله الموفق والهادي مَن يشاء إلى طريق مستقيم.

حكم المظاهرات في الإسلام

حوار مع الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان

"الحلقة الأولى"

تأليف

الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه الله


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وأشرف المرسلين الذي بعثه الله بأكمل رسالة وأشرفها، فما من خير إلا دلت عليه، وما من شر إلا حذرت منه.

وعلى آله وصحابته الأكرمين وخلفائه الراشدين المهديين.

أما بعد:

فقد اطلعت على مقال للدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان بعنوان " نظرات شرعية في وسائل التعبير العصرية".

فوجدته قد حاد -في هذا المقال في عرضه للمظاهرات والاستدلال عليها- عن الصراط المستقيم، الذي أمرنا الله باتباعه، فقال: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، [سورة الأنعام : 153].

وشهد لرسوله بأنّه يهدي إلى صراط مستقيم، فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، [سورة الشورى : 52].

وكلفنا في كل صلواتنا؛ فرائضها ونوافلها بأن ندعوه ليهدينا إلى الصراط المستقيم، فنقول كما أمرنا: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)، [سورة الفاتحة: 6-7].

والله حذَّرنا من الفتن، فقال: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، [سورة الأنفال : 25]، وقال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، [سورة النور : 63].

وحذَّرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة من الفتن:

منها- قوله -صلى الله عليه وسلم-: "سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فيها خَيْرٌ من الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فيها خَيْرٌ من الْمَاشِي وَالْمَاشِي فيها خَيْرٌ من السَّاعِي وَمَنْ يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ"، أخرجه البخاري حديث (3601)، ومسلم حديث (2886).

وعلَّمنا -صلى الله عليه وسلم- أن نستعيذ بالله في كل صلواتنا من أربع، فقال: "إذا تَشَهَّدَ أحدكم فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ من أَرْبَعٍ يقول: اللّهم إنّي أَعُوذُ بِكَ من عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ"، أخرجه مسلم في "المساجد" حديث (588)، وأحمد (2/477)، والنسائي في "المجتبى" حديث (1310).

وفي حديث رواه الصحابي الجليل عوف بن مالك –رضي الله عنه- ومنه قوله –صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ من الْعَرَبِ إلا دَخَلَتْهُ)، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (3176)، وأحمد في "مسنده" (6/25)، وابن ماجه في "سننه" حديث(4042)، وابن حبان في "الإحسان" حديث (6675).

وعند أحمد بلفظ: "فِتْنَةٌ تَكُونُ في أمتي وَعَظَّمَهَا".

وعند ابن ماجه بلفظ: "وَفِتْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ لَا يَبْقَى بَيْتُ مُسْلِمٍ إلا دَخَلَتْهُ".

والفتن التي نزلت بالأمة كثيرة، ومن أسوءها وأخطرها فتنة المظاهرات والمسيرات، وهي من فتن اليهود والنصارى.

قال تعالى في اليهود: (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، [سورة المائدة : 64].

ومع الأسف الشديد فإنّ الدكتور سعود الفنيسان قد أضفى عليها وعلى حرية التعبير وما يتبعها شرعية إسلامية، واستدل لها بأحاديث نبوية لا علاقة لها بهذه المظاهرات وما يتبعها من قريب ولا من بعيد، ونزه الله الإسلام منها ومن كل الفتن.

بل قال: " جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات السلمية كقوله تعالى:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.... "آل عمران :110

وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين :" مَن رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

وتعالى الله وتنـزه أن يعتبر المظاهرات الشيطانية من المعروف، ونزَّه الله رسوله أن يعتبر هذه المظاهرات - التي هي من صنع اليهود الصهاينة- من المعروف.

بل هي من أنكر المنكرات في ميزان الإسلام وعلماء الإسلام.


< قال الدكتور سعود:

" الحمد لله رب العالمين القائل :"ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون". >

الرجل هنا يُعَرِّض بمن يُحرِّم المظاهرات من علماء الإسلام وطلاب العلم.

وبعد أن صلّى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وترضّى عن أصحابه ووصفهم –رضي الله عنهم- بأنهم بلّغوا دين الله بكل وسيلة سنحت لهم، وأنهم بلّغوها للخاص والعام، وللحاكم والمحكوم، فرادى وجماعات.

وهذا كلام حقّ، لكن قوله: "الذين بلّغوا دين الله - بكل وسيلة سنحت لهم" ، بهذا التعميم غلط، لأنّه يريد أن يدخل فيه التصوير بكل أشكاله، وحاشاهم أن يعتبروا التصوير من وسائل تبليغ دين الله.

ويريد أن يدخل في هذا الكلام المظاهرات، التي هي من جذور الديمقراطية، التي لا تعترف بحاكمية الله ولا بحقوقه على عباده حكاماً ومحكومين.


وقال الدكتور: " فمن المعلوم في الشرع أن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم – واجبة على كل مسلم مكلف- كل بحسبه- رجلا كان أو امرأة فيجب على العالم وطالب العلم ما لا يجب على العامي، و من لا يعلم. ويجب على الحاكم والمسؤول في دائرته ما لا يجب على غيره".

أقول:

هذا كلام حقّ، لكنّك في مقالك لم توفّق للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة على طريقة الرُّسُل الكرام من الدعوة إلى التّوحيد ومحاربة الشرك والبدع والمنكرات، ومن شرّها فتنة المظاهرات، فكلامك في واد وأنت سرت في واد آخر.
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب


قال الدكتور في (ص1):

"ومن المتقرر عند أهل العلم والرأي أن وسائل التعبير اجتهادية غير توقيفيه. وقد جد في عصرنا اليوم وسائل للتعبير لم تكن معروفة من قبل كـ( الرسم والتمثيل والتصوير الكاركترية أو بالصوت وبالصورة (يوتيوب) أو بأحدهما. أو القيام بالمظاهرات السلمية وعقد المؤتمرات والندوات والمهرجانات الخطابية في الميادين العامة أو عن طريق الهواتف الثابتة والنقالة ،والقنوات الفضائية والانترنت، والفيس بوك ، والتويتر. وغير ذلك من وسائل الاتصال المتعددة..الخ).

هذه الوسائل تضاف إلى ما كان معلوما شائعا في العصور الماضية وكتأليف الكتب، ورواية الحِكَم والأمثال، والقصائد الشعرية . ونحو ذلك. كل هذه الوسائل القديمة والحديثة يمكن أن تستخدم لنشر العدل وتحقيق الأمن وتقرير الحق والدعوة للفضيلة. ويمكن أن تستخدم بعكس ذلك كترسيخ الظلم والاستبداد، وإيقاع الغش، والتحريش بين الراعي والرعية.

فإذا كانت الغاية شريفة والمقصد حسنا أصبحت الوسيلة واجبة أو مندوبة فحكم الوسيلة حكم غايتها.

وإذا كانت الغاية سيئة محرمة أو مكروهة، فوسيلتها مثلها . ولذلك تقرر عند العلماء قاعدة (الوسيلة لها حكم الغاية) لا كما يقرر في القوانين المدنية الوضعية أن (الغاية تبرر الوسيلة) وفرق بين الوسيلة في القاعدتين فالوسيلة في الأولى شرعية قرآنية أما في الثانية وضعية كفرية".


التعليق:

أقول: 1- هات أهل العلم والرأي الذين قالوا: إن وسائل التعبير التي ذكرتها كلها اجتهادية؟

2- وهات أهل العلم الراسخين الذين قالوا عن غاية المظاهرات والمسيرات إنها شريفة، والوسيلة إلى هذه الغاية واجبة أو مندوبة.


فلا نعرف عن العلماء إلاّ أنّهم ذمّوها وحذّروا منها، ولا يجيزها ويزخرفها إلاّ أهل الأهواء المغرمون بكل ضلالة يأتي بها اليهود والنصارى، ومنها الاشتراكية والديمقراطية، وما انشق منها كالمظاهرات والمسيرات والاعتصامات والتعددية الحزبية والانتخابات، وكلها أباطيل وجهالات وضلالات، يجب أن ينـزه عنها الإسلام.

3- هل أهل العلم والرأي أدخلوا التمثيل والتصوير الكاريكاتوري أو الصوت والصورة (يوتيوب) وكذا القيام بالمظاهرات السلمية في وسائل نشر العدل وتحقيق الأمن وتقرير الحق والدعوة للفضيلة؟

أما تعلم أنّ التّمثيل عبادة يونانية اخترعه الوثنيون من اليونان لعبادة أوثانهم؟

أما تعلم أنّ التمثيل لا يقوم إلاّ على الكذب، وأنّ علماء الإسلام حقاً قد حرَّموه حتى بعض الصوفية حرَّموه، ولم يبحه من العلماء إلاّ من خدعهم ولبّس عليهم الإخوان المسلمون.

4- أما تعلم أنّ الإسلام حرّم التصوير، وتوعّد أهله بأشد أنواع الوعيد وأنّ علماء الإسلام وخاصة علماء هذه البلاد وعلى رأسهم الإمامان محمد بن إبراهيم وابن باز كانوا يحرمون التصوير بكل أشكاله، ومنه التصوير الفوتوغرافي؟

انطلاقاً من توجيهات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الحاسمة.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : "ومَن أَظلم ممّن ذهب يخلقُ كخلقي ، فليخلقوا ذَرّةً أو ليخلقوا حبة ، أو ليخلقوا شعيرة"، أخرجه البخاري حديث (5953)، ومسلم حديث (2111) .

وعن عائشة رضي الله عنها : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أَشَدُّ الناسِ عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله"، أخرجه البخاري حديث (5954)، ومسلم حديث (2107) .

وعن ابن عباس -رضي الله عنه-: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مُصوِّرٍ في النار ، يُجعل له بكل صورةٍ صوّرها نفسٌ يعذب بها في جهنم"، أخرجه مسلم حديث (2110/99)، وأحمد في "مسنده" (1/308).

وعنه - رضي الله عنه-: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن صور صورة في الدنيا كُلِّف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ" أخرجه البخاري حديث (5963)، ومسلم حديث (2110/100) .

ولمسلم عن أبي الهيّاجِ قال : قال لي عليٌّ : ألا أَبْعثُك على ما بعثَني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألاَّ تَدَعَ صورَةً إلا طَمَسْتها، ولا قَبْراً مُشْرفاً إلا سَوَّيْته"، أخرجه مسلم حديث (969).

فالتصوير الذي ذكرته بكل أشكاله محرم أشد التحريم في الإسلام، وأصحابه قد وعدوا بأشد أنواع العذاب يوم القيامة، فكيف تجعله من وسائل التعبير الاجتهادية؟

والمظاهرات السلمية وغير السلمية لا تدخل في أبواب الاجتهاد لما فيها من الفساد والإفساد، فلا يجوز ذلك، ولا يقول بأنّها من المسائل الاجتهادية إلاّ مكابر مخالف للنصوص الشرعية، ولا يجوز أن تنسب إلى الإسلام بحال من الأحوال، لأنّها تصادم توجيهات رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وسيأتي الكلام عليها، وبيان تحريمها وبطلانها.


قال سعود الفنيسان في (ص2) :

"ولا يمكن في هذه العجالة الحديث بالتفصيل عن كل الوسائل السابقة ولكن سأقتصر على وسيلة واحدة منها وهي (المظاهرات السلمية) نظرا لكثرة الحديث عنها في هذه الأيام ، بين محلل ومحرم. دون مناقشته لموارد الأدلة فيها وقد كثر الخوض في حكمها بعد الثورة الشعبية السلمية في تونس.. ومصر.. وليبيا.. وغيرها.

وكل هذه الثورات لم يسفك المظاهرون فيها دما ولم يشهروا سلاحا ولم ينهكوا نفسا أو يفسدوا شيئا من الممتلكات".

التعليق:

أقول: مَن قال إنّ المظاهرات التي وقعت في تونس ومصر وليبيا وغيرها كانت مظاهرات سلمية؟

لقد ذهب بسببها في ليبيا ألوف الأرواح وجرح بسببها الألوف ، وحصل بها خوف ورعب وتشريد الآلاف إلى خارج ليبيا.
وحصل بسببها في مصر مئات القتلى، ووقع بسببها تخريب وتدمير.

فلا بد للمظاهرات من ثمار مرة. والله هو العالم بثمارها في المستقبل وما سيعقبها.

قال سعود الفنيسان في (ص3):

" الوقفة الثانية:

حرية التعبير: إنّ حق المسلم في حرية التعبير عن رأيه أكثر الحقوق التصاقا بحق الحياة. وعليه تعتمد أكثر التكاليف الشرعية في العبادات والمعاملات.

إنّ التعدي على حرية التعبير ظلم وإهدار لكرامة الإنسان و تقييدها و إلزامه: بتقليد الغير ووجوب التبعية له. إن الإنسان كما ولد حرا يجب أن يعيش حرا، إلا من عبودية([1]) الله وحده . حتى الرقيق الشرعي - تحت ولاية سيده له كرامته- ويتمتع بحرية الاعتقاد –والتعبد- والتفكير- والتعبير...الخ. ورحم الله الخليفة الفاروق يوم أكد هذا المفهوم عند محاسبته لأحد ولاته قائلا:( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار!!؟).

إنّ حرية التعبير في الإسلام هي أساس الدعوة إلى الخير قال تعالى :" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون" آل عمران: 104. وأصول المعروف والمنكر منصوصة كلها في الكتاب والسنّة ولكن أصنافها وأنواعها وأعدادها تتكاثر وتتسارع بتكاثر البشر وتوالدهم قال تعالى :"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" الروم :41".

التعليق:

1- التكاليف الشرعية تلزم العقلاء لا المجانين، وكثير من الأحكام تلزم الأحرار، ولا تلزم العبيد المماليك، فأكثر التكاليف تقوم على الحرية الشخصية التي هي ضد الرق المعروف لا على حرية التعبير التي هي من أعمدة الديمقراطية، فـالجهاد والحج مثلا يلزمان الحر بشروطهما، ولا يلزمان العبد المملوك، والزكاة تلزم الحر، ولا تلزم المملوك، لأنّه لا مال له، ولملك سيده رقبته ومنافعه، فالتكاليف الشرعية تعتمد على الحرية من الرق لا على حرية التعبير، وحرية التعبير في الإسلام لها قيود تنفع المتكلم وتنفع المجتمع والحاكم والمحكوم، وإسكات المتكلم بالباطل والكذب وقول الزور والبدع والضلال والشرك والسب والشتم والغيبة والنميمة، كل ذلك من العدل وليس من الظلم، ولا من إهدار كرامة الإنسان، وإقرار هذه الأمور من الظلم وإهدار كرامة الأمة.

2- أنت تتحدث عن حرية المسلم، فكان يجب عليك أن تبرهن عليها من القرآن والسنة، لا من الديمقراطية.

إنّ الحرية الحقيقية النافعة المحترمة والمنضبطة والبعيدة كل البعد عن الضرر والإفساد لفي الإسلام على أكمل الوجوه.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)، [سورة الأحزاب: 70-71].

وقال تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً)، [سورة الإسراء : 53].

وقال تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ...)، [سورة البقرة : 83].

في الآية الأولى: بعد النداء بالإيمان أمر المؤمنين بالتقوى، ثم عقبها بـالقول السديد، ثم بيّن فوائد التقوى والقول السديد بما يترتب عليهما من إصلاح الله لأعمالهم ومغفرته لذنوبهم.

وفي الآية الثانية: أمر الله عباده أن يتخيروا من الأقوال أحسنها وأجملها لما في ذلك من الآثار الطيبة النافعة في الدنيا والآخرة.

وفي الآية الثالثة: أمر الله بإحسان القول في المخاطبات والتوجيهات والدعوة إلى الله.

فهل للديمقراطية وحرية التعبير منها والمظاهرات علاقة أو التزام بهذه التوجيهات الربانية العالية فوق قمم القمم، وفي نهاية الصلاح والإصلاح؟

والله إنْ ما فيها إلاّ الهبوط والانحراف عن منهج الله ومنهج أنبيائه ورسله.

وحرّم الله أشد التحريم الفحش والتفحش في الأقوال والأعمال وحرّم الإثم والبغي. قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف : 33].

فهل الديمقراطية ومنها المظاهرات وحرية التعبير تلتزم وتلزم الناس بما تضمنته هذه الآيات، ومنها تقوى الله والقول السديد وتحري القول بالتي هي أحسن والتحذير من نزغ الشيطان والبعد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي والقول على الله بغير علم؟

ما أبعد الديمقراطية والمظاهرات عن هذه الفضائل!!!

3- احتججت على حرية التعبير بقصة نُسِبت إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، وقد رُويت هذه القصة عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال : عذت بمعاذ ، قال : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته ، فجعل يضربني بالسوط ويقول : أنا ابن الأكرمين ، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه، ويَقْدم بابنه معه، فقدم ، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ، ويقول عمر: اضرب ابن الألْيَمَيْن، قال أنس : فضرب ، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه ، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه ، ثم قال عمر للمصري: ضع على ضِلعة عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني ، وقد اشتفيت منه فقال عمر لعمرو: مُذْ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟

فهذه القصة ضعيفة سنداً ومتناً.

قال ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص167-168) مصور:

" حُدِّثنا عن أبي عبدة عن ثابت البناني وحميد عن أنس –رضي الله عنه- قال: أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، وذكر باقي القصة.

فقول ابن عبد الحكم حدثنا، فيه انقطاع بين ابن عبد الحكم وأبي عبدة، لأنّه لم يقل حدثنا أو سمعت أو أخبرني أو قال لي أبو عبدة، وأبو عبدة في الإسناد ضعيف.

قال الحافظ الذهبي في "الميزان" في ترجمته (4/468) :

"يوسف بن عبدة ( ت ) عن ثابت البناني و غيره وكان ختن حماد بن سلمة.

ثم قال: وقال العقيلي له مناكير عن حميد وثابت.

وساق رواية عنه أنكرها حماد بن سلمة.

وقال: إذا أتى هؤلاء الشيوخ عن ثابت بشيء فاتهمهم.

وترجم له الحافظ في "التقريب"، فقال:

" يوسف بن عبدة الأزدي مولاهم أبو عبدة البصري القصاب لين الحديث من السابعة".

وأما الضعف والنكارة في المتن.

فقوله عن أنس عن القبطي فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الألْيَمَيْن، قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه".

فكيف يسب عمر أمير المؤمنين عَمراً هذا السب الشنيع، فيطعن في نسبه، حاشا عمر من ذلك؟.

وكيف يعطى النصراني أكثر من حقه من هذا المسلم؟.

والنكارة الثالثة في القول المنسوب إلى عمر -وحاشاه- للقبطي: " ضع على ضِلعة عمرو".

فما ذنب عمرو إذ ليس هو الضارب، والله يقول: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)[سورة الأنعام : 164].

حاشا عمر -رضي الله عنه- العادل الوقّاف عند كتاب الله أن يحكم بهذه الأحكام ومنها الأمر بضرب غير الضارب.


قال الدكتور سعود الفنيسان في (ص3):

"والمظاهرة السلمية أحد مظاهر حرية التعبير لأنها تسعى لإعادة حقوق الشعب المسلوبة و المتعدي عليها، كالمطالبة بمعالجة البطالة، وتأمين المقاعد الدراسية للطلاب في الجامعات، وتأمين السكن والعيش الهنيء للمواطنين، وتأمين سرير لكل مريض في المستشفى. فلحرية التعبير دور كبير في محاربة الفساد المالي والإداري في جميع أجهزة الدولة ومنع الموظفين كبارا وصغارا من الرشاوى وتبذير أموال الأمة واستغلال النفوذ لكشفهم وإحالة المنتهك لهذه الحقوق إلى القضاء. وما هذا إلا عين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يناسب الحال والزمان".

التعليق:

إن كنت تتكلم باسم الإسلام فإنّ الإسلام لا يعرف هذا المنطق، وعلماؤه السابقون واللاحقون لا يعرفون هذا المنطق.

1- فما هي حقوق الشعب المسلوبة والمتعدى عليها في بلاد الحرمين؟

الذي نعرفه ويعرفه الناس أنّ الحكومة السعودية تعطي ولا تأخذ كما في البلدان الأخرى أوروبا وأمريكا وغيرهما، فهذه الدول تفرض الضرائب الباهظة المرهقة على شعوبها في شتى المجالات؛ على المواد الاستهلاكية، وعلى البيوت وحجراتها ونوافذها، وعلى الأراضي والمتاجر والمصانع والمدارس الأهلية، وعلى الكهرباء والماء والغاز، وتقتطع نسبة من الرواتب من أجل التأمين الصحي، فهذا هو واقعهم...الخ وواقع حقوق الإنسان في أنظمتهم وسياستهم وواقع ديمقراطيتهم التي يبذلون الجهود الجبارة لنشرها في بلدان المسلمين لإثارة الفتن والبلابل بينهم، ولسفك دمائهم وضياع مصالحهم وأموالهم ولشغل بعضهم ببعض عن اليهود المحتلين لفلسطين، ومن أعظم أسلحتهم الديمقراطية: المظاهرات التي تدمر النفوس والعقول والممتلكات، والغربيون يروجون لها لأنهم متأكدون أن هذه نتائجها، فليدرك ذلك المسلمون وليعتزوا بدينهم وليتمسكوا به في كل الميادين العقائدية والتعبدية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية، فإن في ذلك السعادة في الدنيا والآخرة.

وأكبر نسبة في الانتحار هي في أمريكا نتيجة للحياة التعيسة التي يعيشونها ونتيجة للضرائب المرهقة.

وأكبر نسبة للبطالة توجد في أمريكا، وكثير من الدول تعيش شعوبها مثل هذه الأوضاع وبعضها أسوأ.

فهذه ظلمات بعضها فوق بعض، تجعل من تنـزل بهم في بؤس وشقاء ونكد، أضف إلى ذلك الفساد الأخلاقي والانحلال الاجتماعي، والشرك والكفر، وقُل مثل هذا في دول أوروبا وغيرها من الدول التي لم تلتزم شرع الله.

فليقارن العاقل المنصف بين هذه الأوضاع في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها وبين الأوضاع في المملكة العربية السعودية بلاد التوحيد والسنة، والرحمة بمواطنيها.

فمن احترامها وعطفها على شعبها:

أنّها أنشأت صندوق التنمية العقاري لمساعدة هذا الشعب على بناء المساكن، حيث تعطي للمواطن قرضاً قيمته ثلاثمائة ألف ريال سعودي، يدفعه بعد بناء مسكنه على أقساط لمدة خمس وعشرين سنة، لكل سنة قسط.

فإنّ دفع هذا القسط في وقته المحدد يُخفَّض له عشرون في المائة، وإن تأخر يدفع القسط كاملاً.

وإن دفع المبلغ كاملاً يُخفَّض له ثلاثون في المائة.

واليوم أوصلت هذه القروض إلى خمسمائة ألف ريال لكل مقترض، وزادت اهتماماً بالإسكان فوعدت ببناء خمسمائة ألف وحدة سكنية في كافة مناطق المملكة، وتخصيص مبلغ إجمالي لذلك قدره مائتان وخمسون مليار ريال.

وليستكمل القارئ بقية المعلومات من الأوامر التي أصدرها الملك عبد الله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية في يوم الجمعة الموافق 13من شهر ربيع الثاني من عام 1432هـ.

وأنشأت البنك الزراعي، تعطي المزارع قرضاً يدفعه على أقساط، فإذا سدد الأقساط في حينها يُخفَّض له كذلك عشرون في المائة.

وكذلك تعطي دعماً للتجار لتخفيض أسعار سلع التغذية للتخفيف عن المواطنين.

فليحمد الله أهل بلاد الحرمين على النعم الدينية والدنيوية التي يعيشونها وعلى الأمن والرخاء الذي يعيشونه، وليس في استطاعة أي دولة على امتداد التأريخ أن تجعل شعبها كله أثرياء.

فلا بد من وجود فقراء وأغنياء، ومرؤوسين ورؤساء، وجهال وعلماء، وأغبياء وأذكياء، سنة الله الكونية في خلقه.

قال الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) [سورة الإسراء : 30].

وقال تعالى: (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ)، [سورة الرعد : 26].

وقال تعالى: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، [سورة العنكبوت : 62].

وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، [سورة الروم : 37].

وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، [سورة سبأ : 39].

وقال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)، [سورة الشورى : 27].

فالله عزّ وجل يوسع الرزق على مَن يشاء ويضيقه على مَن يشاء، لحكمة بالغة منه واختبار لعباده وابتلاء لهم.

أيصبر الفقير المضيق عليه فيجازيه على صبره. وهل يشكر الأغنياء نعمة الله عليهم أو يكفرونها ويبطرون بسببها. فيجزي الشاكرين الجزاء الأوفى على شكرهم. ويعاقب الكافرين بنعمه العقاب الذي يستحقونه.

وقال تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، [سورة الزخرف : 32].

قال العلامة محمد بن علي الشوكاني –رحمه الله- في "فتح القدير" (4/663) في تفسيره لهذه الآية:

"(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) يعني: النبوة، أو ما هو أعم منها، والاستفهام للإنكار. ثم بيّن أنه سبحانه هو الذي قسم بينهم ما يعيشون به من أمور الدنيا، فقال: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، ولم نفوض ذلك إليهم، وليس لأحد من العباد أن يتحكم في شيء بل الحكم لله وحده، وإذا كان الله سبحانه هو الذي قسم بينهم أرزاقهم، ورفع درجات بعضهم على بعض، فكيف لا يقنعون بقسمته في أمر النبوة وتفويضها إلى من يشاء من خلقه. قال مقاتل: يقول: أبأيديهم مفاتيح الرسالة، فيضعونها حيث شاءوا؟ قرأ الجمهور (معيشتهم) بالإفراد، وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن (معايشهم) بالجمع. ومعنى (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) : أنه فاضل بينهم، فجعل بعضهم أفضل من بعض في الدنيا بالرزق والرياسة والقوة والحرية والعقل والعلم، ثم ذكر العلّة لرفع درجات بعضهم على بعض، فقال: (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً) أي: ليستخدم بعضهم بعضا، فيستخدم الغني الفقير، والرئيس المرؤوس، والقوي الضعيف، والحر العبد، والعاقل من هو دونه في العقل، والعالم الجاهل، وهذا في غالب أحوال أهل الدنيا، وبه تتم مصالحهم، وينتظم معاشهم، ويصل كل واحد منهم إلى مطلوبه، فإنّ كل صناعة دنيوية يحسنها قوم دون آخرين، فجعل البعض محتاجا إلى البعض، لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا، ويحتاج هذا إلى هذا، ويصنع هذا لهذا، ويعطي هذا هذا".

أقول:

ولهذه الدولة اهتمام عظيم برعاياها ومواطنيها ليعيشوا العيش الهنيء ولينعموا بنعمة الأمن في ظل الإسلام على دمائهم وأموالهم ومصالحهم على قدر الاستطاعة.

ولها اهتمام عظيم بتوفير الرعاية الصحية، فأنشأت مستشفيات وعدداً من المدن الطبية في عدد من المناطق بالمملكة.

والفساد والرشاوى وتبذير الأموال واستغلال النفوذ إنما يأتي من بعض المواطنين والموظفين، وقد يكونون من أهل البدع والأهواء والتحزب، مخالفين في ذلك تعليمات الدولة ومنهجها القائم على الكتاب والسنّة.


...يتبع...إن شاء الله....



أم وحيد 19 Jun 2021 12:25 PM

3 مرفق



http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624101481

وأنت تدعو إلى المظاهرات التي تدَّعي بأنّها سلمية، والعقلاء يعرفون نتائجها، وما تؤدّي إليه من إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات وبث الرعب في نفوس الأبرياء ممّن لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل يكتوون بنارها، وينجو من بلائها دعاتها ومثيروها، ونسألك: ما هي الأدلة على مشروعية المظاهرة؟

وما هي مظاهر حرية التعبير المشروعة في الإسلام؟

وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروع لكل أفراد الشعب، أو له شروط معينة؟

وما هي علاقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشروعين في الإسلام بالمظاهرات التي هي نتاج أدمغة الكفار الذين يسعون في الأرض فساداً؟

وهل مناصحة ولاة الأمور حق لكل الشعب أو لذلك أهله وشروطه؟

5- عند الديمقراطيين الوسيلة إلى هذه الحقوق المزعومة هي المظاهرات والمسيرات، وهي ليست من الإسلام في شيء، بل هي مضادة للنصوص الإسلامية، والتي منها:

قوله تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ)، [سورة المؤمنون : 71].

وقوله تعالى في المنافقين: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ )، [سورة البقرة:11-12].

وقوله تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، [سورة الأعراف : 85].

وقوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)، [سورة محمد : 22-23].

وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)، [سورة البقرة :204-205].

فـالمظاهرات مضادة للنصوص القرآنية والنبوية، لأنّها من شرّ ضروب المنكر والفساد والإفساد مهما روّج لها دعاتها وزخرفوها، وستأتي الأدلة النبوية التي تبيّن زيفها وتهدمها إن شاء الله.

قال الدكتور سعود الفنيسان في (ص3-4) :

" الوقفة الثالثة: طاعة الحاكم المسلم:

طاعة ولي الأمر العادل:

جاء في صحيح مسلم :"مَن أطاع الأمير فقد أطاعني ومَن عصى الأمير فقد عصاني" وأخرج أبو داوود عن أبي موسى الأشعري:"إنّ من إجلال الله....... إكرام ذي السلطان المقسط".

-وفي حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه :" بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في السر والعلن. وعلى النفقة في العسر واليسر والأثرة، وأن لا ننازع السلطان أهله، إلا أن نرى كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان".

-وفي حديث عبد الله بن عمر عند مسلم قال رسول الله عليه وسلم:"على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة".

إنّ طاعة الحاكم والأمير أو الرئيس العادل بهذه النصوص وغيرها واجبة وجوبا قطعيا إذا أمر بمعروف و طاعة، أمّا إذا أمر بمنكر أو معصية فلا سمع له ولا طاعة، كما في الحديث: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"".

التعليق:

1- نص حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – .

عن جُنَادَةَ بن أبي أُمَيَّةَ قال دَخَلْنَا على عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ وهو مَرِيضٌ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ الله بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ الله بِهِ سَمِعْتَهُ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال دَعَانَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا على السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ قال إلاّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ من اللَّهِ فيه بُرْهَانٌ"، متفق عليه، أخرجه البخاري حديث (7055)، ومسلم حديث (1709).

وفي رواية: "وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كنا لَا نَخَافُ في اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ".

في هذا الحديث اهتمام رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بأمر الطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وفي حال الاستئثار بالمال والمناصب ونحو ذلك.

ومن مقتضيات هذه الطاعة عدم منازعة الأمير المسلم في كل الأحوال، إلاّ في حالة واحدة وهي الكفر البواح، الذي يعلنه الأمير جهاراً، أمّا في غير هذه الحال فلا بد من الطاعة في غير معصية الله.

وقريب من هذا الحديث حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ في عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ"، أخرجه مسلم حديث (1836).

2- وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قالوا فما تَأْمُرُنَا قال فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فإن اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ".

متفق عليه، أخرجه البخاري حديث (3455)، ومسلم حديث (1842).

3- وحديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك قال: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"، متفق عليه، أخرجه البخاري حديث (3603)، ومسلم حديث (1843).

4- وحديث أَنَس بن مَالِكٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا قَالَ: سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ"، متفق عليه، أخرجه البخاري حديث (3792)، ومسلم حديث (1845).

ترجم له النووي بقوله: "بَاب الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عِنْدَ ظُلْمِ الْوُلَاةِ وَاسْتِئْثَارِهِمْ".

5- وحديث عَلْقَمَة بن وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عن أبيه قال: سَأَلَ سَلَمَةُ بن يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إن قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فما تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عنه، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عنه، ثُمَّ سَأَلَهُ في الثَّانِيَةِ، أو في الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بن قَيْسٍ . وقال: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عليهم ما حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ"، أخرجه مسلم حديث (1846).

وساقه الإمام مسلم مرة أخرى بإسناد آخر، وفيه: "فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بن قَيْسٍ، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عليهم ما حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ".

وترجم له النووي بقوله: "بَاب في طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَإِنْ مَنَعُوا الْحُقُوقَ".

تأمل هذه الأحاديث وما في معناها لتدرك أنّ الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - أشجع الشجعان وأعدل خلق الله العادلين كيف يغلق أبواب الفتن ويسدّ نوافذها ومنافذها.

لقد أطلع الله رسوله على ما سيكون في هذه الأمّة من فتن ومن جور الحكام واستئثارهم بالأموال والمناصب، فيأمر الأمّة بالصبر، وأداء الحقوق التي عليهم وإن منعهم الحكام حقّهم، ولم يأمرهم بالمظاهرات والمطالبات بالحقوق كما يفعله ويقوله الديمقراطيون من اليهود والنصارى والعلمانيين، ومَن سار على نهجهم من هواة الأموال والمناصب المتجاهلين لهذه التوجيهات النبوية الحكيمة، التي تحمي الأمّة من الفتن وسفك الدماء وهدم المصالح وإهدار الأموال، وهذا والله منهج الله ورسوله الفذ، لا منهج دعاة الديمقراطية ودعاة الفوضى باسم الحريات المهضومة .

وقد أخذ علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم – أن نقول الحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم، وليس معنى قول الحق: المناداة بالديمقراطية والمظاهرات، والدعوات الهدامة إلى الفتن وسفك الدماء لتحقيق مآربهم.

ومع هذا نُذكِّر حكام المسلمين بالله وبعظمته، والذي سيحاسبهم على أعمالهم دقيقها وجليلها، كما قال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)، [سورة الأنبياء : 47].

وقال تعالى : (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)، [سورة الزلزلة: 7-8].

وندعوهم إلى التّمسّك بكتاب الله وسنّة رسوله –صلى الله عليه وسلم- في عقائدهم ومناهجهم وعبادتهم وسياستهم وأخلاقهم، ومنها العدل والرأفة بالأمة والرفق بهم، وتربية الناس صغارهم وكبارهم في مدارسهم وثكنات عساكرهم على توحيد الله، وإخلاص الدّين له، والتّمسّك بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، وعليهم أن يستشعروا أنّهم راعون للأمّة، وأنّ الله سيسألهم عمّا استرعاهم، وأن يجعلوا الآخرة والجنّة نصب أعينهم.

فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :

"إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمِينِ الرحمن عز وجل وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وما وَلُوا"، أخرجه مسلم حديث (1827)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" حديث (35032)، والنسائي في "المجتبى" حديث (5379).

والإمام العادل أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، وعلى الحكام أن ينصحوا لرعاياهم بجد وإخلاص تقرباً إلى الله وخوفاً من غضبه وأليم عقابه.

فعن معقل بن يسار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ الله رَعِيَّةً يَمُوتُ يوم يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلاّ حَرَّمَ الله عليه الْجَنَّةَ" ، أخرجه البخاري حديث (7151)، ومسلم حديث (1829).

وعنه حديث آخر: "ما من أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لهم وَيَنْصَحُ إلا لم يَدْخُلْ مَعَهُمْ الْجَنَّةَ"، أخرجه مسلم حديث (142).

ويقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يوم الْقِيَامَةِ"، أخرجه البخاري حديث (2447)، ومسلم حديث (2578).

ومن نصحهم أن يربّوا الناس على كتاب الله وسنّة رسوله –صلى الله عليه وسلم، وأن يحكموهم بما أنزل الله على رسوله من كتاب وسنة.

ممّا يؤخذ على الدكتور سعود:

1- أنّه لم يستفد من حديثي عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- إذ نص حديث عبادة: " دَعَانَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا على السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ قال إلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ من اللَّهِ فيه بُرْهَانٌ".

فهذه البيعة بما حوته يجب على المسلمين التزامها في كل الأحوال المذكورة في الحديث إلا في حال الكفر البواح.

ولو كان الحاكم غير عادل كما في قوله: "وأثرة علينا"، فالعادل لا يستأثر على المسلمين لا بمال ولا بغيره من أنواع الأثرة، بل لا يكون المستأثر إلاّ جائراً، ومع ذلك يأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالسّمع والطاعة له، ما دام يصلّي، وما دام في دائرة الإسلام، فيطاع في الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس وفي الصلاة والحج والصيام وفي العقوبات لمن يقصِّر في شيء من هذه الواجبات، وفي إقامة الحدود، وفي بذل الأموال في الجهاد، وعند الأزمات.

قال الله حاثاً عباده المؤمنين: (وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، [سورة التوبة : 41].

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، [سورة الصف: 10-11].

وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ..)،[سورة التوبة : 111]

وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يحث أصحابه على بذل الأموال في الجهاد في سبيل الله وفي الأزمات ومساعدة مَن تصيبهم الجوائح، ولا يجوز أن تُربَّى الأمّة على الاتّكال على الدولة الإسلامية.

2- خرج الدكتور من حديثي عبادة وعبد الله بن عمر –رضي الله عنهم- بأمر عجيب، ألا وهو قصر الطاعة على الحاكم والأمير والرئيس العادل، والحديثان يتناولان العادل وغير العادل ما دام في دائرة الإسلام، فما هكذا الفقه للنصوص القرآنية والنبوية، وما هكذا يا سعد تورد الإبل.

3- هناك أحاديث تأمر بطاعة الحاكم، منها حديث ابن مسعود – رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك قال: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"، متفق عليه، أخرجه البخاري حديث (3603)، ومسلم حديث (1843).

وقد تقدمت الأحاديث في هذا الأمر.

فالإمام المسلم يُطاع ويؤدَّى الذي له على المسلمين، وإن كان عنده أثرة وأمور تنكر عليه، ولا يخالف هذا المنهج إلاّ الخوارج والمتأثرون بالديمقراطية والسياسة الغربية سياسة اليهود والنصارى، الذين حرَّفوا دينهم، ويريدون أن يحرِّف المسلمون دينهم (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى..)، [سورة البقرة : 120].

وقال تعالى لنبيّه الكريم والمقصود الأمّة: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)، [سورة البقرة : 120].

وقال تعالى لنبيّه الكريم: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً)،[سورة الإسراء:74-75].

فاتّباع أهواء أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء الإسلام والمسلمين والركون إليهم ولو في شيء قليل في ذلك، والله، الوعيد الشديد والخذلان الأكيد من ربّ السماوات والأرض، فليحذر المسلمون من الركض وراء أعداء الله وأعداء دينهم.

قال الدكتور في (ص4) :

"وقد جعل الله طاعة الحاكم المسلم قرينة طاعة الله والرسول بقوله:(ياأيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) [سورة النساء: 59].

ومن الملاحظ في الآية أن فعل ( أطيعوا) لم يكرر في حق (أولي الأمر) بل اكتفى بمجرد العطف فقط. وفي هذا دلالة على أن طاعة الحاكم أو السلطان والأمير- ليست مطلقة في كل ما يقوله أو يأمر به بل لا بد أن يكون أمره ونهيه موافقا لأمر الله و أمر رسوله".

التعليق:

ممّا يؤخذ عليه في هذا المقطع:

قوله: "وفي هذا دلالة على أن طاعة الحاكم أو السلطان والأمير ليست مطلقة في كل ما يقوله أو يأمر به بل لا بد أن يكون أمره ونهيه موافقا لأمر الله و أمر رسوله".

أقول:

1- يُفهم من كلامه أنّ ولي الأمر ليس له أن يجتهد عند عدم النص في ما ينفع المسلمين ويحقق لهم المصالح ويدرأ عنهم المفاسد.

والرسول –صلى الله عليه وسلم- قد أذن للحاكم في الاجتهاد، وبيّن أنّ له أجرين إن أصاب، وأجراً واحداً إن أخطأ.

ومراعاة المصالح ودرء المفاسد من مسارح الاجتهاد.

وقد أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بطاعة الإمام ما لم يأمر بمعصية، فالحاكم يطاع إلاّ في المعصية فإنّه لا يطاع فيها.

أمّا إذا اجتهد في تحقيق مصلحة أو مصالح لا يخالف فيها نصاً عن الله وعن رسوله، فهذا ممّا يشكر عليه، ويثاب عليه كما في الحديث السالف.

وكذلك إذا اجتهد في دفع المفاسد عن الأمّة إذا لم يخالف نصاً.

وهذا الاجتهاد على التفصيل السابق يشمل العلماء.

2- هناك شيء وأمر مهم نصّت عليه الأحاديث الصحيحة الثابتة، وعليه أهل السنّة والجماعة وأئمتهم عبر التأريخ الإسلامي. ألا وهو إذا كان هذا الحاكم جائراً مستأثراً على المسلمين، ويرون منه أموراً منكرة تصدر منه، فإنّه بمقتضى هذا المنهج لا يجوز منازعته ولا الخروج عليه، فلماذا يغفل الدكتور هذا الأمر المهم في هذا الوقت الذي تضطرم فيه الفتن؟

3- إنّ الواجب على العلماء والعقلاء الحِفاظ على نعمة الإسلام والتوحيد في بلاد الحرمين وعلى نعمة الأمن والاستقرار.

واحترام دولة التوحيد والسنّة التي تميزت على دول الدنيا كلّها بالاعتزاز بالكتاب والسنّة والتوحيد، وأقامت مدارسها ومساجدها ومحاكمها على كتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح.

نسأل الله أن يديم علينا هذه النعمة، وأن يثبت هذه البلاد حكومة وشعباً على هذا المنهج، وأن يصرف عن الجميع كل سوء.

4- إنّ العصمة من الكبائر مما خص الله به أنبياءه ورسله.

أما غيرهم من العلماء والحكام وغيرهم فهم غير معصومين، لا من الصغائر ولا من الكبائر ولا من الأخطاء والتقصير في القيام بكل الواجبات، فإذا كان هناك مخالفات وتقصير من ولاة أمور المسلمين -وهذه أمور لم يسلم منها حكام المسلمين بعد الخلافة الراشدة- فـباب النصيحة مفتوح بالحكمة والموعظة الحسنة، لا بالتّشهير ولا بالإثارات والمظاهرات والمسيرات ولا بإصدار البيانات التي تنطلق من الديمقراطية ومشتقاتها، فإن هذه الأمور لا يقرها ديننا الحنيف؛ لأنها تجر إلى المفاسد والفتن والعواقب الوخيمة.

أمّا النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، فالإسلام يأمر بها.

عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، أخرجه مسلم في"صحيحه" حديث (55)، وأحمد في "مسنده" (4/102)، وأبو داود في "سننه" حديث (4944).

وقال –صلى الله عليه وسلم-: "إن اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثاً وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاَثاً يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وأن تُنَاصِحُوا من ولاه الله أَمْرَكُمْ وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وقال وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"، أخرجه مالك في "الموطأ" حديث (1796)، وأحمد في "مسنده" (2/367)، والبخاري في "الأدب المفرد" حديث (442).

أقول:

إنّ مناصحة ولاة أمر المسلمين تتمّ بالتعاون معهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم ، والصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك الخروج عليه بالسيف إذا ظهر منهم حيف أو سوء العشرة والدعاء لهم بالصلاح وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، هذا ما يقرره العلماء في ضوء المنهج النبوي الرشيد.

ما يستفاد من هذا الحديث :

1- وجوب القيام بعبادة الله على الوجه المطلوب.

2- وجوب الابتعاد عن كل أصناف الشرك صغيره وكبيره.

3- وجوب الاعتصام بحبل الله وهو الإسلام الذي جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كتاباً وسنة في كل شأن.

4- تحريم التفرق ووجوب وحدة المسلمين على الحق.

5- وجوب مناصحة ولاة أمر المسلمين والتعاون معهم على الحق والبر.

6- تحريم القيل والقال.

7- تحريم سؤال المخلوقين إلاّ فيما يقدرون عليه في حال الضرورة والأفضل التوكل والصبر.

8- تحريم إضاعة المال.

وعن عياض بن غنم –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلاَ يُبْدِ له عَلاَنِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بيده فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ منه فَذَاكَ وَإِلاَّ كان قد أَدَّى الذي عليه له" ، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (3/403-404)، وابن أبي عاصم في كتاب "السنة" (2/521-522) من ثلاث طرق مدارها على شريح بن عبيد وجبير بن نفير.

وقد درس العلامة الألباني هذه الطرق وصحح الحديث بمجموعها.

أقول: والأمر كذلك.

فيجب على المسلمين عموماً أن يستفيدوا من هذه الأحاديث النبوية التي تتضمن العقائد الصحيحة والآداب والأخلاق الرفيعة.

ويجب عليهم أن يتنـزهوا عن الأخلاق الرذيلة وأن يتنـزهوا عن تقليد أعداء الإسلام في عقائدهم وسياستهم وعاداتهم.

وعلى العلماء أن يقوموا بالنصيحة للحكام في ضوء هذه الأحاديث، فهم الذين يتمكنون من الوصول إليهم، ويسمع لكلامهم القائم على هذه الأحاديث النيرة والقائم على الحكمة.

وعلى طلاب العلم وعامة المسلمين أن يحترموا العلماء الناصحين، فإنّهم ورثة الأنبياء، وأن يرجعوا إليهم في المعضلات والأحداث والنوازل، قال تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)، [سورة النحل : 43].

وقال تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)، [سورة النساء : 83].

فأولو الأمر والعلماء النابهون الراسخون هم مرجع الأمّة عند النوازل وأمور السياسة وحوادث الخوف أو الأمن.

وخوض عامّة الشعب في هذه الأمور يؤدي إلى الفوضى والفتن وتفريق الأمة، وذلك مما يفرح أعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين.

قال الدكتور في (ص4) : " كما يلحظ أيضا في قوله: "فإن تنازعتم في شيء"، أن التنازع فد يقع بين الحاكم والشعب أو يقع بينه وبين أحد أفراد رعيته خلاف ونزاع في حكم من الأحكام أو موقف من المواقف فالمرجع حينئذ قوله تعالى:" فردوه إلى الله والرسول([2])..." أي إلى كتاب الله وسنّة نبيه على القول بتفسير (أولي الأمر) في الآية بأنّهم: ( الأمراء) دون العلماء: ( فيجوز لعامة الناس منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء المجتهدين فالناس لا ينازعونهم في أحكامهم) بل يرجعون إليهم : "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، تـفسير الأولوسي 5/66 .".

1- قوله في تفسير الآية: " أن التنازع فد يقع بين الحاكم والشعب...الخ".

أقول:

إنّ التحاكم إلى الله ورسوله عند الاختلاف شامل لجميع المسلمين العلماء والحكام والفِرَق والأفراد والعوام والقبائل.

والاختلاف يقع حتى بين أفاضل العلماء في الفروع، وبين الفِرَق في الأصول، وبين العوام والقبائل في أمور الدنيا غالباً، وعلى الجميع أن يحتكموا إلى الله ورسوله، ومَن لا يرضى الاحتكام إلى الله ورسوله في أصول الدين وفروعه فهو على خطر عظيم.

فـاقتصار الدكتور على الخلاف بين الحاكم والشعب، أو بينه وبين أحد أفراد رعيته أمر عجيب من جهات.

أ- أنه ضيّع عموم الآية ومقصودها.

ب- لا يجوز للشعب أو للأفراد منازعة الحاكم في منصبه وولايته لأمر المسلمين كما في الأحاديث التي سلفت وإن كان فيه استئثار، أو وقع في أمور ينكرها المسلمون، وهذا منهج أهل السنّة والجماعة.

جـ- إذا وقع في خطأ في أمر من أمور الدين فللعلماء –وليس للشعب- أن ينصحوه بالحكمة وفيما بينهم وبينه، ويُبينوا له أنّه قد خالف نصاً أو نصوصاً من كتاب الله أو من سنّة رسوله – صلى الله عليه وسلم- وأنّ الحكم لله وللرسول في هذا الأمر وغيره، ولو قام بذلك عالم واحد يكفي، فإن رجع عن خطئه، فالحمد لله، وإن لم يرجع فعلى العلماء وغيرهم الصبر كما مر في الأحاديث التي سلفت، وهذا الصبر فيه طاعة الله وطاعة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وفي ذلك الحكمة البالغة والمصلحة العامة وهذا من باب احتمال مفسدة صغرى لدفع مفسدة كبرى.

...يتبع....إن شاء الله....

http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624101832

http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624101874


أم وحيد 22 Jun 2021 10:37 PM

3 مرفق


http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624397475

قال الدكتور سعود الفنيسان في (ص5):

أكثر ما يقع الخلاف بين الحاكم وشعبه في سن قوانين قد يراها هو من المباح والمصالح المرسلة وهي في نظر العلماء ليست كذلك. وكلمة(شيء) في الآية نكرة في سياق الشرط تفيد العموم. أي إن تنازعتم في أي شيء قليلا كان أو كثيرا من أمور الدين أو الدنيا فردوه إلى الله ورسوله..

وقال الطوفي الحنبلي في كتابه (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية2/28) فـ( الأمر في هذه الآية عام مخصوص بما إذا دعوا الناس إلى معصية أو بدعة لا تجوز طاعتهم للحديث:" إنما الطاعة في المعروف ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وقد امتنع كثير من أئمة السلف من إجابة الخلفاء إلى المناكر والمفاسد والبدع. وهم في ذلك قدوة، والآية المذكورة حجة لهم ) ا.هـ".

أقول:

1- لا ندري عن أيّ حاكم وأيّ شعب تتحدث، ولا ندري عن علماء أي بلد تتحدث، وهل هؤلاء الحكام والشعوب ملتزمون بكتاب الله وسنّة الرسول في عقائدهم وعباداتهم وسياساتهم، ولا يوجد الخطأ عندهم وعند حكامهم إلاّ في هذه القوانين التي يقال فيها: إنّها من المباح أو من المصالح المرسلة.

الأولى بالدعاة السياسيين أن يعرفوا قبل كل شيء دعوة الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- وعلى رأسهم خاتم الأنبياء، ألا وهي الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك بالله، فمعظم بلدان المسلمين قائمة على الخرافات والبدع الشركية والعقائد الباطلة المنافية لكتاب الله وسنة رسوله، وحدث عن القبور الكثيرة المعبودة ولا حرج، فأين هؤلاء الدعاة السياسيون، وعلى رأسهم الإخوان المسلمون وجماعة التبليغ من إنكار هذه المنكرات، بل لا نرى تنظيماتهم تقوم إلاّ على كواهل الخرافيين والضلّال ومؤاخاة الروافض الغارقين في الضلال وعبادة أهل البيت، برأ الله أهل البيت منهم.

على كل إذا كان البلد حكّامه قائمون على كتاب الله وسنّة رسوله –صلى الله عليه وسلم- كـبلاد الحرمين، ورأت من باب المصالح وضع بعض الأنظمة ووقع خطأ في بعضها في نظر العلماء، فهم الذين يتولّوا مناصحة ولاة الأمر بحكمة، وفيما بينهم وبينهم، ولا دخل للعوام وهم عامّة الشعب في مثل هذه الأمور، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)، [سورة النساء : 83].

والذين يدركون هذا ويستنبطونه هم أولو العلم والعقل والرأي السديد الذين يميزون بين الحق والباطل، وبين المصالح والمفاسد، ولا يزج بالشعوب في هذه الأمور، فإنّ الزج بهم يؤدي إلى الفتن والفوضى والتفرق والتمزق وسفك الدماء كما يفعل الديمقراطيون.

2- كلام الطوفي معقول وواقع، وانظر إليه حيث لم يذكر منازعة الشعوب للحكام، ولم يذكر منازعة هؤلاء الأئمة لولاة الأمور في إمامتهم وإمارتهم، وإنّما لم يطيعوهم في البدع والمناكر والمفاسد، وعلى رأس هؤلاء الأئمة الإمام أحمد بن حنبل حينما دعي هو وعلماء الحديث والسنّة إلى القول بخلق القرآن في عهد الخلفاء العباسيين المأمون والمعتصم والواثق، فأبوا موافقتهم في هذه البدع الخطيرة.

وقد لقي الإمام أحمد وأهل السنّة البلاء الشديد والضرب والسجون ومنع الحقوق والطرد من الوظائف، وكان قلوب العامّة معهم، وضد هذا الضلال إلاّ الجهمية، ومع ذلك لم ينازعوا هؤلاء الخلفاء في الأمر، ولا نادوا بالثورات والمظاهرات، وإنّما التزموا الصبر على تلك الأهوال وسوء المعاملات، تنفيذاً لتوجيهات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- السديدة الرشيدة، ودرءاً للمفاسد التي تسفك فيها الدماء وتنهب فيها الأموال، وتأتي على الأخضر واليابس، وهكذا يكون العلماء الربانيون، وشكرهم أهل السنة في كل زمان ومكان، وساروا على نهجهم.

فهلا دعوتَ الشباب إلى الاقتداء بهؤلاء العلماء في الصبر على أشد أنواع الظلم ما دام الحاكم في دائرة الإسلام؟

ولقد فرَّج الله عنهم بالخليفة العباسي المتوكل، فرفع الله به تلك المحنة الشديدة التي نزلت بأهل السنة وعلمائهم، وأذلَّ الله به الجهمية الضلّال، وارتفعت به راية السنّة –رحمه الله-، ورحم الله الإمام أحمد وإخوانه الثابتين على الحق الصابرين على الابتلاء والامتحان.

فعلى الدعاة إلى الله أن يشكروا الله إذ عافاهم من هذه الفتن والمحن ومنَّ عليهم بحكام يحترمون السنّة والمنهج النبوي، فإن ابتلاهم بحكّام يعرفون منهم وينكرون فعليهم أن يلتزموا المنهج النبوي ومنهج العلماء الذين مرَّ ذكرهم.

ونسأل الله أن يوفق حكومة بلاد الحرمين والشعب السعودي للثبات على الكتاب والسنّة، وأن يرزق الحكّام البطانات الصالحة التي تدلهم على المعروف وتأمرهم به، وأن يجنّبهم بطانات السوء التي تدلهم على الشر وتحضهم عليه، ونسأله تعالى أن يوفق المسلمين وحكامهم للعودة إلى الكتاب والسنة عقيدة ومنهجاً وأخلاقاً وسياسة.

قال الدكتور سعود في (ص5-6):

" الوقفة الخامسة:

هل يجوز لولي الأمر تقييد المباح أو منعه؟

إذا أصدر ولي الأمر تشريعا أو نظاما يمنع فيه المباح أو يقيده بزمن كأن يُـلزم الرعية بأكل أنواع من اللحوم دون بعض أو يأمر بأكل السمك دون الدجاج، أو البقر دون الغنم. أو السفر بالطائرة دون القطار. أو ركوب الدراجة دون السيارة. أو يلزمهم بلباس معين كالشماغ والعقال. أو يمنعهم من الحديث في أمور السياسة والتجمعات و المظاهرات السلمية فيما لا ضرر فيه. إذا قامت لطلب حق أو رفع ظلم. و كل هذه الأمور مباحة لأن الشرع سكت عنها. وهذه الأمور أيضا وفق القاعدة الشرعية استصحاب (البراءة الأصلية قبل ورود دليل الشارع) بأمر أو نهي يرتب عليه ثواب أو عقاب".

التعليق:

أولاً- الحديث في أمور السياسة إذا صدر من الجهال ومن أهل الأهواء والأغراض والفتن يضرّ بالأمّة في دينها ودنياها وأمنها، ويضر بمصالحها.

قال تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)، [سورة النساء : 83].

فالكلام في السياسة يرجع فيه إلى ولاة الأمور من الأمراء والعلماء أهل الحل والعقد الذين ينظرون في عواقب الأمور وفي نتائج الكلام وثماره العائدة على الأمة بما ينفعها في دينها ودنياها ويجنبها الأضرار والفتن والتفرق والتمزق.

ثانياً- المظاهرات من شر ما شرعه اليهود والنصارى ومن جذور الديمقراطية المدمرة التي استهدفت الإسلام سياسياً وعقائدياً وأخلاقياً واجتماعياً، ولذا أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية عشرات المليارات لفرضها على المسلمين في بلدانهم.

وجيشت لتحقيق هذه الغاية الجيوش الجرارة والصواريخ والآلات المدمرة.

أرأيت لو كانت من الإسلام أو كان فيها نفع للإسلام والمسلمين أتقوم بكل هذه الجهود؟

مع أنّ المظاهرات من أعظم أدوات الفساد والإفساد، ومَن يقول: إنّ هناك مظاهرات سلمية فإنّه يكابر في واقع معروف ومشاهد ويضحك على البلهاء والمغفلين.

فما من مظاهرة في الدنيا بما في ذلك أوروبا وأمريكا إلاّ ويقع فيها من الفساد والإفساد والتخريب وتدمير الممتلكات وتحطيم السيارات ونهب المتاجر وسفك الدماء وبث الرعب والخوف ما لا يجيزه عقل ولا شرع، بل يحرمه شرع الله أعظم التحريم، ولا عبرة بالنادر إن حصل.

1- أنّها سعي في الأرض بالفساد، (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)، [سورة البقرة : 205]، (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، [سورة المائدة : 64]، (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا)، [سورة الأعراف : 56].

2- أنّها تنافي الصبر الذي أمر به الشارع على جور الولاة وقرّره علماء السنّة غير الخوارج والمعتزلة الذين يرون أنّ الخروج على الحكام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- أنّ فيها من الأضرار ما ينافي قوله -صلى الله عليه وسلم-: " لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضرار"، أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/313)، وابن ماجه حديث (2340).

4- أنّ المظاهرات تدخل دخولاً أولياً في أحاديث الفتن التي أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّها ستحدث في هذه الأمّة بعده.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "...تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ من الْفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ، قالوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ من الْفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ"، أخرجه مسلم حديث (2867).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أو يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ من الدُّنْيَا"، أخرجه مسلم حديث (118).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ على الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حتى تَصِيرَ على قَلْبَيْنِ على أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلاّ ما أُشْرِبَ من هَوَاهُ"، أخرجه مسلم حديث (144).

وغيرها من الأحاديث في هذا الباب، وفيها أقوى زاجر لأولي الألباب.

5- أنّها تدخل في البدع التي ذمها رسول الله ووصفها في خطبة بأنّها شرّ الأمور وأنّها ضلال.

ثالثاً- تقدّمت الأحاديث التي تأمر بالصبر على جور الحكام وعند رؤية ما ينكر منهم وظهور الاستئثار منهم، وإن أعطيناهم حقّهم ومنعونا حقّنا، ولم يدلّنا رسول الله على الأساليب الثورية وعلى المظاهرات سلمية أو غير سلمية، وحرَّم علينا البدع، ومن أخبثها المظاهرات، وهي تحمل في طياتها مفاسد عظمى. فكيف يجيزها شرع الله الحكيم؟ ومَن أراد أن يعلم مفاسدها وما تؤول إليه من نتائج فليأخذها من الأحداث السابقة والحالية في البلدان التي تجيز المظاهرات والتجمعات السياسية.

والحاصل أنّ المظاهرات من أخبث وأفسد ما يصادم تلك التوجيهات النبوية الناصحة الرشيدة، ولا يجوز لمسلم أن يخالف هذه التوجيهات العظيمة الصادرة عن الذي لا ينطق عن الهوى ويدَّعي جواز المظاهرات وحالها ما ذكرنا، قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)، [سورة النساء : 65].

وقد ظهر جلياً أنّ المظاهرات والمسيرات لا تجوز شرعاً، ولو كانت للمطالبة بحق أو رفع ظلم، والذي يدَّعي إباحتها أو وجوبها إمّا جاهل بالنصوص النبوية أو متجاهل لها، فليتقِ الله.

اللّهم اجعلنا من المؤمنين المحكمين لهدي هذا الرسول الصادق الأمين وسيّد الناصحين .

http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624397609

قال الدكتور سعود الفنيسان في (ص7):

" وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله- (إنّ العلماء وجميع الدعاة وأنصار الحق أوصوا بتجنّب المسيرات والمظاهرات التي تضرّ بالدعوة ولا تنفعها وتسبّب الفرقة بين المسلمين والفتنة بين الحكام والمحكومين ) مجموع الفتاوى 7/344 .

فسماحته لم يعترض على المظاهرات السلمية وإنّما منع المظاهرات غير السلمية وهي التي ينتج منها المفاسد والفتن وهذه حرام ولا شك".

التعليق:

أقول:

إنّ الإمام ابن باز –رحمه الله- عرف ما تنطوي عليه المظاهرات من مفاسد وشرور وأنّها تضر ولا تنفع، فقدَّم هذه النصيحة للناس عامة ولأهل الدعوة خاصة.

ولقد جاء بألفاظ عامة لكل أشكال المظاهرات، فلم يخصّص، وأطلق، ولم يقيد بالسلمية ولا بالقتالية، فتقييد المظاهرات العامة المطلقة في كلام هذا الإمام بالسلمية تقويل له بما لم يقل ولا يدل عليه كلامه من قريب ولا من بعيد، ولو كان يعتقد الفرق بين المظاهرات السلمية وغير السلمية لفرَّق؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وممّا يؤكد أنّ الإمام ابن باز لا يفرِّق بين المظاهرة السلمية وغير السلمية كلامه الآتي:

قال –رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (27/162-164) خلال محاضرة له:

"...وعليك باللين والرحمة والرفق. ولمّا بعث الله موسى وهارون لفرعون ماذا قال لهما، قال سبحانه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}([3])، فأنت كذلك لعلّ صاحبك يتذكّر أو يخشى، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((اللّهم مَن ولي من أمر أمّتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، اللّهم مَن ولي من أمر أمّتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه))([4])، وهذا وعد عظيم في الرفق ووعيد عظيم في المشقة، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((مَن يحرم الرفق يحرم الخير كله))([5])، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالرفق فإنّه لا يكون في شيء إلاّ زانه ولا ينزع من شيء إلاّ شانه))([6]).

فالواجب على الداعي إلى الله أن يتحمل، وأن يستعمل الأسلوب الحسن الرفيق اللين في دعوته للمسلمين والكفار جميعاً، لا بد من الرفق مع المسلم ومع الكافر ومع الأمير وغيره ولاسيما الأمراء والرؤساء والأعيان، فإنهم يحتاجون إلى المزيد من الرفق والأسلوب الحسن لعلهم يقبلون الحق ويؤثرونه على ما سواه، وهكذا من تأصلت في نفسه البدعة أو المعصية ومضى عليه فيها السنون يحتاج إلى صبر حتى تقتلع البدعة وحتى تزال بالأدلة، وحتى يتبين له شر المعصية وعواقبها الوخيمة، فيقبل منك الحق ويدع المعصية.

فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات. ويلحق بهذا الباب ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات التي قد تسبب شراً عظيماً على الدعاة، فـالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فـالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن، فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم. ولا شك أنّ هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله"([7]).

فسماحته كما ترى ينصح الداعي إلى الله:

1- أن يستعمل الأسلوب اللين الرفيق في دعوته للمسلمين والكفار جميعاً.

2- وأنّه لابد من الرفق مع المسلم والكافر والأمير وغيره.

3- أكدَّ هذا بالحث على الرفق بالأمراء وغيرهم ، فقال: " ولاسيما الأمراء والرؤساء والأعيان، فإنّهم يحتاجون إلى المزيد من الرفق والأسلوب الحسن".

4- ويقول: " فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق".

5- ويقول: " والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق".

وعدّد هذه الوسائل السيّئة العنيفة، ومنها المظاهرات، ولم يقيّدها بغير السلمية ولا بالسلمية، وذكر أنّها قد تسبّب شراً عظيماً على الدعاة، ثم قال:

" فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة".

6- بيّن الطريق بأنّه يكون بالزيارة والمكاتبة..الخ.

7- ثم أكّد بطلان المظاهرات، وأنّها لا صلة لها بالإسلام، فقال:

" فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم..الخ".

ولو كان يُفرِّق بين المظاهرات السلمية وغير السلمية لما استخدم أسلوبا واحداً في نصائحه، ألا وهو التعميم والإطلاق، لأنّها كلّها شرّ وبلاء وتخريب وتدمير، ولو كانت في بدايتها سلمية، ولو أدرك الشيخ ابن باز –رحمه الله- ما يجري الآن في المظاهرات من الدماء وإزهاق الألوف المؤلفة من الأرواح وإتلاف الأموال وتعطيل المصالح وتشريد الضعفاء والمساكين لما قال: قد تسبب كذا وكذا ، ولكان كلامه أشد في ذمها وتحريمها وبيان مفاسدها المحققة المؤكدة.

وأرى أنه يجب على الدكتور الاعتذار عن تحميله لكلام الإمام ابن باز ما لم يقصده ولا يدل عليه كلامه من قريب ولا من بعيد.

وعلماء السنّة في كل مكان يحرمون المظاهرات ولله الحمد، ومنهم علماء المملكة العربية السعودية، وعلى رأسهم العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي المملكة سابقاً، والعلامة محمد بن صالح العثيمين، وهيئة كبار العلماء وعلى رأسهم مفتي المملكة الحالي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان وفضيلة الشيخ صالح اللحيدان، ومحدِّث الشام محمد ناصر الدين الألباني، وعلماء السنّة في اليمن وعلى رأسهم الشيخ مقبل الوادعي، وعلماء الجزائر وعلى رأسهم الشيخ محمد علي فركوس، رحم الله مَن مضى منهم، وحفظ الله وثبّت على السنّة مّن بقي منهم، وجنّب المسلمين البدع والفتن ما ظهر منها وما بطن.

يتبع.

كتبه:
ربيع بن هادي عمير المدخلي

12/4/1432هـ
--------------------------------------------------------------------------------
الحواشي:

[1] - إلا من عبوديته لله.
[2] - جاء في مقال الدكتور: "ورسوله".
[3] - سورة طه الآية 44.
[4] - أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر برقم 1828.
[5] - أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق برقم 2592، وأبو داود في كتاب الأدب، باب في الرفق برقم 4809.
[6] - أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق برقم 2592، وأبو داود في كتاب الأدب، باب في الرفق برقم 4809.
[7] - هذا الكلام من محاضرة رائعة، ألقاها في جامعة أم القرى بمكة المكرمة تحت عنوان: "الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع"، وهي محاضرة رائعة في موضوعها وأسلوبها وأدلتها.


المصدر


http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624397746



أم وحيد 28 Jun 2021 10:50 AM

2 مرفق


http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624873277


بسم الله الرّحمن الرّحيم



حكم المظاهرات في الإسلام


حوار مع الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان

(الحلقة الثانية)


قال الدكتور في (ص7-8):

"الوقفة السادسة: أدلّة المظاهرات السلميّة:

1- الأصل فيها الإباحة والبقاء على البراءة الأصلية حتى يرد دليل خاص في المنع وهي وسيلة جديدة ولا يترتب عليها مفسدة لأنها سلمية بحته. ومتى ترتب عليها مفسدة فهي محظورة.

2- جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلّها أدلة للمظاهرات السلميّة كقوله تعالى:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... "،[آل عمران: 110].

وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين :"مَن رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

ويجوز الاحتجاج([1]) على المنكر بسائر الجوارح ويقاس على اليد واللسان- كل وسيلة مناسبة كما قرّره السّلف والخلف في مصنفاتهم.

كما قرّر العلماء إذا حضر جماعة مكانا أو حفلا فيه منكر ولم يستطيعوا أن يغيّروه فيجب عليهم أن يخرجوا و يفارقوا المكان. وهذا هو عين الاحتجاج على المنكر وأهله".


التعليق:

أقول: أمر عجيب هذا:

1- إذ يعترف أنّ المظاهرات الأصل فيها الإباحة والبقاء على البراءة الأصلية، ثم يدّعي أن جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات السلمية، وهذا منه اضطراب وتناقض واضح.


وهذا تعريف الإباحة والبراءة الأصلية عند الأصوليين:

قال ابن قدامة -رحمه الله- في "روضة الناظر" مع مذكرة أصول الفقه (ص44-45) :

"القسم الثالث (المباح) وحده ، ما أذن الله في فعله وتركه غير مقترن بذمّ فاعله وتاركه ولا مدحه، وهو من الشرع .."، الخ كلامه .

علّق عليه العلامة الشنقيطي –رحمه الله- بقوله: "اعلم أنّ الإباحة عند أهل الأصول قسمان :

(أ) الأولى : إباحة شرعية، أي عرفت من قبل الشرع كإباحة الجماع في ليالي رمضان المنصوص عليها بقوله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)، [سورة البقرة: 187]، وتسمى هذه الإباحة الإباحة الشرعية .

(ب) الثانية: إباحة عقلية وهي تسمّى في الاصطلاح البراءة الأصلية، والإباحة العقلية وهي بعينها (استصحاب العدم الأصلي حتى يرد دليل ناقل عنه ).


ومن فوائد الفرق بين الإباحتين المذكورتين أنّ رفع الإباحة الشرعية يسمى نسخًا كرفع إباحة الفطر في رمضان ، وجعل الإطعام بدلاً عن الصوم المنصوص في قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، [سورة البقرة:184]، فإنّه منسوخ بقوله: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [سورة البقرة: 185].


وأمّا الإباحة العقلية فليس رفعها نسخًا؛ لأنّها ليست حكما شرعيا، بل عقليًّا".

أ- فهي إباحة عقليّة وليست شرعيّة.

ب- استصحاب هذه الإباحة والبراءة حتى يرد دليل شرعي ناقل عنها، ولا دليل مع الدكتور.

جـ- أنّها ليست حكماً شرعياً، بل هي حكم عقلي، وهذا على التسليم بأنّ الأصل في المظاهرات والمسيرات الإباحة، والحقّ أنّها محرّمة، وتتناولها بالتّحريم عدد من الأدلّة، ومنها أدلّة تحريم الإحداث والابتداع في الدّين، وآيات وأحاديث النّهي عن الفساد والإفساد في الأرض، والأحاديث الآمرة بالصبر على جور الأمراء واستئثارهم وإتيانهم بما ينكره المسلمون عليهم.


2- مَن قال من علماء الإسلام المعتبرين أنّ الأصل في المظاهرت الإباحة؟


3- إنّ المظاهرات فيها مطالبات الحكام بالحريات ومطالباتهم بالحقوق، وهذا العمل من الشغب والفساد يأباه الإسلام بأدلّته الجليّة الواضحة.


ومن الأدلّة قول الرسول الكريم والنّاصح الأمين:

"إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟ قال: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"، متفق عليه، أخرجه البخاري حديث (3603)، ومسلم حديث (1843).

فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أطلعه الله على ما سيكون في هذه الأمّة من جور الأمراء واستئثارهم بالأموال والمناصب وغيرها، ولما أخبر أصحابه بهذا الواقع الذي سيكون لا محالة، سأله أصحابه الكرام: كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟

فأجابهم -صلى الله عليه وسلم- بما يجنّبهم الخوض في الفتن وسفك الدّماء، فقال: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ". ولم يقل -صلى الله عليه وسلم-: ثُورُوا عليهم وتظاهروا،، وطالبوا بحقوقكم، وامنعوهم حقهم كما منعوكم حقوقكم.


ولا تنس أنّ الدكتور قد ادّعى أنّ المظاهرة حصلت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد بيّنا بطلان هذه الدعوى.

وقال -صلى الله عليه وسلم- للأنصار الكرام: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حتى تَلْقَوْنِي على الْحَوْضِ"، أخرجه البخاري حديث (3792)، ومسلم (1845).

فلم يأمر الأنصار الذين قامت على كواهلهم وكواهل المهاجرين نصرة الرسول والإسلام ودولة الإسلام العظمى التي لا نظير لها، لم يأمرهم إلاّ بالصبر في هذه الدنيا حتّى يلقوه -صلى الله عليه وسلم- على الحوض.

إنّ حق الأنصار على المسلمين والحكّام لعظيم وعظيم، ومع ذلك يأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصبر عند وجود الأثرة لا بمناهضة الحكّام الّذين لا دور لهم في إقامة دولة الإسلام ونصرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في حال الشدّة والقلّة في العدد والعدّة والمال.

وهذا أَصْلٌ ربّى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمّته، ودان به أئمّة الإسلام وقرّروه، ورفضه الخوارج الّذين نكبوا الإسلام والمسلمين بفتنهم وسفكوا دماءهم.

وقد حذَّر منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (3611)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1066).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "...يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (3344)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1064).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إلى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا منه في شيء"، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (3/224).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: " الخوارج كلاب النّار"، أخرجه أحمد في "مسنده" (4/355)، وابن ماجه في "سننه" حديث (173).


ومعلوم عند أهل العلم والتأريخ أنّ الخوارج قسمان:


-قسم: يسلّون السّيوف على الحكّام والأمّة.

-وقسم: يحرّكون الفتن بالكلام والإثارة والتهييج على الخروج. وهم المعرفون بـالقعد، ورأس هذا الصنف عمران بن حطان مادح ابن ملجم قاتل علي.


وبعض الأحزاب السياسية هم امتداد لهذا النّوع من الخوارج، كما أنّ المعتزلة امتداد لهم.


وهاك كلام بعض أهل العلم في وصف الخوارج القعد.

قال أبو بكر البيهقي في "القضاء والقدر" (330) رقم (573):

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا يعلى حمزة بن محمد العلوي النهدي يقول : سمعت أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن القاسم الحسني - وما رأيت علويا أفضل منه زهدا وعبادة - يقول : المعتزلة قعدة الخوارج عجزوا عن قتال الناس بالسيوف فقعدوا للناس يقاتلونهم بألسنتهم أو يجاهدونهم - أو كما قال -.


وقال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (5/303):

" وكان من رءوس الخوارج من القعدية بفتحتين وهم الذين يحسنون لغيرهم الخروج على المسلمين ولا يباشرون القتال قاله المبرد قال وكان من الصفرية وقيل القعدية لا يرون الحرب وإن كانوا يزيّنونه".


وقال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (454):

"عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور كان يرى رأي الخوارج. قال أبو العباس المبرد: كان عمران رأس القعدية من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم انتهى. والقعدية قوم من الخوارج كانوا يقولون بقولهم ولا يرون الخروج بل يزينونه وكان عمران داعية إلى مذهبه وهو الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي -رضي الله عنه- بتلك الأبيات السائرة".


فـالمظاهرات تنطوي على مقدمات من إثارة الأحقاد والتهييج على طريقة الخوارج القعد، وإشعار الناس بالظلم، وحث للناس على المطالبات بالحقوق والحريات وغير ذلك من المثيرات، وقبل ذلك نفخ ونفث الشيطان في النفوس، ثم يندفع الناس في الشوارع والميادين في هياج وفوضى وصخب والغالب أن يكون من المتظاهرين تحد وتخريب، لا يحكمهم ولا يحكم عواطفهم عقل ولا شرع. فتأتي النتائج المرة من الاصطدام بقوّات الدولة؛ الأمر الذي يؤدّي إلى سفك الدماء وإهدار الأموال ونهبها إلى آخر المفاسد التي حصلت وتحصل.


وقول الفنيسان عن المظاهرات: "وهي وسيلة جديدة ولا يترتب عليها مفسدة".


كلام باطل ومصادم للواقع، بل للشرع الإسلامي، فكم يقع بها ويترتّب عليها من المفاسد الكثيرة والكبيرة من التخريب والتدمير للممتلكات وإزهاق الأرواح وغرس الشحناء والأحقاد، (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)، [سورة البقرة: 205].

وكل فساد وإفساد في الأرض إلى يوم القيامة تتناوله الآيات والأحاديث الناهية عن الفساد والإفساد، وأصول الإسلام وفروعه كذلك، ومن أعظم الفساد والإفساد المظاهرات وما يترتب عليها من الشرور وأخطر أنواع الفساد والإفساد، ولا ينكر ذلك إلا مكابر.



قال الدكتور: "2- جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات السلمية".


التعليق:


1- تذكّر أيّها القارئ تقريره السابق بأنّ الأصل في المظاهرات الإباحة، وتذكّر أنّها لا ترقى حتى إلى الإباحة، وقد بيّنتُ لك فيما سلف أنّ الأصل فيها التحريم.

2- ليس للمظاهرات أيّ صلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا بآياته وأحاديثه، وحاشا هذه الشريعة الحكيمة الغرّاء أن تشرّع الفوضى الّتي لا يقوم بها إلاّ الدهماء وأهل الغوغاء وأهل المطامع الدنيوية والأهواء ومَن ينخدع بهم من البلهاء.

3- إنّ المظاهرات معروفة لدى العرب والعجم، وهي عبارة عن تجمّعات غوغائية، يشترك في المطالبات بها المسلم الغِرّ والكافر يجوبون فيها الشوارع والميادين، ولهم شعارات وهتافات بأصوات عالية منكرة وحركات بغيضة واختلاط منكر بين الرجال والنساء يحرمه الإسلام ويأباه الشرف والمروءة.

وغالباً أو تسعة وتسعين في المائة أن يكون فيها تخريب وتدمير للممتلكات، ونهب للمتاجر، وإحراق للسيارات، ويكون فيها سفك للدماء، ويندر جداً أن تكون سلمية، والحكم للغالب لا للنادر.

أفيجوز لمسلم أن يدَّعي هذه الدّعوى العريضة أنّ جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات؟

فالأحاديث التي أسلفناها ومنهج أهل السُنَّة والجماعة وأئمّتهم كلّها تدين الديمقراطية أمّ المظاهرات، وتدين المظاهرات القائمة فعلاً على الفساد والإفساد.

ومَن يقول غير هذا فقد صادم نصوص القرآن والسُنَّة وما عليه أئمّة الإسلام وأهل الحق والسُّنَّة.


4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الإسلام، والمعروف أوّل ما يدخل فيه التّوحيد، والمنكر أوّل ما يدخل فيه الشّـِرْكُ والبِدَع الكبرى.

فهل المظاهرات التي شرعها اليهود والنصارى من أهدافها وأولوياتها الدعوة إلى التّوحيد ومحاربة الشرك والبدع والضلالات؟

وعلى فقهك هذا الذي لم تسبق إليه تكون المظاهرات لأتفه الأسباب من أوجب الواجبات.


فاتّقِ الله في الإسلام والمسلمين، فلقد أدخلتَ المظاهرات في التشريع الإسلامي من باب المباحات، ثم قفزت بها قفزة هائلة إلى أن جعلتها من أوجب الواجبات، فجعلت آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدلّة على المظاهرات السلميّة، وهذا والله من أنكر المنكرات.

ومعروف أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الإسلام، ومن أوجب الواجبات، فكيف تجعل المظاهرات من أصول الإسلام، ومن أوجب الواجبات مع أنّها في الحقيقة من أخبث البدع ومن أنكر المنكرات؟


5- إنّ المظاهرات من أقذر تشريعات اليهود والنصارى، فلا يجوز لمسلم أن يدنّس بها الإسلام، وهي من أنكر المنكرات، فالآيات والأحاديث الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر تتناولها باعتبارها من أنكر المنكرات، وهي ضد المعروف الذي شرعه الإسلام، ودان به المسلمون الملتزمون بعقائد الإسلام وعباداته وسياسته وأخلاقه.


6- إنّ الآيات والأحاديث التي تذمّ التّفرّق والاختلاف وأسبابهما لتنطبق على المظاهرات وما يترتب عليها.


7- إنّ الأحاديث التي تذمّ البدع وتحذّر منها وتصفها بأنّها من شرّ الأمور لتنطبق على المظاهرات مهما كان شكلها.


ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في جلّ خطبه أو كلّها:

"أَمَّا بَعْدُ فإن خَيْرَ الحديث كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"، أخرجه مسلم حديث (867)، وأحمد (3/371).

والمظاهرات من شرّ البدع والمحدثات، وليست من هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، نزهه الله عنها.

ويقول -صلى الله عليه وسلم- في موعظته العظيمة التي ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قال العرباض -رضي الله عنه- فقلنا: يا رَسُولَ اللَّهِ كأن هذه مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، قال:

" أوصيكم بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإن كان عَبْداً حَبَشِيًّا، فإنّه من يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بعدي اخْتِلاَفاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فإنّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وإن كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ"، أخرجه أحمد في "مسنده" (4/126)، وأبو داود حديث (4607)، والترمذي حديث (2676).


والمظاهرات من شرّ البدع والضلالات التي حذرنا منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهي مخالفة لسنّته وسنّة خلفائه الراشدين المهديّين التي أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نعضّ عليها بالنّواجذ.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ من كان قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشبر وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قال: فَمَنْ"، أخرجه البخاري حديث (3456)، ومسلم حديث (2669).


والمظاهرات من سنن اليهود والنصارى، ولا يأخذ بها ويتّبعهم فيها إلاّ مَن خذله الله فيخالف المنهج الإسلامي والنّصوص القرآنية والنّبوية، فيتعلق بها ويحرِّف لها النّصوص القرآنية والنبوية، فيزداد فتنة على فتنته، ويفتن الناس بهذا العمل، "وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينقصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"، أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (1017)، وأحمد في "مسنده" (4/357) . وقد يكون من هذه الأوزار دماء وأشلاء المسلمين.


8- كل الآيات والأحاديث الناهية عن الفساد والإفساد تنطبق على المسيرات والمظاهرات بكل أشكالها وآثارها.


http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624874763


قال الدكتور في (ص8) :

"3- حديث أبي هريرة عند أبي داوود والبخاري في (الأدب المفرد 1/216) قال:" قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنّ لي جارا يؤذيني فقال له أصبر - ثلاثا- فكرّر عليه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : انطلق فأخرج متاعك في الطريق. فأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه فقالوا: ما شأنك؟ قال: لي جار يؤذيني فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: انطلق فاخرج متاعك إلى الطريق فجعلوا يقولون: اللّهمّ العنه. اللّهمّ أخزه، فأتاه جاره فقال له: ارجع إلى منـزلك فو الله لا أوذيك".


أقول:

1- تذكّر أنّه قد ادّعى أنّ الأصل في المظاهرات الإباحة، وقد عرفت معنى الإباحة، وأنّها ليس لها دليل شرعي.

2- إنّ هذا الحديث لا يدلّ على المظاهرات، لا من قريب ولا من بعيد، وفي الاستدلال به على المظاهرات غلوّ شنيع. إذ مؤدّى هذا الاستدلال أنّه كلّما وقع ظلم على شخص من حاكم أو محكوم ولو كان ضعيفاً قام الشعب بمسيرات ومظاهرات، وتصب على الظالم اللّعنات.

فهذه المظاهرات لا يقول بها ولا يدعو إليها حتّى الغُلاة في الديمقراطية ولا مَن اخترعوها، فَاتَّقِ الله، فلا تحمل النصوص النبوية ما لا تحتمله وما لا يقبله عقل ولا شرع، ولا حتّى الغلاة في الديمقراطية والمظاهرات؛ لأنّ مؤدى فقهك أنّ الناس سيعطّلون مصالحهم الدينية والدنيوية لانشغالهم بالمظاهرات على مر الأيام والسنوات؛ لأنّه لا يخلو وقت من ظلم الأفراد للآخرين.

3- هذا الاجتماع المذكور في الحديث لم يكن عن تنسيق سابق ممّن اجتمعوا على هذا الرجل، وليس لهم مطالب ضد الحاكم، كما هو واقع المظاهرات، وكلّ ما في الأمر أنّ رجلاً جلس في قارعة الطريق بطريقة عجيبة، والناس يخرجون إلى أعمالهم، فيأتي الرجل فيقف عند هذا المشهد الغريب، ويأتي الثاني والثالث كذلك، فحصل منهم في هذا الاجتماع استنكار على أذى جاره، فقد ظهر لك أنّ هذا الاجتماع الذي حصل على الوجه الذي ذكرنا ليس من المظاهرات في شيء، فلا سبب ولا غاية، ولا تجمّع مقصود، ونعوذ بالله من الجرأة على تحريف الكلام عن مواضعه.

وأنا أسأل: مَن سبقك إلى هذا الفقه من فحول الإسلام؛ فقهاء ومحدّثين ولغويّين؟


قال الدكتور في (ص8-9):

"4- ومنها الحديث الصحيح عند أصحاب السنن أبو داوود (2/245) وابن ماجه (2/366) والنسائي في الكبرى ( 5/371)والحاكم (المستدرك 2/188) على شرط مسلم ووافقه الذهبي . وأخرجه ابن حبان في (صحيحه 9/499) وعبد الرزاق في (مصنفه 9/442) عن إياس بن عبد الله قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله قد ذئـر(اجترأ) النساء على أزواجهن. فأمر بضربهن. فلمّا أصبح قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لقد طاف البارحة بآل محمد سبعون امرأة، كلّ امرأة تشتكي زوجها ثم قال : فلا تجدون أولئك خياركم"ا.هـ .

فإذا كان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- خرجن جماعات أو فرادى في ليلة واحدة يشتكين ضرر أزواجهن أليست هذه هي مظاهرة سلمية؟! فما الفرق بين هذا لو خرج اليوم أو غدا مثل هذا العدد أو أقل أو أكثر أمام وزارة الداخلية، أو وزارة العدل، أو المحكمة الشرعية، أو دار الإفتاء، يطالبن بتوظيفهن أو رفع ظلم أوليائهن أولئك الذين يمنعونهن من الزواج أو خرجن يطالبن بإطلاق أولادهن أو أزواجهن الذين طال سجنهم مع انتهاء مدة الإحكام الصادرة بحقهم أو لم يحاكموا أصلا !! وإذا جاز هذا للنساء كما جرى في عهد النبوة فما الذي يمنعه في حق الرجال قولوا الحق يا رعاكم الله!!؟".


التعليق:

أقول:

1- أعتقد أنّه لا توجد في الدنيا مظاهرات مثل هذه المظاهرات التي يدعو إليها هذا الرجل، وما أعتقد أن أحداً يفكر هذا التفكير.

أرأيت لو كان هذا الرجل وزيراً أو قاضياً أو رئيساً لدار الإفتاء أيقبل مثل هذه الفتن والفوضى ضدّه وضدّ غيره في المؤسسات الأخرى إذا كانوا من أصدقائه؟


2- إنّ هذا الحديث مداره على رجل اسمه إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي، وقد اختلف في صحبته. قال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" (2/280):

" إياس بن عبد الله بن أبى ذباب الدوسي مديني له صحبة، روى عنه عبد الله بن عبد الله بن عمر سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك".

والظاهر أن أبا حاتم وأبا زرعة إنّما حكما له بالصحبة بناء على إسناد هذا الحديث. وهذا وحده لم يقنع الأئمّة أحمد والبخاري وابن حبان، فنفوا صحبته، وهذا النفي حال بين الذهبي والحافظ ابن حجر وبين الجزم بصحبته.

قال الذهبي في "الكاشف": مختلف في صحبته، وعنه ولد لابن عمر د س ق. ولم يزد على ذلك.

وقال في "تذهيب التهذيب": د س ق إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي مختلف في صحبته له عن النبي –صلى الله عليه وسلم- "لا تضربوا إماء الله، وعنه عبد الله ويقال عبيد الله بن عبد الله بن عمر". ولم يزد على ذلك، ولم يرجح صحبته، ولا عدم صحبته.

وترجم الحافظ ابن حجر لإياس هذا في كتابه "تهذيب التهذيب" (1/389)، وقال : "مختلف في صحبته...، ثم قال: قلت: جزم أحمد بن حنبل والبخاري وابن حبان أن لا صحبة له، ولم يخرج أحمد حديثه في مسنده، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وذكره في الصحابة، والراجح صحبته".

وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" خلال ترجمته لإياس: "مختلف في صحبته، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين" ، ولم يرجح الحافظ هنا صحبته كما ترى.


والظاهر أنّه غيّر رأيه في الترجيح، والدليل على ذلك أنّه ألّف "تقريب التهذيب" بعد تأليفه لـتهذيب التهذيب، وقد نصَّ على ذلك في مقدمة "تقريب التهذيب" فيكون رأيه الأخير هو ما قاله في "التقريب"، وهو عدم الجزم بصحبته.

وقال الحافظ في "الإصابة" (رقم382): " إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي من أهل مكة قال ابن حبان يقال: إنّ له صحبة، ثم أعاده في التابعين، وقال: لا يصح عندي أن له صحبة، روى له أبو داود والنسائي وغيرهما حديثاً بإسناد صحيح، لكن قال ابن السكن: لم يذكر سماعاً، وقال البخاري: لا نعرف له صحبة".


وقول الحافظ: "بإسناد صحيح" ، يقصد أنّ الإسناد صحيح إلى إياس لا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


أقول: والذي يترجح لي أنّه لا تثبت له الصحبة. وذلك أنّ العلماء قد قرّروا الأمور التي تثبت بها صحبة الصحابي، وهي: كما قال الحافظ في "الإصابة" (1/14):

" الفصل الثاني: في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابياً.

وذلك بأشياء : أوّلها أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي ، ثم بالاستفاضة والشهرة، ثم بأن يروى عن آحاد من الصحابة أن فلانا له صحبة مثلا ؛ وكذا عن آحاد التابعين ، بناء على قبول التزكية من واحد؛ وهو الراجح، ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة: أنا صحابي .

أمّا الشرط الأول - وهو العدالة - فجزم به الآمدي وغيره؛ لأنّ قوله قبل أن تثبت عدالته: أنا صحابي أو ما يقوم مقام ذلك - يلزم من قبول قوله إثبات عدالته؛ لأنّ الصحابة كلّهم عدول، فيصير بمنـزلة قول القائل: أنا عدل؛ وذلك لا يقبل.."([2]) .


أقول: إنّ إياساً لم يوجد له من الأشياء المذكورة أيّ شيء، فلم تثبت صحبته عن طريق التواتر، ولا عن طريق الاستفاضة والشهرة، ولا بشهادة أحد من الصحابة أنه من الصحابة، ولم يقل هو: إني صحابي، ولا قال أحد من ثقات التابعين: إنّه صحابي.

ثم هو قد روى هذا الحديث بصيغة لا يثبت بها سماعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو ليس له إلاّ حديث واحد فقط، لم يقل: حدثني أو حدثنا رسول الله أو سمعت أو سمعنا رسول الله يقول كذا، وإنّما قال في روايته لهذا الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبمقتضى قواعد أهل الحديث يصير إياس تابعياً مجهولاً، فحديثه هذا حسب أصول أهل العلم ضعيف؛ لأنه حديث مرسل، فيه جهالة.

أضف إلى هذا أنّه معارض لقول الله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً)، [سورة النساء : 34]. فقد أباح الله للرجال ضرب النساء إذا استدعى الحال ذلك.

ومعارض أيضاً للحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال في حجة الوداع: "... فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ولكم عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.."([3]).

فقد أباح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للرجال ضربهن إذا وجد موجب لضربهن. قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسير هذه الآية (4/27): "وكذا قال ابن عباس وغير واحد ضرباً غير مبرح، قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر، وقال الفقهاء هو أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا".

فقد ظهر أنّ حديث إياس بن عبد الله مع ضعفه، قد خالف نصاً قرآنياً وحديثاً نبويّاً صحيحاً وعليه عمل فقهاء الإسلام.

قال البغوي بعد إيراد هذا الحديث: " فيه دليل على جواز ضرب النساء على ما أتين به من الفواحش، وتركن من الفرائض، وكذلك إذا خرجت بغير إذنه من بيته، أو أدخلت بيته غير ذي محرم لها، أو خانته خيانة ظاهرة، فله تأديبها بالضرب، لأنّه قيّم عليها، ومسؤول عنها" ، "شرح السنة"، (9/159).


فبطل قول الدكتور: " فإذا كان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- خرجن جماعات أو فرادى في ليلة واحدة يشتكين ضرر أزواجهن أليست هذه هي مظاهرة سلمية؟!".


وأقول:

1- إنّ هذا لفقه باطل، فالحديث على ضعفه لا يدل على مظاهرة سلمية، ولا غير سلمية، وهو على ضعفه لا يدل على تجمع مقصود ولا غير مقصود، وإنما فيه أن نساء جئن إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، كل واحدة جاءت على انفرادها تشكو زوجها، ثم تذهب، وتأتي الأخرى تشكو زوجها وتذهب، فأين هي المظاهرات المعروفة بصخبها وهتافاتها في الشوارع والميادين بتجمعاتها المعروفة.


2- إنّ هذا الفقه فيه إساءة إلى ذلك المجتمع النبوي الطاهر المنـزّه عن أفكار وأعمال اليهود والنصارى وتشريعاتهم المناقضة لهدي محمد –صلى الله عليه وسلم-.


ثم قال الدكتور داعياً إلى المظاهرات النسائية مع الأسف الشديد على الطريقة الأوربية:

" فما الفرق بين هذا لو خرج اليوم أو غدا مثل هذا العدد أو أقل أو أكثر أمام وزارة الداخلية، أوزارة العدل، أو المحكمة الشرعية، أو دار الإفتاء، يطالبن بتوظيفهن أو رفع ظلم أوليائهن أولئك الذين يمنعونهن من الزواج أو خرجن يطالبن بإطلاق أولادهن أو أزواجهن الذين طال سجنهم مع انتهاء مدة الإحكام الصادرة بحقهم أو لم يحاكموا أصلا !! وإذا جاز هذا للنساء كما جرى في عهد النبوة فما الذي يمنعه في حق الرجال قولوا الحق يا رعاكم الله!!؟".


أقول:

إنّ في هذا الكلام لدعوة خطيرة إلى أعمال لا تعرفها الجزيرة العربية في جاهلية ولا في الإسلام ، فأيّ مسلم حرّ أبيّ يرضى لزوجته أو أخته أو ابنته أن تخرج فتشترك في أفعال قبيحة من الفوضى والجلبة والصياح ما ينافي المنهج الإسلامي الذي يأمر النساء بالحجاب والقرار في البيوت والحياء والحشمة، وخفض الأصوات، وغض الأبصار، ومَن يأمن أن يهرع أهل الفجور إلى حضور هذه المظاهرات النسائية الشبابية التي تقوم على الهتافات المنكرة المنطوية على الفحش في الأقوال والأفعال، والتي من لوازمها قيام المجرمين بالتخريب والتدمير، بل وسفك الدماء، ومشاركة عُبّاد القبور الذين يستغيثون بغير الله ويلجؤون إليهم في الشدائد.


لقد نهى الإسلام عن التشبه بالكفار فيما هو أدنى من المظاهرات، كمشابهتهم في طريقة الأكل والشرب واللباس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تشبّه بقوم فهو منهم"، رواه أبو داود([4]) بإسناد حسن من حديث ابن عمر –رضي الله عنه-، وله شواهد، وقد ورد من قول عمر بن الخطاب، ومن قول حذيفة نحوه، فهو يرتقي إلى درجة الصحة.


لا مانع في الإسلام أن يشتكي المظلوم إلى مَن يزيل الظلم عنه، بطريقة شريفة، أمّا أن يتجمهر الرجال أو النساء أمام الوزارات والمحاكم للمطالبة بالحقوق، وقد يكون بعضها حقوقاً مفتعلة، فهذا لا يعرفه الإسلام، ولا يعترف به، ويعده تهديداً وإرجافاً بالفتن، وخروجاً عن الآداب والأخلاق الإسلامية، بل هو خروج على الحاكم المسلم.

وهذه الأعمال الشنيعة لا يعرفها المسلمون على مرّ التأريخ الإسلامي، حتى جاء تلاميذ أوروبا وأمريكا وأفراخها، فأخذوا من عقائد الأوروبيين والأمريكان وأخلاقهم ومظاهرهم وتشريعاتهم ومنها المظاهرات التي يقومون بها، تحقيقاً لمصالح سادتهم وتنفيذاً لتشريعاتهم وإفساداً في بلدان المسلمين، وتمرداً على الأخلاق والتشريعات الإسلامية الحكيمة التي تنهى عن الفساد والمفاسد التي تؤدي إليها هذه المظاهرات.

وأنا لا أظن أنّ في دعاة المظاهرات مَن دعا إلى مثل هذه الصور الغريبة البغيضة التي يدعو إليها هذا الرجل، وأعتقد أنّهم يستغربونها.

ومن المستغرب جداً أن تأتي دعوة هذا الرجل إلى المظاهرات بهذا الحماس في هذا الوقت العصيب الذي يعاني العالم الإسلامي من ويلات المظاهرات ونتائجها المرّة في الأنفس والأموال ما يشيب لهوله النواصي.

ألا يدرك هذا الرجل ومن وراءه ما حصل من المصائب والكوارث المهولة الناشئة عن المظاهرات من سفك الدماء الذي ذهب فيه آلاف القتلى وآلاف الجرحى وآلاف المشردين والترويع العام للنساء والأطفال، بل والرجال، وإهلاك الأموال والحرث والنسل.

وكم ستترك في نفوس الألوف المؤلفة من البغضاء والأحقاد والتعطش للانتقام والأخذ بالثأر، فما هو رأي أهل الدين والنهى والأبصار؟

يا هذا إنّ الله يقول: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً..)، [سورة المائدة : 32].

ورسول الهدى –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ على اللَّهِ من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ".
أخرجه الترمذي في "جامعه" حديث (1395)، وابن ماجه في "سننه" حديث (2619)، والنسائي في "المجتبى" حديث (3987) من طرق مرفوعاً وموقوفاً على عبد الله ابن عمرو، ورجح الترمذي وقفه، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" حديث (2609)، وفي صحيح الترغيب والترهيب حديث (2438)، وفي "صحيح الجامع الصغير" حديث (5077)، ويبدو لي أن هذا الحديث صحيح موقوفاً على عبد الله بن عمرو وحسن مرفوعاً بمجموع طرقه؛ لأنه روي مرفوعاً عن البراء بن عازب وبريدة وعبدالله بن عمرو من طرق فيها كلام، لكن يقوي بعضها بعضاً.


ونسأل الله العافية من الأهواء الداعية إلى الفتن والزلازل.



قال الدكتور في (ص9):

"5-قال محمد بن حرب سئل الإمام أحمد عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه قال: (يأمره قلت فإن لم يقبل؟ قال: تجمّع عليه الجيران وتهوّل عليه لعل الناس يجتمعون ويشهرون به) (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال صـ117".


أقول:

1- لا ندري من هو محمد بن حرب الذي روى هذا القول عن الإمام أحمد.

2- فيقال لهذا الرجل: أثبت العرش ثم انقش، أي أثبت أن هذا القول صدر عن الإمام أحمد.

3- أنّه لو ثبت هذا القول عن الإمام أحمد فلا علاقة له بأي وجه من الوجوه بالمظاهرات.

4- أنّ الإمام أحمد وعلماء السُنَّة واجهوا محنة القول بتعطيل صفات الله، والقول بخلق القرآن وإنكار رؤية الله في الدار الآخرة في عهد ثلاثة من خلفاء الدولة العباسية المأمون والمعتصم والواثق، فواجهوا تلك المحنة الشديدة بالحكمة والصبر انطلاقاً من التّوجيهات النبوية، مع أنّهم يعتقدون أنّ هذه العقائد التي دُعوا إليها عقائد كفرية.

جاء في "ذكر محنة الإمام أحمد بن حنبل" (ص70-71) لحنبل بن إسحاق قوله: "فلمّا أظهر الواثق هذه المقالة، وضرب عليها وحبس، جاء نفر إلى أبي عبد الله، من فقهاء أهل بغداد، فيهم بكر بن عبد الله، وإبراهيم بن علي المطبخي، وفضل بن عاصم، وغيرهم، فأتوا أبا عبد الله، وسألوا أن يدخلوا عليه، فاستأذنت لهم، فأذن لهم([5])، فدخلوا عليه، فقالوا له: يا أبا عبد الله إن الأمر قد فشا وتفاقم، وهذا الرجل يفعل ويفعل، وقد أظهر ما أظهر، ونحن نخافه على أكثر من هذا، وذكروا له أن ابن أبي دؤاد مضى على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في الكتاب مع القرآن، القرآن كذا وكذا.

فقال لهم أبو عبد الله: وماذا تريدون؟ قالوا: أتيناك نشاورك فيما نريد، قال: فما تريدون؟ قالوا: لا نرضى بإمرته ولا بسلطانه، فناظرهم أبو عبد الله ساعة، حتى قال لهم، وأنا حاضرهم: أرأيتم إن لم يبق لكم هذا الأمر، أليس قد صرتم من ذلك إلى المكروه، عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقّوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ولا دماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، ولا تعجلوا، واصبروا حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر، ودار بينهم في ذلك كلام كثير لم أحفظه، واحتج عليهم أبو عبد الله بهذا. فقال له بعضهم: إنا نخاف على أولادنا، إذا ظهر هذا، لم يعرفوا غيره ويمحى الإسلام ويدرس. فقال أبو عبد الله : كلا، إن الله عز وجل ناصر دينه وإن هذا الأمر له رب ينصره، وإنّ الإسلام عزيز منيع.
فخرجوا من عند أبي عبد الله، ولم يجبهم إلى شيء ممّا عزموا عليه أكثر من النهي عن ذلك، والاحتجاج عليهم بالسمع والطاعة، حتى يفرج الله عن الأمّة، فلم يقبلوا منه".

وقال أبو بكر الخلال في "السنة" ( 1/ 132):

" وأخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله يأمر بكف الدماء وينكر الخروج إنكارا شديدا.

أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي قال: ثنا معاوية بن هشام قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم أنهما كرها الدم يعني في الفتنة.

أخبرني محمد بن أبي هارون([6]) ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث([7]) حدثهم قال: سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد، وهَمَّ قوم بالخروج فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: سبحان الله الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه ( يعني أيام الفتنة )؟ قلت: والناس اليوم، أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: وإن كان فإنّما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمّت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا، ويسلم لك دينك خير لك، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، وقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به".

فموقف الإمام أحمد هذا مستمد من منهاج النبوة في حماية الأمّة من الفتن التي تؤدي إلى سفك الدماء ونهب الأموال وإهدارها وقطع السبل إلى شرور أخرى.

ومن هذه الفتن التي حذَّر منها الإمام أحمد وغيره المظاهرات والمسيرات الوافدة من بلدان الكفر والفتن.



أم وحيد 28 Jun 2021 11:18 AM

1 مرفق


http://www.tasfiatarbia.org/vb/attac...1&d=1624875292

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- يحدثنا عن تلك الفتنة وصبر أهل السُنَّة عليها.

قال –رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (6/214-215):

" وأحمد إنّما اشتهر أنّه إمام أهل السُنَّة، والصابر على المحنة؛ لما ظهرت محن "الجهمية" الذين ينفون صفات الله تعالى، ويقولون: إن الله لا يرى في الآخرة، وإن القرآن ليس هو كلام الله؛ بل هو مخلوق من المخلوقات، وإنه تعالى ليس فوق السماوات، وان محمداً لم يعرج إلى الله، وأضلوا بعض ولاة الأمر؛ فامتحنوا الناس بالرغبة والرهبة، فمن الناس من أجابهم رغبة، ومن الناس من أجابهم رهبة، ومنهم مَن اختفى فلم يظهر لهم.

وصار مَن لم يجبّهم قطعوا رزقه وعزلوه عن ولايته، وان كان أسيرا لم يفكوه ولم يقبلوا شهادته، وربما قتلوه أو حبسوه.


المحنة" مشهورة معروفة، كانت في إمارة المأمون، والمعتصم، والواثق، ثم رفعها المتوكل، فثبت الله الإمام أحمد، فلم يوافقهم على تعطيل صفات الله تعالى، وناظرهم في العلم فقطعهم، وعذّبوه فصبر على عذابهم، فجعله الله من الأئمّة الذين يهدون بأمره كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، [سورة السجدة : 24]. فمَن أُعْطِيَ الصبر واليقين جعله الله إماما في الدّين".

أقول:

معلوم أنّ السّلف، ومنهم الإمام أحمد كانوا يُكفِّرون بـتعطيل صفات الله وبالقول بـخلق القرآن وبـانكار رؤية الله في الآخرة، ولم يكتف الجهميّة بهذه الفتنة، بل أضافوا إليها تكفير مَن يخالفهم وامتحانهم بما ذكره شيخ الإسلام، ومع كل هذا فلم يقوموا بمظاهرات ولا خروج، وإنّما قاموا بـالصبر المشروع دفعاً لمفسدة كبرى عن المسلمين تهدر فيها أرواحهم وأموالهم إلى غير ذلك من المفاسد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/527-528):

" وقلّ مَن خرج على إمام ذي سلطان إلاّ كان ما تولّد على فعله من الشرّ أعظم ممّا تولّد من الخير كالّذين خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الّذي خرج على عبد الملك بالعراق وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا وكالّذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء

وغاية هؤلاء إمّا أن يغلبوا وإمّا أن يغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة فإنّ عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللّذان قتلا خلقا كثيرا وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور. وأمّا أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا
".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/529-530):

"وكان الحسن البصري يقول إنّ الحجاج عذاب الله فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ولكن عليكم بالاستكانة والتّضرّع. فإنّ الله تعالى يقول: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون)، وكان طلق بن حبيب يقول اتّقوا الفتنة بالتّقوى فقيل له أجمل لنا التّقوى فقال أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله. رواه أحمد وابن أبي الدنيا

وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث ولهذا استقر أمر أهل السُنَّة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين.

وباب قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشتبه بالقتال في الفتنة وليس هذا موضع بسطه ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب واعتبر أيضا اعتبار أولى الأبصار علم أنّ الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور
".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/531):

"وهذا كلّه ممّا يبيّن أنّ ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، من الصبر على جور الأئمّة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد وأنّ مَن خالف ذلك متعمّدا أو مخطئا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله: إنّ ابني هذا، سيّد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمّة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة.
وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابتة في الصحيح كلها تدل على هذا".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/536):

" لكن إذا لم يزل المنكر إلاّ بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرا وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا

وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحل السيف على أهل القبلة حتى قاتلت عليا وغيره من المسلمين وكذلك مَن وافقهم في الخروج على الأئمّة بالسيف في الجملة من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم
".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/538):

"وممّا ينبغي أن يعلم أن أسباب هذه الفتن تكون مشتركة. فيرد على القلوب من الواردات ما يمنع القلوب عن معرفة الحق وقصده. ولهذا تكون بمنزلة الجاهلية. والجاهلية ليس فيها معرفة الحق ولا قصده. والإسلام جاء بالعلم النافع والعمل الصالح بمعرفة الحق وقصده فيتّفق أنّ بعض الولاة يظلم باستئثار فلا تصبر النفوس على ظلمه ولا يمكنها دفع ظلمه إلا بما هو أعظم فسادا منه ولكن لأجل محبّة الإنسان لأخذ حقّه ودفع الظلم عنه لا ينظر في الفساد العام الذي يتولّد عن فعله. ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/540):

"وكذلك ثبت عنه في الصحيح أنّه قال على المرء المسلم السمع والطاعة في يسره وعسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه.

وفي الصحيح عن النبي-صلى الله عليه وسلم- عن عبادة قال بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.

فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بأن يصبروا على الاستئثار عليهم وأن يطيعوا ولاة أمورهم وإن استأثروا عليهم وأن لا ينازعوهم الأمر".

أقول:

تأمّل هذه الأقوال السديدة لشيخ الإسلام ابن تيمية القائمة على النصوص النبوية وعلى مراعاة المصالح والمفاسد وعلى معرفة تأريخ الثورات ونتائجها المدمرة، والعاقل مَن يعتبر.

فعلى مَن ينشد الحق أن يستفيد من المنهج الإسلامي في مواجهة الفتن وأن يحذر المسلمين من مخالفة هذا المنهج، وأن يحذّرهم أن يجرّهم الشيطان إلى الفتن وسفك الدماء، وأن يستفيدوا ممّا قرّره أئمّة السّلف وطبّقوه فعلاً.

وأقوال شيخ الإسلام التي سقناها هنا تدور في هذا الفلك وتبينه وتدعو إليه.

نسأل الله أن يبصّر المسلمين بالحق في السرّاء والضرّاء وعند حلول دواعي الفتن وأن يجنّبهم الخوض فيها ويقيهم شرورها.

وقال ابن القيم –رحمه الله- في "إعلام الموقعين" (3/15):

" إنَّ النبي -صلى اللَّهُ عليه وسلم- شَرَعَ لِأُمَّتِهِ إيجَابَ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِيَحْصُلَ بِإِنْكَارِهِ من الْمَعْرُوفِ ما يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فإذا كان إنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ ما هو أَنْكَرُ منه وَأَبْغَضُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فإنّه لَا يَسُوغُ إنْكَارُهُ وان كان اللَّهُ يُبْغِضُهُ وَيَمْقُتُ أَهْلَهُ وَهَذَا كَـالْإِنْكَارِ على الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عليهم فإنّه أَسَاسُ كل شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ وقد اسْتَأْذَنَ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِتَالِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عن وَقْتِهَا وَقَالُوا أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ فقال لَا ما أَقَامُوا الصَّلَاةَ وقال مَن رَأَى من أَمِيرِهِ ما يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ وَلَا ينـزعن يَدًا من طَاعَتِهِ . وَمَنْ تَأَمَّلَ ما جَرَى على الْإِسْلَامِ في الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا من إضَاعَةِ هذا الْأَصْلِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ على مُنْكَرٍ فَطَلَبَ إزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ منه ما هو أكبر منه فَقَدْ كان رسول اللَّهِ -صلى اللَّهُ عليه وسلم- يَرَى بِمَكَّةَ أَكْبَرَ الْمُنْكَرَاتِ وَلَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهَا بَلْ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ وَصَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ عَزَمَ على تَغْيِيرِ الْبَيْتِ وَرَدِّهِ على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَمَنَعَهُ من ذلك مع قُدْرَتِهِ عليه خَشْيَةُ وُقُوعِ ما هو أَعْظَمُ منه من عَدَمِ احْتِمَالِ قُرَيْشٍ لِذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَكَوْنِهِمْ حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ وَلِهَذَا لم يَأْذَنْ في الْإِنْكَارِ على الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عليه من وُقُوعِ ما هو أَعْظَمُ منه كما وُجِدَ سَوَاءٌ".

أقول:

كلام الإمام ابن القيم مستمد من منهاج النبوة القائم على الحكمة والنظر في العواقب والنتائج التي تترتب على التصرفات الهوجاء والعواطف العمياء، التي لا تنضبط بالتّوجيهات النّبوية الحكيمة، الّتي يراعى فيها مصالح الأمة في دينها ودنياها، وما يدرأ عنها المفاسد الكبيرة والفتن العظيمة في دينها ودنياها.

وتأمّل جيّداً في مقال ابن القيم هذا، ومنه قوله: " وَمَنْ تَأَمَّلَ ما جَرَى على الْإِسْلَامِ في الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا من إضَاعَةِ هذا الْأَصْلِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ على مُنْكَرٍ فَطَلَبَ إزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ منه ما هو أكبر منه".

وقوله: "وَهَذَا كَالْإِنْكَارِ على الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عليهم فإنه أَسَاسُ كل شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ".

فكيف لو رأى علماء السلف من الصحابة فمن بعدهم ما يجري في هذا العصر من المظاهرات والفتن لا من أجل الإسلام ولا من باب تغيير المنكرات الشركية والبدعية والإلحادية، وإنّما للمطامع الدنيوية، واللّهث على المناصب السياسية، ولتطبيق التشريعات والأنظمة اليهودية والنصرانية.

فاللّهمّ نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك.


قال الدكتور في (ص9):

" وملخص القول في طاعة ولي الأمر إذا أمر أو نهى عن شيء مباح إن كان الأمر والنهي متوجها على فرد بذاته كأن يمنعه من السفر أو أن يتزوج من خارج البلاد ونحو ذلك. فهذا جائز وعليه السمع والطاعة لولي الأمر . أما إذا أصدر الحاكم تنظيما أو تعميما أو قانونا يمنع فيه عامة الشعب من شيء هو مباح بأصل الشرع فإنّ هذا تقييد لحرية التعبير".

التعليق:

1- يُقال: إنّ هذا الكلام عجيب وتقرير غريب.

قارن بين التّوجيهات النبوية وتوجيهات أهل العلم والسُنَّة والحق ومنهم الإمام أحمد بن حنبل والإمام ابن تيمية وابن القيم وما فيها من حكمة وعلم صحيح ووعي عظيم وابتعاد بالأمة عن الفتن المدمرة للدنيا والدين.

قارن بين هذه التّوجيهات الحكيمة وبين ما يقرّره هذا الرّجل بهذا الأسلوب البعيد عن هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح.

2- يرى القارئ أنّه فرّق بين الفرد والجماعة في طاعة وليّ الأمر إذا أمر بأمر مباح أو نهى عنه، بدون دليل شرعي على هذا التفريق.

إنّ فقهاء الإسلام ليعلمون أنّ الشريعة الإسلامية قائمة كلّها على مراعاة المصالح والمفاسد، فتأمر بكل ما فيه صلاح للناس في دينهم ودنياهم، وتنهى عن كل ما فيه فساد في دينهم ودنياهم، وهذا المنهج يغيب عن هذا الرّجل.

فالحاكم المسلم في ضوء هذا المنهج له أن يجتهد -حيث لا يوجد نص يمنعه- فيما يحقّق لرعيّته الخير والمصلحة، ويدفع عنهم المفاسد والأضرار، فإذا أخطأ، فمعالجة خطئه يقوم بها أهل الحل والعقد من العلماء والعقلاء فقط بالمناصحة الحكيمة دون تشهير وإعلان المعارضات، ولا يجوز أن يتدخل في هذه الأمور السياسية الجهلة والسفهاء وأهل الأغراض، فإن رجع الحاكم عن خطئه بعد النصيحة فالحمد لله، وإن لم يرجع، فالشرع الحكيم يأمر المسلمين بالصبر حتى يفرِّج الله، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..)، [سورة الطلاق: 2-3]، وهذا العلاج الإسلامي الحكيم خير وأنفع بمئات المرات من العلاج بالهوى والفتن والمسيرات والمظاهرات.

قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة النبوية" (4/527):

"ففي الجملة أهل السُنَّة يجتهدون في طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان، كما قال تعالى: (فاتّقوا الله ما استطعتم)، [سورة التغابن:16].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، ويعلمون أنّ الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بصلاح العباد في المعاش والمعاد، وأنه أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد رجّحوا الراجح منهما، فإذا كان صلاحه أكثر من فساده رجّحوا فعله، وإن كان فساده أكثر من صلاحه رجّحوا تركه.فإنّ الله تعالى بعث رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها".

وهذا الرّجل لم ينظر إلى مراعاة المصالح ولا إلى درء المفاسد، ولم يتطرق إلى الترجيح بين المصالح والمفاسد، الأمر الذي بُعث به محمد –صلى الله عليه وسلم- وسار على هديه فيه علماء وفقهاء الإسلام الراسخون، وانحرف عنه أهل الأهواء.

وهذا الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يتصرف في شئون الأمة بناء على مراعاة جلب المصالح ودرء المفاسد.

قال أبو بكر بن أبي شيبة –رحمه الله-:

حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أنّ عمر حمى الربذة لنعم الصدقة"([8]).

وقال -رحمه الله-: حدثنا عَفَّانَ قال حدثني مُعْتَمِرُ بن سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ قال سَمِعْت أبي قال حدثنا أبو نَضْرَةَ عن أبي سَعِيدٍ([9]) مولى أبي أُسَيْدَ الأَنْصَارِيِّ قال سمع عُثْمَان أَنَّ وَفْدَ أَهْلِ مِصْرَ قد أَقْبَلُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَكَانَ في قَرْيَةٍ خَارِجًا من الْمَدِينَةِ أو كما قال قال فلما سَمِعُوا بِهِ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ إلَى الْمَكَانِ الذي هو فيه قال أَرَاهُ قال وَكَرِهَ أَنْ يَقْدُمُوا عليه الْمَدِينَةَ أو نَحْوًا من ذلك فَأَتَوْهُ فَقَالُوا اُدْعُ بِالْمُصْحَفِ فَدَعَا فَقَالُوا افْتَحْ السَّابِعَةَ وَكَانُوا يُسَمُّونَ سُورَةَ يُونُسَ السَّابِعَةَ فَقَرَأَهَا حتى إذَا أتى على هذه الْآيَةِ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ من رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ منه حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ على اللهِ تَفْتَرُونَ) قَالَوا أَرَأَيْت ما حَمَيْت من الْحِمَى آللَّهُ أذن لَك بِهِ أَمْ على اللهِ تَفْتَرِي فقال أَمْضِهِ أَنْزَلَتْ في كَذَا وَكَذَا وَأَمَّا الْحِمَى فإن عُمَرَ حَمَى الْحِمَى قَبْلِي لإبل الصَّدَقَةِ فلما وُلِّيتُ زَادَتْ إبِلُ الصَّدَقَةِ فَزِدْت في الْحِمَى لِمَا زَادَ من إبِلِ الصَّدَقَةِ..."([10]).

فالربذة أرض غير مملوكة لأحد، بها مراع مباحة لكلّ المسلمين، رأى أمير المؤمنين عمر أن يجعلها حمى ترعى فيه إبل وخيل الصدقة خاصة، ومنع منها المسلمين إلا من يأذن له أمير المؤمنين.

وهذا العمل من عمر –رضي الله عنه- من باب مراعاة المصالح، ومن أبواب الاجتهاد التي قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ"([11]).

وأقرّ الصحابة الكرام هذا الاجتهاد، وهذا أمر لا يجوز عند الديمقراطيين الّذين يلبسون الديمقراطية لباس الإسلام.

وأمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- انطلق من هذا المنطلق الذي انطلق منه عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- إن صح هذا الأثر عنه، ولم يعارضه إلا أهل البغي والفتن.

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ"([12]).

ومن اجتهادات عمر -رضي الله عنه- بناء على مراعاة جلب المصالح جعله سواد العراق وقفاً على سائر المسلمين، ولم يقسمه على الغانمين، وأقره الصحابة الكرام على هذا التصرف، وما قالوا: السواد ملكنا، ويجب قسمه على الغانمين كما فعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أرض خيبر، وليس لك منه إلا الخمس الذي قال الله فيه: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، [سورة الأنفال : 41].

قال الحافظ ابن رجب في "الاستخراج لأحكام الخراج" (ص9):

"وقد تقدّم قول الإمام أحمد -رضي الله عنه- إنّما كان الخراج على عهد -عمر رضي الله عنه- يعني أنّه لم يكن في الإسلام قبل خلافة عمر -رضي الله عنه- ولا ريب أن عمر -رضي الله عنه- وضع الخراج على أرض السواد ولم يقسمها بين الغانمين وكذلك غيرها من أراضي العنوة.

وذكر أبو عبيد أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ومعاذ بن جبل أشارا على عمر -رضي الله عنهم- بذلك".

ولأمير المؤمنين عمر اجتهادات أخرى منها وضع بيت لمال المسلمين، انطلاقاً من مراعاة المصالح للمسلمين، والصحابة والمسلمون يطيعونه في ذلك، تنفيذاً لأوامر الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بطاعة أولياء الأمور وإيماناً بمراعاة المصالح للأمة، وهذا هو منهج الصحابة الكرام وأهل السُنَّة والجماعة إلى يومنا هذا.

بعد أن ذكر أبو يعلى –رحمه الله- ما يجب على الأمير بيّن ما يلزم من تحت إمرته من المسلمين.

قال في "الأحكام السلطانية" (ص46-47):

أمّا ما يلزمهم في حقّ الأمير عليهم أربعة أشياء:

أحدها: التزام طاعته، والدخول في ولايته. قال تعالى -(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم).قيل: هم الأمراء. وقيل: هم العلماء. وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال "مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن أطاع أميري فقد أطاعني، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن عصى أميري فقد عصاني([13]).

الثاني: أن يفوضوا الأمر إلى رأيه، ويكلوه إلى تدبيره حتى لا تختلف آراؤهم، وقد قال تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).فإن ظهر لهم صواب خفي عليه بيّنوه له، وأشاروا به عليه، وقد ندب الله تعالى إلى المشاورة.

الثالث: أن يسارعوا إلى امتثال أمره، والوقوف عند نهيه وزجره، فإن توقفوا عما أمرهم، وأقدموا على ما نهاهم عنه، كان له تأديبهم على المخالفة حسب أحوالهم، ولا يغلظ فينفر، وقد قال الله تعالى لنبيه: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). وروى ابن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "خير دينكم أيسره".

الرابع: أن لا ينازعوه في الغنائم إذا قسمّوها بينهم، ويرضوا فيها بتعديل القسمة عليهم".

أقول:

انظر إلى قوله: "الثاني: أن يفوضوا الأمر إلى رأيه، ويكلوه إلى تدبيره حتى لا تختلف آراؤهم".

فإنّه يرى الاجتهاد لولي الأمر في مصلحة المسلمين ابتعاداً بهم عن اختلاف آرائهم، واستدل على ذلك بالآية.

وقوله: "فإن ظهر لهم صواب خفي عليه بيّنوه له، وأشاروا به عليه".

والّذي يبيّنه ويشير عليه هم العلماء الكبار النابهون أهل الاستنباط من النصوص ومن الأحداث التي تلمّ بالأمّة. فيقدمون للإمام تنبيههم ومشاورتهم الحكيمة، ولا دخل لعامة الشعب، فإنهم بعيدون عن إدراك المشكلات وحلولها.

وانظر إلى قوله: "الثالث: أن يسارعوا إلى امتثال أمره، والوقوف عند نهيه وزجره، فإن توقفوا عما أمرهم، وأقدموا على ما نهاهم عنه، كان له تأديبهم على المخالفة حسب أحوالهم، ولا يغلظ ...الخ.

انظر إلى قوله: " أن يسارعوا إلى امتثال أمره...الخ" ، أي أمره الاجتهادي.

وانظر إلى قوله: "فإن توقفوا عما أمرهم، وأقدموا على ما نهاهم عنه، كان له تأديبهم على المخالفة..الخ". وذلك لأنّهم خالفوا من أَمَرَ الله بطاعته في غير معصية، فإذا أمرهم بغير معصية ولم ينفذوا أمره فله تأديبهم، لأنّهم بمعصيته عصوا الله ورسوله.

فكان على الدكتور أن يعلم توجيهات رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، ويعلم منهج العلماء الربّانيّين في هذا الباب، ويسلك سبيلهم، سبيل العلم والعقل والخير والهدى والسلامة من الفتن وأسباب الردى.

وساق ابن زنجويه آثاراً أخرى تتعلق بوقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لسواد العراق وكذلك وقفه لأرض الجابية بالشام وما فتح عنوة من أرض مصر([14])، وكلها من اجتهاد هذا الإمام العادل –رضي الله عنه-.


قال سعود الفنيسان في (ص9):

"والمظاهرة السلمية يجب أن تنضبط بالضوابط الشرعية:

1- أن تكون المطالب مشروعة وعادلة فإن تضمنت مفسدة أو حراما فلا تجوز.

2- ألا تؤدي المظاهرة إلى منكر آخر يساوي أو يزيد عن المنكر الذي خرج المتظاهرون لتغييره.

3- ألا يصحب المظاهرة ترك واجب كصلاة الجمعة أو الجماعة أو تشتمل على اختلاط محرم بين الرجال والنساء.

4- ألا تتسبب بإلحاق ضرر في الأنفس والممتلكات.

فالمظاهرات السلمية التي لا تشهر سلاحا ولا تسفك دما ولا تتعدى على الأنفس والممتلكات المعصومة- جائزة شرعا. والله أعلم".

التعليق:

1- برأ الله الإسلام من المظاهرات، فلا يجوز أن تُلْصقَ بالإسلام.

2- لا علاقة للديمقراطية ولا بالمظاهرات ولا بمطالب أهلها بالإسلام، فكيف تكون هذه المطالب مشروعة وعادلة، فالإسلام يحرِّم ويجرِّم هذه الأعمال والمطالب؛ لأنه يأمر بالصبر والطاعة، فهي وما شرعته بكل أشكاله فيها مصادمات للتشريعات الإسلامية.

3- إنّ المظاهرات ليست من المعروف في شيء، فهي وإن كانت سلمية من المنكرات، فكيف إذا ترتب عليها منكرات.

4- غالب مَن يخوض في المظاهرات غير ملتزمين، والإسلام يمنع اختلاط الرجال بالنساء حتى في المساجد، والمظاهرات يحصل فيها الاختلاط المحرم، ولا ندري ما هو الاختلاط المحرم عند هذا الرجل وما هو الاختلاط الجائز.

5- إلحاق الضرر بالناس في الأنفس والممتلكات من لوازم المظاهرات تسعة وتسعين في المائة ولا عبرة بالنادر الذي لا نعرفه ولم نسمع به.

فما من مظاهرة إلاّ ويصحبها أضرار وفساد، لأنّ مَن يخوضها غالبهم غير ملتزمين بعقائد الإسلام وأحكامه وآدابه، فإذا خاضوا في المظاهرات سهل على كثير منهم أن يروي ظمأه ويشفي غليله، فهذا يدّمر وهذا يضرب، وهذا يقتل، وهذا ينهب...الخ، وكأنّ الكاتب يعيش في عالم الخيال أو يتصوّر أنّ المتظاهرين معصومون أو شبه الملائكة، فيضع هذه الشروط التي يعتقد كلّ عاقل مجرّب أنّها لن تتحقّق، فيذكرنا بقول الشاعر:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء


فإذا أجزت للناس المظاهرات السلمية المزعومة، فقد فتحت أمامهم أبواب الفتن الخطيرة المدمرة التي تتولد عن المظاهرات وذلك أن شياطين الإنس والجن يتخلّلونها ثم يحقّقون ما يطمحون إليه من الفساد والإفساد وسفك الدماء ونهب الممتلكات وتدميرها، والمتسبب في هذه الشرور شريك لفاعليها.


هذا ونسأل الله أن يوفّقنا والدكتور سعود وسائر المسلمين للثّبات على الحق والتّمسّك بالكتاب والسُنَّة عقيدة ومنهجاً وسياسة وأخلاقاً، وأن يجنّبنا الفتن وأسبابها وكلّ ما يؤدي إليها، وأن يجمع كلمة المسلمين حكّاماً وشعوباً على الحق والهدى. إنّ ربّنا لسميع الدعاء.

وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه

ربيع بن هادي عمير المدخلي

12/4/1432هـ

--------------------------------------------------------------------------------

الحواشي:

[1] - لو قلت: ويجب إنكار المنكر باليد واللسان والقلب كل على حسب طاقته من السلطان إلى أضعف المسلمين، ووقفت لأصبت. لكن قولك: "كل وسيلة مناسبة" ، تريد أن تدخل في هذه الوسائل المظاهرات والتصوير بكل أنواعه والتمثيل، وهذا قول باطل، ولم يقرره السلف والخلف من أهل السنة والحق؛ لأنه يصادم النصوص النبوية الصحيحة.

[2] - انظر "علوم الحديث" لابن الصلاح (ص264)، و"اختصار علوم الحديث" لابن كثير (ص517)، النوع التاسع والثلاثون.

[3] - أخرجه مسلم في "صحيحه" برقم (1218)، وأبو داود في "سننه" حديث (1905)، والنسائي في "الكبرى" حديث (4001)، وابن ماجه في "السنن" حديث (3074)، وابن أبي شيبة (5/485) حديث (14908)، وابن حبان حديث (1457)و (3944).

[4] - "سنن أبي داود"، حديث (4031).

[5] - في الأصل " فأذنوا لهم".

[6] - قال فيه الخطيب في "تأريخ بغداد" (4/395) برقم (1591): "وكان مشهوداً له بالصلاح والصدق"، وقال الذهبي في "تأريخ الإسلام" (21/291): "صالح، فاضل، واسع العلم".

[7] - قال فيه الخطيب في "تأريخ بغداد" (6/328) رقم (2823): "...كان أبو عبد الله يأنس به وكان يقدمه ويكرمه وكان له عنده موضع جليل، وروى عن أبي عبد الله مسائل كثيرة جدا بضعة عشر جزءا، وجوّد الرواية عن أبي عبد الله"، ومثل هذا المدح في "طبقات الحنابلة" (1/74) رقم (59)..

[8] - "مصنف ابن أبي شيبة" رقم (23535).

[9] - ذكره أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (5/2911) رقم (3244)، وذكره ابن الأثير في "أسد الغابة في معرفة الصحابة" (6/141) رقم (5951)، وذكره الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" (2/173) رقم (2015)، وذكره الحافظ ابن حجر في "الإصابة" في قسم الكنى (7/95) برقم (588)، فقال: " أبو سعيد مولى أبي أسيد بالتصغير الساعدي، ذكره ابن منده في الصحابة ولم يذكر ما يدل على صحبته، لكن ثبت أنه أدرك أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- فيكون من أهل هذا القسم، قال ابن منده روى عنه أبو نضرة العقدي قصة مقتل عثمان بطولها وهو كما قال، وقد رويناها من هذا الوجه وليس فيها ما يدل على صحبته".

[10] - أخرجه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (1/470)، و ابن أبي شيبة في " مصنفه" (38686)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" رقم(859).

[11] - أخرجه البخاري في "الاعتصام" حديث (7352)، ومسلم في "الأقضية" حديث (1716).

[12] - أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (2334).

[13] - من مجالات طاعة الأمراء الأمور التي يجوز فيها الاجتهاد، ومنها جلب المصالح للأمة ودرء المفاسد عنها.

[14] - "الأموال" (1/190-195).

تحميل المقال من هنا



الساعة الآن 07:10 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013