سُنِّية المشي حَافِيًا أَو حَاذِيًا
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه.أما بعد: فقد روى أبو داود في " السنن " ، وأحمد في " المسند " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ : " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ . فَقَالَ : أَمَا إِنِّي لَمْ آتِكَ زَائِرًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ أَنَا وَأَنْتَ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ . قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَمَا لِي أَرَاكَ شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرُ الْأَرْضِ ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفَاهِ . قَالَ: فَمَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكَ حِذَاء؟ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا " ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" . قال ابن الأثير في "النهاية" : " (الْإِرْفَاهِ) : هُوَ كثْرةُ التَّدهُّن والتَّنَعُّم. وَقِيلَ : التَّوسُّع فِي المَشْرَب والمَطْعَم، وَهُوَ مِنَ الرِّفْهِ: وِرْد الْإِبِلِ، وَذَاكَ أَنْ تَرِد الماءَ مَتَى شاءَت . أرادَ : تَرْك التَّنَعُّم والدَّعة ولينِ الْعَيْشِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِيّ العَجم وأرْباب الدُّنيا " انتهى . وقوله : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا " أي : نمشى حفاة ، حينا بعد حين . فذهب غير واحد من أهل العلم إلى أنه يستحب الاحتفاء أحيانا . والحكمة من هذا: تعويد النفس على الخشونة ، وإبعادها عن الدعة ، وتطبيعها على الزهد ، واحتقار الدنيا . قال القاري رحمه الله : " ( نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا ) أَيْ نَمْشِيَ حُفَاةً ؛ تَوَاضُعًا ، وَكَسْرًا لِلنَّفْسِ ، وَتَمَكُّنًا مِنْهُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: (أَحْيَانًا) : أَيْ حِينًا بَعْدَ حِينٍ " . انتهى من "مرقاة المفاتيح" . وقال ابن عبد القوي رحمه الله في "منظومته" : وَسِرْ حَافِيًا أَوْ حَاذِيًا وَامْشِ وَارْكَبَنْ ** تَمَعْدَدْ وَاِخْشَوْشِنْ وَلَا تَتَعَوَّدِ قال السفاريني رحمه الله : " (وَسِرْ) حَالَةَ كَوْنِك (حَافِيًا) بِلَا نَعْلٍ أَحْيَانًا، اقْتِدَاءً بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ) سِرْ فِي حَالِ كَوْنِك (حَاذِيًا) أَيْ مُنْتَعِلًا " انتهى من "غذاء الألباب" . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لبس النعال من السنة ، والاحتفاء من السنة أيضا، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الإرفاه ، وأمر بالاحتفاء أحيانا ، فالسنة أن الإنسان يلبس النعال لا بأس، لكن ينبغي أحيانا أن يمشي حافيا بين الناس ، ليظهر هذه السنة التي كان بعض الناس ينتقدها، إذا رأى شخصا يمشي حافيا قال: ما هذا؟ هذا من الجهال! وهذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثرة الإرفاه ، ويأمر بالاحتفاء أحيانا " . انتهى من "شرح رياض الصالحين" . فيستحب للإنسان أن يمشي حافيا أحيانا ، إلا إذا كان بأرض إذا مشى فيها حافيا تعرض للضرر والأذى ، فإنه حينئذ لا يمشي إلا منتعلا . قال المناوي رحمه الله : " إن أمن تنجس قدميه ، ككونه في أرض رملية مثلا ولم يؤذه : فهو محبوب أحيانا - يعني المشي حافيا - بقصد هضم النفس وتأديبها، ولهذا ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي حافيا ومنتعلا، وكان الصحب يمشون حفاة ومنتعلين " . انتهى من "فيض القدير" . وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله : "إذا كانت الأرض فيها أمور تقتضي الانتعال ، فإن الإنسان ينتعل ، فإذا كانت الأرض مثلاً فيها زجاج أو فيها حديد أو كان فيها حجارة أو شوك ، أو رمضاء في شدة حرارة الشمس : فإن الإنسان يجعل هذه الوقاية التي أنعم الله تعالى بها عليه، وهي استعمال النعال . ولكن كونه يترك النعال في بعض الأحيان : هذا هو الذي جاء في هذا الحديث عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان يأمرهم بالاحتفاء أحياناً، وذلك حتى لا يحصل هناك تنعم زائد ومغالاة فيه، وإنما يحصل شيء من الخشونة والبذاذة ، ولكن لا يكون ذلك دائماً وأبداً، وإنما يكون في بعض الأحيان " . انتهى من "شرح سنن أبي داود" . والله تعالى أعلى وأعلم. |
جزاك الله خيرا أتعبتنا و الله هذه النفس
|
أميـــن وإياك أخــــي صديــــــق
|
شكرٌ وامتنانٌ.
نقلٌ طيِّب أبا ياسر، نفع الله بكم..
|
أمين وشكرا لك أخي أبو ميمونة شاعرنا وحبيبنا
|
الساعة الآن 05:50 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013