الجَعَاظِرَةُ الجَوَّاظُون...

المؤلف: 
فريد الميزاني
الجَعَاظِرَةُ الجَوَّاظُون
 

كتبه العلَّامة الشَّيخ أحمد محمد شاكر (1309-1377هـ)
مجلة "الهدي النبوي"، المجلد 16، العدد 12، ذو الحجة 1371هـ.
______________________________________

قالَ ابنُ حِبَّانَ، الإمامُ الحافظُ أبو حاتم محمَّد بن حبَّان التَّميمي البُسْتِي، في صحيحه: "ذِكْرُ الزَّجر عن العِلْمِ بأمر الدُّنيا مع الانهماك فيها والجهلِ بأمر الآخرة ومُجَانَبَةِ أسبابِها": حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن الحسن قال: حدَّثنا أحمد بن يوسف السُّلَمِي قال: أخبرنا عبد الرزَّاق قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد عن أبيه عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ اللهَ يَبْغَضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ، سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ، جِيفَةٍ بِاللَّيْلِ، حِمَارٍ بِالنَّهَارِ، عَالِمٍ بِأَمْرِ الدُّنْيَا، جَاهِلٍ بِأَمْرِ الآَخِرَةِ.»

«الجَعْظَرِيُّ» و «الجَوَّاظُ» متقاربا المعنى: الجَسِيمُ، الأَكُولُ، الشَّرُوبُ، البَطِرُ، يختالُ ويتعاظمُ [...].
«سَخَّابٌ» بالسِّين و «صَخَّابٌ» بالصَّاد من «الصَّخَبِ» بالصَّاد والسِّين وهو الجَلَبَةُ والصِّياح والخِصَامُ. قالَ في اللِّسان: الصَّاد والِّسين يجوزُ في كلِّ كلمةٍ فيها خاءٌ.

هذا الوصفُ النَّبوي الرَّائع الَّذي سَمَا بتصويره إلى القمَّة في البلاغة والإبداع لهؤلاء الفِئَامِ من النَّاس، أستغفرُ اللهَ، بل من الحيوان، تجده كلَّ يومٍ في كثيرٍ ممن ترى حولك ممن ينتسبون إلى الإسلام، بل تراه في كثيرٍ من عظماء الأُمَّة الإسلامية، عظمة الدنيا لا الدِّين، بل لقد تجده فيمن يُلَقِّبُونَ منهم أنفسهم بأنَّهم "علماءٌ" ينقلون اسم "العِلْمِ" عن معناه الإسلامي الحقيقي المعروف في الكتاب والسُّنة إلى علومٍ من علوم الدُّنيا والصِّناعات والأموال.
ثم يملؤهم الغرور، فيريدون أن يحكموا على الدِّين بعلمهم الذي هو الجهل الكامل! ويزعمون أنهم أعرفُ بالإسلام من أهله، ويُنْكِرُونَ المعروفَ منه، ويَعْرِفُونَ المنكرَ، ويَرُدُّون من يرشدُهم أو يرشدُ الأُمَّةَ إلى معرفة دينها ردًّا عنيفًا يناسبُ كلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ منهم.

فتأمَّلْ هذا الحديثَ واعقلْه، تَرَهُم أمامك في كلِّ مكانٍ.

 

 

انتهى النقل مختصرا من "جمهرة مقالات العلَّامة الشَّيخ أحمد محمَّد شاكر"، ص 572
قلتُ: صلى الله وسلم على من أوتي جوامع الكلم ، ورحم الله العلامة المحدث المجاهد: أبو الأشبال أحمد محمد شاكر. فهذا المقال، على وجازته، قد أجاد فيه الشيخ وصفَ الجعاظرة الجواظين الذين «نراهم أمامنا في كل مكان»، في الجرائد، والقنوات، والمواقع، والشبكات الاجتماعية... قد ملؤوا الدنيا صخبا وصياحا وخصاما... تراهم يتسمون بالعلماء تارة، وبالمفكرين (les penseurs)، وكأن غيرهم لا يفكر، تارة، وبالمثقفين (les intellectuels) تارة، وبالمتنورين أو التنويريين تارة، وبالنخبة (l'élite) نخبة خائنة لدينها ووطنها كما وصفها الأخ الفاضل أبو معاذ، تارة، وبالأذكياء (l’intelligentsia) تارة أخرى !... ما أشبههم بهِرِّ الأعرابي!... كثرت ألقابهم ولا قيمة لهم... يزعمون الثقافة والسماحة والذكاء وهم أصفق الناس عقولا، وأثقلهم فهوما، وأشدهم تعصبا لآرائهم، لا يقبلون رأي مخالف أبدا!... قد ملؤوا غرورا... وأكثرهم بطرا وأشرا وغطرسة وغمطا للناس، يحتقرون الشعب البائس المسكين ويزدرونه ويسفهونه، ولولاه لما أكلوا خبزا ولا سكنوا بيتا، فهم لا يحسنون صناعة، ليس لهم إلا الكلام والسياحة في بلاد الكفار والسهر في السفارات حول طاولات الويسكي... جِيَفٌ بالليل، حُمُرٌ بالنهار كما وصفهم النبي المختار !...

يريدون أن يحكموا على الدِّين بعلمهم الذي هو الجهل الكامل!... فتجد الغبي الجاهل منهم إذا ابتُعِثَ فشذا شيئا من علوم الكفار كـ "الأنتروبولوجيا" و "علوم الاجتماع" و "الإسلامولوجيا" فتعلَّمَ الرَّطَانَةَ بإحدى لغاتِ الأعاجم، وأخذ شهادةً مزيَّفةً يعود إلى قومه مسفها وإلى علماء الدين مزدريا ومحتقرا، وإلى لغته ودينه سابا ولاعنا... ينبذ وراء ظهره كل قديم عتيق لأنه أمسى صاحب عقل مستنير !...

وتجدهم يُنْكِرُونَ المعروفَ منه، ويَعْرِفُونَ المنكرَ إرضاء لأسيادهم البيض !... فهذا يعطل الحدود، وآخر ينكر الجهاد، وثالث ينصب نفسه مدافعا عن حقوق المرأة "المظلومة" فيدعو لإبطال شريعة تعدد الزوجات، والتسوية في الميراث، وإلغاء شرط الولي في النكاح... ورابع يجعل الزندقة والكفر هي الإسلام، فيظهر منهج السلف في صورة الدين الرجعي الدموي، ويمجد دين الفلاسفة ودين الحلاج وابن عربي... وخامس يتهجم على القرآن والسنة، فينادي بأعلى صوته إلى إعادة النظر في ترتيب سور كتاب الله، أما دواوين السنة فلا يرى لها مصيرا إلا الحرق !... وقد ابتلينا في بلادنا الجزائر بشرذمة من هؤلاء المجانين الجدد رفعوا عقيرتهم وسُخِّرَتْ لهم الجرائد والمجلات والقنوات كبوكروح (السياسي الفاشل)، وحدة حازم (العجوز الشمطاء)، وكمال داود (الكاتب الجريء!)، وشوقي عماري (الصحفي الطائش)، وأمين الزاوي (تلميذ الحلاج المتنور) وغيرهم، أراح الله الأمة منهم.

وإن نهض مُصْلِحٌ يريد أن يرشدهم ويرشد الأمة إلى معرفة دينها صاحوا عليه وشنوا عليه "الغارات الإعلامية" واستغاثوا بالسلطان وطلبوا منه أن يوقف هذا الرجعي المتخلف الذي يريد أن يرجع بالأمة إلى العصور الوسطى، "عصور الظلام" !... فيردون هذا المصلح ردا عنيفا يناسب كل جعظري جواظ منهم.

هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.