منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 25 Sep 2014, 02:37 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي ﴿قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا﴾

﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإنه تمر على المرء الآية من كتاب الله جل وعلا وقد يوفق إلى التأمل فيها وتدبر معانيها حق التدبُّر والوقوف على دقائقها وأسرارها، وقد يكتفي بتلاوة ألفاظها ونطق حروفها، وبين ذلك مراتب تتفاوت تفاوت ما يفتح الله به على عباده ويمن به عليهم من عظيم فضله في فهم كتابه، كما قال علي -رضي الله عنه-: «إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن».

ومن الآيات العظيمة التي حوت من لب دعوة القرآن وقطب رحى الدين؛ من توحيد الله عز وجل وإثبات ذلك بالبراهين العتيدة والحجج القويمة؛ قول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾.

وقد اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية على قولين:

القول الأول: ﴿لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا﴾ أي طريقا للمغالبة والممانعة كما تفعل الملوك مع بعضهم البعض من المقاتلة والمصاولة، وهو قول ابن عباس -رضي الله عنه- وسعيد بن جبير، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: «لطلبوا مع الله منازعة وقتالا كما تفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض» . وقال سعيد بن جبير - رضي الله تعالى عنه -: «المعنى إذا لطلبوا طريقا إلى الوصول إليه ليزيلوا ملكه، لأنهم شركاؤه»، وإلى هذا ذهب البغوي والشوكاني.

القول الثاني: ﴿لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا﴾ المعنى: إذن لابتغت الآلهة إلى الله القربة والزلفة عنده ، لأنهم دونه ، والمشركون إنما اعتقدوا أنها تقربهم إلى الله، قاله قتادة، وذهب إلى ذلك ابن جرير وابن كثير.

هذا، وقد ذهب ابن عاشور إلى أن مآل القولين واحد، وهذا إما أن يكون جريا على ما قرَّره في مقدماته في علوم القرآن؛ أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة بها، أو أن المقصود بكون مآلهما واحدا أي؛ في إبطال إلهية من سوى الله عز وجل.

وهذا قبس من معاني وأسرار هذه الآية العظيمة مختصرا من تفسير التحرير والتنوير، إذ قد حرر فيها ذلك أتم التحرير وأحسنه:

﴿قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا﴾: عود إلى إبطال تعدد الآلهة ; زيادة في استئصال عقائد المشركين من عروقها .

وجملة ﴿كما تقولون﴾ معترضة للتنبيه على أن تعدد الآلهة لا تحقق له، وإنما هو مجرد قول عار عن المطابقة لما في نفس الأمر .

و«ابتغاء السبيل» : طلب طريق الوصول إلى الشيء ، أي توخيه والاجتهاد لإصابته.

و ﴿إذن﴾ دالة على الجواب والجزاء، فالمقصود الاستدلال على انتفاء إلهية الأصنام ، والملائكة الذين جعلوهم آلهة .
وهذا الاستدلال يحتمل معنيين مآلهما واحد؛

المعنى الأول:
أن يكون المراد بالسبيل سبيل السعي إلى الغلبة والقهر، أي لطلبوا مغالبة ذي العرش وهو الله تعالى ، وهذا كقوله تعالى: ﴿وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض﴾، ووجه الملازمة التي بني عليها الدليل أن من شأن أهل السلطان في العرف والعادة أن يتطلبوا توسعة سلطانهم ويسعى بعضهم إلى بعض بالغزو ، ويتألبوا على السلطان الأعظم ليسلبوه ملكه أو بعضه، وقديما ما ثارت الأمراء والسلاطين على ملك الملوك وسلبوه ملكه، فلو كان مع الله آلهة لسلكوا عادة أمثالهم .

وقوله: ﴿كما تقولون﴾ على هذا الوجه تنبيه على خطئهم ، وهو من استعمال الموصول في التنبيه على الخطأ .

والمعنى الثاني: أن يكون المراد بالسبيل سبيل الوصول إلى ذي العرش ، وهو الله تعالى وصول الخضوع والاستعطاف والتقرب ، أي لطلبوا ما يوصلهم إلى مرضاته كقوله يبتغون إلى ربهم الوسيلة .

ووجه الاستدلال: أنكم جعلتموهم آلهة، وقلتم ما نعبدهم إلا ليكونوا شفعاءنا عند الله ، فلو كانوا آلهة كما وصفتم إلهيتهم لكانوا لا غنى لهم عن الخضوع إلى الله ، وذلك كاف لكم بفساد قولكم ، إذ الإلهية تقتضي عدم الاحتياج ; فكان مآل قولكم إنهم عباد لله مكرمون عنده، وهذا كاف في تفطنكم لفساد القول بإلهيتهم .

والابتغاء على هذا ابتغاء محبة ورغبة، كقوله: ﴿فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا﴾، وقريب من معناه قوله تعالى: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون﴾، فالسبيل على هذا المعنى مجاز عن التوسل إليه والسعي إلى مرضاته .

وقوله: ﴿كما تقولون﴾ على هذا المعنى تفيد للكون في قوله ﴿لو كان معه آلهة﴾ أي لو كان معه آلهة حال كونهم كما تقولون، أي كما تصفون إلهيتهم من قولكم هؤلاء شفعاؤنا عند الله .


واستحضار الذات العلية بوصف ﴿ذي العرش﴾ دون اسمه العلم لما تتضمنه الإضافة إلى العرش من الشأن الجليل، الذي هو مثار حسد الآلهة إياه، وطمعهم في انتزاع ملكه على المعنى الأول، أو الذي هو مطمع الآلهة الابتغاء من سعة ما عنده على المعنى الثاني .

وختاما؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:

«فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه؛ إلا الله سبحانه، ومن عبد غير الله وإن أحبه وحصل له به مودة في الحياة الدنيا ونوع من اللذة فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ أكل طعام المسموم
﴿ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون﴾
فإن قوامهما بأن تأله الإله الحق فلو كان فيهما آلهة غير الله لم يكن إلها حقا ; إذ الله لا سمي له ولا مثل له، فكانت تفسد لانتفاء ما به صلاحها ، هذا من جهة الإلهية ».


التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن صالح البجائي ; 25 Sep 2014 الساعة 05:14 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 Sep 2014, 01:05 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

كلُّ الصيد في جوف الفرا، وكل الهدى في كتاب الله جل وعلا، فقد أفلح من جعله صوبَه، وأعمَل فيه فكره ولبابَه.
بارك الله فيك أبا محمَّد على هذه "التحفة المهدية".
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 Sep 2014, 04:01 PM
مراد براهيمي مراد براهيمي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الدولة الجزائر/برج بوعريريج
المشاركات: 355
افتراضي

تحرير بديع وانتقاء موفَّق ؛ جزاك الله خيرا أبا محمد ..
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 Sep 2014, 05:19 AM
أبو عبد الحي محمد أمين الجزائري أبو عبد الحي محمد أمين الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 19
افتراضي

نسأل الله عز و جل بأسمائه الحسنى و صفاته العلا أن يوفقنا إلى تدبر كتابه و العمل به و تعليمه لخلقه ... بارك الله فيك و أحسن إليك وجزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 Sep 2014, 06:22 PM
إسحاق بارودي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيك أخي مهدي
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 Sep 2014, 10:06 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي

جزاكم الله خيرا، يسر المرء بتعليقاتكم حفظكم الله.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013