قال الإمام البخاري :
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ مُغْضَبٌ، فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: "وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا "
شرح الحديث :
- [ حدثنا أبي ] أبوه هو حفص بن غياث عليه رحمة الله تبارك و تعالى ؛
- [ حدثنا الأعمش ] سليمان بن مهران رحمه الله تعالى ؛
- [ سمعت سالما ] سالم بن أبي الجعد الأشجعي ؛
- [ سمعت أم الدرداء ] هي أم الدرداء الصغرى التابعية ، لأنها لم تدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، واسمها جهينة رحمة الله تبارك و تعالى عليها و تعرف بأم الدرداء الصغرى التي أخذت كنيتها من أبي الدرداء تبعا لزوجها ، و المعرفة بحسب الراوي عنها ، لأن سالما لم يدرك الكبرى التي هي خيرة بنت أبي حدود الأسلمية رضي الله تعالى عنها ، هذه التي الغالب ما تكون مقصودة في تلك الأثار التي تروى عن أم الدرداء ... قصة أبو الدرداء مع أخيه سلمان الفارسي لما جاء بيته ، هذه الكبرى خيرة ، و اسم خيرة معروف عند الصحابة و هو من الأسماء الموجودة عندنا ـ إلا أنه من الأسماء القديمة التي استبدلت بليندا و من مثل هذه الأسماء ؛
- [ تقول دخل عليّ أبو الدرداء مغضب ، فقلت ما أغضبك ؟] أبو الدرداء هو عويمر بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه ؛
- [ فقال : و الله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه و سلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعا ] هذا الحديث عظيم في بابه .. و هذا الإنتقاء العجيب من الإمام البخاري هذا الإمام الهمام !! .. فانتقاؤه و إيراده له في هذا الموضع بالذات له مناسبة ، الكثير ممن وقف على شرح الصحيح ، قال : أن هذا الحديث لا مناسبة له مع الترجمة ، إلا أن الأحاديث الثلاث لها مناسبة قوية بالترجمة ، ونوع فيها الإمام البخاري كأنه قصد ذلك ، هذا التنويع و هذه الفائدة التي ذكرها شيخنا الشيخ العثيمين عليه رحمة الله تعالى بقوله : أن البخاري بين في هذا الباب فضل صلاة الفجر بأنواع ثلاث من الإستنباط :
1) بين فضل صلاة الفجر بالنص الخاص : و هذا المتعلق بحديث أبي هريرة ؛
2) و بالنص العام : و هذا المتعلق بحديث أبي الدرداء ؛
3) و بالإستنباط : وهو المتعلق بحديث موسى و هو آخر الأحاديث الثلاث في هذا الباب .
أولا موقف أبي الدرداء ، هذا الغضب من الأنواع المحمودة ، لأن الأصل فيه أنه مذموم ، ولهذا لما جاء الرجل للنبي عليه الصلاة و السلام يسأله أن يوصيه ، ما زاد النبي عليه الصلاة و السلام أن قال له : " لا تغضب " ، فأعاد الرجل عليه السؤال ، فأعاد النبي عليه الصلاة و السلام نفس الجواب " لا تغضب " ، حتى للثالثة . و جاءت الأحاديث النبوية كثيرة موجهة للمؤمن في هذا الباب .
كيف ، لا يوجد أحد على وجه الأرض لا يغضب !؟ ، ولكن الواجب في حق المؤمن أن يملك نفسه عند الغضب ، لا أن يطيش عقله .. لا أن يجهل في تصرفه .. في قوله ..أو في فعله .
هناك من يعتذر لبعض الناس ، يقول لك : يكفر بالله رب العالمين ، و ينطق هذا بلسانه ، يكفر ..يسب الله جل و علا ، أو يسب دين الله تبارك و تعالى ، و يعتذر له من يعتذر له بأن الرجل غضب قليلا ، فوقع في هذا الأمر العظيم !!! نعوذ بالله ، هناك من يغضب فيطلق زوجته ، و الأخر يغضب فيخرب سيارته .. و آخر يغضب فيتعدى على إخوانه ، يصل به الأمر إلى سفك دماءهم أو يتعدى على أموالهم وهذا واقع ، تذهب للسجون – نسأل الله أن يعافينا و يعافيكم – أغلبهم أدخلهم الغضب ، لأنهم ما كانوا على هدي نبيهم عليه الصلاة و السلام في هذا الباب ، وما تمالكوا أنفسهم حين جاءتهم ثورة الغضب ، فقالوا ما قالوا و فعلوا ما فعلوا ، نعوذ بالله ... وانظر إلى هدي نبينا عليه الصلاة و السلام في كيفية توجيهه لنا في مثل هذه الحال ، رأى رجلا قد اشتد غضبه إلى درجة أن انتفخت أوداجه و احمرت عياناه ، فقال عليه الصلاة و السلام : " إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أعُوذ باللهِ منَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " ، ترجع إلى الله جل و علا ، ذكر الله تبارك و تعالى في مثل هذه المواطن ، المؤمن ينبغي أن يكون له ذاكرا لله على كل حال ... ذكرك لله تبارك و تعالى في حال الفرح و السرور ... ذكرك لله تبارك و تعالى في حال الحزن .. ذكرك لله تبارك و تعالى في حال استحواذ الشيطان عليك ، بأن سبب لك هذا الغضب ، و بأن أجج هذه النار في نفسك ، فثارت هذه النفس لأجل هذا الغضب الشديد ، حتى في الصلاة يأتيك الشيطان ترجع إلى ذكر الله ، تتعوذ منه و أنت في الصلاة ، وكذلك في هذا الحال أمر النبي عليه الصلاة و السلام الغاضب إذا جاءته هذه الثورة أن يقوم و يتوضأ ، لأن الماء دواء للنار هو الذي يطفئها ، فالوضوء عبادة من العبادات ليس كمن يقال له : إذهب أبرد نفسك بالماء ، فالإبراد بهذه الطريقة ليست عبادة بل هو حاجة داخل في عموم المباحات ، أما الوضوء فهو عبادة من العبادات ، و الذي يتوضأ يستحضر هذا الأمر و يبدأ بذكر الله عملا بسنة النبي عليه الصلاة و السلام ... تبدأ ببسم الله ثم تشرع في وضوئك يذهب عنك هذا ، ليس هذا فحسب ، النبي عليه الصلاة و السلام أرشدنا و ارشد الغاضب منا إذا كام قائما أن يقعد ، و إذا طان قاعدا أن يستلقي .. تهدأ جوارحك و مَفاصِلك و لعل الشيطان يخرج من عروقك بسبب هذا الإسترخاء و ترجع إلى نفسك ، وخير الناس من جمع بين هذه كلها . لكن مع الأسف الشديد هناك من يجمع بين كل هذه الأمور و هناك أمور أخرى ، إلا أنه لا يطفئ تلك الثورة التي في نفسه . هذا لابد أن يكون علاجه بالمداومة ، العلماء في هذا الباب يضربون مثالا بترويض الحيوانات .. بل بترويض الحيوانات المفترسة ، أخطر الحيوانات يروضها إنسان فتصبح له مطيعة و أمامه ساكنة ... فتكون بذلك أليفة – سبحان الله العظيم - ، خرجت عن طبيعتها لأن الأصل فيها الإفتراس ، فقالوا : مادام هذه الوحوش تروض و تتغير ، أفلا يتغير ابن آدم ! ، الذي الأصل فيه أن الله عز وجل أنه خلقه عاقلا ، أعطاه عقلا و كلّفه ... أعطاه أعظم الوظائف و أشرفها .. لا يكون كذلك ! ، هذا من الخطأ أن يعتذر بعض الناس لإخوانه في سوء أخلاقه ، أو في قبيح طباعه فيقول لك : طبيعته هكذا !. سبحان الله العظيم ، مع الأسف الشديد قد تلقى هذا الأمر مع بعض من ينتسب للدعوة ، و بعض من يشيخون ، فلان الشيخ الفلاني يقول الكلام القبيح ، بل يقول الكلام الفاحش ! ، عوض هؤلاء الأتباع الصم البكم العمي أن ينصحونه أو أن ينفضوا من حوله حتى لا يغتر بقبيح فعله .. لا ! ، يعتذرون له بقولهم : الشيخ طبيعته هكذا . طبيعته هكذا ! ، طبيعته سيئ الخلق ! ، طبيعته فاحش اللسان ! ، و ما زال إماما عندكم ! ، و متبوع فيكم !.. نسأل الله عز وجل العفو و العافية ، هذا يقال فيه عذر أقبح من ذنب ، فلا يعتذر لأمثال هؤلاء . لأن الناس جميعهم مأمورون بأن يغيروا ما بأنفسهم ، مأمورون بأن يزكوا أنفسهم و يطهروها . فما فائدة هذا الدين ، وما فائدة هذه الأحكام ، وما فائدة أننا أتباع للنبي الكريم -عليه الصلاة و السلام- الذي خلقه القرآن ، الذي قال عن نفسه و دعوته : " إِنـــَّما بُعـِثـــْتُ لأُتـــَمّمَ مَكارِمَ الأَخلاق " ، بمعنى أننا ما اخذنا بسنته و ما اتبعنا هديه ، مالم نتخلق بخلقه و بكريم صفاته ، نسأل الله العفو و العافية .
فهذا الصحابي الجليل غضب الغضب المحمود ، و الغضب المحمود هو الغضب الذي يكون لله ؛
تقول دخل عليّ أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه و هو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ ، هذا فيه فائدة أخرى في حسن المعاشرة الزوجية ، خبيرة بزوجها ، ما إن رأته علمت هذا و سألته مباشرة ، ما أغضبك ، فقال رضي الله عنه و أرضاه : و الله ما أعرف من أمر محمد صلى لله عليه و سلم و هذا إطلاق قيده أهل العلم بالنظر إلى السياق فقالوا المقصود بقوله ما أعرف من أمر محمد ما كان متعلقا بالصلاة ، ليس في كل الأمور الأخرى ، السياق يدل على ذلك لأنه رجع من الصلاة و ذكر أمرا متعلقا بالصلاة ، قال : ما أعرف من أمر محمد شيئا إلا أنهم يصلون جميعا . أنكر عليهم أمر صلاتهم ، عدم الخشوع في الصلاة ، أنكر عليهم عدم تحقيق السنة في الصلاة ... لا يصلون صلاة رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ، قال هذا أبو الدرداء لمن حوله من التابعين في الزمن الأول ، و التابعون هم الذين أخذوا عن الصحابة و جاءوا بعدهم ، و تغير الحال إلى هذا الحد ، فماذا نقول نحن !؟ .. فماذا نقول نحن في زماننا هذا !؟ ، إلا أنه ينبغي أن نعلم أن أمر هذا الدين يمر على فترات قوة و فترات ضعف في كل شيء .. في الجانب العلمي ، في جانب اتباع السنة و الرجوع إلى السنة ، نحن فقط قبل القرن الأخير هذا قبل عشرين سنة لا تكاد تجد أثار هدي النبي عليه الصلاة و السلام و لا السنة ، لا في بيوتنا و لا في مساجدنا و لا في طرقاتنا و لا في أسواقنا ... لا على أنفسنا و لا على أبنائنا ... لا في رجالنا و لا في نسائنا ، لا تكاد تجد هذا . ثم الله تبارك و تعالى لما أراد بنا خيرا قيض لنا من العلماء الربانيين الذين من خصائصهم و وظيفتهم أنهم يحيون سنة نبيهم عليه الصلاة و السلام .
العلماء الذين يطلق عليهم لفظ المجدد ، المجدد هو أنه يعيد هذه الأمور للأمة ، كادت تمحى عن الأمة و تطمس معالمها فتحيا من جديد و ترجع في الأمة من جديد .. تعرفون قبل سنوات لما بدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله دعوته كان الشرك حول بيت الله الحرام ، من الاضرحة و الأوثان و المزارات الشركية البدعية التي يذبح عندها و يطاف حولها ، و الله جل و علا فتح عليه ، و نصره بالإمام محمد بن سعود ثم الإمام عبد العزيز ، و أعادوا معالم التوحيد في هذه الأمة ، رغم أنوف المناوئين الحاقدين على هذه الدعوة المباركة .. رغم أنوف المبتدعة من المتصوفة و الشيعة الروافض الذين يكفرونهم ، رغم أنوف الحزبيين الحاقدين اليوم الذين يصفونهم بآل سلول ، قاتلهم الله آل سلول نسبة إلى رأس النفاق عبد الله بن سلول المنافق ، نسأل الله جل و علا العفو و العافية ، هذا دائما يقع في الأمة ، و لهذا بشر النبي صلى الله عليه و على آله و سلم بهذا الأمر أنه على راس كل مائة سنة ، الله تبارك و تعالى يبعث في هذه الأمة ... ليس المقصود بالبعث أنه يوحي إلى أحد من هذه الأمة لأنه لا وحي بعد رسول الله ، يبعث في هذه الأمة من علمائها من ربانييها و الأمر كله في مثل هذه القضايا يرجع إلى الأئمة و العلماء ، من يجدد لها أمر دينها .
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد الجزائري ; 14 May 2016 الساعة 10:56 PM
|