نعم إنك على الحق ، كيف لا ؟ وربنا عز وجل يقول : (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) [ النساء :115] فأنت لم تشاقق النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعت سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين .
والنبي صلى الله عليه وسلم جعلك من الفرقة الناجية المنصورة
فعن معاوية –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمَّة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة وهي الجماعة ).[ أخرجه أبو داود برقم :4597 وابن ماجة من حديث عوف بن مالك برقم :3993 وغيرهما وقد اجمعت الأمة على صحته )
وفي لفظ: من هي يا رسول الله؟قال: ( ما أنا عليه وأصحابي )[ أخرجه الترمذي (2641) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]
و عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون).[ البحاري برقم : 6881]
وعن عن ثوبان. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. لا يضرهم من خذلهم. حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).[ مسلم : 1920]
فلا تحزن ...وأبشر .
أيها السلفي إنك غريب فلا تحزن
نعم إنك غريب في زمن قل فيه المحق وكثر المبطل ، زمن عصفت فيه الفتن المدلهمات وقصفت الشبه والشهوات ، زمن قل الصادع بالحق وكثر المثبط من الخلق .
فلا تحزن فأنت غريب وطوبى للغرباء .
فعن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا. فطوبى للغرباء)[ أخرجه مسلم برقم : 145 وغيره]
وسئل عنهم فقال صلى الله عليه وسلم : (ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)[ رواه أحمد في المسند وصححه العلامة الألباني في الصحيحة برقم : 1619].
وهذا كلام لعل الله ينفعك به فيزول عنك الحزن .
قال العلامة ابن القيم –رحمه الله- في نونيته (ص : 304-305)
أهل اليمن فثلة مع مثلها*** والسابقون أقل في الحسـبان
ما ذاك إلا أن تابعهم هم *** الغرباء ليست غربة الأوطان
لكنها والله غربة قائـم *** بالدين بين عساكر الشيطان
فلذاك شبههم به متبوعهم*** في الغربتين وذاك ذو تبيان
لم بشبهوهم في جميع أمور***هم من كل وجه ليس يستويان
فانظر إلى تفسيره الغرباء*** بالمحيين سنته بكل زمــان
طوبى لهم والشوق يحدوهم إلى*** أخذ الحديث ومحكم القرآن
طوبى لهم لم يعبأوا بنحاتة الأ *** فكار أو بزبالة الأذهــان
طوبى لهم ركبوا على متن العزا*** ئم قاصدين لمطلع الإيمـان
طوبى لهم لم يعبأوا شيئا بذي*** الآراء إذ أغناهم الوحيـان
طوبى لهم وإمامهم دون الورى *** من جاء بالإيمان والفرقان
والله ما ائتموا بشخص دونه *** إلا إذا ما دلهم ببيــان
وقال أيضا ( ص: 218):
لا توحشنك غربة بين الورى *** فالناس كالأموات في الحسبان
أو ما علمت بأن أهل السـنة *** الغرباء حقا عند كل زمــان
فلا تحزن ...وأبشر .
أيها السلفي إن أهل الحق في قلة فلا تحزن
نعم إن أهل الجق في قلة ، كيف لا وربنا عز وجل يقول : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) [ الأنعام : 116]
وقال تعالى : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) [ يوسف : 103]
وقال تبارك وتعالى : (المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) [ الرعد : 1] فما أكثر ما ذم الله عز وجل الكثرة في كنابه ، ومدح القلة فقال : (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )[ سبأ:13]
والنبي صلى الله عليه وسلم جعل أهل الحق فرقة واحدة ، وأهل الصلال اثنتي وسبعين فرقة ( أنظر حديث الإفتراق )
وعن الفضيل بن عياض: ' اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين واياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين'.
قال العلامة ابن القيم في نونيته ( ص:16-17):
واصدع بما قال الرسول ولا تخف ***من قلة الأنصار و الأعوان
فالله ناصر دينه وكتابــــــه*** والله كاف عبده بأمـــان
إلى أن قال :
لاتخش كثرتهم فهم همج الورى *** وذبابه أتخاف من ذبـــان .
فلا تحزن ...وأبشر .
أيها السلفي إن الله هو الهادي والمضل فلا تحزن
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، قال عز وجل : (...أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا )[ النساء : 88]
وقال تعالى : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) [ الرعد : 33]
و قال عز وجل : (وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ ) [ الإسراء :97]
وقال ربنا على لسان موسى عليه السلام : (قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )[الشعراء : 62]
وقال على لسان خليله ابراهيم عليه السلام : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ )[ الشغراء : 78]
وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )[ البقرة :272]
وقال له أيضا : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )[ القصص :56]
وقال له : (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)[النحل :37]
وقال له : (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) [ فاطر : 8]
وقال له عز وجل أيضا : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ...) [ آل عمران : 128]
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الحاجة التي كان يعلمها لأصحابه : ( من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ...)
فلن تستطيع أن تهدي أحدا , وما عليك إلا الدعوة إلى الله (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )[العنكبوت : 18]
فلا تحزن ...وأبشر .
أيها السلفي إنه يقولون ما يريدون به إحزانك فلا تحزن
نعم ، وهذا هو صنيع المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم .
فقالوا كذاب وشاعر ومجنون وكاهن، أنه افترى القرآن ...مريدين بذلك إحزانه
فقال عز وجل : (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ...) [ الحجر:88]
وقال تعالى : (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ )[ النحل:127]
وقال : (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ )[ النمل : 70]
وقال عز وجل : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ...)[ الأنعام :33]
وقال تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ )[ الحجر: 97]
ويقولون عنك أيها السلفي: وهابي جامي ، مدخلي مرجئي إرهابي ...
إقرأ ماقاله العلامة السعدي –رحمه الله- ( تيسير الكريم الرحمن ص : ) : " فإن مكرهم عائد إليهم ، وأنت من المتقين المحسنين . والله مع المتقين المحسنين ، بعونه ، وتوفيقه ، وتسديده ، وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي ، وأحسنوا في عبادة الله ، بأن عبدوا الله ، كأنهم يرونه ، فإن لم يكونوا يرونه ، فإنه يراهم . والإحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه . نسأل الله أن يجعلنا من المتقين المحسنين ."اهـ.
فلا تحزن ...وأبشر .
أيها السلفي إن الفتن كثرت فلا تحزن
عن أنس رضي الله عنه قال: "إنكم لتعملون أعمالاً، هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات. قال أبو عبد الله: يعني بذلك المهلكات ".[ البخاري برقم : 6127]
قالها للتابعين ( وهم من خير القرون ) فماذا لو رأى زماننا –رضي الله عنه- ؟
ماذا يقول ؟
نعم الفتن كثرت شبهات وشهوات ، فلا تحزن فأنت في اختبار أتصدق أم تكون كاذبا تصبر أم تكفر تثبت أو تنتكس .
فهذا زمن الفتن ولك البشارة من النبي صلى الله عليه وسلم .
فعن أنس –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم . قالوا يا نبي الله أو منهم قال بل منكم )[صحيح : الصحيحة برقم :494]
وفي رواية : (فإن من ورائكم أيام الصبر فيهن مثل القبض على الجمر...)[ صحيح الترغيب والترهيب برقم : 3172]
وعن معقل بن يسار –رضي الله عنه- قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( العبادة في الهرج، كهجرة إليّ).[ رواه مسلم برقم : 2948]
ولك هذه البشارة العظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم تزيل عنك الحزن .
عن أبي عبيدة بن الجراح قال: ' يا رسول الله . أحد خير منا ؟ أسلمنا وجاهدنا معك' . قال : ( نعم قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني )[ صححه العلامة الألباني في المشكاة برقم : 6282]
فلا تحزن ...وأبشر .
والله الموفق
وكتبه :
جمال بن عبد العزيز الربيعي
( أبو عاصم السّلفي )