وفيكم يبارك الله أخي.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
وعن أبي عبيدة الخوَّاص، قال: حتفك في شبعك، وحظك في في جوعك، إذا أنت شبغت ثقلت، فنمت، استمكن منك العدو، فجثم عليك، وإذا أنت تجوَّعت كنت للعدو بمرصد.
وعن عمرو بن قيس، قال: إياكم والبِطنة فإنها تقسِّي القبلب.[1]
وعن سلمة بن سعيد قال: إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب.
وعن بعض العلماء قال: إذا كنت بطينا، فأعدد نفسك زمنا حتى تخمص.
وعن ابن الأعرابي قال: كنت العرب تقول: ما بات رجل بطينا فتم عزمه.
وعن أبي سليمان الداراني قال: إذا أردت حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، فلا تأكل حتى تقضيها، فإن الأكل يغير القلب.
وعن مالك بن دينار قال: ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه، وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه.
قال: وحدثني الحسن بن عبد الرحمن، قال: قال الحسن أو غيرهك كانت بلية أبيكم آدم عليه السلام أكلة، وهي بليتكم إلى يوم القيامة.قال : كان يقال: من ملك بطنه، ملك الأعمال الصالحة كلها، وكان يقال: لا تسكن الحكمة معدة ملأى.
وعن عبد العزيز بن أبي رواد قال: كان يقال: قلة الطعام عون على التسرع إلى الخيرات.
وعن قثم العابد قال: كان يقال: ما قل طعم امرئ قط إلا رقَّ قلبه، ونديت عيناه.
وعن عبد الله بن مرزوق قال: لم نر للأشر مثل دوام الجوع، فقال له أبو عبد الرحمن العمري الزاهد: وما دوامه عندك؟ قال: دوامه أن لا تشبع أبدا. قال: وكيف يقدر من كان في الدنيا على هذا؟ قال: ما أيسر ذلك يا أبا عبد الرحمن على أهل ولايته ومن وفَّقه لطاعته، لا يأكل إلا دون الشبع دوام الجوع.
ويشبه هذا قول الحسن لما عرض الطعام على بعض أصحابه، فقال له: أكلت حتى لا أستطيع أن آكل، فقال الحسن: سبحان الله ويأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل؟ ![2]
وروى أيضا بإسناده عن أبي عمران الجوني، قال: كان يقال: من أحب أن ينور له قلبه، فليُقِلَّ طُعمَه.
وعن عثمان بن زائدة قال: كتب إليَّ سفيان الثوري: إن أردت أن يصح جسمك، ويقل نومك، فأقل من الأكل.[3]
وعن ابن السماك قال: خلا رجل بأخيه، فقال: أي أخي، نحن أهون على الله من أن يجيعنا، إنما يجيع أولياءه.
وعن عبد الله بن الفرج قال: قلت لأبي سعيد التميمي: الخائف يشبع؟ قال: لا، قلت: المشتاق يشبع؟ قال: لا.
وعن رياح القيسي أنه قرب إليه طعام، فأكل منه، فقيل له: ازدد فما أراك شبعت، فصاح صيحة وقال: كيف أشبع أيام الدنيا وشجرة الزقوم طعام الأثيم بين يدي؟ فرفع الرجل الطعام من بين يديه، وقال: أنت في شيء ونحن في شيء.[4]
قال المروذي: قال لي رجل: كيف ذاك المتنعم؟ يعني أحمد، قلت له: وكيف هو متنعم؟ قال: أليس يجد خبزا يأكل، وله امرأة يسكن إليها ويطؤها، فذكرت لأبي عبد الله ذلك، فقال: صدق، وجعل يسترجع، وقال: إنا لنشبع.
وقال بشر بن الحارث: ما شبعت منذ خمسين سنة، وقال: ما ينبغي للرجل أن يشبع اليوم من الحلال، لأنه إذا شبع من الحلال، دعته نفسه إلى الحرام، فكيف من هذه الأقذار؟
وعن إبراهيم بن أدهم قال: من ضبط بطنه، ضبط دينه، ومن ملك جوعه، ملك الأخلاق الصالحة، وإن معصية الله بعيدة من الجائع، قريبة من الشبعان، والشبع يميت القلب، ومنه يكون الفرح والمرح والضحك.
وقال ثابت البناني: بلغنا أن إبليس ظهر ليحي بن زكريا عليهما السلام، فرأى عليه معاليق من كل شيء، فقال له يحي: يا إبليس، ما هذه المعاليق التي أرى عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصيب من بني آدم، قال: فهل لي فيها شيء؟ قال: ربما شبعت، فثقلناك عن الصلاة وعن الذِّكر، قال: فهل غير هذا؟ قال: لا، قال: لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا، قال: فقال إبليس: والله عليَّ أن لا أنصح مسلما أبدا.[5]
وقال أبو سليمان الداراني: إن النفس إذا جاعت وعطشت، صفا القلب ورق، وإذا رويت، عمى القلب، وقال[6]: مفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع، وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عزوجل، وإن الله ليعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وإن الجوع عنده في خزائن مدخرة، فلا يعطي إلا من أحب خاصة، ولأن أدع من عشائي لقمة أحب إلي من أن آكلها ثم أقوم من أول الليل إلى آخره.
وقال الحسن بن يحي الخشني: من أراد أن تغزر دموعه، ويرق قلبه فليأكل وليشرب في نصف بطنه، قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت بهذا أبا سليمان، فقال: إنما جاء الحديث:(ثلث طعام وثلث شراب)، وأرى هؤلاء قد حاسبوا أنفسهم، فربحوا سدسا.[7]
وقال محمد بن النضر الحارثي: الجوع يبعث على البر كما تبعث البطنة على الأشر.[8]
وعن الشافعي، قال: ما شبعت منذ ستة عشرة سنة إلا شبعة اطرحتها، لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.[9]
وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقلل من الأكل في حديث المقدام، وقال:( حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه). وفي "الصحيحين" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعىة أمعاء)[10]
والمراد أن المؤمن يأكل بأدب الشرع، فيأكل في معي واحد، والكافر يأكل بمقتضى شهوته والشَّرَه والنهم، فيأكل في سبعة أمعاء.
ـــــــــــــــ
[1] وروى أبو نعيم في "الحلية" (7/36 و78) مثله عن سفيان الثوري.
[2] رواه أحمد في "الزهد" ص268.
[3] ورواه أبو نعيم في "الحلية" (7/7).
[4] رواه أبو نعيم في "الحلية" (6/194).
[5] "الحلية" (2/328-329).
[6] "الحلية" (9/259).
[7] "الحلية" (8/318).
[8] "الحلية" (8/222).
[9] رواه البيهقي في "آداب الشافعي" (ص106)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/127).
[10] رواه البخاري (5393)، ومسلم (2060) من حديث ابن عمر، ورواه البخاري (5391)، ومسلم (2062) من حديث أبي هريرة.
يتبع بإذن الله