·ثالثاً: فضلُ الصَّبرِ وأنَّهُ مشتملٌ على جُملةٍ من الأخلاقِ الحميدة:
سيأتي إن شاء الله تعالى ذكرُ ما تيسَّرَ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في الصَّبر؛ وأذكرُ هنا جملةً من كلام بعض أهل العلم في فضل الصَّبر واشتماله لجملة من الأخلاق الحميدة؛
1.فضلُ الصَّبرِ
قال ابن القيِّمِ رحمه الله تعالى:
"قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: [ذكر اللهُ] الصبرَ في القرآن في نحو تسعين موضعا وهو واجب بإجماع الأمة وهو نصف الإيمان فإن الإيمان نصفان : نصف صبر ونصف شكر" [1]
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
" اقترانه [أي: الصبر] بمقامات الإسلام والإيمان:
قرنه الله سبحانه باليقين وبالإيمان وبالتقوى والتوكل وبالشكر والعمل الصالح والرحمة ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : خير عيش أدركناه بالصبر" [2].
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
"فصلٌ: الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الخُلُقِ : زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ
... وحسن الخلق يقوم على أربعة أركان لا يتصور قيام ساقه إلا عليها : (الصبر والعفة والشجاعة والعدل)،... ومنشأ جميع الأخلاق الفاضلة من هذه الأربعة ومنشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان : الجهل والظلم والشهوة والغضب" [3].
وقال ابن سعدي رحمه الله تعالى:
"وقد وعد الله الصابرين في كتابه وعلى لسان رسوله [صلى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ] أموراً عاليةً جليلةً: وعدهم بالإعانة في كل أمورهم، وأنه معهم بالعناية والتوفيق والتسديد، وأنه يحبهم ويثبت قلوبهم وأقدامهم، ويلقي عليهم السكينة والطمأنينة، ويسهل لهم الطاعات، ويحفظهم من المخالفات، ويتفضل عليهم بالصلوات والرَّحمة والهداية عند المصيبات، واللهُ يرفعهم إلى أعلى المقامات في الدنيا والآخرة، وعدهمُ النَّصْرَ، وأن يُيَسِّرَهُم لليُسرى ويجنبهم العُسرى ، ووعدهم بالسعادة والنجاح والفلاح، وأن يُوَفِّيَهُم أجرَهم بغير حسابٍ، وأن يُخلف عليهم في الدنيا أكثر مما أُخذ منهم من محبوباتهم وأحسن، [وأن] يُعَوِّضَهم عن وقوع المكروهات عوضا عاجلا يقابل أضعاف أضعاف ما وقع عليهم من كريهة ومصيبة" [4]
2.بيان أن الصَّبر مشتمل على جملة من الأخلاق الحميدة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "في بيان أسماء الصبر بالإضافة إلى متعلقه:
لما كان الصبر المحمود هو الصبر النفساني الاختياري عن إجابة داعي الهوى المذموم كانت مراتبه وأسماؤه بحسب متعلقه:
·فإنه إن كان صبرا عن شهوة الفرج المحرمة سمي عفة ...
·وإن كان عن شهوة البطن وعدم التسرع إلى الطعام أو تناول مالا يجمل منه سمي شرف نفس وشبع نفس ...
·وإن كان عن إظهار ما لا يحسن إظهاره من الكلام سمي كتمان سر ...
·وإن كان عن فضول العيش سمي زهدا ...
·وإن كان على قدر يكفي من الدنيا سمي قناعة...
·وإن كان عن إجابة داعي الغضب سمي حلما ...
·وإن كان عن إجابة داعي العجلة سمي وقارا وثباتا ...
·وإن كان عن إجابة داعي الفرار والهرب سمي شجاعة ...
·وإن كان عن إجابة داعي الانتقام سمي عفوا وصفحا ...
·وإن كان عن إجابة داعي الإمساك والبخل سمي جودا ...
·وإن كان عن إجابة داعي الطعام والشراب في وقت مخصوص سمي صوما،
·وإن كان عن إجابة داعي العجز والكسل سمي كيسا،
·وإن كان عن إجابة داعي إلقاء الكيل على الناس وعدم حمل كلهم سمي مروءة،
·ويسمى عدلا إذا تعلق بالتسوية بين المتماثلين،
·ويسمى سماحة إذا تعلق ببذل الواجب والمستحب بالرضا والاختيار،
"فله عند كل فعل وترك اسم يخصه بحسب متعلقه والاسم الجامع لذلك كله : (الصبر) وهذا يَدُلُّكَ على ارتباط مقامات الدين كلها بالصبر من أولها إلى آخرها"
..." [5]
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى: "الصَّبرُ إن كان عن شهوة البطن والفرج، سمي عفة، وإن كان الصبر في قتال سمي شجاعة، وإن كان في كظم غيظ سمي حلماً، وإن كان في نائبة مضجرة سمي سعة صدر، وإن كان في إخفاء أمر سمي كتمان سر، وإن كان في فضول عيش سمي زهداً، وإن كان صبراً على قدر يسير من الحظوظ سمي قناعة .
وأما المصيبة، فإنه يقتصر فيها على اسم الصبر، فقد بان بما ذكرنا أن أكثر أخلاق الإيمان داخلة في الصبر، وإن اختلفت الأسماء باختلاف المتعلقات." [6]
[يُتبعُ إن شاء الله تعالى]
ـــــــــ
[1] [(مفتاح دار السَّعادة)، 2/152 وما بعدها)]،
[2] [(مفتاح دار السَّعادة)، (بتصرف يسير) 2/154،155]،
[3] [ملخَّصاً من: (مفتاح دار السَّعادة)، 2/308]،
[4] [(بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار)، (بتصرف يسير)، ت: أبي الحارث نادر بن سعيد آل مبارك التعمري، دار ابن حزم، ط: 1، ص: 184 وما بعدها]،
[5] [ملخَّصاً من: (عدة الصابرين)، ص: 19،20، مكتبة دار التراث، المدينة النَّبوية، ط: 3]،
[6] [(مختصر منهاج القاصدين)، (بتصرف يسير)، ص: 294 وما بعدها].