الفكر الاقصائي عند الصوفية - التكفير أنموذجا-

[بلال بريغت]

الفكر الاقصائي عند الصوفية
- التكفير أنموذجا -

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنْ أرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعاَلَمِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَإِخْوَانِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
قال ابن منظور: «قال المفضل بن سلمة في قول العرب: رمتني بدائها وانسلت، قال: كان سبب ذلك أن سعد بن زيد مناة كان تزوج رهم بنت الخزرج بن تيم الله، وكانت من أجمل النساء، فولدت له مالك بن سعد، وكان ضرائرها إذا ساببنها يقلن لها: يا عفلاء ! فقالت لها أمها: إذا ساببنك فابدئيهن بعفال، سبيت، فأرسلتها مثلا، فسابتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها، فقالت لها رهم: يا عفلاء! فقالت ضرتها: رمتني بدائها وانسلت»(1).
وهذا المثل العربي المشهور: «رمتني بدائها وانسلت»، مثل يُضرب لمن يُعَيِّر صاحبهُ بعيبٍ هو فيهِ
فيُلقي عيبهَ على الناسِ ويتهمهم به.
والصوفية ممن ينطبق عليهم هذا المثل بحذافيره، فهم دائما يرمون خصومهم بأبشع الصفات ويتهمونهم بأقبح الأفعال، فمن خالفهم أقصوه وكفروه وبدعوه وفسقوه، وقالوا قديما في علماء الجمعية ملحدون وزنادقة وأنهم كفرة مارقون، وقالوا شيعيون ونازيون!، ووصل بهم الأمر إلى تحريف اسم ابن باديس إلى إبليس، أو ابن بليس، وقد نقل الإبراهيمي رحمه الله أن الصوفية آنذاك والمتمثلة في جمعية السنة! برئاسة مولود الحافظي يكفرون الوهابية، قال رحمه الله: «فقد وجّهت أسئلة من العامة إلى هؤلاء المفترين من علماء (السنّة) عن معنى الوهابي- فقالوا هو الكافر بالله وبرسوله»(2).
وكانت هذه الجمعية – جمعية السنة- تتهم جمعية العلماء بتفريق الأمة فجاء رد الإبراهيمي عليها مفحما من خلال ما كتبه حين دعتهم هذه الجمعية الموبوءة بالمناظرة، قال رحمه الله: «نحن يا حضرة الكاتب نعلم علم اليقين ونتحقّق حق اليقين أن الذي فرّق الأمة ومزّق وحدتها حتى أصبحت متنافرة إلى آخر ما وصفتها به هي الطرق التي أنت أحد رعاياها أو الموظفين في مملكتها، لا بالآثار البعيدة غير المباشرة بل بأصولها التي بنيت عليها، وبشروطها الموثقة من شيوخها وبعهودها المأخوذة على أتباعها.
أتتجاهل أن من العهود المؤكدة على المريد أن لا يدخل في طريقة أخرى ولو بعد موت شيخه (على المشهور)، وأن لا يدخل في زاوية أخرى ولا يصلّي فيها ولا يحضر مجالس ذكرها، وأن لا يعدّ أخًا له إلّا أهل طريقته، وأن يعتقد أن شيخه أكمل المشائخ وأن طريقته أفضل الطرق، وأن ما عدا شيخه مفضول أو مدع، وما عدا طريقته فباطل بحيث لو أردنا أن نحتجّ عليكم بكم لكانت النتيجة هكذا: كل طريقة في نظر الأخريات باطلة، فالكل باطل، وكل شيخ طريقة في نظر زملائه مدع أو محجوب أو كذاب فالكل كذلك بشهادة بعضهم على بعضهم، وهكذا ننتزع الدليل على بطلانكم من غير أن نخرج من العالم الطرقي.
أتتجاهل أن من العهود في بعض طرقكم أن لا يصلي ذو الطريقة خلف ذي طريقة أخرى ولا يصهر إليه وأن لا يزور قبر مسلم إلا قبر شيخه وذوي طريقته إلى غير ذلك.
أتتجاهل أن الأمة الجزائرية كانت متفرقة إلى فرق بعدد الطرق التي فيها على النحو الذي ذكرناه وكلها على الباطل، فجاءت جمعية العلماء فصيّرت الأمة فرقتين إحداهما على الحق؟
هذا ما تعلمه علم اليقين ويعلمه كل منصف لا ما ألزمتنا به من قولك إنكم تعلمون علم اليقين كذا .. ولعنة الله على من يعلم ما ذكرت ...» (3).
هذا وتأكيدا لما قاله الإبراهيمي رحمه الله ننقل طرفا من أقوال أئمة الطرق حتى يكون القارئ على بينة من أمره، فمما ننقله في هذا المقام قول الشيخ التيجاني: «من دخل زمرتنا ودخل غيرها تحل به المصائب دنيا وأخرى ولا يعود إليها أبداً إلا بتوبة نصوح»(4).
وزعمت فرقة الجنبورية أن شيخهم هو: « إمام العصر والزمان وأن من لم يدخل في طاعته مات ميتة جاهلية وقتلوا كثيرا من مخالفيهم و استباحوا اغتيالهم»(5).
ونقل صاحب كتاب الحديقة الندية:«إياك أن تقول: طرق الصوفية لم يأت بها كتاب ولا سنة فإنه كفر»(6).
وقوله: «بأن الإنكار على السادة الصوفية سم قاتل قد ورد به الوعيد الشديد، وهو علامة إعراض القلب عن الله، ويخشى على فاعله من سوء الخاتمة»(7).
ويقول صاحب البهجة السنية: «من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومتى كان شيخه الشيطان كان في الكفر حتى يتخذ له شيخاً متخلقاً بأخلاق الرحمن»(8).
قال الأفلاكي: «سأل الشيخ المحترم أوحد الدين الخوئي مولانا - يعني جلال الدين الرومي-: من هو الكافر؟؟
فقال مولانا: أرني المؤمن كي يَبِينَ الكافر!
فقال الشيخ أوحد الدين: أنت هو المؤمن!!
فقال مولانا: في تلك الحال فكل من يضادُّنا فهو الكافر !!»(9).
وعلق على هذا أبو الفضل محمد القونوي قائلا: «ويؤيد نهج الجلال في الإكفار، والعنف، واستحلال إراقة دم المخالف قوله في المثنوي ج2 (3072): «وأي حلال ذلك يا من غدوت من أهل الضلال، إنني لست أرى حلالاً سوى دمك »(10) .
وقوله في ج6 رقم (2064): «أين هو نسل موسى؟ هلا جاؤوا فأراقوا دماء عباد العجل هؤلاء!! واأسفاه»(11).
ويزعم الصوفية أن من ينتقدهم يطرد من رحمة الله! وقالوا: «وهذا الفن من الكشف والعلم يجب ستره عن أكثر الخلق لما فيه من العلو. فغوره بعيد والتلف فيه قريب»(12).
وقالوا: «إذا رأيت منتقدا على التصوف ففر منه فرارك من الأسد واهجره»(13).
وقالوا: «طريق الكشف والشهود، لا تحتمل المجادلة والرد على قائله، وحرمانه يعود على الـمُنْكِر»(14).
ولا ننسى الجماعة التي اتخذت من التكفير وسيلة للدعوة وبنت عليه جميع عقائدها وأحكامها ألا وهي جماعة الإخوان، فحسن البنا كان لا يرى إلا نفسه وجماعته هي دولة الإسلام فقد كان يبايع أتباعه على إقامة دولة الإسلام! وقد وصفت زينب الغزالي البيعة التي بايعت عليها حسن البنا فقالت: «اللهم إني أبايعك على العمل لقيام دولة الإسلام !، فقال: وأنا قبلت»(15).
وقالت: «وكانت الدراسات كلها، تؤكد أن أمة الإسلام ليست قائمة !!، وإن كانت الدولة ترفع الشعارات بأنها تقيم شريعة الله»(16).
وغيرها كثير كتكفير البنا للشاب الذي حاول تفجير المحكمة التي تحوي الوثائق المتحفظ عليها في سيارة الجيب الشهيرة والتي تحمل أسرار التنظيم الخاص، ومقتل النقراشي، ولا ننسى تكفير سيد قطب للمجتمعات وأنها مجتمعات جاهلية، وغيرها مما يطول ذكره وهو مبثوث في كتبهم.
ولا ننسى كذلك مؤتمر الشيشان الذي كفر السلفيين وإخراجهم من دائرة أهل السنة والجماعة وشمس الدين الذي أخرج كتابا يقول فيه أن العقيدة السلفية عقيدة يهودية، ومع هذا يرموننا بتفريق الأمة وتكفيرها فإلى الله المشتكى.
هذا ما جمعته في عجالة فنسأله الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

==========
(1): لسان العرب مادة عفل.
(2): آثار الإبراهيمي (1/123).
(3): آثار الإبراهيمي (1/304).
(4): الفتح الرباني فيما يحتاج إليه المريد التجاني (ص 47).
(5): انظر فرق الهند المنتسبة للإسلام (ص 291).
(6): الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية لمحمد بن سليمان البغدادي: (ص:31).
(7): المصدر السابق.
(8): البهجة السنية في آداب الطريقة العلية الخالدية النقشبندية لمحمد بن عبد الله الخاني: (ص:47).
(9): الأفلاكي، مناقب العارفين ج1 ص515 نقلاً عن أخبار جلال الدين الرومي ص228.
(10): المصدر السابق.
(11): المصدر السابق.
(12): رسالة الفناء من مجموعة رسائل ابن عربي طبعة الهند، (ص:3-8)، إيقاظ الهمم شرح الحكم لابن عجيبة (ص:8)، بواسطة هذه هي الصوفية للشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله (ص:176).
(13): المصدر السابق.
(14): المصدر السابق.
(15): أيام من حياتي لزينب الغزالي : (ص29).
(16): أيام من حياتي لزينب الغزالي : (ص45).

[أبو الحسن نسيم]

بارك الله فيك أخي بلال على هذا الجمع الطيب،والذي زاد إعجابي به هو ربطك بين التكفير عند الصوفية،وبين التكفير عند الإخوان المفلسين،الذي كان رئيسهم صوفيا على الطريقة الحصافية،والذي أثرت الصوفية في طريقة تفكيره وتعامله مع أتباعه من الطاعة العمياء والولاء للجماعة والبراء ممن خالفها،وأنه خرج عن جماعة المسلمين،والذي نستفيد منه متى التداخل بين أهل الأهواء وأنهم كما وصفهم السلف يجتمعون على السيف،فواصل بارك الله فيك على هذا الثغر في فضح القوم من صوفية وخوارج،زادك الله من فضله.

[أبو عبد السلام جابر البسكري]

صدقت أخي بلال وأحسنت ردا بهذا المقال .
وكل أهل الأهواء ينطبق عليهم هذا المثل : رمتني بدائها وانسلت.

[بلال بريغت]

بارك الله فيكما

[أبو أنس حباك عبد الرحمن]

بارك الله فيك أخي بلال على هذا المقال الماتع على وجازته.
وصدق والله العلامة البشير

أتتجاهل أن الأمة الجزائرية كانت متفرقة إلى فرق بعدد الطرق التي فيها على النحو الذي ذكرناه وكلها على الباطل فجاءت جمعية العلماء فصيّرت الأمة فرقتين إحداهما على الحق؟

وكذلك الحال والله اليوم مع دعوة مشايخنا فاللهم جازهم خير الجزاء وأوفاه.