إن الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه.
أمابعد:
لقد انتشر في عصرنا التأليف وظهر القلم وهذا مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم " . [السلسلة الصحيحة ( 2767 )] ورواه النسائي بلفظ تتمته (ويذهب العلم) والمقصود بالعلم وسيلته وهي الكتابة .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى : قال العلامة أحمد شاكر: " يريد الكتابة ". قلت: ففي
الحديث إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس
القراءة والكتابة، والقضاء على الأمية حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك،
فتعلن أن نسبة الأمية قد قلت عندها حتى كادت أن تمحى! فالحديث علم من أعلام
نبوته صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي. ولا يخالف ذلك - كما قد يتوهم
البعض - ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن من أشراط الساعة أن
يرفع العلم ويظهر الجهل لأن المقصود به العلم الشرعي الذي به يعرف الناس ربهم
ويعبدونه حق عبادته، وليس بالكتابة ومحو الأمية كما يدل على ذلك المشاهدة
اليوم، فإن كثيرا من الشعوب الإسلامية فضلا عن غيرها، لم تستفد من تعلمها
القراءة والكتابة على المناهج العصرية إلا الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية
، إلا ما قل وندر، وذلك مما لا حكم له. وإن مما يدل على ما ذكرنا قوله صلى
الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن
يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا
، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ". رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمرو
وصدقته عائشة، وهو مخرج في " الروض النضير " (رقم 579) .إهـ [سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها].
وسؤل الشيخ العلامة فركوس حفظه الله تعالى : كيف يجمع بين ما ورد أن من أشراط الساعة فشو الجهل، وفشو الكتابة؟
فأجاب: من أشراط الساعة ظهور القلم أي: فشو الكتابات فكل الناس يكتبون، وهذا ملاحظ، فيكتب فيها العالم والجاهل، وغالبهم في آخر الزمان هم الجهال. اهـ .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بين يدي الساعة سنين خداعة" ينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة ؟ قال : المرء التافه يتكلم في أمر العامة", صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق فقذ ظهر هذا الأمر وأصبح التافه يؤلف الكتب ويتكلم في عبر القنوات في الأمور العظام .
وهذه مجموعة من الأقوال التي تبين خطر التأليف والتصنيف قبل التأصيل في طلب العلم والتدقيق والرسوخ فيه.
يقول يحيى بن خالد: "لا يزال الرَّجُل في فُسحة مِن عقله ما لَم يَقُل شعرًا، أو يُصنِّف كتابًا" [ "معجم الأدباء" لياقوت الحموي 1/ 11]
"لا يزال المرء مستورًا وفي مندوحةٍ، ما لَم يصنع شِعرًا أو يؤلِّف كتابًا؛ لأنَّ شعره تَرجُمانُ عِلمه، وتأليفَه عنوانُ عَقله" [العمدة في صناعة الشِّعر ونقده"، لابن رشيقٍ القيروانِيِّ 1/ 181]
قول الخطيب البغداديُّ: "مَن صنَّف فقد جعَل عقلَه على طبقٍ يعرِضُه على الناس" ["سِيَر أعلام النُّبلاء"، للذهبِي 18/ 281]
قال الجاحظ : مَن صنَّف كتابًا فقد استُهدِف ، فإن أحسن فقد استُعطف، وإن أساء فقد استُقذف. ["زهر الآداب" للحصْري 1/ 183]
وقال : "لا يَزَال المرءُ في فُسْحةٍ من عقلِه ما لم يَضَعْ كتابًا يَعْرِضُ على النَّاسِ مَكْنُونَ جهلِه، ويتصفَّحُ به إن أخطَأَ مَبْلغَ عقلِه "
وقيل : "عقول الرِّجال في أطراف أقلامِها" [ عيون الأخبار لابن قُتَيبة 1/ 107 ].
وقيل: "عرض بنات الصلب على الخطاب أسهل من عرض بنات الصدر على ذوي الألباب". [محاضرات الأدباء للأصبهاني].
قيل للشعبيِّ: أيُّ شيء تعرف به عقلَ الرَّجل؟ قال: إذا كتَب فأجاد. [العِقْد الفريد" لابن عبدربِّه 4/ 174]
وقال ابن ناصر الدين : " كلام الرجل عنوان عقله " [ الرد الوافد ص/50 ].
وقيل : "أن فِتنةَ اللسانِ والقلَم، أشدُّ من فِتنة النِّساء، والحرص على المال"، [ الحيوان للجاحظ 4/ 208].
والكتاب سيبقى أثره لصاحبه أو على صاحبه إما حسنات جارية أو سيئات جارية:
هذا الكتاب الذي يبقى لصاحبه *** ذكر يسار به في البدو والحضر
تَعَلَّمَنْ أنَّ الدواةَ والقلَمْ *** تَبقى ويُفْنِي حادثُ الدَّهر الغَنَمْ.
وبعضهم يصدق فيه قول الشاعر :
حمار في الكتابة يدّعيها ... كدعوى آل حرب في زياد
فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو غرّقت ثوبك في المداد.
وما أجمل هذه النصيحة :
وما من كاتب إلّا ستبقى ... كتابته وإن فنيت يداه
فلا تكتب بكفّك غير شيء ... يسرّك في القيامة أن تراه.
أسأل الله تعالى أن يقينا شر كل ذي شر من التافهين و الرويبضات و يثبتنا على السنة حتى الممات.
كتبه وجمعه : أبو عبد السلام جابر البسكري
الخميس 10 صفر 1438 هجري
بارك الله فيك أخي أبو عبد السلام اشتقنا إليك وإلى مواضيعك القيمة النفيسة،
حقيقة موضوع مهم جاء في وقته مع ظهور أناس لا هم في العير ولا في النفير في التأليف والكتابة.
بارك الله فيك أخي جابر على ما كتبت ونبهت ونقلت هذه الدرر في هذا الموضوع الكبير الخطير،زادك الله من فضله،وننتظر منك المزيد في طرح هذه المواضيع التي يحتاج طالب العلم أن يذكر بها.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو الحسن نسيم ; 13 Nov 2016 الساعة 10:17 PM