هُناك في الحقيقة أُناسٌ جُهَّالٌ لا يعرفون شيئًا عن اتِّساع العالم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي أحد الوجوه البارزة في عالم التَّثاقف والتَّواصل الحضاري بين الأمم والشُّعوب ، وتُعد رحلته الى بلاد الروس والبلغار، أحد فرائد الزمان في وصفه لثقافة الشُّعوب الشَّمالية التي رصدها بالتَّحليل والملاحظة .
فلقد أرسله الخليفة المقتدر حوالي سنة 309 هـ ، بعد أن طلب منه ملك الصقالبة أن يُرسل له وفدًا يُفقههم في الدِّين ويُعلِّمَهُم شرائع الإسلام.
ورحلته جديرة بالمطالعة لنفاستها في وصف دول أوربا الشمالية ، وسلوكات شعبها ، وممارساتهم بدقة مع ملاحظة وتحليل فائق ، فهو يعتبر أقدم وثيقة تاريخية يُعثر عليها ، في دراسة علم الإنسان في وصف شعوب تلك المنطقة. والكتاب حققه وعلق عليه سامي الدَّهان مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق - 1959م.
وكان مما استهوى نظري عند مطالعتي للكتاب حادثة وقعت للمؤلف ، وهي أنّ سُمرة لونه كانت تستهوي فضول الشَّماليين. فقال رحمه الله : " ومرة صرخ طفل من الرُّعب لما رآني " ثم أردف قائلا: " هناك في الحقيقة أناس جهلاء، لا يعرفون شيئاً عن اتساع العالم ".
ما أفقه هذه العبارة وأحكمها ، فلو عملت بها الثَّقافات والأُمم لما وقع مثل هذا التَّصادم الذي يطبع عالمنا المملوء بالمكايد والمؤامرات فضلا عن الصِّراعات والحروب المقيتة ، فإنَّما يأتي الاستبداد والظُّلم للآخرين لجهلنا وتجاهلنا بهم ، وكذلك يأتي الاحتقار للنَّفس والذَّات من الاستلاب والانخداع بسراب الآخر .
ولقد وقعت لي قصة مشابهة لواقعة صاحبنا ابن فضلان رحمه الله ، لما زُرت مصرَ استضافني أحد العوام من أهل القاهرة، فلما هممتُ بالدُّخول رأيت صبيا يحبو على ركبتيه نحوي فلما أبصرني وتحقق من شخصي جمد في مكانه وصيَّح بالبكاء، فاندهشت لذلك وبادرني مضيفي قائلا : لقد أخافته لحيتك ، حينها لم أتقبل ملاحظة صاحب البيت وشعرت بالصَّدمة ، ثم بعدها تأمَّلت الحادثة وتدبرتها ، عندها قلت سبحان الله ما أجهل الإنسان وأظلمه ، ثم استزدت فائدة أخرى وأحسب أني تعلمتها من مخالطة الآخرين والتَّثاقف معهم ، وهي أنَّ الإنسان يخشى الذي لايدريه ويخافه ، فإذا خالطه وعرفه وحصلت له المؤانسة معه اكتشف كنوزه وخيريته ، وهكذا العلم . والخلاصة أن الذي يؤسس للخوف من الآخر هو الجهل به ، ولذا قال يحيى بن خالد بن برمك (ت 165هـ) -رحمه الله تعالى- لابنه: "يا بني، خذ من كل علم بحظ وافر؛ فإنَّك إن لم تفعل جهلت، وإن جهلت شيئًا من العلم عاديته، وعزيز عليَّ أن تعادي شيئًا من العلم" جامع بيان العلم لابن عبد البر (رقم 853).
التعديل الأخير تم بواسطة مراد براهيمي ; 13 Jun 2014 الساعة 05:33 PM