منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 30 Apr 2017, 04:10 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي نسائم الخير في خبر الطير

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده.

أمَّا بعد:

فهذه نبذٌ يسيرةٌ وفوائد مجموعةٌ من ملح العلم ولطائفه متعلِّقة بالطَّير من ناحيةِ الإشارة إلى ما ورد منه في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلَّم ولواحقِ ذلك وتوابعه.

والطَّير من عجيب مخلوقات الله سبحانه وتعالى الدالَّة على عظمته وحكمته وقدرته سبحانه وتعالى، ولهذا نبَّه الله عزَّ وجلَّ عباده إلى النَّظر إليها ورؤيتها في آيتين من كتابه سبحانه تعالى قال الله عزَّ وجلَّ: {أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون}[النحل:79] وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِير}[المُلك:19] فانظر كيف جعل الله عزَّ وجلَّ النَّظر في حالة الطَّير والاعتبار فيها، دالة على قدرة الباري، وعنايته الرَّبانية، وأنه الواحد الأحد، الَّذي لا تنبغي العبادة إلا له(1).

وإلى المقصود: فأوَّل ذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ ذكر في كتابه العزيز خبر ابني آدم قابيل وهابيل وأنَّ الله سبحانه وتعالى بقدرته وحكمته أرسل طيرًا منبِّها معلِّما حتَّى أنَّ قابيل رجع على نفسه بالَّلوم أن عجز أن يكون مثل الغراب! قال الله سبحانه وتعالى: {فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين}[المائدة:31].

"وهذا المشهد العظيم هو مشهد أول حضارة في البشر، وهي من قبيل طلب ستر المشاهد المكروهة، وهو أيضا مشهد أول علم اكتسبه البشر بالتَّقليد وبالتجربة، وهو أيضا مشهد أول مظاهر تلقي البشر معارفه من عوالم أضعف منه كما تشبه الناس بالحيوان في الزينة، فلبسوا الجلود الحسنة الملونة وتكللوا بالريش الملون وبالزهور والحجارة الكريمة، فكم في هذه الآية من عبرة للتاريخ والدين والخلق"["التحرير والتَّنوير" لابن عاشور (6/ 174)].

فهذا الغرابُ كانَ سببا في التَّعليم وقريبٌ منه الهدهد مع سيدنا سليمان عليه السَّلام إذ صالَ بالعلم مع عظمة ملك سليمان عليه السلام فكان في هذا دلالة بيِّنة على فضل العلم ورفيع منزلته، يقول ابن الوزير اليماني –رحمه الله- في كتابه "إيثار الحق على الخلق" (ص 41): "...وهو - أي: العلم -الَّذي صال به الهدهد على سليمان عليه السلام مع عظيم ملكه وقويت حجَّته مع ضعفه وحقارته حيث قال: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِين}[النمل:22].

ومن بديع ما جادت به قريحةُ العالم العلَّامة فخر الجزائر عبد الحميد بن باديس رحمه الله ما نثره في "تفسيره"(ص 70) لقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:24] قال: "...مضى فيما تقدم أدب القول، وهذا أدب الفعل، وبيان الحال التي يكون عليها: فالوالدان عند ولدهما في كنفه كالفراخ الضعيفة المحتاجة للقوت والدفء والراحة، وولدهما يقوم لهما بالسعي، كما يسعى الطائر لفراخه، ويحيطهما بحنوه وعطفه كما يحيط الطائر فراخه، فشبه الولد في سعيه وحنوه وعطفه على والديه بالطائر في ذلك كله على فراخه، وحذف المشبه به، وأشير إليه بلازمه وهو خفض الجناح، لأن الطائر هو ذو الجناح، وإنما يخفض جناحه حنواً وعطفاً وحياطة لفراخه، فيكون في الكلام استعارة بالكناية، وأضيف الجناح إلى الذل- وهو الهون واللين- إضافة موصوف إلى صفة: أي اخفض لهما جناحك الذليل، وهذا ليفيد هونه وانكساره عند حياطتها حتى يشعر بأنهما مخدومان باستحقاق، لا متفضل عليهما بالإحسان.
وفي ذكر هذه الصورة التي تشاهد من الطير تذكير بليغ مرقق للقلب موجب للرحمة، وتنبيه للولد على حالته التي كان عليها معهما في صغره، ليكون ذلك أبعث له على العمل وعدم رؤية عمله أمام ما قدما إليه".

فتأمَّل ربطه البديع وحسن تصويره لهذا المشهد البلاغيِّ العظيم، فيا لله ما أعظم كلام الله عزَّ وجلَّ وما أبلغ بيانه وما انطوى عليه من الحكم والأسرار.

وكما أنَّ الله سبحانه وتعالى بقدرته وحكمته جعل الطَّير سببا في العلم والتَّعليم وضرب بها المثل فهي كذلك من جنود الله عزَّ وجلَّ الذَّابَّة عن دينه وحماه {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُون}[النمل:17] وشاهده في قصَّة أصحاب الفيل إذ أرسل الله عليهم الطير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.

وأمَّا في سنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم فوردَ حديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم: "يا أبا عمير ما فعل النُّغير؟" واختارَ ابن القاصِّ الشَّافعيُّ رحمه الله هذا الحديث الذي قد يمرُّه أحدُنا بغير نظر ولا فكر، فأعمل فيه فكره واستخرج درره ومخبوءه بل انتصر فيه لأهل الحديث وأعلى منارهم ليبصره من حجب عنه، قال ابن حجر رحمه الله في "الفتح"(10/ 584): "وذكر ابن القاص في أول كتابه أن بعض الناس عاب على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها ومثل ذلك بحديث أبي عمير هذا قال وما درى أن في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجها ثم ساقها مبسوطة فلخصتها مستوفيا مقاصده ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه".

ومن عجبٍ ما جاء عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب وكان لها حفش في المسجد، قالت: فكانت تأتينا فتحدث عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
فلما أكثرت، قالت لها عائشة: وما يوم الوشاح؟ قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي، وعليها وشاح من أدم، فسقط منها، فانحطت عليه الحديا، وهي تحسبه لحما، فأخذته فاتهموني به فعذبوني، حتى بلغ من أمري أنهم طلبوا في قبلي، فبينا هم حولي وأنا في كربي، إذ أقبلت الحديا حتى وازت برءوسنا، ثم ألقته، فأخذوه، فقلت لهم: هذا الذي اتهمتموني به وأنا منه بريئة".["صحيح البخاري" برقم (3835)]

فانظر كيف فرَّج الله تعالى كربتها وخرق لها العادة وكانت نجاتُها بسبب الحديَّة بل ظاهر الحديث يدلُّ على أنَّ إسلامها كان بعد القصَّة(2) فقد ورد: "...وأنا منه بريئة وهو ذا هو قالت: فجاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأسلمت".["صحيح البخاري" برقم (439)]

وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم في الحديث -الذي هو أصل في التوكل وأن التوكُّل من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرِّزق(3)-: "لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا".["سنن ابن ماجه" برقم (4164) و"الترمذي" برقم (2344) وصححه الألباني في "السلسلة الصَّحيحة" برقم (310)]

قال البيهقيُّ رحمه الله : "وليس في هذا الحديث دلالة على القعود عن الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق؛ لأن الطير إذا غدت فإنما تغدو لطلب الرزق وإنما أراد - والله تعالى أعلم - لو توكلوا على الله تعالى في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم ورأوا أن الخير بيده ومن عنده لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين كالطير تغدو خماصا، وتروح بطانا، لكنهم يعتمدون على قوتهم وجلدهم ويغشون ويكذبون، ولا ينصحون وهذا خلاف التوكل".["شعب الإيمان" (2/ 405)].

فقرَّب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم الأمرَ بالتَّمثيل بالطَّير لكونها معروفة عندهم مشاهدةً تروح وتغدو وتحقيقًا لما أخبر به صلَّى الله عليه وسلَّم فهي على ضعفها وقلَّة حيلتها إلا أنه يرزقها مليكها إذا بذلت السَّبب، فكيف بالمخلوق الذي فضَّله الله سبحانه وتعالى وجعله محلَّ عبادته وطاعته.

وقد جاء عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال: "لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علما".["مسند أحمد" برقم (21361)].

ومراده رضي الله عنه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين ولم يترك شيئا إلا وبينه صلى الله عليه وسلم حتى ذكر الطَّير وتقليبه جناحيه في السَّماء وبيَّن أحكامه، فذكر رضي الله عنه أبعدَ شيءٍ وهو الطَّيرُ وأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم ذكر لهم منه علمًا، فيكون ما دونه وغيره من باب أولى.

وإذا عكسنا الفهم من وجهٍ آخرَ ليوافق المقصود وهو أنَّ تقليب الطائر جناحيه في السَّماء محلُّ عجبٍ ومدعاة للتأمُّل فيه والنَّظر فلهذا خصَّه بالتَّمثيل به والتنصيص عليه وإلا فلو لم يكن فيه هذه الميزة والخاصِّية لما مثَّل به رضي الله عنه وأرضاه إذ قد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلَّم كثيرًا من أحكام الحيوان، ولما كان محلَّ عجب ودليلا على عظمة الباري سبحانه وتعالى نبه إلى النظر إليه ورؤيته والتأمُّل فيه كما تقدَّم، ولشدَّة التَّعلُّق به ولهذا كانت العرب تزجر الطَّير وتتفاءل أو تتشاءم بذهابه يمنة أو يسرة، فجاء الشَّرع بالنَّهي عن ذلك وعدِّه من الشِّرك به سبحانه وتعالى.

والمقصود حاصلٌ على الوجهين من أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم بلَّغ البلاغ المبين حتى بيَّن ما يتعلَّق بالطَّير.

ويصحبنا الطَّير حتى في الطَّلب وأدبه، فيشبه الطَّالب الصغير المقتحم للمسائل الكبار والمتعالم بالطَّير الذي نمى لها ريش صغيرٌ فحاولت به الطيران ولـمَّا يشتدَّ عودُها بظهور الريش الكبير الذي تقوى به على الطيران، فيقولون: طار ولم يريِّش، ويقال كذلك للمتطاول على العلماء الرَّبانيين: إنَّ البغاث بأرضنا يستنسر.

ومن الحكايات البديعة الدالَّة على ذكاء الطَّير وحسن تصرُّفه حتى في أحلك الظُّروف ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه "مفتاح دار السعادة"(1/ 247) قال: "ولقد أخبر بعض من أشهد بصدقة أنه رأى رخلا - وهو طائر معروف - قد عشش في شجرة فنظر إلى حية عظيمة قد أقبلت نحو عشه فاتحة فاها لتبتلعه فبينما هو يضطرب في حيلة النجاة منها إذ وجد حسكة في العش فحملها فالقاها في فم الحية فلم تزل تلتوى حتى ماتت".

وقد شهدت منها أمرين اثنين:

الأوَّل: غيرتها على زوجها ففي أحد المرَّات رأيت أنثى في قفص واحد مع زوجها وإذا به يسمع تغريد ذكر آخر وأنصتت له الأنثى، فجعل زوجها يمنعها من الإنصات إليه ويجري خلفها في القفص يضربها.

والثاني: عن وفائها فشهدت إحدى الإناث ممن كان لها زوج فأدخل عليها ذكر آخر فجعلت تهرب منه وتفر ولا تمكنه من نفسها وتأبى ذلك، فإذا أدخل عليها زوجها لم تعاركه كما تعارك الآخر.

ولله في خلقه شئون.

======
(1) ينظر: "تفسير السَّعدي"(ص 877).
(2) ينظر: "فتح الباري" لابن رجب (3/ 253).
(3) ينظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 496).

فتحي إدريس
عفا الله عنه
1/ شعبان/ 1437

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01 May 2017, 12:47 AM
أبو أمامة حمليلي الجزائري أبو أمامة حمليلي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
الدولة: مدينة أبي العباس غرب الجزائر
المشاركات: 409
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري
افتراضي

ما شاء الله ، بارك الله فيك أخي فتحي على هذا المقال الطيب .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03 May 2017, 09:58 PM
فارس شرفة فارس شرفة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2016
الدولة: الجزائر
المشاركات: 11
افتراضي

احسنتم احسن الله اليكم
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09 May 2017, 11:52 PM
أبو عمر محمد أبو عمر محمد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2015
المشاركات: 176
افتراضي

و نسائم خير قد هبّت// بحديث الطير لنا زُفّت
فجزاك الله بخيرات // لحروف في ذا قد خُطّت
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 May 2017, 07:14 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

حفظكم الله إخواني الأحبَّة وبارك فيكم على مروركم.
أبا عمر! شكر الله لك هذين البيتين الَّلطيفين وبارك فيك على تحلية التَّعليق بهما، زادك الله من فضله.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013