منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 17 Apr 2019, 10:06 PM
فوائد الأسمار فوائد الأسمار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2019
المشاركات: 3
افتراضي سلسلة فوائد الأسمار: المجلس الثالث (مع أبي إسحاق خالد فضيل)


الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحابته رضي الله عنهم أجمعين، أمَّا بعد:

فإن منية المؤمن أن يكون كما ذكر الله عن نبيه عيسى عليه السلام لما قال شاكرا ربه ما أسبغ عليه من نعمٍ: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾.
فغاية مناه أن يكون كالغيث أينما وقع نفع، ينشر العلم ويبذله في مجالسه لا فرق عنده بين ما كان معقودا أصالة للعلم كالحلق العلمية أو ما كان من قبيل مجالس السَّمَر والمطارحات.

وقد عقد البخاري -رحمه الله- في «صحيحه» بابا ترجم له بقوله: «باب السَّمَر في العلم» وأورد حديث ابن عمر قال: «صلَّى بنا النَّبيُّ العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه فإنَّ رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد».

وقد كان للعلماء في عهد مضى مجالس يفدُ إليها طلبة العلم والشعراء والأدباء وربما تقام بحضرة الملوك والأمراء، تتطارح فيها القرائح وتتلاقح فيها الأذهان في نوادٍ أدبيةٍ عامرةٍ بالمساجلات والطرائف العلمية، وقد حفظت لنا الكتب كثيرا منها كمجالس العلماء للزجاجي.

ولما كانت تجمعنا بمشايخنا بين الفينة وأختها مجالس من هذا القبيل، عرضت لنا فكرة تدوين ما يقع لنا فيها من نوادر علمية وفوائد سَنية، ووسمناها بما يناسب زمن غالبها؛ «فوائد الأسمار» وميزة هذه المجالس أنها عفوية جامعة بين الأنس والإفادة والغرض من هذه السلسلة ثلاثة أشياء:

·بيان أن مجالس السَّمَر لا تخلو من فائدة تذكر بل من درَّة تلتقط.

·الاعتناء بآثار المشايخ من حقهم علينا، وهذه المجالس من تلك الآثار.

·إيصال هذه الفوائد لغيرنا ممن لم يشاركنا بهجة المسامرة ولقاء الأحبَّة.

واللهَ نسأل التوفيق والسَّداد في القول والعمل وأن ينفع بهذه السلسلة.

وهذا هو المجلس الثَّالث إخراجًا وإن كان هو الثَّاني إقامة، وكان الحضور إضافة إلى المحرٍّرين إخواننا: يوسف عسكري، محمَّد أمين جيلي وعبد المالك شرقي؛ ونحن ربَّما أضفنا إلى أصل الفائدة التي كانت في المجلس زوائد من مصدرها الأصليِّ لتمام الفائدة وتوثيقها.



قوَّة الحقِّ بنفسه


إنَّ الحقَّ قويٌّ بنفسه، ولذلك إذا كان المرء ينصر الحقَّ فإنَّ ذلك يكسبه حجَّة وقوَّة استدلالٍ، وإذا كان على خلافِه من نصرة الباطل فإنَّك تستشعر وهاء حجَّته.

وهذا تقيُّ الدِّين السُّبكي ردَّ على ابن تيميَّة في مسألة الطَّلاق وهو لم يبلغ الثَّلاثين، وقال ابن تيميَّة: «لم يردَّ عليَّ فقيه غيرُه» فشهد له لما كان يروم نصرة الحق والكلام على مقتضى الفقه بأنَّ في كلامه قوَّة.

لكن ابن عبد الهادي لمَّا ردَّ عليه في الصَّارم المنكي في مسألة الزِّيارة وصفه بأوصاف شديدة حيث قال في مقدِّمته: «ورأيت مؤلِّف هذا الكتاب المذكور (أي: ابن السُّبكي) مماريا معجبا برأيه متَّبعا لهواه ذاهبا في كثير ممَّا يعتقده إلى الأقوال الشَّاذَّة والآراء السَّاقطة، صائرا في أشياء ممَّا يعتمده إلى الشُّبه المخيلة والحجج الدَّاحضة، وربَّما خرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها ولم يوافقه أحد من الأئمَّة عليها.
وهو في الجملة لون عجيب وبناء غريب؛ تارة يسلك فيما ينصره ويقوِّيه مسلك المجتهدين فيكون مخطئا في ذلك الاجتهاد، ومرَّة يزعم فيما يقوله ويدَّعيه أنَّه من جملة المقلِّدين، فيكو من قلَّده مخطئا في ذلك الاعتقاد، نسأل الله سبحانه أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا الهداية والسَّداد» [الصَّارم المنكي (6-7) طبعة دار الكتب العلميَّة] وما هذا إلا لكونه قصد نصرة الباطل.


عدم إتمام الحافظ ابن عبد الهادي لكتابه «الصَّارم المنكي»


كتاب «الصَّارم المنكي في الرَّدِّ على ابن السُّبكي» للحافظ ابن عبد الهادي كتاب عظيم عمدة في بابه دافع فيه عن شيخ الإسلام ابن تيمية حيث اتَّهمه ابن السُّبكي بتحريم زيارة قبر الرَّسول ﷺ، وقد حقَّق فيه المسائل المتعلِّقة بزيارة القبور، وبيَّن ما كان فيها من حقِّ وزور وأظهر جهل السُّبكي بعلم الحديث، وعدم فهمه لمقاصد الشَّريعة.

وكتابه هذا لم يكمُل لكن أتى فيه على أهمِّ المسائل والفصول، وقد أتمَّه أحد علماء جدَّة، وهو محمَّد بن حسين بن سليمان بن إبراهيم الفقيه وعنوان كتابه «الكشف المبدي لتمويه أبي الحسن السُّبكي تكملة الصَّارم المنكي»، وقد طبع الكتاب في رسالة جامعيَّة.



بين ابن دقيق العيد وابن عبد الهادي وابن سيِّد النَّاس رحمهم الله


لابن دقيق العيد كتاب الإلمام في أحاديث الأحكام وقد شرع في شرحِه وأراد أن يكون شرحًا مغنيا عن كتب من سبقه، لكنَّه لم يتمَّه، قال الحافظ ابن حجر: «وصنَّف الإلمام في أحاديث الأحكام، وشرع في شرحه، فخرج منه أحاديث يسيرة في مجلَّدين، أتى فيهما بالعجائب الدَّالة على سَعَة دائرته خصوصا في الاستنباط»، وقال ابن فرحون: «وألَّف كتاب الإلمام في أحاديث الأحكام، وشرحه شرحًا عظيما لم يكمل».

وقد جرى ذكر من أراد من العلماء إتمامه، فذُكر الحافظ ابن عبد الهادي ممَّن همَّ بذلك، وقد يكون ذلك وهمًا، وذكر كذلك ابن سيِّد النَّاس، وابن سيِّد النَّاس أقرب إلى ابن دقيق العيد، فهو من تلامذته ومعظِّم له، وحاول أن ينحوَ نحوَه في شرحه على جامع التِّرمذي.

هذا، وابن عبد الهادي أقوم بعلم الحديث والعلل والرِّجال من ابن دقيق، وابن دقيق العيد أقوم بالاستنباط وأصول الفقه وقواعده من ابن عبد الهادي.

ولابن عبد الهادي عملان على الإلمام؛ فقد اختصره في المحرَّر، وله عليه حاشية، فقد يكون منشأ الوهم.

وكذلك كان يريدُ أبو شامة المقدسي -رحمه الله- أن يجمع كتابا يغني عن الكتب التي سبقته ولكن المنية حالت دون ذلك، ولكن بلغتنا مقدمته النَّافعة وهي «خطبة المؤمَّل في الردِّ إلى الأمر الأوَّل».


من عجائب أخذ الكتب والتَّحقيقات



لتقيِّ الدِّين السُّبكي كتاب «السَّيف المسلوم على شاتم الرَّسول» وقد أخذه من كتاب «الصَّارم المسلوم على شاتم الرَّسول» وخالفه في مسألة قبول توبة من سبَّ النبيَّ إذ الشَّافعيَّة يقبلونها.

ومن عجائب الوقائع أنَّ أحد محقِّقي«السَّيف المسلول على شاتم الرَّسول» -وهو سليم الهلالي- قد أخذ تحقيق محقِّق «الصَّارم المسلول على شاتم الرَّسول» ووضعه عليه، وقد كان هذا على حين غفلة من المحقِّقين واشتغال مثل هؤلاء به، فذاك أخذ الأصل وهذا تبعه فأخذ الفرع =التَّحقيق.



ضابط حسن في عزو الأقوال لأصحابها


من الضَّوابط الحسنة فيما يتعلق بعزو الأقوال وفي المعنى ما يجعل ضابطًا للسَّرقات العلميَّة ما ذكره محمد أبو راس المعسكري في كتابه «فتح الإله ومنَّته في التُّحدُّث بفضل ربِّي ونعمته» (ص 93-94) قال: «وإنَّما ينسب القول لقائل خاصٍّ إذا انفرد به: بأن يكون ابتكره أو يكون نقله عمَّن لم يُطَّلع على كلامه، أي: بواسطة، وأمَّا ما شاع وذاع وامتلأت منه الأسماع -كهذا- فلا ينبغي أن ينسب إلى قائل دون قائل، ولا أن يُخَصَّ به واحد دون آخر».

ومن لطائف هذا الرَّجل أنَّه شبيه بالسُّيوطي في سَعَة اطِّلاعه وتخليطه مع ذلك.



نسبة الأقوال الواضحة في الكتاب والسُّنَّة للمشايخ فيه تقديس


من التَّنبيهات التي أعجبتني أنني استمعت للشيخ صالح العصيمي فذكر أن نسبة الأقوال الواضحة في الكتاب والسُّنَّة التي كثرت دلائلها وتنوَّعت فيه تقديس، وهذا حقٌّ؛ لأنه يورث الطَّالب تعظيم النصِّ لأجل فلان لا لأجل كون النصِّ من عند الله، ولهذا لم يكن من طريقة العلماء أنهم في شروحاتهم على المسائل الواضحة الدَّلائل يحشونها بنقولات عن مشايخهم بحيث يتبع النَّقل النَّقل كما يفعله بعضهم، بل تجدهم يردُّون المسائل البيِّنة الواضحة إلى النُّصوص الشَّرعية.



شيء قليل عن بقيِّ بن مخلد رحمه الله


جاء ذكر بقي بن مخلد في المجلس فأتحفنا أبو إسحاق بشيءٍ من سيرة الرَّجل ومكانته العلميَّة وبعض مواقفه:

1- بقيٌّ المُحدث:

نبوغ الرجل في الحديث يشهد عليه كون الأندلس صارت دار حديثٍ بعد رجوعه من رحلته

يقول الذَّهبي في هذا الشأن: »وعُنِي بهذا الشَّأن عناية لا مزيد عليها، وأدخلَ جزيرةَ الأندلس علما جما، وبه وبمحمَّد بن وضَّاح صارت تلك الناحية دار حديث...».

2-بقيٌّ المفسر:

ثم نقل الذهبي عن ابن حزم الظاهري قوله: «أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل «تفسير بقي» ، لا «تفسير محمد بن جرير» ولا غيره».


3-بين بقي وابنيْ يحي بن يحي اللَّيثي:

يقول الذهبي في السِّير: «قال أسلم بن عبد العزيز: حدثنا بقي بن مخلد قال: لما وضعت «مسندي»، جاءني عبيد الله بن يحيى بن يحيى وأخوه إسحاق فقالا: بلغنا أنك وضعت «مسندا» قدَّمت فيه أبا مصعب الزهري ويحيى بن بكير وأخَّرت أبانا؟ فقال: أمَّا تقديمي أبا مصعب فلقول رسول الله ﷺ: «قدِّموا قريشا، ولا تقدَّموها» وأمَّا تقديمي ابن بكير فلقول رسول الله ﷺ: «كبِّر كبِّر -يريد السِّنَّ-» ومع أنه سمع «الموطَّأ» من مالك سبع عشرة مرة، وأبوكما لم يسمعه إلا مرَّة واحدة فخرجا ولم يعودا، وخرجا إلى حد العداوة«.

4-بين بقي ومتعصِّبة المالكيَّة:

يقول الذهبي: «وكان بقي أوَّل من أكثر الحديث بالأندلس ونشره وهاجم به شيوخ الأندلس فثاروا عليه، لأنَّهم كان علمُهم بالمسائل ومذهب مالك، وكان بقي يفتي بالأثر، فشذَّ عنهم شذوذا عظيما، فعقدوا عليه الشهادات وبدعوه، ونسبوا إليه الزَّندقة وأشياء نزَّهه الله منها، وكان بقي يقول: لقد غرست لهم بالأندلس غرسا لا يُقلَع إلَّا بخروج الدَّجَّال» [«سير أعلام النبلاء»(13/ 285- 296)].



قَبس من ذكر بعض الأعلام المعاصرين


العلَّامة عبد الرزَّاق عفيفي رحمه الله


كان العلَّامة عبد الرزَّاق عفيفي -رحمه الله- من أعرف النَّاس بأصول الفرق ومذاهبهم، وقد كانت له -رحمه الله- عنايةٌ بالغةٌ بذلك، وهو من العلماء البارزين الَّذين لم يكن لهم رغبةٌ في التأليف بل كانوا مشتغلين بالتَّدريس فله شرح وافر على الطَّحاوية وله تحقيقه المشهور على كتاب الآمدي في أصول الفقه؛ وقد تأثَّر به تلميذه في ذلك الشيخ العلامة عبد الله بن غديان -رحمه الله- فلم يكن له عناية بالتَّأليف وقد لازمه أربعين سنة؛ وكان العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- يجلُّ عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله- حتى أنَّه في الهيئة كان لا يعترض على مقترحاته وآرائه لعلمه بسداد رأيه.


أضواء البيان لا يمثِّل إلَّا عُشر ما كان يلقيه الشِّنقيطي


ذكر لي تلميذه الشَّيخ علي بن ناصر فقيهي -حفظه الله- أنَّ أضواء البيان لا يمثِّل إلَّا عُشر ما كان يلقيه الشَّيخ محمَّد الأمين الشِّنقيطي -رحمه الله- في دروسه في التَّفسير.

وهذا حقيقة؛ فإنَّ كتب محمَّد الأمين الشِّنقيطي -رحمه الله- لا تعطي صورة كاملة عمَّا كان عليه هذا الرَّجل من العلم الجمِّ، ومن أراد أن يقف على علمه فليستمع للأشرطة المسجَّلة أو لينظر في كتبه التي فرغت مثل الرحلة إلى إفريقيا وتفسير العذب النمير.



قول الأشاعرة في القرآن يلتقي مع قول المعتزلة بأنه مخلوق


يرجع قول الأشاعرة في القرآن إلى قول المعتزلة بأنه مخلوقٌ، ولكنَّهم لا يصرِّحون بأنه مخلوق للعامَّة، ولهذا كثيرًا ما تستهزئ المعتزلةُ بالأشاعرة لأنهم يتفقون معهم في الأصول ولكن الأشاعرة لا يطردون أصولَهم أحيانا ويموِّهون أحيانا أخرى، ولهذا ذكر السجزي أن الأشاعرة مخانيث المعتزلة.

قال البيجوري في جوهرة التوحيد: «واعلم أن كلام الله يطلق على الكلام النفسي القديم بمعنى أنه صفة قائمة بذاته تعالى، وعلى الكلام اللفظي بمعنى أنه خلقه... ومع كون اللفظ الذي نقرأه حادثاً لا يجوز أن يقال: القرآن حادث إلا في مقام التعليم... وقد أضيف له تعالى كلام لفظي كالقرآن، فإنه كلام الله قطعاً بمعنى أنه خلقه في اللَّوح المحفوظ، فدل التزاماً على أن له تعالى كلاماً نفسياً، وهذا هو المراد بقولهم: القرآن حادث ومدلوله قديم... ومذهب أهل السُّنَّة -يقصد الأشاعرة- أنَّ القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق، وأمَّا القرآن بمعنى اللَّفظ الذي نقرأه فهو مخلوق، لكن يمتنع أن يقال: القرآن مخلوق يراد به اللفظ الذي نقرأه إلا في مقام التعليم، لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق، ولذلك امتنعت الأئمة من القول بخلق القرآن... فالقرآن يطلق على كل من النفسي واللفظي، والأكثر إطلاقه على اللفظي... والراجح أن المنزل اللفظ والمعنى، وقيل المنزل: المعنى وعبر عنه جبريل بألفاظ من عنده، وقيل: المنزل المعنى وعبر عنه النَّبيُّ ﷺ بألفاظ من عنده، لكن التحقيق الأول، لأن الله خلقه أولاً في اللوح المحفوظ، ثم أنزله في صحائف إلى سماء الدنيا ...» [نقلا عن «الأشاعرة في ميزان أهل السنة» وقد اختصره من «شرح جوهرة التوحيد» (130-162)].



حقيقة رجوع الأشعري لمذهب السَّلف


يذكر أن أبا الحسن الأشعري -رحمه الله- مرَّ على ثلاث مراحل فكان معتزليا، ثمَّ بعد ذلك انتقل إلى طريقة ابن كلاب، ثم رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة وصنف في ذلك مؤلفَّاته الثلاثة المعروفة الإبانة ومقالات الإسلاميين ورسالة إلى أهل الثَّغر.

ولكن رجوعُه لمذهب أهل السنة والجماعة لم يكن رجوعا مفصلا وإنما كان رجوعا إجماليا أما عند التفصيل فكان يقول بعقائدهم في كثير من المسائل، فيجمل مذهب السُّنَّة ولكن اذا فصّل وافقهم، ومن ذلك ما شهد به العارفون به.

قال أبو عمر البسطامي: «كان أبو الحسن الأشعري أولا ينتحل الاعتزال ثم رجع فتكلم عليهم وإنما مذهبه التعطيل إلا أنه رجع من التصريح إلى التمويه«.

وقال الشَّيخ أبو نصر السجزي في رسالته إلى أهل اليمين: «ولقد حكى لي محمد بن عبد الله المالكي المغربي وكان فقيها صالحا عن الشيخ أبي سعيد البرقي وهو من شيوخ فقهاء المالكيين ببرقة عن أستاذه خلف المعلم وكان من فقهاء المالكيين أنه قال: «الأشعري أقام أربعين سنة على الاعتزال ثم أظهر التوبة فرجع عن الفروع وثبت على الأصول» قال أبو نصر: هذا كلام خبير بمذهب الأشعري وعورته» [«الفتاوى الكبرى» (6/ 559)].

ومن أدلَّة ذلك زيادة على أقوال العارفين به، عدم احتفاء حنابلة عصره برجوعه إذ هي توحي أنَّه لم يرجع رجوعا تاما، ومن ذلك قصَّته مع البربهاري فقد قيل: «إن الأشعري لما قدم بغداد جاء إلى أبي محمد البربهاري، فجعل يقول: رددت على الجُبَّائي، رددت على المجوس وعلى النَّصارى.

فقال أبو محمد: لا أدري ما تقول، ولا نعرف إلا ما قاله الإمام أحمد.

فخرج وصنف «الإبانة» فلم يقبل منه» [سير أعلام النبلاء (15/ 91)] وهذا يستعمله من يطعن في أبي الحسن بأنه ألَّف الإبانة تقرُّبا للبربهاري.

وخلاصة الكلام أنه كان معتزليًّا ثم قد خطى شوطا لا بأس به في الرُّجوع لمذهب السَّلف لكنَّه لم يكن رجوعًا تامًّا، ولو قُدر له العيش أكثر لربَّما رجع أكثر.

وقد ظهر لون من المحقِّقين يتوسَّعون في دعوى رجوع بعض المحالفين لمذهب السَّلف حتى أنَّهم يحكمون بذلك لمجرَّد أن يروه يعظِّم نصوص الوحيين، وهذا فيه جناية على العلم.



بين مكي بن أبي طالب القيسي وابن حزم رحمهما الله


مكِّي بن أبي طالب القيسي المقرئ والمفسِّر المشهور له ردود على ابن حزم منها مسألة تفضيله زوجات النَّبيِّ ﷺ على كل الخلق بعد الملائكة والنبيئين فاعترض عليه مكي وناقشه في مذهبه وألزمه بإلزامات ذكرها ابن حزم في الفصل وأجاب عنها.

وتفسيره في الأسماء والصفات جارٍ على مذهب السلف، ودخل عليه بعض كلام المتكلِّمين لأخذه عن أبي ذر الهروي.


الحجج المموَّهة


يصف ابن تيمية وغيره من أهل العلم في ردودهم بعضا من حجج المخالفين كونها من قبيل الحجج المموَّهة كتمثيل المتكلمين في كون رؤية الله لا إلى جهة كشأن النَّاظر في المرآة فهو يبصر المرئي لا إلى جهة، وهنا لم يطرد الأشاعرة أصلهم وكان المعتزلة يلزمونهم ويسخرون منهم.

ومن الَّطرائف فيما هو من الحجج المموهة التي تنطلي على ضعفة العقول أن امرأة ولدت لثلاثة أشهر من زواجها فلمَّا تساءل زوجها عن الأمر قالت: منذ كم تزوجت أنت؟ قال: منذ ثلاثة أشهر، فقالت: ومنذ كم تزوجت أنا؟ قال: منذ ثلاثة أشهر، فقالت: ومنذ كم تزوجنا ببعض؟ قال: منذ ثلاثة أشهر.

فقالت: فكم يكون المجموع؟ قال: تسعة أشهر، فقالت: فعم تسأل؟! ها هو ابنك ابن تسعة أشهر، فقال: قاتل الله الجهلَ!!



بعض الرُّدود على المعتزلة تصلح ردًّا على الأشعريَّة



قد تقدَّم القول بأنَّ الأشاعرة أفراخ المعتزلة، وقد اتَّفقوا في مسائل وأصول، على أنَّ المعتزلة -وهم أبعد عن السُّنَّة- أَطرَدَ لأصولهم من الأشعريَّة، وعليه من الرُّدود على المعتزلة ما يشمَل نقضَ بدع الأشاعرة، وللإمام سعيد بن الحدَّاد –وهو من أصحاب سحنون وشيوخ ابن أبي زيد- ردُّ على المعتزلة في مسألة الفطرة يصلح ردًّا على الأشاعرة، وهذا الإمام من أئمَّة السُّنَّة –الذي توفِّيَ سنة اثنتين وثلاثمائة- قد عاش قبل أن يولَد الأشعريُّ فضلا عن أن يظهر مذهبه، وهذا الرَّدُّ يقع في نحو عشر صفحات نشره أحد الباحثين في ملاحق بحث له.


تحرير:
فتحي إدريسعبد الرحمن حباك مهدي بن صالح البجائي

الملفات المرفقة
نوع الملف: pdf فوائد الأسمار المجلس الثَّالث.pdf‏ (241.6 كيلوبايت, المشاهدات 439)
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013