الإعلام بما في فتاوى بوروبي من السخرية والاستهزاء والاستهجان والمضارِّ العِظَام

[أبو الحسن نسيم]

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين،أما بعد:

فإن مقام الفتوى عظيم وخطير يجدر بمن يخوض في غماره أن يعد للأمر أهبته، وأن يعطي للمقام قدره،إذ هو توقيع عن رب العالمين،وهو يحتاج إلى علم وصدق،وحسن سيرة وطريقة،وصدع بالحق،وإيمان قوي ومراقبة لله عز وجل ،قال ابن القيم في إعلام الموقعين ص17:( وَلَمَّا كَانَ التَّبْلِيغُ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ يَعْتَمِدُ الْعِلْمَ بِمَا يُبَلَّغُ، وَالصِّدْقَ فِيهِ، لَمْ تَصْلُحْ مَرْتَبَةُ التَّبْلِيغِ بِالرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا إلَّا لِمَنْ اتَّصَفَ بِالْعِلْمِ وَالصِّدْقِ؛ فَيَكُونُ عَالِمًا بِمَا يُبَلِّغُ صَادِقًا فِيهِ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، مَرَضِيَّ السِّيرَةِ، عَدْلًا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، مُتَشَابِهَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَأَحْوَالِهِ؛ وَإِذَا كَانَ مَنْصِبُ التَّوْقِيعِ عَنْ الْمُلُوكِ بِالْمَحِلِّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُ، وَلَا يُجْهَلُ قَدْرُهُ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ السَّنِيَّاتِ، فَكَيْف بِمَنْصِبِ التَّوْقِيعِ عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ؟ فَحَقِيقٌ بِمَنْ أُقِيمَ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ أَنْ يَعُدَّ لَهُ عِدَّتَهُ، وَأَنْ يَتَأَهَّبَ لَهُ أُهْبَتَهُ، وَأَنْ يَعْلَمَ قَدْرَ الْمَقَامِ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ فِي صَدْرِهِ حَرَجٌ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَالصَّدْعِ بِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ وَهَادِيهِ، وَكَيْف هُوَ الْمَنْصِبُ الَّذِي تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ رَبُّ الْأَرْبَابِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: 127] وَكَفَى بِمَا تَوَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ شَرَفًا وَجَلَالَةً؛ إذْ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] ، وَلِيَعْلَمَ الْمُفْتِي عَمَّنْ يَنُوبُ فِي فَتْوَاهُ، وَلِيُوقِنَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ غَدًا وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ)

وقد بين أهل العلم شروط المفتي الذي ينصب نفسه في الكلام عن أحكام شرع الله، وتبيين الحلال من الحرام،ومما ينص عليه أهل العلم مما سبق إيراده فيما يتعلق بحس السلوك،وجميل الطريقة،وصدق البيان واجتناب لما ينافي ذلك، قال ابن الصلاح في شروط المفتي والمستفتي ص 86:(أن يكون مكلفا مسلما،ثقة مأمونا،منزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة،لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للإعتماد،وإن كان من أهل الإجتهاد)

وقال القرافي في الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام ص253:(أن يكون حسن الزي على الوضع الشرعي،فإن الخلق مجبولون على تعظيم الصور الظاهرة،ومتى لم يعظم في في نفوس الناس لا يقبلون على الإهتداء به والإقتداء بقوله،وأن يكون حسن السيرة والسريرة)

وليتأمل فيما لوح إليه ابن الصلاح والقرافي في حال المفتي وأنه ينبغي أن يكون مهابا صاحب مروءة،لأنه بهذا يتأهل للقدوة الصالحة التي تعطي للدين جماله وبهاؤه،وتجعل الناس ينتفعون بما يفتي به من دين الله،وأما إذا خرج علينا المفتي جاهلا بدين الله،مبتعدا عن أخلاق العلماء،واقعا في خوارم المروءة،لا هيبة له في منطقه بحيث بتكلم بالكلام البذيء أو السافل الساقط الذي لا يليق بهذا المقام،فأنى تتحق الفتوى على طريقها الصحيح،وينقلب المتكلم من ناصح مبين لدين الله،إلى مهرج مهيج للعواطف،يجنى على نفسه ضجك الناس واستهجانهم،مع ما يترتب على هذه الطريقة من المفاسد والمضار من إضعاف الديانة وتعظيم الشرع في قلوب العوام.

وبعد هذه المقدمة أردت أن ألفت الإنتباه إلى أن هذه الطوام في الفتوى، والمآخذ في دين الله،هي ألصق بطريقة البوروبي مما يعين أهل السنة في زيادة فضح الرجل وبيان ما عليه من الضلال حتى ينفر عوام الناس عن سماع برامجه،والله المستعان،وحتى أمثل على بعض شطحاته التي-والله-لم أستطع تتبعها كلها لما وجدت في نفسي من ضيق وحرج في تتبع كلام الرجل إلا أنني ذكرت بعض النماذج على حقارة أسلوبه وتدني كلامه.

1-في رده على طلب فتاة من ورقلة أن تتزوج زوجا صالحا من الهند،فالمفتي يقرر المسألة الشرعية من حيث ما يدل عليه الدليل،وأما المهرج فيحيد عن طريقة أهل العلم بهذا الأسلوب الذي فيه التهكم بالفتاة-إن صح السؤال- (نجيبولك جانيتو يتزوجب بيك أنتي) (واقيل شبعتي لحم تع البقرة تع الهند،وقيل كبرت مع الفلام تع جانيتو)ومما علل به فتواه أن الأب والأم لو أراد زيارتها لركبوا الطائرة ولو ضربها لاحتاجت أن تذهب بالطائرة،ثم يأمر البنت بعدم الخروج من ورقلة والبقاء فيها،أهكذا يجاب عن مسألة تتعلق بالنكاح؟ندع الجواب للقارئ.

2-في جواب رجل ضربته زوجته وهو معها منذ ثلاثين سنة أخذ يعنف السائل ويفضحه ويقول له:( أنت تأخذ المطرق واليوم تسأل)،وحدد المفتي مدة الصبر على ضرب زوجته بثمان وأربعين ساعة-ولا أدري مأخذه ودليله في هذا-،ثم انبرى بالدفاع عن زوجته مبررا لضربها مخبرا أنه لعله يأتيها وهو في حال سكر قد بال تحته وأوسخ ثيابه تضربه تطريحه كما يقول، وذكر قصة المرأة التي كانت تصنع ذلك لزوجها وكأن الأمر جائز في حال تربيتها له،حيث صار عند هذا المفتي ضرب المرأة لزوجها في هذه الأحوال جائزة،والله المستعان.

3-وفي جواب سؤال امرأة هل يجوز الدعاء للشيطان بالهداية قال لها:( لا لا زيدو ادعي لو بأن يدخل الجنة وتكوني زوجتو في الجنة) انظروا إلى هذا التهكم في مقام خطير يتعلق بالعقيدة،يتهلق بنصوص فيها لعن الشيطان وطرده من رحمة وأن مآله ومن اتبعه النار(لأملئن جهنم منك وومن تبعك منهم أجمعين)ومن أصدق من الله قيلا وحديثا وأي جواب أعظم من جواب رب العالمين،ولكنه الهوى واستمالة المشاهدين وجلبهم بهذا الأسلوب الهزلي.

4-قال في سؤال عن شعر حواء(وين شيفت حواء ولا تلقيت بها ولا حضرت العرس تعها) الله أكبر إنها طامة وداهية أن يتكلم في حق حواء بهذه الطريقة ولكن المهرج ما دام يريد أن يكسب الجماهير يحلو له أن يتكلم بكل شيء.

5-وقال في كلب أصحاب الكهف بعد أن نفى ذكر الله لنوع الكلب قال بعدها(بالك كانيش وين علابالي ولا دوبرمان بالاك كانيش)

6-وفي جواب عن سؤال جواز الرقص للزوج بل قال وهذا مستحب ثم نصحها بأنه لا يمكن لها أن تفرض سعادته عليه(هو يرى أن السعادة الزوجية بالرقص)ثم أخذ يطعن في الزوج الذي لا يسمح لزوجته بالرقص بأنه مغلوق ثم يختم بتعليق فاجر سخيف فيقول:(يا سعدكم صبتو النساء يشطحولكم ووليتو أنتوما ما شي حابين حسبنا الله ونعم الوكيل)وأستسمح القراء في نقل هذا الكلام عامله الله بما يستحق.

7-وتكلم عن بيع الملابس الداخلية بالفحش من القول في بيع الرجال لها وأن النساء يذهبن إليه ويسألهن البائع عن المقياس لحاملات الصدر،فيقول لها :(آه راك شينتي مداري تدي علي ب62 وأخرى تطلب منه مقياس فيقول إيه الله يبارك ما شاء الله والله جيبتي روحك)ألا ساء ما خرج من فمه فلم يقدر من يشاهده وراح يمثل بهذا المثال السمج الذي لا يرضاه صاحب المروءة أن يقوله في أحواله.

8-ويقول مستهجنا بعقول السامعين، متهكما من ألمهم في سؤال امرأة عن ولدها المخنث وأن لها ستا من البنات فقال لها صار عندك سبعة وواحد أرتيفيسيال يعني مصنع. ثم المفتي الكبير يغلق الباب أمام المرأة المسكينة وأنه لا علاج لولدها من تخنثه إلا بإنشاء مراكز يجمع فيها بين علم النفس والفلقة وكررها حتى يولي لعقلو ويتسقم )

9-ويتكلم عن البحر ووجود الثياب الفاضحة من مثل القطعتين لكنه لا يفصل حتى لا يثير عليه الجماهير فيذهب في الأمور الواضحة التي ينكرها الجميع،ويحيد عن حكم إختلاط الرجال بالنساء وما يتعلق بالتبرج الذي لا يصل إلى حد فاضح لكنه يدخل في مسمى التبرج.

10-ها هو يسأل عن سؤال في الصيام في السفر وينتقل إلى الكلام عن لاعب مرمى فريق الوطني وموقفه الذي شكره من أجله ودعا له فيه بالتوفيق وفاته المفتي الكبير أن ينبه مبولحي على مسألة تأخير الصلاة الذي هو من سمة اللاعبين والله المستعان.

11-ولما سئل عن رفع المستوى أجاب بأن الحصة للعوام ثم أتى بطامته وهو استفهامه أين الذين يرفعون المستوى ذهب المسلم يذبح أخاه(يا ورانا شفنا ليرفع المستوى حتى ولى الدزيري يذبح خوه)فما علاقة رفع المستوى يا مفتي الديار بالذبح والقتل،هل من يرفع المستوى ويخرج من أراجيفك وترهاتك يكون على ما وصفته به،سبحانك هذا بهتان عظيم.

12-امرأة مسكينة تطلب منه تفسير رؤية رأتها فيها أشياء مخيفة ومن ذلك إلتفاف أفعى حول عنقها فقال مفسر الأحلام لها قبل أن يؤول لها الرؤيا :(تستاهلي) وهكذا يفجع من يسأله عن تفسير حلمه بهذه المقدمة ثم يفسر تلك الرؤيا بأمر عجيب وأن الأفعى هي امرأة رجل أوخطيبته سمعت بها تريد أن تتزوج بها،واتهم المرأة رجما بالغيب بأنها تراود الرجال واستعمل لها كلمة تتبلاي الرجال والله المستعان.

13-عندما تكلم عن تبرج بعض النساء،بحيث تلبس إحداهن الخمار مع ضيق الملابس وظهور المفاتن،أراد أن يشبه هذه الحال بقوله(كوجاك)أي أن تغطية رأسها وضيق ملابسها يشبه تلك الحلوى التي تسمى بذلك الاسم،وهذا من الإستهزاء والسخرية،فمع كون المرأة عاصية فهل بهذا الأمر تشبه لإضحاك السامعين،والذي يليق بالمفتي أن يعظ ويذكر وينصح ويخوف ويرغب لا أن يستهزئ ويسخر ويحتقر عباد الله،وتأملوا لو أن أحدكم خاطب مبتلى بالمعاصي بهذا الأسلوب،هل سيقبل على طاعة الله؟والجواب المؤكد أنه سينفر ويتضايق من هذه الطريقة،والله المستعان.

هذه معاشر الإخوان بعض الطوام التي تدل على خبل في العقل،وحب للتصدر،وسعي وراء الشهرة والرئاسة في الدين،وكلها من المهلكات فما بالكم بتطاوله وطعنه ولمزه في الشرفاء النبلاء الأعلام والهداة من هذه الأمة،نسأل الله تعالى أن يكفينا شره وأن يعيذنا من انحرفاته،وأن يوفق الأمة للحذر من ضلالاته،وأن يهدي ولاة الأمر لإيقافه من هذا التحريف والتبديل إنه سميع مجيب.

[معبدندير]

جزاكم الله خيرا

[إسماعيل أبوأنس الأثري]

بوركت يمينك وجزاكم الله الجنة

[أبو إكرام وليد فتحون]

جزاكم الله خيرا و نفع بكم وبما تقدمونه لإخوانكم و أبنائكم .

[أحمد زروق]

جزاك الله خيرا أبا الحسن على هذا المقال ،فلو جمعت طوام الرجل لما انتهت فنسأل الله أن يكفينا شره

حسبنا الله ونعم الوكيل، أليس قد قال نبينا صلى الله عليه وسلم عن زمن السُّوء: "وينطق الرويبضة" ثمَّ فسَّره بأنَّه الرجل التافه يتكلَّم في أمر العامَّة، فوالله إنَّه لمن هؤلاء، نسأل الله أن يكفي الأمَّة شرَّه وشرَّ أمثاله.
وبارك الله فيك أخي نسيم على الالتفات إلى هذا الجانب المهمِّ من مضارِّ الرَّجل ومفاسد فتاويه، ولو اعتُبر هذا الوجه وحده لكفى دليلاً على سقوطه وعلى وجوب الحذر والتَّحذير منه.

[أبو أنس حباك عبد الرحمن]

لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، سفيهٌ بذيءٌ والله ، هذا الذي حشر أنفه فيما لا يحسنه.
جزاك الله خيرا أخي على هذه الالتفاتة الطيبة